مكسب جديد لدمشق: الشرع ينزع ورقة داعش من يد “قسد” ويتقرب خطوة إضافية من ترامب ( تحليل )
في لحظة سياسية وأمنية فارقة، يبدو أن الرئيس السوري أحمد الشرع يحقق مكسبًا نوعيًا جديدًا في معادلة الشمال الشرقي السوري، عبر انتزاع أهم أوراق القوة التي لطالما تمسكت بها قوات سوريا الديمقراطية “قسد”: ملف مكافحة تنظيم داعش. هذا التحول لا يقتصر على البعد الميداني فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى إعادة صياغة العلاقة بين دمشق وواشنطن، وفتح قناة تقارب غير مسبوقة مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فما يجري اليوم هو أكثر من تعاون أمني عابر؛ إنه تحول في مركز الثقل. أحمد الشرع ينجح في تقديم نفسه كـ“رجل الدولة” القادر على محاربة الإرهاب، وضبط الجغرافيا، والتفاهم مع ترامب بلغة المصالح. وفي المقابل، تخسر “قسد” الورقة التي منحتها طوال سنوات موقع الشريك المدلل للغرب.
بعبارة أوضح:
ملف داعش لم يعد جسر شرعية لقسد… بل أصبح رافعة سياسية جديدة بيد دمشق.
ورقة “داعش”… من يد قسد إلى يد الدولة
على مدار سنوات، شكّل قتال تنظيم “داعش” وإدارة سجونه ومخيماته حجر الزاوية في شرعية “قسد” الدولية، والسبب الرئيسي الذي جعلها شريكًا مفضلًا للتحالف الدولي. غير أن التطورات المتسارعة بعد سقوط النظام المخلوع، وتبدّل المزاج السياسي في واشنطن مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تشير بوضوح إلى أن هذه الورقة لم تعد حكرًا على “قسد”.
انضمام دمشق رسميًا إلى التحالف الدولي ضد “داعش”، وبدء عمليات عسكرية وأمنية مشتركة بين الجيش السوري والقوات الأميركية، وتسليم الحكومة السورية ملف إدارة سجون ومخيمات التنظيم، كلها خطوات تعني عمليًا نزع الاحتكار السياسي والعسكري الذي تمتعت به “قسد” لسنوات.
مكسب الشرع: شرعية دولية وتقارب مع ترامب
الرئيس أحمد الشرع لم يكتفِ بإعادة تموضع داخلي، بل نجح في استثمار ملف مكافحة الإرهاب كجسر عبور نحو واشنطن. رفع عقوبات “قيصر”، والإشادات العلنية من ترامب بالقيادة السورية، والتنسيق غير المسبوق مع وزارة الداخلية السورية، كلها مؤشرات على أن الإدارة الأميركية باتت ترى في دمشق شريكًا سياديًا يمكن الاعتماد عليه بدل قوة محلية “ما دون الدولة”.
هذا التحول يخدم الشرع على مستويين:
داخليًا: يعزز موقع الدولة المركزية ويُضعف أي مشاريع موازية أو كيانات مسلحة خارج إطارها، وفي مقدمتها “قسد”.
خارجيًا: يقدّم الشرع كشريك “براغماتي” لترامب، قادر على تحقيق هدف أميركي قديم بأدوات أقل كلفة: محاربة داعش عبر دولة واحدة موحدة بدل شبكة شركاء محليين متنافرين.
العمليات المشتركة… رسالة سياسية قبل أن تكون عسكرية
تكثيف العمليات المشتركة بين دمشق والتحالف الدولي، من الإنزالات الجوية الدقيقة إلى الضربات الواسعة مثل عملية “ضربة عين الصقر”، لا يمكن قراءته فقط في سياق أمني. الرسالة الأهم هنا هي سياسية:
واشنطن تعيد تعريف شريكها في سوريا.
وعندما يصرّح مسؤولون أميركيون بأن التعاون مع وزارة الداخلية السورية مكّن من تدمير مخازن سلاح ومواقع استراتيجية لداعش، فإن ذلك يعني عمليًا أن “قسد” لم تعد البوابة الإلزامية لهذا الملف. بل إن الدعوات الأميركية المتكررة لدمج “قسد” في بنية الجيش السوري الجديد تؤكد أن دورها المستقل بات عبئًا لا ميزة.
قسد في موقع الدفاع
في المقابل، تجد “قسد” نفسها أمام معادلة صعبة:
فقدان ورقة داعش يعني فقدان أهم أسباب الحماية والدعم الدولي. ومع انتقال هذا الملف إلى دمشق، تتراجع قدرتها على المناورة سياسيًا، وتتحول من “شريك لا غنى عنه” إلى طرف محلي يُطلب منه الاندماج أو التراجع.
الانكفاء الأميركي عن “قسد” لا يبدو مجرد خطوة تكتيكية عابرة، بل جزءًا من إعادة هندسة شاملة للملف السوري، عنوانها التعامل مع دولة معترف بها بدل كيانات أمر واقع.
هل حُسم الخيار الأميركي؟
السؤال المفتوح يبقى: هل حسمت واشنطن خيارها نهائيًا لصالح دمشق؟
حتى الآن، تشير الوقائع إلى أن إدارة ترامب تمنح الشرع فرصة اختبار طويلة نسبيًا، لكنها في الوقت نفسه نقلت الثقل السياسي والأمني إليه. وهذا بحد ذاته مكسب استراتيجي، لأنه يجرّد “قسد” من أهم أوراقها، ويجعل أي دور مستقبلي لها مرهونًا بموافقة دمشق لا واشنطن.

تعليقات