ظالم أم مظلوم.. هل تكشف 67 دقيقة ضد نوتنجهام سر تراجع إيزاك مع الريدز؟
في عصر كرة القدم الحديثة، أصبحت الصفقات المليونية والانتقالات القياسية عنوانًا رئيسيًا للأندية، لكن الحقيقة الثابتة في كرة القدم أن الأموال الضخمة لا تعكس بالضرورة جودة اللاعب أو تأثيره على أرض الملعب، فتدفع الأندية عشرات الملايين مقابل لاعبين بارزين على الورق، لكن كثيرًا ما نجد أن هؤلاء النجوم لا يستطيعون التأقلم مع أسلوب الفريق أو فلسفة المدرب، ليظل الاستثمار المالي الكبير بلا مردود يذكر.
قيمة الصفقة وحدها لا تضمن النجاح، فالتكتيك، طريقة اللعب، دعم الزملاء، وشخصية اللاعب كلها عوامل حاسمة لتحديد ما إذا كانت الصفقة ستنجح أم تتحول إلى عبء مالي وإعلامي، وهذا بالضبط ما يحدث مع ألكسندر إيزاك في صفوف ليفربول: صفقة تكلفت 125 مليون جنيه إسترليني، لكن 200 بلا تسجيل في الدوري تكشف أن الأموال الكبيرة لا تترجم تلقائيًا إلى مردود على أرض الملعب.

استمرت البداية الصعبة للمهاجم السويدي إيزاك في صفوف ليفربول، ليصبح مثالًا صارخًا على التحديات الكبيرة التي تواجه الصفقات الضخمة في الدوري الإنجليزي الممتاز، في مباراة أمس ضد نوتنجهام فورست، لعب إيزاك 67 دقيقة فقط، لم يسجل خلالها أي هدف، ولم يسجل سوى 15 لمسة على الكرة قبل أن يُستبدل بعد نصف ساعة من اللقاء، الذي انتهى بخسارة ثقيلة للريدز 3-0، تقييم أدائه من قبل وسائل الإعلام لم يتجاوز 2/10، ما يعكس حجم الأزمة التي يعيشها المهاجم منذ انتقاله من نيوكاسل مقابل صفقة قياسية لم تحقق أي مردود ملموس حتى الآن.
بداية كارثية في الدوري الإنجليزي
إيزاك أصبح أول لاعب في أكثر من 100 عام يخسر أول أربع مباريات له مع ليفربول منذ المهاجم بيرسي سول عام 1906. هذه البداية السيئة لم تكن مجرد مباراة أو نتيجتين، بل نمط مستمر يوضح مدى صعوبة التكيف مع أسلوب لعب الفريق.
سجل السويدي أليكسندر 200 يوم بلا أهداف منذ آخر هدف سجله في شباك برايتون يوم 4 مايو 2025، وهو رقم سلبي يدل على عدم قدرته على التأثير التهديفي في الدوري، مشاركاته الأولى مع الريدز كانت ضد كريستال بالاس في سبتمبر، التي انتهت بهزيمة 2-1، ثم جاءت هزائم أخرى أمام تشيلسي ومانشستر يونايتد بنتيجة 2-1 أيضًا، ليصبح من الصعب فصل أداء إيزاك عن انهيار النتائج التي أصابت ليفربول بعد بداية قوية في الجولات الخمس الأولى من الموسم.
الأزمة التكتيكية.. لماذا يعاني إيزاك في ليفربول؟
من منظور التحليل التكتيكي، يتضح أن إيزاك يواجه صعوبة كبيرة في التكيف مع أسلوب لعب ليفربول الحالي، الفريق منذ رحيل روبيرتو فيرمينو لم يعثر بعد على مهاجم يمكنه الانسجام مع فلسفة اللعب المبنية على الحركة المستمرة داخل المنطقة وخلق الفرص الفردية للأجنحة على الأطراف.
فيرمينو كان يمتاز بالقدرة على الانسحاب للخلف لاستلام الكرات، التحرك بين الخطوط، وفتح المساحات للأجنحة، وهي ميزات تجعل الفريق أكثر خطورة في الثلث الأخير من الملعب، إيزاك من ناحية أخرى، لاعب يعتمد غالبًا على التمركز داخل المنطقة لاستلام الكرات الجاهزة والتسجيل، لكنه يجد نفسه في نظام لا يوفر له هذه الفرص بشكل متكرر، هذا التناقض بين طبيعة إيزاك وطريقة لعب الفريق أدى إلى ظهور أرقامه المتواضعة في المباريات الأخيرة.

دعم الأجنحة.. عنصر أساسي مفقود
إضافةً إلى ذلك، الأجنحة الحالية، وخاصة محمد صلاح وجاكبو، تميل إلى التسديد الفردي والبحث عن التسجيل الذاتي بدلًا من صناعة الفرص للمهاجم الصريح، بيانات مباراة نوتنجهام فورست توضح ذلك بشكل جلي:
- محمد صلاح: 4 تسديدات على المرمى، مع تركيز كبير على التحرك الفردي.
- جاكبو: 3 تسديدات، معظمها منفردة ومحاولات شخصية.
- إيزاك: تسديدة واحدة فقط خلال 67 دقيقة لعب
هذا الفرق الكبير في عدد التسديدات يشير إلى قصور كبير في خلق الفرص للمهاجم، وهو ما يفسر استمرار إيزاك في عدم التسجيل رغم قيمته المالية الضخمة، فمن الواضح أن الريدز يواجه عقبات تكتيكية في المقام الأول.
بناءً على ذلك، يحتاج ليفربول إلى مهاجم قادر على التحرك داخل المنطقة بشكل مستقل، وصناعة فرص لنفسه دون الاعتماد المفرط على الكرات المباشرة من الأجنحة، إيزاك، بطبيعة لعبه الحالية، لا يستطيع استخراج نفسه من هذا النظام المتطلب، ما يجعله يبدو بلا تأثير على أرض الملعب ويزيد الضغط عليه نفسيًا ومهاريًا.

