ما قبل الأسطورة.. كيف غير محمد صلاح تاريخ البريميرليج إلى الأبد؟
لم يكن مشهد جلوس محمد صلاح على دكة بدلاء ليفربول في أربع مباريات متتالية مجرد قرار فني عابر، بل تحوّل إلى عنوان أزمة مفتوحة، وصدام مكتوم خرج إلى العلن بين النجم المصري ومدربه الهولندي آرني سلوت، تصريحات متبادلة، تلميحات عن تراجع المستوى، وحديث متصاعد عن نهاية حقبة أسطورة، لكن كرة القدم لا تعترف إلا بالملعب.. وهناك فقط تُكتب الحقيقة.
انتهى الجدل نظريًا، حين شارك محمد صلاح بديلًا في الدقيقة 26 من مواجهة ليفربول وبرايتون الأسبوع الماضي، ولم يحتج سوى دقائق قليلة ليؤكد أن اللاعب المختلف لا يحتاج وقتًا طويلًا ليترك بصمته، تمريرة حاسمة حوّلها إيكيتيكي إلى الهدف الثاني للريدز، لتُغلق صفحة الخلاف مؤقتًا، وتُفتح صفحة أخرى أكثر عمقًا.. صفحة التاريخ.
المباراة لم تكن مجرد مشاركة بعد جلوس طويل على الدكة، بل كانت آخر ظهور لمحمد صلاح بقميص ليفربول في عام 2025، قبل السفر إلى المغرب لخوض غمار كأس أمم إفريقيا مع المنتخب الوطني المصري، تسع سنوات تقريبًا مرّت منذ قدومه في يونيو 2017، سنوات لم يكن فيها صلاح مجرد جناح بالدوري الإنجليزي، بل ظاهرة غيرت شكل البريميرليج نفسه.

ومن هنا، بعد أن باتت تفصلنا أيام قليلة عن نهاية الربع الأول من القرن الحالي، 25 سنة كانت شاهدة على أساطير في عالم الساحرة المستديرة، قرر موقع 365365scores بنسخته العربية تسليط الضوء على ما قدمه محمد صلاح في تاريخ الدوري الإنجليزي منذ الانضمام له في منتصف العقد الثاني.
تسعة مواسم.. وصلاح يصنع عصرًا خاصًا به
منذ اللحظة التي وطأت فيها قدما محمد صلاح ملعب «أنفيلد» في صيف 2017، لم يكن التعاقد معه مجرد محاولة إضافة جناح سريع قادمًا من روما إلى منظومة هجومية جاهزة، بل سرعان ما تحوّل إلى المحرّك الرئيسي لمشروع ليفربول بأكمله، على مدار تسعة مواسم متتالية، وحتى نهاية عام 2025، لم يعرف الفريق شكلًا أو هوية هجومية خارج ظل صلاح؛ كان الهداف الأول حين احتاجوا للأهداف، وصانع اللعب عندما تطلبت اللحظة الهدوء والذكاء، والقائد داخل الملعب في أصعب الفترات، والرقم الثابت الذي يبدأ منه كل موسم جديد دون الحاجة لأي وعود أو رهانات.
ثماني سنوات كاملة من الاستمرارية النادرة في أعلى مستوى تنافسي في العالم، لم يتراجع فيها صلاح عن كونه حجر الزاوية في الفريق، ورغم تغيّر المدربين، وتبدّل الخطط، ورحيل نجوم وصعود آخرين، ظل هو الثابت الوحيد في معادلة النجاح، ومع ذلك، كان موسم واحد فقط بانخفاض نسبي في الأداء كافيًا لإطلاق سيل من الانتقادات، وكأن ما سبقه من تاريخ يُمحى بقرار فني، أو بتراجع طبيعي لا يسلم منه أي لاعب مهما بلغت عظمته.

لكن كرة القدم قد تخون الذاكرة أحيانًا.. أما الأرقام فلا تنسى، أرقام محمد صلاح لا تُكتب بصيغة الماضي، بل كحقيقة حاضرة تفرض نفسها كلما حاول البعض اختزال مسيرته في لحظة عابرة، تسعة مواسم لم تصنع لاعبًا ناجحًا فحسب، بل صنعت عصرًا كاملًا يحمل اسم محمد صلاح، عصرًا سيظل معيارًا يُقاس به كل من يأتي بعده في أنفيلد والدوري الإنجليزي بأكمله.
