لماذا فقدت نجوم المغرب بريقها الأوروبي بعد الإنجاز التاريخي في قطر ؟
بعد الإنجاز التاريخي الذي صنعه منتخب المغرب في كأس العالم 2022، ظنّ كثيرون أن ذلك الجيل سيمهّد طريقه تلقائيًا نحو أندية الصف الأول في أوروبا، وأن الوهج الذي رافق مسيرته المذهلة سيمنح لاعبيه قفزة كبرى في مساراتهم الاحترافية.
قدّم المنتخب أداءً بطوليًا، وبلغ محطة لم يسبق لأي منتخب عربي أو إفريقي الوصول إليها، فارتفعت التوقعات بأن يشهد ما بعد المونديال صعودًا جماعيًا يوازي قيمة ما تحقق في قطر شتاء 2022.
الواقع جاء على خلاف ذلك تمامًا؛ إذ تراجع العديد من أفراد ذلك الجيل خطوات إلى الخلف، سواء بالعودة إلى دوريات أقل قوة، أو الانتقال إلى تجارب لم تُضِف إلى مسيرتهم، بل حتى فقدان الاستقرار الفني والمكانة التي بدا أنها أصبحت مضمونة بعد البطولة.
ليلة أمس، ذكّرنا عز الدين أوناحي بإبداعاته في كأس العالم 2022، عندما سجل هدفًا ضد ريال مدريد، حيث كان منذ 3 سنوات حديث العالم، عندما ذكره لويس إنريكي دون أن يعرف اسمه، وأشاد بمستواه من خلال رقم قميصه.
هكذا وجد الجيل الذهبي لمنتخب المغرب نفسه أمام مفارقة ولغز غريب، بعد إنجاز تاريخي على مستوى الأسود، يقابله تراجع غير مفهوم على مستوى الأندية.
نجاح وطني وتراجع احترافي
أثناء بطولة كأس العالم 2022، كان المنتخب المغربي يمتلك لاعبين ينشطون في أندية أوروبية، أبرزها بايرن ميونخ وباريس سان جيرمان، بالإضافة إلى تشيلسي، يمثلهم نصير مزراوي وأشرف حكيمي وحكيم زياش، على الترتيب.
بعد الإنجاز التاريخي وتألق العديد من اللاعبين مثل يوسف النصيري، وعز الدين أوناحي، ويحيى عطية الله، بالإضافة إلى سليم أملاح وسفيان بوفال، توقّع الجميع أن هؤلاء النجوم سينضمون لأندية أكبر ويتخذون خطوة أفضل في مسيرتهم الاحترافية.
في الواقع، إن المفارقة الأبرز هي أن المسار جاء معكوسًا تمامًا؛ فبدل أن تتحول تلك النجومية المؤقتة إلى بوابة نحو مستويات أعلى، وجد العديد من لاعبي ذلك الجيل أنفسهم يعودون خطوات إلى الخلف.
فالبعض انتقل إلى دوريات أقل قوة، وآخرون فقدوا مكانهم في أوروبا، بينما لم ينجح آخرون في استثمار الزخم الذي صنعوه في قطر.

من قمة المونديال إلى واقع مختلف في الأندية
سنبدأ بمركز حراسة المرمى، والذي لم يشهد تراجعًا كبيرًا، بعدما رحل ياسين بونو من إشبيلية إلى الهلال السعودي، لكنه حافظ على مكانته العالمية، بفضل تألقه مع الزعيم، خاصة في كأس العالم للأندية الأخيرة.
ياسين بونو كان بطلًا في مواجهتي إسبانيا والبرتغال، بعد تعملقه أمام فريق لويس إنريكي بدور الـ16 وزملاء رونالدو في دور الثمانية، مما جعل كريستيانو يخرج من الملعب بالدموع.
بونو بعد البطولة انضم إلى الهلال، مع بداية مشروع الاستثمار في الدوري السعودي، بينما بدلاء ياسين، مثل أحمد رضا التكناوتي، فقد رحل عن الوداد إلى الجيش الملكي حاليًا، وكذلك منير المحمدي الذي كان يمثل الوحدة السعودي، انضم إلى نهضة بركان.

