سياسة الموت البطيء.. كيف غيّر بن غفير وجه سجون إسرائيل؟
لم يتوانى وزير الأمن القومي بحكومة الاحتلال الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، منذ توليه منصبه، عن أي طريقة أو أسلوب لتعذيب الأسرى الفلسطينيين العزل إلا وقد اتخذه بحقهم بطريقة ممنهجة وغير مسبوقة، وكان آخرها اقتراحه بإقامة سجن محاط بالتماسيح القاتلة، وذلك بعد أيام من المصادقة عن قانون إعدام الأسرى.
هذا التصريح، الذي روجت له وسائل إعلام إسرائيلية، لم يُنظر إليه كمزحة أو مبالغة إعلامية، ولكن كجزء من سياسة ردع تقوم على الإذلال والتجريد من الإنسانية، وتكشف عن عقلية استعمارية ترى في الأسير الفلسطيني كائنًا دونيًّا، لا تنطبق عليه القوانين أو الأعراف الدولية.
وبحسب ما نشرته وكالة «شهاب»، يتباهى «بن غفير» بالإجراءات المتشددة التي اتخذتها مصلحة سجون الاحتلال منذ توليه منصبه وتشديد ظروف الأسرى، ضمن تزايد الجرائم ضدهم وحرمانهم من حقوقهم، ومن بينها منع الزيارات وتقليل الغذاء وفرص الاستحمام في السجن.
بن غفير، المعروف بانتمائه لتيار «الصهيونية الدينية» المتطرف، لم يُخفِ يومًا عداءه للأسرى الفلسطينيين، وجعل من سجون الاحتلال ساحة مركزية لتطبيق رؤيته الانتقامية، في إطار ما يعتبره «استعادة الردع» داخل الزنازين.
وأفاد موقع «واللا» العبري، في 8 ديسمبر الجاري بارتفاع غير مسبوق في وفيات الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ تولي المتطرف «بن غفير» وزارة الأمن القومي في 2022. ودعم بن غفير وحزبه «عوتسما يهوديت» مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين الذي صوّت الكنيست في نوفمبر الماضي بالقراءة الأولى عليه.
وفي ظل استمرار «بن غفير» في موقعه، يبدو أن سجون الاحتلال مقبلة على مزيد من التصعيد، مع مخاوف حقيقية من انفجار الأوضاع داخليًا، سواء عبر إضرابات جماعية عن الطعام أو مواجهات مفتوحة داخل السجون، في المقابل يواصل المجتمع الدولي صمته، مكتفيًا ببيانات خجولة، بينما تُترك معركة الدفاع عن الأسرى لمؤسسات حقوقية محدودة الإمكانيات، ولإرادة الأسرى أنفسهم.
– سجن التماسيح
القناة 13 العبرية، كشفت أن مصلحة السجون الإسرائيلية تدرس مقترحًا غير مألوف قدمه وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، يقضي بإنشاء سجن مخصص للأسرى الأمنيين يُحاط بخنادق تضم تماسيح تُجلب خصيصًا من منطقة الحمة السورية بالقرب من مرتفعات الجولان والحدود مع الأردن، بهدف منع محاولات الهروب.
ووفق ما كشفته القناة، طُرح المقترح خلال جلسة تقييم للوضع عقدها بن غفير، مع مفوض مصلحة السجون كوبي يعقوبي، ورغم أن الفكرة وُصفت بالاستثنائية وقوبلت بسخرية من عدد من كبار الضباط، إلا أن مصلحة السجون شرعت فعليًا في فحص إمكانية تنفيذها، مع طرح خيار إقامة السجن قرب منطقة الحمة السورية.
والمنطقة المقترحة تقع بالقرب من مرتفعات الجولان السوري المحتل والحدود مع الأردن، وتحتوي على مزرعة للتماسيح وحديقة للحيوانات.
ويذكر أن مفوض مصلحة السجون الإسرائيلية مهد في حديث أمام الكنيست، في وقت سابق، لاحتمال تصعيد الاستهداف الجماعي ضد الأسرى الفلسطينيين، قائلًا: «بكل يقين إننا على أعتاب حدث كبير».
ورجح كوبي يعقوبي، مفوض مصلحة السجون الإسرائيلية، خلال جلسة اللجنة للأمن القومي في الكنيست، احتمال تصاعد الأحداث داخل السجون.
وقال يعقوبي: «نحن على أبواب حدث خطير، الحرب على الأبواب»، مضيفًا أن مصلحة السجون الإسرائيلية تستعد لاحتمالية وقوع صدام واسع النطاق داخل السجون، بحسب ادعاءاته.
وأوضح يعقوبي أن الاستعدادات مستمرة منذ نحو عامين، وأن مصلحة السجون الإسرائيلية تهيء نفسها ليوم تتصاعد فيه الأحداث في الأقسام.
