لوحة ترسم من جديد.. هل يكرر أرسنال سيناريو الموسم الماضي بالبريميرليج؟
في كرة القدم، لا شيء يختفي تمامًا، كل لحظة تعود بشكل أو بآخر، كل سيناريو يتكرر مع اختلاف الأسماء، وكل سقوطٍ أو صعودٍ يحمل في داخله صدى لشيء حدث من قبل، التاريخ في هذه اللعبة لا ينتظر عقودًا ليعيد نفسه؛ يكفي موسم واحد، أو حتى نصف موسم، كي نجد المشهد ذاته يتشكل أمامنا، ولكن بوجوه جديدة وأبطال مختلفين، هناك أندية تُهزم اليوم فتفوز غدًا، وأندية تتصدر العام الماضي فتترنح بعد عام، وهناك دائمًا فريق واحد فقط يعرف كيف يستغل اللحظة.
وهكذا يبدو دوري هذا العام: لوحة كبيرة يعيد فيها التاريخ رسم نفسه، ليس على استحياء، بل بجرأة كاملة.. وكأن البريميرليج يستدعي سيناريو الموسم الماضي حرفيًا، لكنه يقدم بطلاً جديدًا للعرض، في الموسم الماضي، كان ليفربول هو الفريق الذي انتظر لحظة سقوط مانشستر سيتي وأرسنال، لينقضّ على اللقب ويُحسمه قبل نهايته بأربع جولات، في موسم استثنائي لأرني سلوت وفريقه الذي عادل الرقم التاريخي لمانشستر يونايتد في عدد مرات الفوز بالدوري.
واليوم كل شيء يٌعاد تقريبًا، نفس سقوط مانشستر سيتي في الخريف، نفس الاهتزاز الذي يضرب الكبار وتلك المرة اختار الريدز، نفس فجوة النقاط التي تتسع تدريجيًا، لكن الفريق المستعد للانقضاض هذه المرة ليس ليفربول.. بل أرسنال.

فهل نشهد مرحلة يكون التاريخ فيها على وشك أن يُعيد كتابة نفسه لحساب الجانرز؟ وهل يمنحهم القدر أخيرًا فرصة إنهاء عقدة امتدت لأكثر من عشرين عامًا؟ هذا ما يجيب عليه التاريخ وحده.
ليفربول.. من بطل يتوَّج مبكرًا إلى فريق يبحث عن نفسه
الموسم الماضي، ليفربول كان فريقًا مخيفًا، فريقًا لا يترك منافسيه يلتقطون أنفاسهم، تفوق على الجميع بلياقة حديدية، وثبات ذهني، وقدرة لا تُضاهى على الفوز بالمباريات الصعبة، إلى أن حسم الدوري في الجولة 34.
لكن الصورة هذا الموسم صادمة بكل المقاييس، ليفربول الذي بدأ السباق بجانب السيتي وأرسنال، تراجع بقوة، لم يعد فريقًا يُخيف أحدًا بل تجرأ عليه الصغار قبل الكبار، اليوم يحتل المركز الحادي عشر في جدول الترتيب، وفي سيناريو يقترب من العبث، يمكن لإيفرتون غريمه الأزلي أن يتفوق عليه في حالة فوزه على مانشستر يونايتد في أولد ترافورد.

تحول بطل الموسم الماضي إلى فريق في وسط الجدول بهذه السرعة، فهذا يعني أن هناك شيئًا انهار بشدة داخل المنظومة الحمراء، الفريق لم يعد قادرًا على الصمود في معركة النفس الطويل، والضربة الأكثر قسوة كانت الهزيمة المذلة على ملعبه، أمام جماهيره، ومن فريق كان يصارع على الهروب من القاع.
نوتنجهام يٌذل ليفربول في أنفيلد.. ليلة سقوط بطل إنجلترا
ليلة الأمس لم تكن بالهينة على عشاق الريدز، ثلاثية كاملة على ملعب أنفيلد، هزيمة ثقيلة، مفاجئة، صادمة، ومؤلمة في كل تفاصيلها، نوتنجهام فورست لم يكتفِ بالفوز، بل اكتسح ليفربول بثلاثية نظيفة في واحدة من أسوأ ليالي سلوت منذ توليه المهمة، وبحضور محمد صلاح الذي لم يستطع إنقاذ فريقه من الانهيار رغم محاولاته.