هبوط اضطراري للمدافعين
أشرف حكيمي ظل في باريس سان جيرمان وازداد توهجه، وحاول نصير مزراوي تغيير الأجواء من خلال الانضمام إلى مانشستر يونايتد بعدما فشل في إثبات نفسه مع بايرن ميونخ.
بينما نايف أجرَد، فبعد رحيله عن وست هام إلى ريال سوسيداد، الآن يتألق مع مارسيليا، وهو اللاعب الوحيد الذي اتخذ خطوة أكبر في مسيرته من بين باقي المدافعين.
من جانبه، رومان سايس رحل عن بشكتاش التركي، وانضم إلى السد القطري، وأُعير للشباب السعودي قبل العودة من جديد في صيف 2024.

أشرف داري، صاحب آخر هدف للأسود في المونديال، كان يلعب لفريق بريست، وتمت إعارته لشارليرواه البلجيكي، وأخيرًا انضم للأهلي المصري في صيف 2024، ولم يتمكن من إيجاد النسق بسبب إصاباته المتكررة. وفقد مكانه في تشكيل المغرب، حيث كان آخر انضمام له مع الركراكي في 2024.
جواد الياميق كان يُنتظر انتقاله من بلد الوليد لفريق أكبر، لكنه في صيف 2023، رحل إلى الوحدة السعودي، ثم انضم في الصيف الماضي إلى النجمة، بعد مسيرة مرت بأندية مثل سرقسطة وجنوى في إسبانيا وإيطاليا.
يحيى عطية الله، كان ينشط في الوداد أثناء البطولة، وتألق عندما أصيب مزراوي وصنع هدف يوسف النصيري التاريخي ضد البرتغال.
واستمر يحيى مع أحمر كازابلانكا، قبل الرحيل في يناير 2024 إلى سوتشي الروسي، ثم أُعير بعد 6 أشهر إلى الأهلي، وخلال موسم كامل مع الأحمر، لم يقدم المنتظر منه، ليرفض بطل إفريقيا تجديد الإعارة أو شراء عقده.

بدر بانون الذي شارك بسبب إصابات المدافعين المتتالية، كان يلعب لفريق قطر القطري قبل البطولة بـ5 أشهر فقط، واستمر كما هو بل وعاد إلى الرجاء في يوليو الماضي.
انحدار رهيب لوسط الملعب الناري
في وسط الملعب كان وليد الركراكي مدرب منتخب المغرب، يتسلح بثلاثية سفيان أمرابط وسليم أملاح وعز الدين أوناحي، ثلاثية أضافت التوازن والشراسة لوسط ملعب الأسود.
سفيان أمرابط كان يلعب لفيورنتينا في ذلك الوقت، وقدم بطولة استثنائية، وارتبط بالانضمام إلى يوفنتوس وإنتر ميلان، لكنه رحل إلى مانشستر يونايتد ولم يثبت نفسه خلال 6 أشهر، ليعود ومن ثم يُعَار لفنربخشة الذي فعل بند الشراء، والآن يلعب لريال بيتيس منذ الصيف الماضي.