الدوري الإنجليزي قبل وبعد محمد صلاح
نحن الأن نقف أمام حقائق لا تعرض أرقامًا عادية، ولا تقارن بين لاعبين من جيل واحد، بل توثّق نقطة تحوّل تاريخية في الدوري الإنجليزي الممتاز، هنا نحن أمام مشهدين مختلفين تمامًا: عصر ما قبل محمد صلاح، حيث كانت الأرقام القياسية موزعة بين أساطير بحجم دروجبا، هنري، جيجز، روني، جيرارد، فاولر، وشيرار وغيرهم، ثم عصر ما بعد صلاح، حيث أصبح اسم واحد يتكرر في معظم السطور.
المقارنة هنا ليست لتمجيد لاعب على حساب آخر، بل لتأكيد حقيقة واحدة: محمد صلاح لم يدخل البريميرليج ليكون جزءًا من التاريخ، بل ليعيد كتابته، رقمًا بعد رقم، حتى أصبح هو خط القياس الجديد لكل جناح، وكل لاعب إفريقي، وكل نجم يرتدي قميص ليفربول.
| الرقم القياسي | قبل محمد صلاح | بعد محمد صلاح | |
|---|---|---|---|
| 1 | أكثر اللاعبين الأفارقة تسجيلًا للأهداف | دروجبا (99) | صلاح (190) |
| 2 | أكثر الأفارقة صناعة للأهداف | دروجبا (54) | صلاح (89) |
| 3 | أكثر الأجنحة تسجيلًا | جيجز (108) | صلاح (190) |
| 4 | أكثر أهداف بالقدم اليسرى | فاولر (105) | صلاح (152) |
| 5 | أكثر المساهمين في موسم واحد | هنري (44) | صلاح (47) |
| 6 | أكثر أهداف في موسم واحد مع ليفربول | لويس سواريز (31) | صلاح (32) لا يتخطاه في البريميرليج سوى هالاند برصيد (36) هدف |
| 7 | أكثر أهداف في يوم الافتتاح | فاردي – شيرر – روني (8) | صلاح (10) |
| 8 | أكثر مساهمات ضد مانشستر يونايتد | شيرار (14) | صلاح (19) |
| 9 | مباريات سجل وصنع فيها | روني (36) | صلاح (42) |
| 10 | مواسم 10 أهداف + 10 تمريرات | روني (5) | صلاح (6) |
| 11 | سجل وصنع بنفس المباراة في موسم واحد | برونو فيرنانديز – هاري كين (7) | صلاح (11) |
| 12 | مساهمات في شهر واحد | سواريز (13) | صلاح (14) |
| 13 | مساهمات خارج الأرض بموسم | كول (21) | صلاح (27) |
| 14 | أكثر من 10 تمريرات حاسمة في الموسم | فابريجاس (6) | صلاح (6) |
| 15 | أكثر تمريرات حاسمة خارج الأرض | فابريجاس (11) | صلاح (11) |
| 16 | مساهمات لنادٍ واحد | روني (276) | صلاح (277) |
| 17 | مرات الفوز بالحذاء الذهبي | هنري (4) | صلاح (4) |
| 18 | لاعب الشهر في موسم واحد | روبي فاولر – بيركامب (2) | صلاح (3) |
| 19 | لاعب الشهر تاريخيًا | هاري كين (6) | صلاح (7) |
| 20 | أهداف أول موسم مع ليفربول | توريس (31) | صلاح (44) |
| 21 | جوائز أفضل لاعب بليفربول | جيرارد (5) | صلاح (5) |
| 22 | أهداف الدوري مع ليفربول | فاولر (128) | صلاح (188) |
| 23 | أهداف دوري الأبطال لنادٍ إنجليزي | دروجبا (36) | صلاح (45) |
| 24 | أكثر الأفارقة تهديفًا أوروبيًا | دروجبا (44) | صلاح (52) |
| 25 | هداف ليفربول بدوري الأبطال | جيرارد (21) | صلاح (51) |
| 26 | أول من حقق +40 مساهمة مرتين | لا أحد | صلاح |
| 27 | أول من حقق 10 مساهمات بـ3 أشهر | لا أحد | صلاح (2) |
| 28 | أرقام مزدوجة قبل عيد الميلاد | لا أحد | صلاح (3) |
| 29 | التفوق على 3 أندية بالبريميرليج | لا أحد | صلاح |
| 30 | ثلاثية في أولد ترافورد | لا أحد | صلاح |
عند نهاية هذا الاستعراض الرقمي، تصبح الحيقيقة غير قابلة للجدل.. نحن لا نتحدث عن لاعب كسر أرقامًا متفرقة، بل عن ظاهرة أعادت تعريف الممكن في الدوري الإنجليز، ما يقرب من ثلاثون رقمًا قياسيًا تغيّرت أسماء أصحابها، وانتقلت إلى خانة واحدة تحمل اسم محمد صلاح.
هذا الجدول لا يختصر مسيرته، لكنه يشرح سبب الجدل، وسبب الغضب، وسبب النقد.. لأن من يغيّر التاريخ بهذا الشكل، يفرض على الجميع إعادة ترتيب الذاكرة، الدوري الإنجليزي بعد محمد صلاح ليس كما كان قبله، وهذه ليست وجهة نظر.. بل حقيقة موثقة بالأرقام.
كم أسطورة حطم صلاح؟ وكم رقم كسر؟
عندما تُراجع مسيرة محمد صلاح مع ليفربول من منظور الأرقام، تدرك سريعًا أن ما حققه لا يمكن اختزاله في موسم أو اثنين، بل هو تدمير كامل لأساطير صنعت تاريخ الدوري الإنجليزي، صلاح لم يمر مرور المنافسة الشريفة، بل حطّم أرقام أسماء بحجم ديدييه دروجبا، تييري هنري، رايان جيجز، روبي فاولر، واين روني، ستيفن جيرارد، سيسك فابريجاس، آلان شيرار، ولويس سواريز، وغيرهم من الرموز التي بُني عليها وجدان الكرة الإنجليزية، في عصرها الحديث، المقارنة هنا لا تدور حول لاعب أو اثنين، بل عن أكثر من عشرة أساطير تاريخيين جرى تجاوزهم في سجلات التهديف، الصناعة، والمساهمات الحاسمة.
خلال ثماني سنوات فقط بقميص ليفربول، كسر محمد صلاح أو تفوق على أكثر من 30 رقمًا قياسيًا، ليصبح الاسم المرجعي لكل ما يتعلق بالأجنحة الهجومية، اللاعبين الأفارقة ولاعبي ليفربول عبر العصور، بل وأصحاب القدم اليسرى في الدوري الإنجليزي، لم يعد السؤال: أين يقع صلاح بين العظماء؟ بل من حقق رقمًا عجز عنه صلاح؟.. أرقامه لم تكن طفرات موسمية، بل مسارًا ثابتًا أعاد تعريف المعايير التي يُقاس بها التفوق الفردي في البريميرليج.

وإذا كان سيناريو الرحيل عن ليفربول حاضرًا بنهاية الموسم، فإن صلاح سيغادر وهو يحمل إرثًا يصعب تكراره، سيخرج بصفته أعظم لاعب في تاريخ ليفربول تهديفيًا على الصعيد الأوروبي، وأعظم لاعب إفريقي عرفه الدوري الإنجليزي، وأحد أعظم من لمسوا عشب البريميرليج على الإطلاق، إرث لا يُقاس بالسنوات، بل بالتأثير.. وتأثير محمد صلاح تجاوز حدود الأرقام ليصبح جزءًا أصيلًا من تاريخ اللعبة نفسها.
محمد صلاح.. حين تغيّرت صورة اللاعب الإفريقي إلى الأبد
لم يكن تأثير محمد صلاح محصورًا داخل المستطيل الأخضر أو في دفاتر الأرقام القياسية فقط، بل امتد إلى ما هو أعمق وأبقى: تغيير الصورة الذهنية للاعب الإفريقي في أوروبا، قبل صلاح، كان اللاعب الإفريقي غالبًا يُصنَّف في إطار نمطي ضيق؛ لاعب يعتمد على القوة البدنية والسرعة، لكنه يفتقر إلى الاستمرارية والانضباط التكتيكي، ويُنظر إليه كخيار مكمل لا كقائد مشروع كروي طويل الأمد، محمد صلاح كسر هذا القالب بالكامل، وفرض نموذجًا جديدًا للاعب الإفريقي المتكامل: نجم أول، قائد فني، واجهة تسويقية ورمز احترافي.