أرني سلوت قال بعد المباراة:
“نتيجة سيئة للغاية.. بدأنا المباراة بشكل جيد، ثم انهار كل شيء بعد الهدف الأول، أول مرة دخلوا منطقة جزائنا سجلوا، وإذا أهدرت فرصك، ستُعاقب”.
لكن المشكلة كانت تكمن في كيفية إدارة المباراة، تبديلات سلوت كانت متأخرة وغير مفهومة، بدأ بجونز وسوبوسلاي كظهير أيمن في قرار غريب جعل الجبهة مكشوفة، كوناتي قدم واحدة من أسوأ مبارياته، غائب ذهنيًا، ومرتبكًا في كل تدخل.

وعندما اضطر سلوت لتغيير إيزاك، تردد كثيرًا لأنه يعلم أن خروجه سيكون رسالة قاسية، ثم لجأ إلى نظام “3-3-4”، محاولة يائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن الهدف الذي جاء بعد ذلك كان الثالث لفورست، كانت ليلة انهيار واضحة.. إعلان صريح بأن ليفربول خرج تمامًا من صورة المنافسة.
مانشستر سيتي.. تراجع الخريف الذي غير شكل الموسم الماضي
مانشستر سيتي يعيش السيناريو نفسه مرة أخرى، الفريق الذي كان المرشح الأول للقب سقط مجددًا في فخ أكتوبر ونوفمبر، حيث تتراجع اللياقة وتظهر ثقوب الدفاع، ويتحول السيتي من ماكينة نتائج إلى فريق هش يستقبل الأهداف بسهولة.
الخسارة الأخيرة 1-2 أمام نيوكاسل يونايتد على ملعب سانت جيمس بارك كانت مؤشراً صارخًا، هزيمة جديدة تؤكد أن السيتي لا يزال يعاني من نفس التذبذب الذي أنهى طموحه الموسم الماضي.
ومع كل سقوط جديد للسيتي، تُفتح نافذة أكبر لأرسنال، إنها نفس القصة ذاتها، في الماضي كان ليفربول هو المستفيد، واليوم المرشح لذلك هو أرسنال متصدر جدول الترتيب في الوقت الحالي.
للتاريخ.. أرسنال أمام أكبر فرصة منذ 2004
يبقى السؤال المطروح في الأونة الأخيرة، هل يستغل أرسنال الفرصة التي لم يحصل عليها منذ آخر لقب له قبل 21 عامًا كاملة؟ أم يعيد نفس السيناريو الذي أصبح جزءًا من تاريخه الحديث.. الاقتراب، ثم السقوط في اللحظة الحاسمة، كما حدث في موسمي 2021 و2023 حين انهار الفريق تحت ضغط البقاء في القمة؟
الواقع اليوم يضع أرسنال في موقع لم يقف فيه منذ زمن بعيد؛ موقع فريق يعرف أن الطريق أمامه مفتوح، وأن منافسيه يتساقطون واحدًا تلو الآخر، وأن مصيره في يده هو وليس في يد أحد غيره، فبعد مرور 11 مباراة فقط، يقف الجانرز في صدارة الدوري بوضوح لا يحتاج إلى تفسير.
فريق ميكيل أرتيتا جمع 26 نقطة من 11 مباراة، وبات المتصدر الوحيد الذي لم يفرط في الكثير من النقاط، في وقت تتعثر فيه بقية القوى الكبرى في إنجلترا، وخلفه مباشرةً يظهر تشيلسي بـ23 نقطة من 12 مباراة، فريق بدأ الموسم بشكل غير متوقع، لكنه يظل أقل استقرارًا وأقل قدرة على مجاراة أرسنال في المدى الطويل.
