قضايا وأزمات هزّت الكرة السعودية في حصاد 2025
لم يكن عام 2025 عامًا اعتياديًا في تاريخ الكرة السعودية، بل شكل محطة فارقة امتلأت بالأحداث المتشابكة والقرارات الجدلية، التي تجاوزت حدود المستطيل الأخضر، وامتدت إلى مكاتب الإدارات، وأروقة اللجان، وقاعات التحكيم الرياضي.
بدا الموسم وكأنه اختبار شامل لمنظومة كروية تعيش مرحلة انتقالية دقيقة، تحاول فيها التوفيق بين طموحات عالمية متسارعة، ولوائح محلية لا تزال تخضع للتجربة والضغط.
في كل شهر تقريبًا، كانت أزمة جديدة تفرض نفسها على المشهد، إما بسبب تعقيد تعاقدي، أو فراغ تشريعي، أو قرار إداري أسيء تقديره، أو تفسير قانوني فتح الباب لاجتهادات متناقضة.
إدارة المسابقات تجري قرعة بطولة المملكة لأندية الدرجة الرابعة والدرجة الأولى تحت 21 عامًا والدرجة الثانية تحت 18، 17، 16، 15 عامًا للموسم الرياضي 2025-2026. 🔽 pic.twitter.com/ccT0WmQuIm
— الاتحاد السعودي لكرة القدم (@saudiFF) December 23, 2025
وبينما انشغلت الجماهير بنتائج المباريات وترتيب الدوري، كانت القضايا الكبرى تُدار بعيدًا عن المدرجات، لكنها سرعان ما انعكست على المنافسة ذاتها.
حصاد 2025 لم يكن مجرد سرد لأحداث متفرقة، بل لوحة كاملة تكشف كيف يمكن لتراكم الأزمات أن يهز استقرار بطولة، ويعيد طرح أسئلة جوهرية حول الحوكمة، وعدالة اللوائح، وحدود العلاقة بين الأندية والاتحاد، بل وحتى صورة الكرة السعودية أمام الرأي العام القاري والدولي.
هروب لودي.. حين تحوّل الخلاف التعاقدي إلى معركة قانونية
قضية رحيل البرازيلي رينان لودي عن الهلال شكّلت واحدة من أكثر الملفات حساسية خلال العام، ليس فقط بسبب توقيتها المفاجئ، ولكن لطبيعتها القانونية المعقدة.
اللاعب غادر إلى بلاده مطالبًا بفسخ عقده، رغم تبقي عامين كاملين في ارتباطه الرسمي مع النادي، ما وضع الهلال أمام سيناريو غير معتاد في دوري اعتاد على الاستقرار التعاقدي مع نجومه الأجانب.
إدارة الهلال سارعت بإعلان تمسكها بكامل حقوقها، مؤكدة اتخاذها جميع الإجراءات النظامية للحفاظ على موقفها، ورافضة التعامل مع الملف باعتباره قرارًا فرديًا لا يترتب عليه تبعات.
ومع تصاعد الجدل، كشفت تقارير صحفية، عن امتلاك الهلال لأوراق قانونية قوية، تعزز من موقفه أمام الاتحاد الدولي لكرة القدم.