باختصار، المشكلة ليست فقط في اللاعب، ولكن أيضًا في التوافق بين أسلوب لعب الفريق وطبيعة المهاجم الجديد، وهو ما يوضح لماذا حتى لاعب بمواصفات كبيرة مثل إيزاك لا يظهر بمستواه المتوقع.
الصفقة الأغلى مقابل الأداء الضعيف
صفقة 125 مليون جنيه إسترليني لم تحقق أي مردود يذكر حتى الآن، وهو ما يجعلها واحدة من أغلى الصفقات الفاشلة في تاريخ الدوري الإنجليزي، وعرضة للانتقاد من كافة الجوانب، خاصة أن الجماهير تبحث عن لاعب تصب عليه غضبهم، ومن سيقف في مرمى الانتقادات سوى لاعب كلف النادي أكثر من 125 مليون يورو، في المقابل، يظل محمد صلاح الصفقة الأنجح للريدز خلال السنوات الأخيرة، حيث قدم مردودًا ثابتًا ومستمرًا على مدار سبع سنوات.
إيزاك أصبح مثالًا واضحًا على تحدي الصفقات الضخمة: المال الكبير لا يضمن مردودًا فوريًا أو حتى مردودًا مستمرًا، خاصة إذا لم تتوافق شخصية اللاعب وطريقة لعبه مع أسلوب الفريق.
الضغوط النفسية والخطر خارج الملعب
لا تتوقف معاناة إيزاك داخل الملعب، بل تمتد إلى سلامته الشخصية بعد انتقاله إلى ميرسيسايد، اضطر اللاعب لاستثمار 30 ألف جنيه إسترليني في كلاب حراسة لمنزله الجديد، بعد تلقيه تهديدات بالقتل، الأمر الذي أثر بشكل واضح على تركيزه وأدائه.
إيزاك صرح بصراحة حول إحباطه لكنه رفض تقديم أعذار لأدائه داخل الملعب:
“من المحبط دائمًا أن تكون بعيدًا عن الملعب أو مصابًا، لكن عندما أكون على أرض الملعب، لا أبرر لنفسي أي أعذار، أريد دائمًا أن ألعب وأقدم أفضل ما لدي، الخبرة تعلمك كيفية التعامل مع الإصابات والضغوط والعودة تدريجيًا إلى المسار الصحيح”.

توضح هذه التصريحات حجم الضغط النفسي الذي يواجهه المهاجم السويدي، وهو عامل غير مرئي كثيرًا للمتابعين ولكنه يؤثر بشكل مباشر على مردوده داخل الملعب.
مقارنة بين إيزاك وصلاح.. من يخلق الفارق؟
الملاحظ أن محمد صلاح، على الرغم من تقدمه في العمر نسبيًا مقارنة بالمهاجمين الجدد، ما زال يمثل العنصر الأكثر مردودًا في ليفربول منذ أكثر من 7 سنوات، بالمقابل، صفقات بمئات الملايين مثل إيزاك لم تضف شيئًا يُذكر للفريق، هذا يعكس مشكلة أعمق في فلسفة الانتقالات: ليفربول يعتمد على أجنحة أنانية نسبيًا، تركيزهم على التسديد الفردي يحد من وصول الكرات للمهاجمين الجدد نتج عن ذلك مهاجم كبير ماليًا لا يسجل ولا يحصل على الفرص الكافية لإظهار قيمته.
بعد أكثر من 200 يوم بلا أهداف و67 دقيقة لعب بالمباراة الأخيرة تكشف هشاشة أداء اللاعب، يبدو أن صفقة إيزاك تمثل تحديًا كبيرًا للفريق.. ضعف التكيف مع أسلوب لعب الفريق، أجنحة تركز على التسديد أكثر من صناعة الفرص، ضغوط نفسية وأمنية خارج الملعب، إصابات وإعادة لياقة بدنية محدودة.

إيزاك يثبت أن المال وحده لا يصنع الفارق
صفقة إيزاك تصبح في النهاية مرأة لكل التحديات التي تواجه الصفقات الضخمة في كرة القدم الحديثة: المال وحده لا يصنع الفارق، والمهارة بلا تكتيك ودعم جماعي تبقى بلا جدوى. ليفربول اليوم أمام اختبار حقيقي: هل يواصل الصبر على مهاجم لم يسجل منذ نصف موسم، أم يبحث عن مخرج لتجربة كانت باهظة الثمن لكنها بلا نتيجة؟
في كرة القدم، كما في الحياة، أحيانًا المال الكبير يكشف الفجوات بدل أن يغطيها، وتجربة إيزاك هي أكثر من مجرد فشل شخصي، إنها قصة تحذيرية عن كيفية تحويل الصفقات الضخمة إلى عبء ثقيل إذا لم تتوافق الشخصية، الأسلوب، والتكتيك مع متطلبات الملعب.
فهل يستمر الصبر على مهاجم لم يسجل منذ نصف موسم تقريبًا ، أم يجب البحث عن مهاجم قادر على التكيف سريعًا مع طريقة لعب الفريق الحالية ويعطي مردودًا حقيقيًا؟

تعليقات