أمرابط حتى الآن لم يقدم نفس المستوى الذي كان عليه في المونديال، عندما واجه نجوم العالم وتفوق عليهم بتدخلاته الرائعة وبدون أخطاء، وهو ما كان يعطي الثقة للثنائي الآخر أوناحي وأملاح.
عز الدين أوناحي، بعد مواجهة إسبانيا، أجبر لويس إنريكي على الإشادة به، عندما قال: “أكثر ما أعجبني في المغرب، اللاعب رقم 8، أثار دهشتي”.
أوناحي بعد البطولة انضم إلى مارسيليا من أنجيه في يناير 2023، ولكنه أُعير لبانيثينايكوس اليوناني، ثم تعاقد معه جيرونا الإسباني في الصيف الماضي، ولكن لا يزال صاحب الـ25 عامًا قادرًا على اللعب لنادٍ أكبر.
جيرونا يفتتح التسجيل عن طريق المغربي أوناحي#الدوري_الإسباني#LaLiga pic.twitter.com/YTQubnoQBS
— beIN SPORTS (@beINSPORTS) November 30, 2025
عبد الحميد صابري، ربما لم تختلف مسيرته كثيرًا، بعد الانضمام إلى فيورنتينا في الموسم التالي، تمت إعارته للعديد من الأندية مثل الفيحاء وعجمان في السعودية والإمارات، وكذلك التعاون بالدوري السعودي، قبل أن يعود للفيولا في الصيف الماضي.
سليم أملاح الذي كان يتألق مع ستاندر دو لييج البلجيكي، اتخذ خطوة أفضل بالانضمام إلى فالنسيا، لكنه سرعان ما تراجع وانضم إلى بلد الوليد، ثم رحل إلى خورفكان الإماراتي بدون مقابل في أكتوبر الماضي.
أحد اللاعبين الذين حصلوا على فرصة جيدة بعد المونديال، كان بلال الخنوس، رغم أنه لم يشارك في أي مباراة سوى مواجهة كرواتيا على المركز الثالث، لكنه رحل عن جينك إلى ليستر سيتي، ثم الآن مع شتوتجارت الألماني.
يحيى جبران، أحد اللاعبين المحليين في البطولة، رحل عن الوداد بعد كأس العالم بعامين وانضم إلى الكويت الكويتي، والآن يلعب لفريق الأهلي الليبي.

هجوم المغرب يرجع إلى الخلف
المنتخب المغربي كان يعتمد على طريقة 4-3-3، مما يجعل الفريق لا يتخلى عن وجود جناحين ورأس حربة، على الأقل مع بداية المباراة.
يوسف النصيري كان مهاجم المغرب الأساسي، وسجل الهدف التاريخي ضد البرتغال، ولكن بعد البطولة كان يتوقع البعض انضمامه إلى نادٍ أكبر من إشبيلية، لكنه ذهب إلى الدوري التركي عبر بوابة فنربخشة، بعدما حقق الدوري الأوروبي الثاني له في 2023.
هدف المغرب “42”: المغرب 1-0 البرتغال .. #كأس_العالم_FIFA #قطر2022
#قنوات_الكاس #Qatar2022 #FIFAWorldCup#DimaMaghrib #TeamMorocco#VesteABandeira #AtlasLions@selecaoportugal @EnMaroc pic.twitter.com/0Jt91dW3Ug— قنوات الكاس (@AlkassTVSports) December 10, 2022
النصيري كان هدفًا للعديد من الأندية مثل روما وإنتر وتوتنهام، بالإضافة لمانشستر يونايتد وميلان، لكنه في النهاية انضم إلى فنربخشة، خارج الدوريات الخمسة الكبرى.
سفيان بوفال، هو الاسم الأكثر غرابة من حيث الانحدار على مستوى الأندية، فقد كان مُبشرًا مع ساوثهامبتون ثم سيلتا فيجو، وانضم بعد ذلك لأنجيه، وكان يمثلهم في المونديال.
بعد كأس العالم توقّع الجميع انضمامه لنادٍ أكبر، خاصة في ظل إبداعاته ومهارته الرائعة، لكنه ذهب إلى الريان القطري، ثم حاليًا ينشط مع يونيون سانت جيلواز البلجيكي.