(المصدر:Gettyimages)
الخبير القانوني التونسي علي العباس أوضح أن أسباب فسخ العقد التي قدمها اللاعب لا تزال غير واضحة، خاصة أن القوائم النهائية للفريق لم تكن قد أغلقت رسميًا وقت اتخاذ اللاعب قراره، وأن رابطة الدوري كانت قد منحت الأندية مهلة زمنية إضافية لتعديل القوائم. كما أشار إلى أن مشاركة اللاعب في دوري أبطال آسيا تُعد مشاركة رسمية كافية، ما يُضعف أي ادعاء بالتهميش الكامل.
المحامي الأردني عماد حناينة بدوره شدد على أن توقيت الفسخ يمثل جوهر القضية، معتبرًا أن استعجال اللاعب قد يضعه في موقف قانوني ضعيف، ويمنح الهلال أحقية المطالبة بتعويض مالي عن قيمة العقد المتبقية، في قضية مرشحة لأن تكون سابقة مهمة في الدوري السعودي.
أزمة المواليد.. ماركوس ليوناردو والصراع بين النص والعدالة
في ملف أكثر تعقيدًا، برزت أزمة “اللاعبين المواليد” لتكشف عن هشاشة التوازن بين اللوائح الجامدة والواقع الفني المتغير. تجاوز ماركوس ليوناردو السن القانونية لفئة المواليد، ما أجبر الهلال على إعادة قيده ضمن قائمة الأجانب فوق السن، رغم أنه سُجل منذ انضمامه وفق اللوائح المعتمدة آنذاك.
الهلال سعى لتعديل اللوائح بما يسمح باستمرار قيد اللاعبين المواليد حتى نهاية الموسم، مبررًا موقفه بخصوصية الحالة، بينما واجه اعتراضًا صريحًا من نادي النصر، الذي رأى في أي تعديل فوري إخلالًا بمبدأ تكافؤ الفرص، ومنحًا غير مشروع لأفضلية تنافسية.

بيان النصر لم يكن عابرًا، بل حمل لهجة تصعيدية، وتحدث عن تهديد نزاهة المسابقة، وهو ما دفع شخصيات رياضية بارزة، من بينها الأمير الوليد بن بدر، للتحذير من تعديل اللوائح أثناء الموسم، معتبرًا أن القاعدة التنظيمية يجب أن تحمي الملتزمين، لا أن تُكيَّف لخدمة حالات استثنائية.
الأزمة تعقّدت أكثر مع اقتراب فترة الانتقالات الشتوية، في ظل وجود أسماء كبيرة داخل قائمة الهلال، ما وضع الإدارة والجهاز الفني أمام خيارات صعبة، وجعل قضية ليوناردو نموذجًا حيًا لصدام اللوائح مع الواقع الفني.
انسحاب الهلال من كأس السوبر.. قرار إداري بتداعيات انضباطية
انسحاب الهلال من كأس السوبر السعودي مثّل محطة مفصلية في حصاد العام. النادي برر قراره بالإرهاق البدني الناتج عن المشاركة في كأس العالم للأندية، وضغط الجدول، وتأخر الإعلان عن مكان إقامة البطولة في هونغ كونغ، إضافة إلى تقليص الإجازة السنوية للاعبين إلى أقل من الحد النظامي.
غير أن لجنة الانضباط والأخلاق تعاملت مع الملف من زاوية مختلفة، معتبرة الانسحاب مخالفة صريحة للائحة، وأصدرت قرارات تضمنت غرامة مالية وحرمان الهلال من المشاركة في النسخة التالية، إضافة إلى حرمانه من العوائد المالية الخاصة بالبطولة.
بيان إعلامي من الاتحاد السعودي لكرة القدم. pic.twitter.com/Z8jJXml1HE
— الاتحاد السعودي لكرة القدم (@saudiFF) July 20, 2025
القضية لم تتوقف عند حدود العقوبة، بل تحولت إلى نزاع قانوني مفتوح، مع لجوء الهلال إلى مركز التحكيم الرياضي، في واحدة من أكثر القضايا التي أثارت الجدل حول حدود “الاعتذار المشروع” في البطولات الرسمية.
إيقاف القيد.. فيفا يكشف ارتباك الملفات الإدارية
قرار فيفا بإيقاف قيد النصر، إلى جانب أندية أخرى مثل ضمك، فتح بابًا واسعًا للنقاش حول الإدارة المالية والالتزام بالأنظمة الدولية. تعددت الروايات حول أسباب العقوبة، من مستحقات متأخرة، إلى أخطاء في التعامل مع “غرفة المقاصة” التابعة للفيفا.
ورغم رفع العقوبة لاحقًا عن النصر بعد تسوية الملف، فإن القضية كشفت عن خلل إداري خطير، وأعادت إلى الواجهة تساؤلات حول الرقابة الداخلية، وآليات التعامل مع الملفات المالية في أندية تملك ميزانيات ضخمة وطموحات عالمية.

