المناقشات البريطانية الألمانية تهدف إلى تعزيز الروابط الجديدة بين البلدين.

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


إذا نظرنا إلى رف الكتب الألمانية في مكتبة بريطانية محلية – هذا إن وجد مثل هذا الرف – فمن شبه المؤكد أنه سيكون ممتلئاً بمجلدات عن النازيين وأفعالهم، وكذلك عن الحربين العالميتين، إذ إن تأليف كتاب عن ألمانيا المعاصرة، أو أي شيء يمجد هذا البلد – كما فعلت أنا – هو قضية مخالفة للمألوف وتأتي في سياق السباحة عكس التيار.

وحتى الآن وعلى الرغم من مرور كل هذه السنوات على نهاية الحرب العالمية الثانية وعصر النازية إلا أنه لايزال الأمر يثير الاستياء، ولايزال الكثير من أفراد الشعب الألماني يتذكرون عنوان صحيفة «ميرور» الشهير خلال بطولة أوروبا لكرة القدم عام 1996 وكان يقول: «أختونغ»، أي استسلم.

ولهذا السبب بالذات يبدو توقيع أي اتفاقية صداقة بين المملكة المتحدة وألمانيا في مجال الدفاع والتعاون العسكري مهماً من حيث الجوهر. وتم وضع هذه الاتفاقية لحل المشكلات الناجمة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وما تلاه من تعقيدات بالنسبة لعلاقة بريطانية مع الاتحاد. وتشكل هذه الاتفاقية محور زيارة المستشار الألماني فريدريش ميرتس الأولى إلى لندن بصفته مستشاراً.

وسيشعر الألمان بالسعادة نتيجة تخفيف صعوبة الرحلات المدرسية إلى المملكة المتحدة، وسيشعر البريطانيون بالارتياح لأن زوارهم الدائمين، وخاصة رجال الأعمال، قد يتمكنون في مرحلة ما من التسجيل للحصول على بوابة إلكترونية للدخول.

وستسعى الدولتان إلى التعاون في مجالات عدة بدءاً من الأمن السيبراني، والعلاقات الرقمية، إلى الهيدروجين الأخضر والرعاية الصحية، وإلى العمل معاً لتحسين مرونة اقتصاد البلدين وتحديثه.

وتكون بعض التعهدات أكثر واقعية من غيرها، مثل ما يسمى بالمشاريع «الريادية» التي تكون مثلاً للآخرين كي يحذوا حذوها، والتي تعد ببناء روابط جديدة بين البلدين، ومنتدى أعمال، وقمم شبابية، ومبادرات ثقافية، وإعادة الإعلان عن خط قطار مباشر بين لندن وكولونيا.

وكخطوة أولى تكون الرمزية مهمة للغاية، وربما كانت المملكة المتحدة وألمانيا أكثر دولتين متوافقتين مع بعضهما بعضاً عندما كانت بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي، تبدآن من جديد في عالم أكثر قتامة وكآبة.

ولايزال أمام ميرتس طريق ليس بالقصير قبل أن يكمل مدة الـ100 يوم الأولى في السلطة، لكنه على الرغم من ذلك، تمكن من وضع بصماته بقوة على الدبلوماسية الألمانية، وتمكن إلى حد كبير من إصلاح علاقات بلاده مع فرنسا، كما جعل لألمانيا ظهوراً جيداً في بروكسل من جديد.

والأمر الأكثر أهمية من كل هذا أنه أعطى بلاده الثقل الكبير في مجال الأمن الأوروبي، لم يشهده أحد منذ نهاية الحرب الباردة، إثر وضع خطط ترمي إلى تأسيس قوة عسكرية لا يستهان بها لألمانيا. وتبدو لغته بالنسبة لروسيا صريحة على نحو مريح، كما أن تصميمه للوقوف إلى جانب أوكرانيا جلي على نحو مشجع.

وهو يرى رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر كشخصية أساسية، وحرص على ذكر بريطانيا كلما تمكن من ذلك. وعلى الرغم من أن بولندا تعد لاعباً مهماً فإن مجموعة الدول الثلاثة الكبرى وهي ألمانيا وبريطانيا وفرنسا قد تم استعادتها.

ويتشاور كل من ميرتس وستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول جميع أنواع نقاط التوتر، ويتناقشون حول أفضل الطرق للتعامل مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قبل ذهاب كل منهم في رحلاتهم إلى البيت الأبيض. ولايزالون يفعلون ذلك حتى آخر رحلة قاموا بها، ويدركون جميعاً أن أوروبا عليها أن تعمل للدفاع عن نفسها.