– مؤسسة موت
ومن جهتها، قالت الكاتبة الصحفية أميرة النحال، إن وزير الأمن القومي بحكومة الاحتلال إيتمار بن غفير، يقود منذ تولّيه منصبه سياسة ممنهجة لتحويل السجون من مرافق احتجاز إلى ما وصفته بـ«مؤسسة موت»، عبر إجراءات عقابية تُفاقم الأوضاع الإنسانية للأسرى الفلسطينيين وتؤدي إلى استنزاف حياتهم بشكل تدريجي.
وأوضحت النحال، أن بن غفير لا يتعامل مع السجون كمنشآت أمنية تقليدية، بل كأداة سياسية لإعادة تعريف القوة داخل إسرائيل، وبناء مكانته في أوساط اليمين المتطرف، من خلال فرض سيطرة مطلقة على حياة الأسرى.
وأضافت أن السياسات التي فُرضت منذ تولّيه وزارة الأمن القومي شملت تقليص كميات الطعام إلى مستويات وصفتها بـ«التجويع المقصود»، وإضعاف منظومة العلاج الطبي، وتوسيع سياسة العزل الانفرادي، إلى جانب تكثيف حملات التفتيش والقمع الجماعي داخل الأقسام.
وبحسب الكاتبة، فإن هذه الإجراءات لا تمثّل تدابير أمنية مؤقتة، بل تشكّل نموذجًا متكاملًا لما سمّته «التصفية البطيئة»، حيث لا يحتاج الإعدام –وفق هذا النهج– إلى قرار قضائي، بل يتم عبر إدارة بيئة السجن بطريقة تجعل الحياة داخله استنزافًا يوميًا قد يؤدي إلى الموت.
وأشارت النحال إلى أن بن غفير، يوظّف التصعيد داخل السجون كأداة سياسية داخلية، معتبرة أن العنف الموجّه ضد الأسرى الفلسطينيين أصبح جزءًا من خطاب شعبوي يسعى إلى تحويل القمع إلى رصيد انتخابي، وإلى ترسيخ ثقافة الانتقام بدل منظومة العدالة.
وشددت بالقول إن السياسات الحالية تنذر بمخاطر إنسانية وقانونية جسيمة، في ظل غياب مساءلة حقيقية، وصمت دولي متواصل تجاه ما يتعرّض له الأسرى الفلسطينيون داخل سجون الاحتلال.
– اعتراف رسمي
وفي السياق، كشفت معطيات إسرائيلية عن ارتفاع غير مسبوق في وفيات الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي نتيجة التعذيب والجوع الشديدين، منذ تولي المتطرف إيتمار بن غفير وزارة الأمن القومي.
وأفاد موقع «واللا» العبري، بأنه خلال الفترة بين 23 يناير و25 يونيو، سجلت استشهاد أكثر من 110 أسرى فلسطينيين، معظمهم في المستشفيات بعد نقلهم من مراكز الاحتجاز. ويعد هذا الرقم، الأعلى مقارنة بالبيانات المعروفة خلال العقود السابقة.
وكان مكتب الدفاع العام في إسرائيل كشف عن تدهور حاد في ظروف احتجاز الأسرى الفلسطينيين المصنفين «أمنيين» منذ 7 أكتوبر 2023، وأكد حدوث تغييرات جذرية في ظروف اعتقال.
وأشار التقرير، الصادر عن المكتب التابع لوزارة العدل بحكومة الاحتلال، ونشرته «وول ستريت جورنال»، إلى مستويات خطيرة من الاكتظاظ والجوع والتعرض للضرب شبه اليومي، في اعتراف رسمي نادر بظروف طالما أكدها أسرى سابقون ومنظمات حقوقية.
وبحسب المعطيات التي حصل عليها الموقع، فإن عدد الأسرى الذين استشهدوا المسجّل خلال الأشهر الماضية يتجاوز بكثير تقديرات منظمات حقوق الإنسان، التي أشارت في السنوات السابقة إلى استشهاد عشرات فقط من الأسرى على مدار فترات طويلة.
وتُقدّر أعداد الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي حاليا بما لا يقل عن 10 آلاف أسير، بعد سلسلة اعتقالات جرت منذ اندلاع الحرب، وإطلاق سراح 1700 معتقل من غزة و250 سجينا من أصحاب الأحكام العالية ضمن صفقة «طوفان الأحرار».
وكانت منظمة «أطباء من أجل حقوق الإنسان» وثّقت وفاة 46 أسيرا فلسطينيا في سجون الاحتلال منذ بداية الحرب وحتى أغسطس، لكن البيانات الجديدة تكشف عن أعداد أكبر بكثير، وفقا للموقع العبري.
ففي عام 2023 استشهد 32 أسيرًا، بينهم 14 استشهدوا داخل المستشفيات، وفي 2024 توفي 47 أسيرًا، 31 منهم في المستشفيات، وفي العام الجاري 2025 استشهد حتى الآن 31 أسيرًا فلسطينيا.
ومنذ 7 أكتوبر لعام 2023، منعت مصلحة سجون الاحتلال الأسرى الفلسطينيين من زيارات الصليب الأحمر، في مخالفة للقانون الدولي، مبرّرة ذلك بأن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس لم يُسمح لهم أيضا بالزيارة.

تعليقات