عود الأراك، ليته لم يظهر لي

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


السِّواك في أصله سُنَّة نبويَّة كريمة، أوصى بها النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وحدَّد لها توقيتًا مستحبًّا، أبرزها عند الوضوء، باعتباره أداةً من أدوات النظافة التي ينبغي استخدامها في مواضع وأوقات محدَّدة. لكن ما نشهده اليوم مختلف تمامًا، فقد تحوَّل السِّواك إلى «رفيق الدرب»، لا يُستخدم فقط عند الحاجة، بل يُستعرض في كل زمان ومكان، حتَّى بات مشهد شخص يمضغ عود الأراك بحماس، وسط زحام السوق، أو أثناء إنجاز معاملة رسميَّة، أمرًا مألوفًا! بل إنَّ البعض يستخدمه وكأنَّه وسيلة ترفيه، يديره في فمه كما لو كان عودًا سحريًّا، غير آبهٍ بنظرات الدهشة والاستغراب من حوله!

ولأنَّ لكل ظاهرة «إتيكيتًا»، فإنَّ الاستخدام المفرط للسِّواك بات ينافس طقوس بعض العادات الاجتماعيَّة العريقة، حتَّى وصل الأمر بالبعض إلى التعامل معه كأنَّه امتداد لشخصيَّته! فمنهم مَن يضعه خلف أذنه كسيجارٍ فاخرٍ، ومنهم مَن يخرجه من جيبه بحركة استعراضيَّة أشبه بإخراج قلم حبر ماركة فاخرة، ومنهم مَن يمضغه بانسجام تام، وكأنَّه في جلسة تأمُّل روحيٍّ!

لا شكَّ أنَّ السِّواك من الطيِّبات التي أوصى بها الشرعُ، لكنَّه كغيره من أدوات العناية الشخصيَّة، له مواضع تناسب استخدامه، ومواقف ينبغي تجنُّبه فيها، فليس من اللائق أنْ يُستاك أمام النَّاس بطريقة مبالغ فيها، تتنافى مع الذَّوق العام، وتجعل المشهد أقرب إلى «فقرة استعراضيَّة» منه إلى تطبيق لسُنَّة نبويَّة. وإذا أردنا اتِّباع السُّنَّة النبويَّة بحقٍّ، فعلينا أنْ ندرك الحكمة من تشريعها، ونمارسها وفق ما تقتضيه مقاصدها، لا أنْ نحوِّلها إلى ممارسة يوميَّة غير منضبطة.

ومع هذا الانتشار الكبير للسِّواك، لا يُستبعد أنْ يتطوَّر الأمر في المستقبل؛ ليصبح عنصرًا أساسًا في عالم الموضة الرجاليَّة! تخيَّلوا معنا: إصدارات فاخرة من السِّواك بألوان وتصاميم مبتكرة، مغلَّفة في علب أنيقة تحمل توقيع أشهر العلامات التجاريَّة! وربما نشهد حملات إعلانيَّة ضخمة تروِّج له تحت عناوين برَّاقة مثل: «سواك بطعم القهوة»، أو «عود أراك بنكهات فاخرة».

أخيرًا ، ليس المطلوب التخلِّي عن السِّواك، بل استخدامه بوعي واتِّزان، بما يحقق مقاصد السُّنَّة النبويَّة، ويحافظ على الذَّوق العام. أمَّا إذا استمرَّ هذا الهوس بالسِّواك على هذا النحو، فقد نصل إلى زمن يصبح فيه امتلاك «السِّواك الذكيِّ» علامة على الوجاهة الاجتماعيَّة.

علي حسن حسون

@ alihassoun3



‫0 تعليق

اترك تعليقاً