“لقد مات والدك”.. 7 ثوانٍ أشعلت أدريانو والإنهيار كان مؤجلًا بعد الموسم الأعظم

“لقد مات والدك”.. 7 ثوانٍ أشعلت أدريانو والإنهيار كان مؤجلًا بعد الموسم الأعظم


مع كل توقف دولي، يعود اسم أدريانو للظهور مجددًا مع جملة واحدة تتكرر كأنها شبح لا يختفي: “أدريانو، لقد مات والدك.”

خلف تلك الجملة التي هزّت قلوب الملايين، هناك حكاية أعمق بكثير من لحظة حزن. ليست قصة دموع فقط، بل حكاية انهيار تدريجي لرجل حمل أحلامًا على كتفيه، ثم سقط تحت ثقلها.

لم تكن المكالمة سوى بداية النهاية، لكن السبب الحقيقي لانطفاء الإمبراطور كان شيئًا آخر.. شيئًا منعه من تجاوز الألم، بل عمّقه أكثر.

أدريانو الذي عاش ميتًا

العنوان ليس مبالغة، بل هو واقع قاسٍ عاشه أدريانو في سنواتٍ كان من المفترض أن تكون ذروة انفجاره وتألقه، كان العالم ينتظر فيها ميلاد أسطورة برازيلية جديدة، فإذا بها تتحول إلى حكاية مؤلمة، تُروى فقط عندما تتوقف كرة القدم عن الدوران في الدوريات الأوروبية.

وفي فترة التوقف الدولي الحالية، نعود لنروي حكاية الرجل الذي خسر مسيرته فور انطلاقها، لا بسبب الموت وحده، بل بسبب ما تركه الموت في داخله.

كرة القدم طريق الوصول إلى المال

وُلد أدريانو عام 1982، في أحد أحياء ريو، وكان يحب كرة القدم مثل الكثير من أطفال البرازيل. كان يلعب حافي القدمين على الملاعب الترابية، لأنه كان يعتبر كرة القدم مجرد هواية.

كان يريد أن يصبح رجلًا غنيًا، وهذا ما أكده في تصريحاته الأخيرة، وربما هذا ما دفعه حقًا لكي يتحول من لاعب هاوٍ إلى محترف.

في عام 1999 انضم إلى فريق فلامنجو للشباب، وأبهر الجميع ببنيته الضخمة وقوته الكبيرة، وتحوّل من ظهير أيسر إلى مهاجم، بسبب رؤية المدربين أن هذا المركز هو الأنسب لأدريانو.

تألقه مع الشباب قاده للفريق الأول، وشارك لأول مرة في عام 2000، وسجل هدفه الأول قبل أن يتم عامه الثامن عشر بأيام قليلة ضد ساو باولو، ليوقع في يونيو من ذلك العام عقدًا احترافيًا لمدة عامين مع فلامنجو، وسجل 10 أهداف في 24 مباراة.

إنتر ميلان.. حيث عرف العالم الإمبراطور

لفت أدريانو أنظار إنتر ميلان، الذي تعاقد معه في صيف 2001، في صفقة كلفت خزائن النيراتزوري 13 مليون يورو، وهو رقم كبير للاعب لم يتجاوز الـ20 عامًا.

ذلك الأمر أدى إلى صعوبة التأقلم في البداية، بسبب اللغة، إذ لم يكن يتحدث أدريانو الإيطالية، ولكن رونالدو الظاهرة كان في النيراتزوري، وساعده كثيرًا على التأقلم.

“لقد منعني رونالدو من تعلم الإيطالية من النساء في الملاهي الليلية، حاول أن يساعدني على التأقلم، وجعلني أجيد الإيطالية بطلاقة.”

أدريانو

بعد 6 أشهر فقط، لعب صاحب القميص رقم 14 ثماني مباريات وسجل هدفًا واحدًا ضد ريال مدريد، لينضم إلى فيورنتينا مُعارًا في يناير 2002.

سجل أدريانو 6 أهداف في 15 مباراة، وكونه لا يزال جديدًا نسبيًا في الدوري الإيطالي، فقد كان تسجيل هذا العدد الكبير من الأهداف في مباريات قليلة أمرًا ممتازًا.

مفتاح انتقال كانافارو

في صيف 2002 انتهت إعارة أدريانو، وقد لفت أنظار بارما، الذي اشترط الحصول على خدماته لكي يسمح لإنتر بالتعاقد مع المدافع فابيو كانافارو.

ووافق النيراتزوري بالفعل، ولكن مع بقاء نسبة في عقد اللاعب، وإمكانية عودته من جديد خلال موسمين، مع الاتفاق على بعض الشروط.

وفي بارما، انفجر أدريانو خلال عامي 2002 و2004، وسجل 23 هدفًا في 37 مباراة، وكوّن ثنائية هجومية مرعبة مع أدريان موتو المهاجم الروماني، ليقرر النيراتزوري استعادة اللاعب في يناير 2004 مقابل 23.40 مليون يورو.

هكذا أصبح أدريانو غنيًا، فقد أنفق إنتر ما يقارب 45 مليون يورو في 4 سنوات لضمه، ولعب بجانب رونالدو الظاهرة، وفي الدوري الأقوى في العالم خلال ذلك الوقت.

رونالدو الجديد ظهر في ميلانو

تألق في نصف موسم مع إنتر، ومن يناير إلى مايو 2004، شارك في جميع مباريات الدوري والكأس، في 21 مباراة إجمالًا وسجل 13 هدفًا، وقاد الفريق للتأهل إلى دوري أبطال أوروبا، وهو في عمر الـ22 عامًا.

ذلك العمر الذي يبزغ فيه نجم اللاعب، فترة التوهج والعطاء، خاصة وأن البرازيلي كانت بدايته مُبهرة منذ أن كان في فلامنجو وحتى لعب لثلاثة أندية إيطالية في 4 سنوات فقط.

الأمر لم يتوقف هنا، فقد تمكن أدريانو من قيادة البرازيل للفوز بكوبا أمريكا على حساب الأرجنتين في 25 يوليو 2004، بعدما سجل هدف التعادل القاتل في شباك راقصي التانجو، ومن ثم تفوق السيليساو بركلات الترجيح.

أدريانو - البرازيل - المصدر (Getty images)
أدريانو – البرازيل – المصدر (Getty images)

أدريانو.. لقد مات والدك

تلك الجملة الشهيرة التي تنتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة، هي بالفعل التي سمعها أدريانو في مكالمة هاتفية مدتها 7 ثوانٍ.

بعد أسبوع من التتويج ببطولة كوبا أمريكا على حساب الأرجنتين، عاد أدريانو إلى إنتر ميلان، وكان الفريق يستعد لمواجهة بازل بطل سويسرا في مباراة تصفيات دوري أبطال أوروبا.

تلقى الشاب البرازيلي مكالمة هاتفية، أخبره أحدهم بإصابة والده ألمير ليتي ريبيرو بمرض مفاجئ أدى إلى وفاته في سن الـ44 عامًا.

يقول خافيير زانيتي، قائد إنتر ميلان التاريخي: “كان متعلقًا به جدًا. قبل بداية الموسم، تحديدًا أثناء لعبنا في كأس تيم، حدث أمرٌ صادم. تلقى مكالمة هاتفية من البرازيل: أدريانو، والدك قد مات. رأيته في غرفته، رمى الهاتف وبدأ بالصراخ. لا يُمكن تخيل هذا النوع من الصراخ، لم أشاهده في حياتي. أشعر بالقشعريرة حتى يومنا هذا كلما تذكرت المشهد. منذ ذلك اليوم، بدأنا أنا وموراتي -رئيس إنتر- نرعاه كأخٍ صغير”.

تلك المكالمة كانت في الرابع من أغسطس، وقبل 7 أيام من مواجهة بازل، حيث شارك أدريانو وسجل هدف التعادل في سويسرا، ثم في مواجهة الإياب بملعب جوسيبي مياتزا سجل ثنائية وصنع هدفًا في الفوز 4-1.

في موسم 2004-2005، أطلقت جماهير إنتر ميلان على أدريانو لقب “رونالدو الجديد” بعد رحيل الظاهرة، حيث سجل 28 هدفًا وصنع 5 في 42 مباراة.

تصدّر أدريانو محركات البحث عندما كان الجميع يحاول معرفة ما يحدث في الدوري الإيطالي عبر الإنترنت، بل وتصدّر أغلفة الصحف وألعاب الفيديو جيم.