حكيم زياش، ربما كانت مشاكله في تشيلسي هي من أدت لرحيله بعد المونديال، ولكنه لم يتوقف عند الانضمام إلى جالطة سراي فقط، بل وعاد إلى وطنه في الصيف الماضي عبر بوابة الوداد المغربي قادمًا من الدحيل القطري، بعد فترة طويلة من الإصابات التي أدت لانحدار مسيرته.
أمين حارث غاب عن جميع مباريات البطولة بسبب الإصابة، ولكنه لا يزال على ذمة نادي مارسيليا، ومُعارًا حاليًا لفريق إسطنبول باشاك شهير.
عبد الصمد الزلزولي، كان يلعب المونديال معارًا لأوساسونا من برشلونة، وعندما وجد هناك صعوبة في إثبات نفسه مع البلوجرانا، انضم إلى ريال بيتيس في 2023، ولا يزال أمامه الفرصة للذهاب لخطوة أكبر في مسيرته حيث يبلغ من العمر 23 عامًا فقط.
🇲🇦 هدف ولا أروع من عبد الصمد الزلزولي #الألعاب_الأولمبية | #باريس2024 | #المغرب_العراق#Paris2024 | #OlympicGames pic.twitter.com/Xip0RREUj5
— beIN SPORTS (@beINSPORTS) July 30, 2024
زكريا أبو خلال، أحد البدلاء الذين كان لهم تأثير في مونديال قطر، كان يلعب لفريق تولوز، والآن انضم إلى تورينو، في خطوة أفضل قليلًا للاعب المغربي صاحب الـ25 عامًا.
إلياس شعير أيضًا، الذي لم يشارك سوى في آخر مباراة فقط، لم يغيّر ناديه منذ مونديال قطر 2022، ولا يزال ينشط مع كوينز بارك رينجرز منذ 2019.
عبد الرزاق حمد الله، لم يتغير موقفه فقد كان يمثل اتحاد جدة في البطولة، لكن مسيرته استمرت في السعودية وانضم للشباب في 2024، وأُعير خلال مونديال الأندية الأخير فقط للهلال قبل العودة لفريقه.
أخيرًا، وليد شديرة الذي كان يلعب في البطولة وهو ينشط مع باري في الدرجة الثانية الإيطالية معارًا من بارما، وقد انضم بعد عام واحد إلى نابولي، لكنه لم ينجح مع الفريق الجنوبي، وظل يُعيره البارتينوبي إلى أندية مثل فروزينوني وإسبانيول، وحاليًا مع ساسولو على سبيل الإعارة أيضًا.
لماذا لم ينجح جيل المغرب التاريخي في الاحتراف؟
في المحصلة، يبقى الجيل الذهبي لمنتخب المغرب علامة فارقة في تاريخ الكرة العربية والإفريقية، جيل صنع ما عجزت عنه أجيال سابقة، وقدم ملحمة ستظل خالدة في ذاكرة المونديال. لكن الزخم الذي يصنعه لاعب على مستوى المنتخبات لا يضمن له دائمًا مسارًا صاعدًا على مستوى الأندية.
الأمثلة هنا كثيرة، مثل جيل اليونان 2004 وهدافهم خريستياس الذي لم ينضم لفريق كبير في أوروبا، كذلك ثنائية جونغ هوان أهن وهيون سيول مع كوريا في 2002، على سبيل المثال وليس الحصر.
وبينما نجح بعض اللاعبين في الحفاظ على توهجهم، وجد آخرون أنفسهم أمام طريق أكثر صعوبة، بلا استقرار أو خطوات للأمام.
ورغم التراجع الملحوظ على مستوى المسيرات الاحترافية، يبقى هذا الجيل قادرًا على العودة إذا ما توافرت له البيئة المناسبة، والدعم الفني، والقرارات الصحيحة.
فالموهبة التي صنعت الإنجاز لا تزال موجودة، مثل أوناحي وأملاح والنصيري، بالإضافة لحكيمي ومزراوي، مع اللاعبين الشباب مثل أبو خلال وحارث والزلزولي، وفي مقدمتهم بلال الخنوس.
وما يحتاجه هؤلاء اللاعبون اليوم هو مشروع يعيد ترميم الثقة ويفتح آفاقًا جديدة، وربما تكون البداية من كأس أمم إفريقيا التي ستُلعب هذا الشهر.

تعليقات