ما بين مورينيو وجوارديولا.. هل يقع تشابي ألونسو في نفس الفخ؟
تعتبر الأزمات بين المدربين واللاعبين جزءًا لا يتجزأ من عالم كرة القدم، سواء كانت ناتجة عن خلافات تكتيكية أو اختلافات في أسلوب التعامل مع اللاعبين، فإن هذه الأزمات تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل مستقبل الفرق والبطولات، في السنوات الأخيرة، شهدنا عددًا من الأزمات المشابهة بين المدربين ولاعبيهم.
وعاد خلاف تشابي ألونسو مع لاعبي ريال مدريد بسبب الانضباط، بعض المشاهد السابقة لأكثر من مدرب مع أكثر من نجم، ولعل أشهرها كان صدام بيب جوارديولا مع فرانك ريبيري عندما كان الإسباني يتولى مهمة بايرن ميونخ، وكذلك صدام جوزيه مورينيو مع بول بوجبا في مانشستر يونايتد.
خلاف مورينيو مع بوجبا: الصراع بين “الانضباط” و”الحرية الإبداعية”
في عالم كرة القدم، تتشابك العلاقات بين المدربين واللاعبين بشكل معقد، ولكن القليل من العلاقات كانت مثيرة للجدل مثل تلك التي جمعت جوزيه مورينيو وبول بوجبا في مانشستر يونايتد، ربما كان من المفترض أن تكون العلاقة بينهما أكثر سلاسة، لكن ما حدث كان صراعًا دائمًا بين اثنين لا يعرفان التراجع.
في بداية موسم 2017-2018، بدا أن جوزيه مورينيو يدافع عن بول بوجبا بحماسة، حتى عندما كان اللاعب الفرنسي يتعرض لانتقادات من الإعلام والجماهير، في يناير 2018، بعد فوز مانشستر يونايتد على إيفرتون بهدفين دون مقابل، خرج مورينيو ليدافع عن بوجبا ضد انتقادات أسطورة الفريق السابق بول سكولز، الذي اتهم بوجبا بعدم تقديم المستوى المطلوب مقابل المبلغ الضخم الذي دفعه النادي للتعاقد معه.
مورينيو، الذي كان يساند بوجبا علنًا، أكد أن اللاعب الفرنسي سعيد في الفريق وأن طريقة لعب مانشستر يونايتد تناسبه، ومع مرور الوقت، بدأ الوضع يتغير بشكل مفاجئ. في فبراير من نفس العام، عقب مباراة توتنهام في ويمبلي، خرج مورينيو ليؤكد أن أداء خط الوسط لم يكن على المستوى المطلوب، مما بدا كإشارة واضحة إلى بوجبا.
في تلك المباراة، كان بوجبا غائبًا عن التغطية الدفاعية في عدة مناسبات، مما جعل خط دفاع مانشستر يونايتد مكشوفًا أمام هجمات توتنهام، هذا التراخي في أداء بوجبا لم يكن جديدًا، فقد عُرف اللاعب الفرنسي في العديد من المباريات بأنه لا ينفذ واجباته الدفاعية كما هو مطلوب، مما جعل مورينيو، الذي يضع الانضباط التكتيكي في أولوياته، يبدأ في الاستبعاد التدريجي له.
في وقت سابق، ظهر على بوجبا عدم الالتزام بالمسؤوليات الدفاعية المكلفة من جانب المدرب، حيث كان يتقدم بشكل غير مبرر للمدير الفني، تاركًا خلفه فجوات في منتصف الملعب، هذا السلوك لم يلقَ قبولًا لدى مورينيو، الذي أصبح يشعر أن بوجبا لا يلتزم بتعليماته التكتيكية، وهو أمر لا يستهين به المدرب البرتغالي.
ولكن النقطة المفصلية كانت في مباراة توتنهام في فبراير 2018، في هذه المباراة، بدأ بوجبا المباراة بشكل سلبي، حيث كان في دائرة المنتصف عندما سجل توتنهام هدفه الأول، وقد كانت هذه اللحظة بداية حرب جديدة بين المدرب واللاعب.
بعد ذلك، في الدقيقة 27، استبدل مورينيو بوجبا بماتا في خطوة تكتيكية لبحث عن حلول أفضل في خط الوسط، تلك كانت أول مرة يخرج فيها مورينيو عن صمته ليهاجم بوجبا علنًا في وسائل الإعلام.