في ليفربول، لم يكن صلاح مجرد جناح يسجل أهدافًا، بل أصبح محور المشروع الرياضي للنادي لسنوات متتالية، استمراريته في القمة منذ 2017، وقدرته على الحفاظ على أرقام ثابتة عبر مواسم متتالية، أنهت الفكرة القديمة التي كانت تشكك في قدرة اللاعب الإفريقي على الثبات تحت الضغط، صلاح لم يقد فريقه للفوز بدوري أبطال أوروبا والدوري الإنجليزي فقط، بل أعاد تعريف مفهوم “اللاعب الإفريقي” داخل الغرف الفنية في أكبر أندية القارة العجوز.

وخارج الملعب، تجاوز تأثير صلاح كرة القدم نفسها، أصبح نموذجًا يُستشهد به في الاحتراف، والانضباط، والالتزام، والتوازن بين النجومية والمسؤولية المجتمعيةن لم يعد اللاعب الإفريقي في أوروبا مجرد موهبة تُستنزف سريعًا، بل علامة تجارية عالمية محترمة، قادرة على قيادة فرق كبرى دون أن يُنظر إليها باعتبارها حالة استثنائية مؤقتة.
ولهذا، فإن النقد الذي يلاحق صلاح اليوم لا يعكس تراجعًا حقيقيًا بقدر ما يعكس حجم التحول الذي أحدثه؛ فمن يغيّر الصورة النمطية، ويفرض واقعًا جديدًا، لا يُسمَح له بلحظة هبوط، لأنه ببساطة رفع السقف على الجميع.
أزمة صلاح..لماذا يُنتقد محمد الآن؟
في الأيام الماضية انتشرت العديد من الاسئلة عن صلاح، ولكن كان السؤال الأكثر شيوعًا لمذا يُنتقد صلاح الآن؟ السبب بسيط والإجابة أبسط من أن تطلب بحثًا عميقًا.. لأنه كسر كل شيء، لأن الحقيقة ببساطة أنه حطم كل القواعد وكسر كل الأرقام، محمد صلاح لم يكتفِ بمنافسة لاعبي جيله في الدوري الإنجليزي، بل تجاوزهم واحدًا تلو الآخر، وحطّم أرقام أسماء تُعامل في إنجلترا باعتبارها «مقدسات كروية» لا تُمس.
لسنوات طويلة، من 2017 وحتى 2025، ظل صلاح نموذجًا نادرًا للاستمرارية في القمة، يسجل ويصنع ويقود، دون أن يمنح منتقديه لحظة ضعف واحدة يمكن التشبث بها، وحين طال الانتظار، وجاء موسم واحد فقط أقل من المعتاد، لم يُقابل ذلك بتحليل فني موضوعي، بل وُلدت فجأة موجة من الشماتة المقنّعة في صورة نقد، وكأن البعض كان ينتظر هذه اللحظة لا أكثر، نسخة ظهر فيها الفريق كله مترنحًا، لكن صلاح هو وحده من يتلقى الانتقادات.
صلاح في جوهره لم يتغير، وأرقامه – حتى في مواسمه الأقل – لا تزال أعلى من متوسط نجوم الدوري، ما تغير فعلًا هو صبر من لم يحتملوا يومًا فكرة أن لاعبًا قادمًا من إفريقيا يمكنه أن يتربع على قمة البريميرليج لسنوات، وأن يعيد كتابة تاريخه بلغة الأرقام لا الانطباعات، ولهذا، مع كل تمريرة حاسمة وكل هدف جديد، يعود السؤال الحقيقي ليفضح المشهد: هل المشكلة فعلًا في محمد صلاح؟ أم في أولئك الذين لم يتقبلوا أبدًا أن رجلاً واحدًا غيّر تاريخ الدوري الإنجليزي إلى الأبد؟

تعليقات