من أوروبا إلى الطين.. كيف أنهى دي ماريا 38 عامًا من الانتظار لفريقه الأم؟
في عالم كرة القدم، هناك قصص لا تُنسى، وهناك لحظات تُخلّد في الذاكرة الجماعية للساحرة المستديرة، ومن بين هذه اللحظات، قصة أنخيل دي ماريا، الذي عاد إلى روزاريو سنترال، نادي طفولته، بعد مسيرة امتدت أكثر من 15 عامًا في أرقى ملاعب أوروبا، ليكتب فصلاً جديدًا من الأسطورة.. إعادة النادي إلى منصة المجد، بعد غياب دام منذ عام 1987، وجعل حلم جماهيره يتحقق بعد عقود من الانتظار.
لم يكن الأمر مجرد انتقال عادي، بل كان قرارًا يتجاوز المال والشهرة، قرارًا ينبع من الوفاء والحب للنادي والجمهور، دي ماريا رفض عروضًا مالية “مجنونة” من الدوري الأمريكي، ورفض ما عرضه الدوري السعودي، حيث كان الراتب السنوي المقترح يعادل تقريبًا ما جناه طوال مسيرته الأوروبية كاملة.

وعلى الرغم من كل هذه المغريات، اختار دي ماريا أن يعود إلى حيث بدأ كل شيء، إلى الملاعب الموحلة بالطين، إلى مدرجات تفتقد لأضواء أوروبا اللامعة، ولكنها مليئة بالعاطفة والوفاء.
كيف أعاد دي ماريا روزاريو سنترال إلى المجد
حين وصل دي ماريا، كان روزاريو سنترال في المركز الأخير تقريبًا بالدوري، فريق يكافح من أجل البقاء ضمن دوري الدرجة الأولى، يعاني من ضعف فني واضح، ويفتقد لرجل حاسم يستطيع قلب موازين المباريات.
لكن بعد انضمام دي ماريا للفريق لم يكتفِ باللعب، بل أصبح قلب وروح الفريق، كل لمسة، كل تمريرة، كل هجمة كانت عبارة عن درس في الاحترافية، وجولة في أساليب القيادة على أرض الملعب.

(المصدر:Gettyimages)
ومن أسابيع قليلة، كان الفريق متذيل جدول الترتيب، واليوم، يقف على منصة التتويج بعد موسم مذهل، وعين الجميع تتجه إلى دي ماريا باعتباره أكبر مساهم تهديفيًا و”المنقذ” الذي أعاد الفريق إلى التتويج ببطولة الدوري بعد غياب دام سنوات طويلة.
الإحصائيات تثبت أسطورة دي ماريا
على الرغم من بلوغه 37 عامًا، فإن دي ماريا لا يزال يقدم مستويات مذهلة تتحدى العمر والاحتمالات، في 15 مباراة خاضها منذ عودته، سجل 7 أهداف، وصنع 3 تمريرات حاسمة، ليكون أكثر اللاعبين تأثيرًا على الفريق في كل مباراة، كل هدف وكل تمريرة كانت بمثابة رسالة كأنه يقول “لقد عدت لأصنع الفرق”، و”أنا هنا لأعيد المجد لمكانه الطبيعي”.
هذه الإحصائيات، على بساطتها، تخفي وراءها دراما استثنائية، فكل هدف في الدوري لم يكن مجرد نقطة، بل خطوة نحو إنهاء عقدة دامت 38 عامًا، ورفع راية الفرح لجماهير كانت على موعد مع التاريخ من جديد.
| روزاريو سنترال | المباريات | الأهداف | التمريرات الحاسمة |
|---|---|---|---|
| أنخيل دي ماريا | 15 | 7 | 3 |
رحلة الأسطورة.. من روزاريو إلى أوروبا والعودة
بدأت مسيرة دي ماريا في روزاريو سنترال، ثم انطلق إلى أوروبا عبر بنفيكا البرتغالي في عام 2007، لتبدأ رحلة المجد الاحترافي، بعد ذلك، ارتدى قميص ريال مدريد الإسباني في عام 2010 وحقق العديد من البطولات القارية والدولية مع الملكي، قبل أن يخوض تجربة مانشستر يونايتد الإنجليزية، ثم يستقر في باريس سان جيرمان ليضيف المزيد من الإنجازات، لكنه يقرر العودة إلى الدوري الإيطالي من بوابة يوفينتوس، قبل أن يختتم مسيرته الأوروبية حيث بدأهل في بنفيكا.
لكن رغم كل النجاحات والمال والشهرة، بقي قلب دي ماريا مرتبطًا بالنادي الذي صنعه كلاعب ناشئ، حيث تربى، وحلم، ولعب أول مبارياته الاحترافية، العودة لم تكن مجرد عاطفة، بل رسالة واضحة عن الوفاء الحقيقي لكرة القدم، عن حب النادي الذي يحمل جيناته الرياضية منذ الصغر.

(المصدر:Gettyimages)
التتويج بالدوري.. نهاية انتظار دام 38 عامًا
اليوم، وبعد موسم استثنائي، يرفع دي ماريا كأس الدوري الأرجنتيني، ليصبح البطل الأكثر تأثيرًا في البطولة، ليس فقط لأنه سجل الأهداف وصنعها، بل لأنه أعاد لروزاريو سنترال مكانته التاريخية، وأعاد للمدرجات الفرح بعد سنوات من الانتظار والتراجع.
المعركة لم تكن سهلة، فالفريق واجه خصومًا أقوياء، ومنافسات محتدمة، لكن وجود دي ماريا حول الملعب إلى مساحة سيطر فيها على الأحداث، وحوّل الطين والمطر والملعب الصعب إلى مسرح لانتصاراته الفردية والجماعية.
من ملاعب أوروبا إلى بطولة وطنية خالدة
عودة دي ماريا تبرز درسًا مهمًا في كرة القدم: ليس المال والشهرة وحدهما ما يصنع الأساطير، بل القدرة على إعادة الروح لفريق ضعيف، وإعادة التاريخ إلى مكانه الطبيعي، في 38 عامًا من الانتظار، لم يظهر أي لاعب يملك القدرة على قلب المسار كما فعل دي ماريا، وتحقيق اللقب بعد غياب دام أكثر من ثلاثة عقود يجعل منه بطلًا محليًا وخليطًا من الخبرة الأوروبية والوفاء للوطني.
¡Desde Arroyito salió el nuevo campeón! 🇺🇦🏆🎉 pic.twitter.com/rDRiUx563k
— Rosario Central (@RosarioCentral) November 21, 2025
أنخيل دي ماريا لم يعد مجرد لاعب عالمي، بل أصبح رمزًا للوفاء والعطاء، رجل أعاد الشمس إلى روزاريو سنترال بعد عقود من الظلام، وأعاد الحياة إلى أحلام جماهيره.
في عالم كرة القدم، هناك أبطال يكتبون التاريخ بالأهداف، وهناك أساطير يكتبونه بالروح، دي ماريا فعل الاثنين، وأصبح عنوانًا أسطوريًا لا يُنسى، ودرسًا لكل لاعب عن معنى الحب الحقيقي لكرة القدم، وعن قوة العودة إلى الجذور التي تصنع أعظم القصص.

تعليقات