التصعيد: “ماكتومناي” والدرس القاسي
في الثالث من مارس 2018، وبعد الهزيمة أمام نيوكاسل، قرر مورينيو أن يصعد الموقف أكثر، حيث استبعد بوجبا من التشكيل الأساسي لصالح سكوت ماكتومناي الشاب في المباراة التالية ضد هدرسفيلد.
وفي تصريحات مثيرة للجدل، قال مورينيو: “ماكتومناي يلعب بشكل ممتاز، وهذا هو سبب غياب بوجبا عن التشكيل”، كانت تلك الخطوة بمثابة درس قاسي لبوجبا، حيث أظهر مورينيو أنه لن يتردد في استبعاد أي لاعب إذا لم يتوافق مع فلسفته التكتيكية.
ما بين الانضباط التكتيكي والتمرد، كان بوجبا يعاني من حالة من عدم التأقلم مع أسلوب لعب مورينيو. على الرغم من تألقه أحيانًا، إلا أن عدم استعداده لتنفيذ الأدوار الدفاعية المطلوبة جعل العلاقة بينه وبين المدرب تصل إلى نقطة اللاعودة.
وبينما كان مورينيو يصر على تمسكه برؤيته، بدا أن بوجبا وصل إلى نقطة اللاعودة أيضًا، كانت العلاقة بينهما على شفا الانفجار، وكان الخيار الوحيد أمام بوجبا إما الخضوع لأسلوب المدرب أو الرحيل عن مانشستر يونايتد، مورينيو كان يوضح أن أي تصرف غير مخلص للتكتيك سيؤدي إلى “إقصاء” اللاعب.
وفي نهاية العام نفسه، تعرض جوزيه مورينيو للإقالة من جانب إدارة مانشستر يونايتد بسبب سوء النتائج، وخلفه أولي جونار سولشاير، ليخرج بوجبا حينها ويطلق تصريحه الشهير.
“كانت علاقتي بمورينيو رائعة في السابق. كان الجميع يرى ذلك، وفي اليوم التالي لا تعرف ما حدث”.
“الوضع الحالي مع أولي مختلف، فهو لا يعارض اللاعبين”.
“ربما لأنه [سولشاير] أقرب إلى الناس، لكل مدرب أسلوبه الخاص في تدريب اللاعبين والتعامل معهم، وكلاعب، عليك التكيف؛ أحيانًا لا يناسبك هذا الأسلوب، وأحيانًا يناسبك”.
– بول بوجبا.
هكذا كانت تصريحات بوجبا عندما تم سؤاله عن سبب انهيار علاقته مع جوزيه مورينيو الذي رحل عن الفريق قبلها بعدة أشهر.
ولعل السبب الأساسي لهذا الصراع كان اختلاف الرؤى: مورينيو يريد لاعبًا جماعيًا ينفذ التعليمات بحذافيرها، بينما بوجبا يريد مساحة للإبداع والظهور كلاعب حر في الملعب، ولكن ما خلف الكواليس كان الصدام بينهما في عدم قدرة مورينيو على احتواء النجوم والتعامل معهم بشكل أمثل على المستوى الشخصي.
ريبيري يثور في وجه جوارديولا بسبب “قيود الحرية”
كانت هذه أحد القصص التي سُمع صداها في أنحاء العالم، حيث دخل بيب جوارديولا في صدام عنيف مع نجوم بايرن ميونخ، وعلى رأسهم الفرنسي فرانك ريبيري.
“أنا لا أحتاج لمن يُملي عليّ التعليمات باستمرار. أحتاج أن أكون حرًا في الملعب. كنت بحاجة إلى تواصل مباشر، وتحفيز شخصي، وهو ما شعرت به مع مدربين مثل أوتمار هيتسفيلد ويوب هاينكس. أما أنشيلوتي، فهو هادئ جدًا ويمنح اللاعبين الثقة”.
– فرانك ريبيري عام 2014
كانت هذه كلمات ريبيري تجاه مدربه حينها، بيب جوارديولا، مشيرًا إلى أنه يشعر بكونه مقيدًا داخل الملعب، حيث يكلفه الإسباني بالعديد من المهام البعيدة عن الحرية التي يريدها داخل الملعب.
وبعد أقل من عامين، عاد فرانك ريبيري ليقدم انتقادات لاذعة لمدربه السابق، متهمًا إياه بـ”افتقاره للخبرة” في ميدان التدريب.
“لم تكن مسيرة بيب التدريبية طويلة، هو مدرب شاب يفتقر إلى الخبرة، أحيانًا يتحدث كثيرًا، كرة القدم في جوهرها بسيطة للغاية”.
– ريبيري عام 2016.
وفي نفس السياق، أشاد ريبيري بالإيطالي كارلو أنشيلوتي، الذي تولى المهمة خلف جوارديولا، مؤكدًا في حديثه لصحيفة “كيكر” الألمانية: “أشعر أخيرًا بالثقة تحت قيادة أنشيلوتي، إنه مدرب رائع، أشعر بالحرية والحماس معه؛ كارلو هدية للنادي”.
وفي نهاية المطاف، رحل بيب جوارديولا عن بايرن ميونخ، رغم تعدد الأسباب وراء قرار الرحيل، إلا أن الصدام بالنجوم يظل السبب الأوضح وراء ذلك.
هذه كانت، ولا تزال، طريقة كارلو أنشيلوتي في إدارة الفريق، يمنح اللاعبين الحرية، حتى وإن كان على حساب الانضباط التكتيكي داخل الملعب، أو الانضباط الشخصي خارجه، وهو الذي يعاني منه حاليًا لاعبي ريال مدريد بعد رحيل الإيطالي.
هل يسقط تشابي ألونسو في فخ مورينيو وبيب؟
شهد ريال مدريد في الأسابيع الأخيرة تراجعًا ملحوظًا في مستواه، وهو ما أثار قلقًا داخل أروقة النادي، ورغم الثقة الكبيرة التي يضعها فلورنتينو بيريز، رئيس النادي، في المدرب تشابي ألونسو، إلا أن الفريق يواجه تحديات جسيمة قد تعصف بتوازنه في الفترة القادمة.
الأزمة داخل الفريق تتفاقم، خاصةً مع وجود خلافات بين ألونسو وبعض اللاعبين البارزين، مثل فينيسيوس جونيور ورودريجو، إذ يُظهر الوضع أن المدرب الجديد قد يواجه صعوبة في كسب دعم جميع لاعبيه، الأمر الذي يعكس التحديات التي يواجهها في التوفيق بين الانضباط التكتيكي والواقع داخل غرفة الملابس.
وجاءت الصدمة الكبرى، بعدما خرجت تسريبات تكشف عن أحد الأسباب الرئيسية وراء هذه الأزمة، وهو التغيير الكبير في ثقافة الانضباط الذي فرضه ألونسو بعد رحيل كارلو أنشيلوتي، حيث ان العديد من اللاعبين كانوا معتادين على أسلوب حياة أكثر مرونة تحت قيادة المدرب الإيطالي، حيث كانوا يذهبون إلى إيبيزا بعد المباريات بدلًا من العودة إلى مدريد للاحتفال بيوم راحة.

(المصدر: Getty images)
هذه الحرية الشخصية كانت جزءًا من أسلوب أنشيلوتي، وهو ما أثار استياء بعض النجوم بعد تطبيق ألونسو لمعايير انضباطية أكثر صرامة، بعض اللاعبين الذين استمتعوا بحرية أكبر في عهد أنشيلوتي، أصبحوا الآن غير قادرين على التكيف مع الانضباط الذي يفرضه ألونسو، وهو ما أدى إلى تصاعد التوترات داخل الفريق.
الآن، يبدو أن اللاعبين الذين اعتادوا على مرونة في التدريبات والحياة الشخصية تحت إشراف المدرب السابق، أصبحوا يشعرون الآن بأن المدرب الجديد يتدخل في حياتهم أكثر من اللازم، وبات من الواضح أن هذا التغيير قد أثر على تفاعلهم مع أسلوب ألونسو، بل أن بعضهم شعر بالإهانة نتيجة لهذا التدخل.
مستقبل ألونسو في مهب الريح
على الرغم من الضغوط المتزايدة، يبقى من المهم أن يتمسك ألونسو بتوجهاته، إذ أن الانضباط في التدريبات قد يكون عاملًا حاسمًا في الحفاظ على استقرار الفريق على المدى الطويل، ورغم أن بعض اللاعبين قد يشعرون أن المدرب يتجاوز حدوده في بعض الأحيان، إلا أن نجاح الفريق في المستقبل قد يعتمد على تمسكه بالقيم التي يروج لها.
ومع ذلك، يبقى السؤال حول مدى قدرة ألونسو على تجنب المزيد من الاحتكاك مع اللاعبين والتكيف مع التحديات الداخلية التي تواجهه، في ظل هذه الأزمات، يبدو أن فترة المدرب الإسباني في ريال مدريد قد تكون أكثر صعوبة مما كان متوقعًا، ومع مرور الوقت، سيكشف المستقبل عن قدرة الفريق على تجاوز هذه العثرات أم لا.

تعليقات