| المركز | الموسم الماضي 2024–2025 | النقاط | المباريات | الموسم الحالي 2025–2026 | النقاط | المباريات |
|---|---|---|---|---|---|---|
| 1 | ليفربول | 31 | 12 | أرسنال | 26 | 11 |
| 2 | مانشستر سيتي | 23 | 12 | تشيلسي | 23 | 12 |
| 3 | تشيلسي | 22 | 12 | مانشستر سيتي | 22 | 12 |
| 4 | أرسنال | 22 | 12 | كريستال بالاس | 20 | 12 |
وسط هذا المشهد، يجد أرسنال نفسه في وضع مدهش، وليس فقط لأنه في القمة، بل لأن الفجوة قابلة للاتساع أكثر وأكثر، إذا فاز الجانرز اليوم، سيصل الفارق إلى 6 نقاط كاملة بينه وبين تشيلسي الوصيف، وهو فارق مبكر لكنه ثقيل، ويعيد للأذهان تمامًا ما حدث في الموسم الماضي عندما كان ليفربول هو من يركض بعيدًا عن الجميع.
ففي نفس المرحلة من الموسم الماضي، كان ليفربول قد جمع 31 نقطة من 12 مباراة، وكان متقدمًا بـ8 نقاط كاملة على مانشستر سيتي الوصيف، كان مسيطرًا، كان متفوقًا، وكان مؤشرًا واضحًا على أن الريدز لا ينوون ترك اللقب يفلت من أيديهم.
واليوم، أرسنال يقف على نفس البساط، نفس الشكل، نفس الفجوة المحتملة، نفس انهيار المنافس الأول، نفس تذبذب المنافس الثاني، نفس السيناريو “فريق واحد ثابت في القمة” بينما الآخرون يسقطون تباعًا.
لكن الفارق هنا ليس في الأرقام.. بل في التاريخ النفسي لكل فريق، ليفربول فريق يعرف كيف يفوز، يعرف كيف ينهض، ويعرف كيف يحسم النقاط، وهذا الموسم كتيبة الريدز ليست في حالتها، ومن الممكن أن ينتفض الريدز في أي وقت أو يعود جوارديولا لمطاردة القمة كما اعتاد، أما أرسنال هو فريق عاش 20 عامًا من “الاقترب ثم السقوط”.
هذه هي المعركة الحقيقية، ليست معركة نقاط.. بل معركة ذاكرة، ذاكرة فريق لم يعرف التتويج منذ 2004، ذاكرة جماهير تخشى الفرحة بقدر ما تتمنى اللقب، ذاكرة مدرب شاب يريد أن يثبت أن مشروعه وصل إلى مرحلة النضج الحقيقية، والفارق مخيف ونفس النمط يتكرر بتطابق شبه كامل.
التاريخ يعيد نفسه.. ولكن هذه المرة لصالح الجانرز
في الموسم الماضي، لم يكن ليفربول الأفضل في كل مباراة، لكنه كان الفريق الأكثر صلابة، والأقدر على الاستفادة من هدايا منافسيه، واليوم يقف أرسنال في الموقف ذاته: منافسان يتساقطان، وجدول يُفتح أمامه، وثبات في النتائج، وتطور في الأداء الدفاعي والهجومي، لكن الفرق هنا أن أرسنال لم يتوج بالدوري منذ 2004، عقدان كاملان من الانتظار، من الإحباط، من الانهيار في الأمتار الأخيرة، من صراع نفسي دائم بين الطموح والخوف.
الآن.. كرة القدم تعيد رسم الطريق أمامه، التاريخ يضعه في نفس المكان الذي وضع فيه ليفربول الموسم الماضي، فهل ينتهز الفرصة ويعيد اللقب الغائب؟ أم يكرر سيناريو “الهدية المرفوضة” الذي اعتدنا رؤيته منه في المواسم الأخيرة؟
الموسم لا يزال طويلًا، لكن البوادر واضحة، هناك فريقان يترنحان.. وفريق واحد فقط أمام بابٍ مفتوح على مصراعيه يحمل في طياته السؤال الوحيد المتبقي: هل يدخل أرسنال ويقتنص اللقب الغائب؟ أم يبقى خارجه وينظر للتاريخ مرة أخرى وهو يعيد نفسه ولكن لصالح فريق آخر؟

تعليقات