قضية النصر والعروبة تتسبب في تعديل اللوائح
قضية مشاركة حارس العروبة رافع الرويلي مثّلت واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في الموسم. المباراة أُقيمت وانتهت بفوز العروبة، قبل أن تتحول النتيجة لاحقًا إلى خسارة إدارية بقرار نهائي من مركز التحكيم الرياضي، الذي منح النصر النقاط وأكد هبوط العروبة.
الملف لم يكن رياضيًا فقط، بل قانونيًا وتشريعيًا، إذ دفع الاتحاد السعودي لاحقًا إلى تعديل لائحة تفرغ اللاعب المحترف، في خطوة عكست وجود ثغرة تنظيمية كانت بحاجة إلى معالجة حاسمة.
رحيل مانشيني.. أرقام تُلخّص تجربة لم تكتمل
على مستوى المنتخب، شكّل رحيل الإيطالي روبرتو مانشيني نهاية تجربة لم ترتقِ إلى سقف التوقعات. النتائج المخيبة في كأس آسيا، ثم التعثر في التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 2026، عجّلت بقرار الانفصال بالتراضي بين الطرفين.
وخلال فترة قيادته للأخضر، جاءت الأرقام لتعبّر بوضوح عن حجم الإخفاق، مقارنة بحجم الاسم والتطلعات.
أرقام روبرتو مانشيني مع المنتخب السعودي:
| المؤشر | الرقم |
| عدد المباريات | 18 مباراة |
| عدد الانتصارات | 7 |
| عدد التعادلات | 5 |
| عدد الهزائم | 6 |
| نسبة الفوز | أقل من 40% |
| المشاركات الكبرى | كأس آسيا 2023 |
| نتيجة كأس آسيا | خروج من دور الـ16 |
| وضع المنتخب في التصفيات | المركز الثالث |
| الفارق مع المتصدر | 5 نقاط |
رحيل مانشيني لم يكن مجرد تغيير فني، بل اعتراف ضمني بأن المشروع لم يسِر وفق المسار المرسوم، وأن المنتخب دخل مرحلة تتطلب إعادة تقييم شاملة.
أزمة الأهلي وكأس السوبر
دعوة الأهلي للمشاركة في كأس السوبر بدلًا من الهلال فجّرت أزمة جديدة، بعدما اعتبر نادي القادسية أن القرار يخل بمبدأ العدالة، ويحرمه من حق رياضي مشروع.
القضية تطورت إلى تحركات قانونية، وطلب رسمي بالدخول كطرف أمام مركز التحكيم الرياضي، مع مطالب بإعادة ترتيب نتائج البطولة.
الأزمة كشفت عن غياب سيناريوهات واضحة للتعامل مع الاعتذارات، ووضعت الاتحاد السعودي أمام تحدٍ جديد يتعلق بإدارة البطولات في الظروف الاستثنائية.

(المصدر:gettyimages)
عام كشف العيوب قبل الإنجازات
حصاد 2025 في الكرة السعودية لم يكن مجرد عام أزمات، بل عام كشف مبكر لنقاط الخلل، وفرصة لإعادة ترتيب الأوراق، فبين طموحات كبرى واستثمارات ضخمة، لا تزال المنظومة بحاجة إلى لوائح أكثر وضوحًا، وقرارات أكثر اتساقًا، وإدارة أزمات أكثر احترافية.
قد يكون 2025 عامًا صعبًا، لكنه ربما كان ضروريًا، لأن البطولات الكبرى لا تُبنى فقط بالنجوم، بل بالأنظمة التي تحمي عدالة المنافسة حين تشتد الاختبارات.

تعليقات