الدكتورة أسماء محمد سعد – استشارية الصحة النفسية والتربية الخاصة والاستشارات الأسرية
في الوقت الذي اعتاد فيه الأطباء تشخيص آلام الرقبة على أنها نتيجة وضعيات خاطئة أو إجهاد عضلي، تكشف الدراسات الحديثة عن وجه آخر للمشكلة وجه يرتبط بالحالة النفسية للمريض ويضع القلق والاكتئاب في قلب دائرة الأسباب.
في دراسة شملت عددًا كبيرًا من المرضى المصابين بآلام مزمنة في الرقبة، تبين أن أكثر من 60% منهم يعانون من مستويات مرتفعة من القلق بينما كان الاكتئاب حاضرًا لدى نحو نصف المشاركين وهو ما يعكس وجود علاقة وثيقة بين الألم العضلي والنفسي.
وأشارت دراسة أخرى إلى أن شدة الألم تزداد بشكل ملحوظ لدى المرضى الذين يعانون من اضطرابات مزاجية، كما لوحظ أن حالات القلق تؤثر سلبًا على الوظيفة الحركية للرقبة وتزيد من تيبس العضلات.
ويفسر العلماء هذه الظاهرة من خلال فهم آلية التوتر النفسي داخل الجسم؛ فحين يتعرض الإنسان لضغط نفسي يفرز الدماغ هرمونات مثل الكورتيزول والأدرينالين تؤدي إلى انقباض عضلات الرقبة والكتفين مما يفاقم الشعور بالألم وربما يطيل من فترة الإصابة.
ولم تقف الأبحاث عند حدود القلق والاكتئاب بل امتدت لتشمل تأثيرات الوحدة والعزلة الاجتماعية، حيث أظهرت دراسة أخرى أن شعور الإنسان بالوحدة يزيد من احتمال إصابته بألم مزمن في الرقبة بشكل مماثل لتأثير الضغوط المهنية أو العائلية.
وفي مراجعة علمية شملت أكثر من 20 بحثًا تم التأكيد على أن المرضى الذين يعانون من اضطرابات في الحالة النفسية يواجهون صعوبة أكبر في الشفاء من آلام الرقبة وأن استجابتهم للعلاج الطبيعي تكون أضعف مقارنة بمن لا يعانون من اضطرابات مزاجية.
هذا الاتجاه العلمي الجديد دعا الباحثين إلى النظر في ما يسمى بالاضطرابات “النفسجسدية”، وهي الحالات التي يكون فيها الألم الجسدي ناتجًا عن عوامل نفسية بحتة ويعد ألم الرقبة أحد أبرز الأمثلة التي تمثل هذا النوع من التداخل.
الدراسات الجينية أضافت بعدًا آخر للعلاقة بين الحالة النفسية وآلام الرقبة إذ تبين أن هناك ترابطًا على مستوى الجينات بين الاكتئاب المزمن والآلام العضلية الأمر الذي يشير إلى ارتباط سببي محتمل قد يفتح آفاقًا جديدة للعلاج.
في سياق متصل، توصلت أبحاث أخرى إلى أن الضغط النفسي لا يسبب فقط الألم وإنما يغير الطريقة التي يتعامل بها الجسم مع الإشارات العصبية المؤلمة وهو ما يسمى بانعكاس الألم أو تضخيمة في حالات التوتر الشديد.
هذا الاكتشاف يسلط الضوء على أهمية التعامل مع ألم الرقبة ليس فقط من منظور ميكانيكي بل أيضًا من خلال دعم الصحة النفسية للمريض ومعالجة جذور القلق والاكتئاب من خلال العلاج السلوكي المعرفي وتمارين الاسترخاء واليوغا.