جوارديولا عن مباراة فلسطين وكتالونيا: عليهم أن يروا أن هناك جزء من العالم يفكر فيهم
في عالم تتكاثف فيه العتمة كغبارٍ خانق فوق سماء فلسطين، يعود صوت الإسباني بيب جوارديولا المدير الفني لفريق مانشستر سيتي ليشقّ الضباب، كأن الرجل يُلقي حجرًا صغيرًا في بحرٍ مترع بالدموع، ليست كرة القدم هنا مجرد لعبة، بل نافذة صغيرة ليتسلّل النور منها إلى شعبٍ حُوصر بين رماد البيوت وصرخات الأمهات.
مباراة فلسطين وكتالونيا المقرر لها غدًا الثلاثاء، التي انشغل العالم بتفاصيلها، تبدو في نظر جوارديولا مساحة تتجاوز المستطيل الأخضر… مساحة تقول إن الضمير الإنساني لم يمت بعد، حتى لو صار صوته خافتًا.
منذ أكتوبر 2023، يتواصل النزيف الفلسطيني بلا توقف، غزة باتت مدينة بأكملها تُعامل كـ”جريمة جغرافية”، يُلاحَق أطفالها لأنهم وُلدوا هناك، وتُهدم أحياؤها كما لو أنّها صفحات تريد آلة الحرب تمزيقها من كتاب الحياة.
تحت الركام، كانت القصص تتمزق أسرع من أن تُروى، أم تبحث عن صغيرها وسط الركام، طفل يصرخ بلا صوت، مصوّر يركض بعينين مليئتين بالدخان، وجثث تُرفع ببطء… كأن الزمن نفسه يتثاقل خجلًا مما يرى.

(المصدر:Gettyimages)
وفي الضفّة، لم يكن المشهد أكثر رحمة؛ اعتقالات يومية، حصار، ومستقبل تُخطف ملامحه قبل أن تتشكل، أصبحت 2025 عامًا يبرق فيه العالم بشاشاته، لكنه يعجز عن رؤية ما يحدث في زوايا فلسطين المعتمة.
جوارديولا يصرخ من برشلونة: صوتٌ صغير في زمنٍ تُغرقه غزة بالدم
وسط هذه المأساة، اختار جوارديولا أن يتحدث بلا مواربة؛ مدرب السيتي—الكتالوني الذي يعرف معنى الهوية ومعنى أن تُولد في أرض لا يقررها أحد—عاد ليرفع صوته من جديد.
قال بحدّة موجوعة إن العالم “ترك فلسطين وشأنها”، وإن الفلسطينيين “ليسوا مذنبين لأنهم وُلدوا هناك”، وكأن عبارته صفعة تُذكّر بأن الجغرافيا لا تُدان، وأن الإنسان لا يُحاسَب على ميلاده.
ولأن المباراة الودية بين فلسطين وكتالونيا تقام في برشلونة على ملعب مونتجويك، بدا صوت جوارديولا أكثر تأثيرًا، استدعى ذاكرة مدينته التي لطالما آمنت بالحرية، وطلب من جماهيرها أن تملأ المدرجات.
قال عبر إذاعة RAC1: “مع هذه المواجهة، سيرى الفلسطينيون أن هناك جزءًا من العالم يفكّر فيهم”، ثم أضاف بمرارة: “لقد سمحنا بأن تُدمَّر مدينة بأكملها. الضرر قد وقع ولا يمكن إصلاحه”.
تصريحاته لم تكن تعليقًا رياضيًا بقدر ما كانت صرخة إنسانية، اعتراضًا على ما يحدث في غزة، كما قال إنه لا يستطيع تخيّل شخص “يدافع عن المجازر”، وإن أطفال العالم جميعًا “قد يكونون هناك… وقد يُقتلون فقط لأنهم وُلدوا هناك”، كلمات تخرج منه ببطء، لكنها تطعن الجدار الذي يحاول إخفاء الجريمة.
المباراة التي بيعت منها 25 ألف تذكرة حتى الآن، تحوّلت إلى حدث رمزي تدعمه منصات سياسية ورياضية، لكنها بالنسبة لجوارديولا أكثر من ذلك؛ هي احتجاجٌ صامت، رسالة معنوية، ونافذة تتيح للفلسطينيين أن يشعروا—ولو لساعات—أن العالم يلتفت إليهم أخيرًا.
ختم بيب حديثه قائلًا إن الرمزية مهمة، لكنها لا تكفي… “لا بد أن يتحرك شيء”، ومع ذلك، اعترف بأن مجرد رؤية الفلسطينيين لهذا التضامن تجعل الملعب “يجلب الفرح” في زمنٍ أصبح الفرح فيه نادرًا كالمطر في ساحة حرب.

تعليقات