ويجب أن تكون التزامات حلف «الناتو» الجديد والمتمثلة في 3.5% من إجمالي الناتج المحلي للإنفاق على الدفاع إضافة إلى 1.5% من أجل البنية التحتية المهمة التزاماً مقدساً، وأولوية قصوى.

ووعدت ألمانيا بتحقيق هذا الهدف بحلول عام 2029، ولكن الأمر الذي لم يتضح تماماً هو ما مدى السرعة التي ستحقق بها الدول الأعضاء الأخرى في الحلف هذا الهدف.

وتكمن المهمة الحالية في الحفاظ على وجود الأميركيين في أوروبا إلى أقصى حد ممكن، وتمديد فترة انتقالهم إلى أبعد وقت ممكن، والتنسيق معهم إلى أقصى حد ممكن. وهنا يأتي دور المملكة المتحدة، فهي التي تستطيع أن تقدم المساعدة الكبرى في هذا المجال.

وستعتمد قوة هذه العلاقات في نهاية المطاف على اتخاذ القرار العملي بصورة يومية وليس على الشكليات فقط. ولم تكن زيارة ميرتس القصيرة إلى لندن لتضاهي روعة زيارة ماكرون الرسمية، الأسبوع الماضي، ولا الاستعدادات المتوترة التي بدأت بالفعل لزيارة ترامب الثانية من نوعها إلى المملكة المتحدة في سبتمبر المقبل.

ومن المهم عدم الانجراف وراء الحديث عن الانسجام بين الدول الثلاث في فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا. وبالنظر إلى أن بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي، كما أن ستارمر ينظر بتعالٍ على رئيس حزب «بريكست» نيجل فاراج في كل منعطف، فإن ألمانيا وفرنسا لن تكونا مستعدتين أو قادرتين على التعامل مع المملكة المتحدة.

ويتمتع قادة الدول الثلاث بسلطة غير مستقرة في ظل مواجهتهم تحديات ليست «هينة» من اليمين المتطرف. وقد استهان البعض بميرتس حتى قبل توليه منصبه، وهو يتعرض للهجوم داخل حزبه لتقديمه تنازلات لشركائه في الائتلاف، الاشتراكيين الديمقراطيين، بينما تخوض حكومته أول خلاف كبير لها حول التعيينات في المحكمة الدستورية.

وتعثرت المفاوضات بشأن اتفاقية صداقة بين ألمانيا وبريطانيا، بسبب انهيار إدارة المستشار الألماني السابق أولاف شولتس في الخريف الماضي، وبسبب الشكوك المستمرة لدى الجانب الألماني بشأن التباهي البريطاني، وما يعتبرونه إحجاماً عن القيام بما يلزم حقاً لإعادة ضبط العلاقات مع الاتحاد الأوروبي ككل.

ومنذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بل قبله بوقت طويل، جرى تعليق جزء كبير من المحادثات الثنائية في الماضي. ويبدو أن المتحدثين بالألمانية في المؤتمرات يشعرون بعد مرور 80 عاماً بالحاجة إلى الإشارة إلى تشرشل، وإلى تعرضهم للغدر، وإلى شجاعة البريطانيين. ويعيد البريطانيون إلى الأذهان ذكرى جيش «الراين» ودوره في الحرب الباردة.

وفي الوقت ذاته انتقل عشرات الآلاف من البريطانيين للعمل في ألمانيا خلال السنوات الأخيرة، حيث يعملون في الشركات الناشئة، والطب الحيوي، والقطاع الإبداعي. ولا تعكس المؤسسات والخطاب السياسي تجربتهم التي عاشوها.

وكانت إحدى مهمات المفاوضين تأمين مستقبل الاتفاقية بين الدولتين، لعزلها عن الأزمات السياسية والاقتصادية المفاجئة في الداخل والخارج، وهم يريدونها أن تستمر لفترة جيل كامل، وهو هدف شجاع، لكن بالنظر إلى ضعف سيطرة ستارمر وميرتس على مجريات الأمور، فعلى الأغلب أنه سيكون هدفاً يائساً.

جون كامبفنر

كاتب ألماني

عن «الغارديان»

. تتجه الدولتان للتعاون في مجالات الأمن السيبراني والعلاقات الرقمية إلى الهيدروجين الأخضر والرعاية الصحية.

. تأليف كتاب عن ألمانيا المعاصرة، أو أي شيء يمجد هذا البلد، هو قضية مخالفة للمألوف وتأتي في سياق السباحة عكس التيار.

. توقيع أي اتفاقية صداقة بين المملكة المتحدة وألمانيا في مجال الدفاع والتعاون العسكري يبدو مهماً من حيث الجوهر.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً