هل سيكون هناك حل سياسي أم اتفاق مضمونة؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


تترقّب الأوساط الليبية بحذر تفاصيل خريطة الطريق الأميركية المنتظرة، بعدما توّج الرئيس دونالد ترامب تصريحات عدد من مسؤولي إدارته بشأن حلّ سياسي تجري بلورته لأزمة طال أمدها لأكثر من عقد.
وفي خضمّ توترات إقليمية معقدة، سُجّل تحرّك ديبلوماسي أميركي لافت لاستعادة النفوذ في أفريقيا، بعد سنوات من الانكماش أمام تصاعد الحضور الروسي والصيني في القارة. ويُتوّج هذا التحرّك بلقاء يُرتب له حالياً بين الرئيس الأميركي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة في البيت الأبيض، وذلك بعد أيام من محادثات أجراها ترامب مع قادة خمس دول أفريقية في واشنطن.
مع ذلك، لا تزال الرؤية الأميركية تجاه الملف الليبي غير واضحة، وسط تصاعد الشكوك الليبية حيال عدد من القضايا، أبرزها ملفّ الهجرة غير النظامية، والقرارات الأميركية الأخيرة التي شملت فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على الواردات الليبية.
ويرجّح رئيس الائتلاف الليبي–الأميركي فيصل الفيتوري أن معالم الخطة الأميركية باتت شبه مكتملة، متوقعاً الإعلان عنها خلال الإحاطة المقبلة لرئيسة بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا هانا تيتيه أمام مجلس الأمن في منتصف الشهر المقبل. ويوضح الفيتوري، لـ”النهار”، أن الإعلان سيكون تتويجاً لسلسلة لقاءات تنسيقية ستعقدها تيتيه مع عدد من كبار المسؤولين الأميركيين في واشنطن، بهدف ضبط آليات التنفيذ وتنسيق الأدوار.
وبحسب الفيتوري، فإن “الطرح الأممي المدعوم أميركياً سيرتكز على إحياء لجنة الحوار السياسي الليبي بصيغة موسعة، تضمّ ممثلين عن مختلف التيارات الوطنية، وتُمنح صلاحيات تشريعية انتقالية، بعد تجميد مجلسي النواب والدولة (السلطة التشريعية الحالية)، وتمكين اللجنة من تشكيل حكومة موحّدة تشرف على تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية ضمن جدول زمني واضح”. وتوقع أن تُعيّن الإدارة الأميركية قريباً موفداً رئاسياً خاصاً جديداً إلى ليبيا، يتمتع بصلاحيات واسعة، لتولّي الملف مباشرةً، بالتوازي مع جهود البعثة الأممية، بما يعكس رغبة أميركية في ممارسة دور أكثر تأثيراً.
إلى ذلك، من المرجّح أن تشمل الخطة الأميركية أيضاً “تفعيل آليات العقوبات الأممية ضد الجهات التي تعرقل مسار التسوية، سواء كانت كيانات سياسية أو عسكرية”.
غير أن الفيتوري يعبّر عن قلقه من “مؤشرات إلى وصول وسطاء غير ليبيين إلى واشنطن، مدعومين بتمويلات سياسية من أطراف داخل ليبيا لا تملك شرعية، سعوا لعقد لقاءات خلف الأبواب المغلقة لتمرير تفاهمات تتعلق بملفات سيادية شديدة الحساسية، من بينها الأموال الليبية المجمّدة، أو ترتيبات أمنية، أو حتى مقترحات لإعادة توطين مجموعات غير ليبية داخل ليبيا”.
ويحذّر الفيتوري من أن “مثل هذه السيناريوات، إن صحّت، غير مقبولة سياسياً ولا شعبياً، وقد تشعل الفوضى مجدداً بدلاً من تحقيق الاستقرار”، مشدداً على أنه “يعمل على إلغاء أيّ لقاء رسمي مع أطراف تفتقر للشرعية، ويدعو إلى تفادي أيّ تفاهمات تتعلق بملفات مالية أو أمنية في ظلّ واقع انتقالي هش”.
من جانبه، يؤكّد خالد المشيطي، الرئيس التنفيذي لمركز السياسات الاستراتيجية والسلام في واشنطن، لـ”النهار”، أن “المشروع الأميركي في ليبيا سيتماهى مع الخطة الأممية، خاصة في ظلّ التحركات الأخيرة الساعية إلى تفكيك الأزمة بجدية، خلافاً للمقاربات السابقة”.
ويضيف: “هناك جدية واضحة لدى الإدارة الأميركية الحالية لدعم تسوية شاملة تنهي الانقسام، وهذا لا ينفصل عن استراتيجيتها الأشمل تجاه المنطقة”. ويشير إلى أن “ترامب، المعروف برؤيته الاقتصادية، يدرك أن تحقيق المصالح الأميركية، خاصة في أفريقيا الغنية بالمعادن الاستراتيجية، يتطلّب استقراراً سياسياً وأمنياً. وليبيا، بموقعها الجغرافي، تُعدّ بوابة شمال أفريقيا، ومن الطبيعي أن تبدأ أيّ عودة أميركية مدروسة نحو القارة من هناك”.
ويعتبر المشيطي أن الولايات المتحدة “تمتلك أوراق التأثير الأساسية، سواء عبر الدعم الدولي أو الضغط الإقليمي، وهي قادرة على تحقيق توافق يُرضي الجميع”، مشيراً إلى ما حدث في الأيام الأخيرة من تحجيم للتصعيد العسكري في طرابلس “بفعل تدخل مباشر من واشنطن وأنقرة”.

 

زيارة الدبيبة… رسائل وفرص
تأتي زيارة رئيس حكومة الوحدة الوطنية المرتقبة إلى واشنطن وسط تحديات سياسية وأمنية تعصف بليبيا، ولا سيما في العاصمة طرابلس، بحسب الخبير الليبي في شؤون العلاقات الدولية عبد العزيز إغنية، الذي لمّح بدوره إلى “شبهات تحوم حول خلفيات الزيارة”.

ويقول: “ثمة مؤشرات إلى أنها قد تكون صفقة مع شركات علاقات عامة أكثر منها زيارة رسمية فاعلة. ووفق أسلوب تعامل الرئيس الأميركي، لن يُتاح للدبيبة مناقشة ملفات تخص ليبيا بعمق، بل سيتلقى توجيهات محددة، لكنّه سيحاول استثمار الزيارة لتصويرها كدعم أميركي له في مواجهة تصاعد المعارضة لبقائه في منصبه”.

كذلك يستبعد أن تكون لدى الإدارة الأميركية خطة واضحة، “وإلا لظهرت معالمها بالفعل”، مرجحاً أن تكتفي واشنطن بـ”دعم تحركات البعثة الأممية”. ويضيف: “السؤال المحوري الآن هو: هل تؤيد واشنطن تشكيل حكومة موحدة تقود البلاد نحو الانتخابات رغماً عن القوى المسيطرة؟ دون ذلك ستظل الأزمة تراوح مكانها”.

الضغوط الأميركية… هل تُغيّر المعادلة؟
أما نائب رئيس حزب “ليبيا الأمة”، أحمد دوغة، فيعرب عن اقتناعه بأن واشنطن قادرة على إجبار الأطراف الليبية المتصارعة على الجلوس إلى طاولة التسوية إذا ما قرّرت التدخّل بجدية.
وفي حديثه إلى “النهار”، يشير دوغة إلى “وجود معلومات عن خطة أميركية للحل السياسي، لكن معالمها لا تزال غامضة”، معتبراً أن “تبنّيها من قبل البعثة الأممية سيمثّل قوة دفع حقيقية لإنقاذ ليبيا من معاناتها المستمرة منذ سنوات”.
ويختم قائلاً: “إذا استخدمت واشنطن أدوات الضغط الفعالة، فستُرغم الجميع على القبول بالتسوية. لكن السؤال يبقى: هل ما يُطبخ في واشنطن هو حلّ سياسي… أم صفقة مشبوهة؟”.

 



‫0 تعليق

اترك تعليقاً