كان ذلك الموسم هو الأفضل في مسيرة “أدي”، الذي كان بعد وفاة والده مباشرة، فقد سجل 12 هدفًا في دوري أبطال أوروبا وصنع 4، قبل أن يخرج الفريق من ربع النهائي، بسبب مشاركته في الإياب ضد ميلان وهو مُصاب، وقد غاب عن الذهاب.

“دفعه موت والده إلى أن يصبح لا يُقهر. يُسجل هدفًا تلو الآخر، ويلعب كرجلٍ مُصابٍ بالجنون.”

ـ صحيفة لاجازيتا ديلو سبورت الإيطالية

ما تراه ليس كما يبدو

تلك الجملة كانت أكثر واقعية لما مر به أدريانو، لأن موسمه الأفضل كان بعد وفاة والده، فترته الذهبية مع المنتخب البرازيلي وتتويجه بكوبا أمريكا 2004، ثم تألقه في نهائي القارات 2005، جميعها أشياء تجعلك لا تتوقع أبدًا أن هذا اللاعب يُعاني من الاكتئاب.

يوضح ذلك أدريانو في تصريحاته عندما قال: “في غضون تسعة أيام، انتقلت من أسعد يوم في حياتي إلى أسوأ يوم في حياتي. كنت أملك العالم بين يدي، ثم أصبحت الرجل الأتعس في العالم.”

“تلقيتُ اتصالًا من المنزل. أخبروني بوفاة والدي بنوبة قلبية، أريد التحدث عن ذلك حقًا، لكن سأخبركم أنه بعد ذلك اليوم، لم يعد شغفي بكرة القدم كما كان. كان والدي يحب اللعبة، فأحببتها. كان الأمر بهذه البساطة، لكن هذا قدري، عندما لعبت كرة القدم، كنت ألعب من أجل عائلتي. عندما سجلت، سجلت من أجل عائلتي. لذا، عندما رحل والدي، لم تعد كرة القدم كما كانت.”

“كنتُ في إيطاليا، بعيدًا عن عائلتي، ولم أستطع التأقلم. أصابني اكتئاب شديد. بدأتُ أشرب كثيرًا. لم أكن أرغب في التدريب.”

أدريانو - إنتر ميلان - المصدر (Getty images)
أدريانو – إنتر ميلان – المصدر (Getty images)

“لأكون صريحًا معكم، رغم أنني سجلتُ الكثير من الأهداف في الدوري الإيطالي خلال تلك السنوات القليلة، ورغم حب الجماهير لي، إلا أن فرحتي تلاشت. كان والدي هو السبب، أتعلمون؟ لم أستطع أن أشعر بنفسي مجددًا بمجرد لمسة زر، وبمجرد النظر إلى هاتفي.”

إلى جانب معاناته من الاكتئاب، عانى أدريانو أيضًا من إدمان الكحول. وبدأ نمط حياته خارج الملعب يؤثر عليه، فبدأ يتغيب عن التدريبات، ويقضي الليالي في الحفلات، وتراجعت طباعه وكذلك أرقامه في الملعب.

إنتر سئم من أدريانو

سجل 13 هدفًا في 30 مباراة بالدوري الإيطالي، وفي آخر 12 مباراة لم يسجل سوى هدف واحد، وحينها خسر إنتر ميلان الدوري في الملعب، قبل أن يحصل عليه اعتباريًا بعد هبوط يوفنتوس وقضية الكالشيوبولي.

في الموسم التالي 2006-2007، جاء إلى إنتر ميلان جوزيه مورينيو، وبسبب نمط حياة أدريانو، كان لاعبًا احتياطيًا، وأحيانًا خارج القائمة بالكامل، ليسجل 4 أهداف في أول 20 مباراة مع الفريق في الكالشيو.

تراجعت أرقام أدريانو الذي لم يكن يعي ما يحدث، وفي موسم 2007-2008، رحل أدريانو في يناير 2008 إلى ساو باولو مُعارًا من أجل استعادة لياقته.

الأمور لم تسر كما هو مخطط لها، فقد بدأ أدريانو في الغياب، والانحدار تواصل، رغم تسجيله 6 أهداف في 10 مباريات مع الفريق، ولكن ذلك لم يكن كافيًا لإقناع النادي البرازيلي بالتوقيع معه بعقد دائم.

عاد أدريانو في صيف 2008 إلى إنتر، وكان يُشارك من حين لآخر، لكنه لم يعد اللاعب الأساسي، في ظل وجود إبراهيموفيتش وكروز وكريسبو والشاب بالوتيلي.

قبل نهاية الموسم، قرر إنتر ميلان فسخ عقد أدريانو، رغم محاولات موراتي لإقناع مورينيو بإعطاء اللاعب فرصة جديدة.

المسمار الأخير في نعش مسيرة الإمبراطور

في 2009 عاد أدريانو إلى فلامنجو فريق طفولته، واستعاد جزءًا كبيرًا من مستواه المُبهر، وقاد الفريق من خلال أهدافه للفوز بلقب الدوري البرازيلي لأول مرة منذ عام 1992.

تألق أدريانو مع فلامنجو لفت أنظار روما، الذي أعاد اللاعب إلى إيطاليا في يونيو 2010 بعقد لمدة 3 سنوات، ولكن بعد 6 أشهر فقط فسخ الذئاب عقد البرازيلي.

أدريانو - فلامنجو - المصدر (Getty images)
أدريانو – فلامنجو – المصدر (Getty images)

السبب وراء ذلك لم يكن إهماله، ولكن الإصابات في بداية الموسم، ثم التي تعرض لها في النصف الثاني، وهنا كانت النهاية لمسيرة أدريانو، رغم أنها استمرت 5 سنوات أخرى.

أدريانو أُصيب بقطع في وتر أكيليس، واستلزم الأمر غيابه 7 أشهر، ليفسخ روما عقده، ثم يعود البرازيلي إلى وطنه عبر بوابة كورينثيانز.

“عندما أُصبتُ بكسر في وتر أخيل عام 2011؟ يا رجل، عرفتُ حينها أن كل شيء قد انتهى بالنسبة لي جسديًا. يمكنك الخضوع لجراحة وإعادة تأهيل ومحاولة الاستمرار، لكنك لن تعود كما كنت. فقدت قوتي الانفجارية، فقدت توازني، يا للهول، ما زلتُ أعرج في المشي. لا يزال لديّ ثقب في كاحلي.”

قال أدريانو: “كان الأمر نفسه عندما توفي والدي، إلا أن الأمر يختلف لأن الألم حينها كان بداخلي، الأمر كان بكل بساطة (عندي ثقب في كاحلي، وواحد في روحي).”

“الصحافة أحيانًا لا تفهم أننا بشر. كان امتلاك لقب الإمبراطور ضغطًا كبيرًا عليّ. جئت من العدم. كنت طفلًا يريد فقط أن يلعب كرة القدم، ثم يشرب مشروبه ويقضي وقته مع أصدقائه، وبعد الإصابة عدت إلى ذلك الرجل.”

أدريانو - كورنثيانز - المصدر (Getty images)
أدريانو – كورنثيانز – المصدر (Getty images)

بعد إصابته، لعب أدريانو لكورينثيانز لمدة عام، ثم توقف عن ممارسة كرة القدم 5 مرات خلال 4 سنوات، لعب خلالها لأندية فلامنجو وأتلتيكو مينيرو وميامي يونايتد.

أدريانو لا يُدافع عن نفسه

عاد أدريانو للعيش في البرازيل، وأشارت تقارير إلى أنه بدد ثروته بعدما عاد إلى الأحياء الفقيرة التي نشأ فيها، ويترأس عصابة محلية لحمايته، مع بعض الأعمال الإجرامية.

رد أدريانو على ذلك قائلًا: “قالوا إنني عدتُ إلى الأحياء الفقيرة وكنتُ أتعاطى المخدرات، وقصصًا طريفة. كانوا ينشرون صورًا لي ويقولون إنني كنتُ محاطًا بكل هؤلاء المجرمين وإن قصتي كانت مأساة.”

“لكن عليّ أن أضحك، لأنهم لا يعرفون ما يفعلونه عندما يتحدثون بهذه الطريقة. إنهم لا يدركون كم يُظهرون عورتهم، لكنني لن أرد عليهم، سأستمر في الضحك.”