عندما تتعطَّل ماسورة صغيرة في الجدار، أو يتعطَّل مكيِّف في عزِّ الصيف، نهرع إلى الشارع؛ بحثًا عن «معلِّم» يقف أمام محال السباكة، أو الكهرباء، أو ينتظر على رصيف مزدحم، عامل لا تعرف من أين جاء؟ ولا مَن علَّمه المهنة؟ ولا ماذا قد يترك خلفه بعد أنْ يغلق باب بيتك؟
ترى.. هل هي مجرَّد أعمال سباكة وكهرباء؟ أم أنَّ خلف المفكَّات صداعًا أكبرَ؟ ماذا لو حمل هذا الغريب أسرار البيوت إلى المقاهي؟ أو سرق قطعة حديد؛ ليبيعها في سوق الخردة؟ مَن يراقب هؤلاء؟ ومَن يلزمهم بشهادة، أو تصريح، أو حتى أدنى معايير للمهنة؟
يخبرني مقاول قديم، أنَّ وراء بعض هذه العمالة فضائح، لو كُشف عنها لعرفنا أنَّنا نعيش وسط جيش من المتسلِّلين إلى المهنة: تمديدات عشوائيَّة، تسليك كهربائي مكشوف، ومواسير تفيض في قلب الجدران.
يقول: هناك مَن يستعجل «إنجاز العمل»؛ ليقبض أجره، فيزرع خرابًا يعود بعد أسابيع، ثمَّ يختفي دون عنوان، ولا حسيب، ولا رقيب.
المدهش أنَّ بعض الشركات الصغيرة التي تروِّج لصيانة المكيِّفات، وغسلها عبر وسائل التواصل، ترفع شعارات برَّاقة، وتقدِّم عروضًا مغرية. وإذا دقَّقت ستجد العرض في الظاهر يبدو «احترافيًّا»: تنظيف مكيِّفات كاملة بـ250 ريالًا فقط. لكن في الحقيقة، قد لا يتجاوز الأمر شخصًا استُقدم من بيئة لا يعرف فيها حتَّى كيف يفتح باب الطائرة، فيضع ماءً في «سطل» صغير، ويملأ رشاشًا عاديًّا، ثم ينثره هنا وهناك، ويقول «انتهيت»! لا أدوات حقيقيَّة، لا مواد تنظيف، لا فلاتر، ولا فحص.. مجرَّد مسرحيَّة رذاذ ماء.
وتخيَّل لو كانت هذه «الزبونة» امرأةً كبيرةً في السنِّ، أرملةً، أو مريضةً لا تعرف كيف تراجع عمله، ولا تملك مَن يحميها من غش هذه العمالة الجاهلة، التي تقف وراءها شركات صيانة رديئة، تستغل حاجتها، وتملأ الإنترنت بإعلانات استعراضيَّة لا تحمي بيوتنا من الداخل.
هذا مجرَّد نموذج بسيط.. وخلفه خبايا أكبر في أعمال السباكة والكهرباء، وتركيب المكيِّفات وغير ذلك، حيث يفتح الباب «عامل»، ويغلقه دون رقيب، ثم نكتشف الخراب بعد حين.
ترى.. أين لجان التفتيش؟ أين الجهات التي تتابع جودة مَن يدخل بيوتنا؟ أم نترك ظهورنا مكشوفةً لمَن هبَّ ودبَّ من كلِّ الجنسيَّات؟
صحيح أنَّ بعض الأسر بدأت تتعلَّم شيئًا من الصيانة الذاتية، مقاطع تعليميَّة، وأدوات بسيطة، لكنْ هل يكفي ذلك لحماية كل بيت من غش العمالة، وضعف الرقابة؟
صدِّقوني.. إذا تشوَّهت مدننا بعمالة هامشيَّة، ستتشوَّه بيوتنا من الداخل قبل الخارج. عندما تتساقط الجدران، أو يفيض الماء في غرفة نومك، ستدرك أنَّ المفكَّات وقعت في رؤوسنا منذ زمن، لكنَّنا كنَّا مشغولين بتصديق «معلِّم» يقف على الرَّصيف، أو شركة تلمع إعلانها بلا ضمان.
قبل أنْ تقع الفأس في الرأس.. اسألوا أنفسكم: مَن يدخل بيوتكم؟ مَن منحه المفتاح؟ ومَن يحميكم منه حين يغلق الباب وراءه؟!