مراجعة التحديث: تقييم ما قبل التعديل ـ تأليف: سلامة الدرعاوي

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


هل نحن على الطريق الصحيح؟ وهل تسير خطة التحديث الاقتصادي وفق ما وُضِع لها من أهداف وطموحات؟ هل أداؤنا في التنفيذ يوازي حجم الرؤية التي أُطلقت برعاية ملكية سامية؟ وهل النسب التي تحققت حتى الآن في خطة التحديث الاقتصادي تعكس تقدماً فعلياً؟ وهل نحن، بعد مرور ثلاث سنوات على إطلاق الخطة، نمتلك مؤشرات أداء واضحة ومقنعة؟ هذه الأسئلة لا بد من طرحها عند مراجعة المرحلة الأولى من البرنامج التنفيذي، خاصة أن الأرقام أصبحت متاحة، والمساءلة باتت ضرورة لا خياراً.البيانات التي أُعلنت تكشف أن الحكومة أنجزت 177 أولوية من أصل 545 منذ بداية 2023 وحتى نهاية النصف الأول من 2025، أي بنسبة 32.5 %، كما أن هناك 342 أولوية ما تزال قيد التنفيذ، تمثل 62.9 % من الإجمالي، وفي المقابل، لا تتجاوز عدد الأولويات المتأخرة 21 فقط، أي بنسبة 3.9 %، فيما لم يُباشر بالعمل سوى على 4 أولويات (أقل من 1 %).هذه النسب، على مستوى الأداء العام، تُظهر أن الخطة لم تتعطل، وأن العمل جارٍ بوتيرة جيدة، خصوصاً أن نسبة التأخير شبه هامشية، لكن الأرقام، كما هو معروف، لا تكتسب قيمتها الحقيقية إلا عند ربطها بالسياق، من خلال نوعية المشاريع المنجزة، وتوزيعها على القطاعات، وحجم الأثر المتحقق، ومدى التزام الوزارات والمؤسسات التنفيذية بالجدول الزمني.توزيع الإنجاز على محركات النمو يعطينا صورة أوضح: فـ “الصناعات عالية القيمة” تصدرت بعدد 56 أولوية منجزة، تلتها “الخدمات المستقبلية” بـ43 أولوية، ثم “الريادة والإبداع” بـ27، و”الموارد المستدامة” بـ23، أما “نوعية الحياة” فأنجزت 14 أولوية، و”الأردن وجهة عالمية” 9، و”الاستثمار” 15، وأخيراً “بيئة مستدامة” بـ5 أولويات فقط.أما الأولويات قيد التنفيذ، فتوزعت أيضاً بشكل يعكس توجهات الخطة: فالصناعات عالية القيمة بـ88 أولوية، والخدمات المستقبلية بـ60، والريادة والإبداع والموارد المستدامة بـ58 لكل منهما، ونوعية الحياة بـ54، و”الأردن وجهة عالمية” بـ32، و”بيئة مستدامة” بـ29.وفي سياق هذه المراجعة الرقمية، يبرز جانب جوهري لا يمكن تجاهله: فالمراجعة الحالية تُعدّ، قاعدة بيانات متكاملة لتقييم أداء الوزارات والوزراء، وليست الغاية فقط فنية أو تنفيذية، بل إنها تفتح المجال لتقييم سياسي وإداري قد يُفضي إلى تعديل وزاري واسع النطاق.نتائج هذه الورشات والبيانات الرقمية ستمنح رئيس الوزراء أداة علمية لاتخاذ قرار مدروس فيما يخص التعديل الحكومي، إن قرّر المضي فيه، فالمساءلة هذه المرة ليست مبنية على الانطباعات أو العلاقات، بل على أرقام، مؤشرات، نسب تنفيذ، وأولويات محققة أو متأخرة.وهو تعديل، إن حدث، سيكون قائماً على الكفاءة والإنجاز، لا على تدوير الأسماء أو توازنات غير موضوعية، فالوزراء الذين أنجزوا والتزموا بمتابعة الخطة وحققوا نتائج سيبقون، أما من تلكأ أو لم يُواكب الإيقاع المطلوب، فالمراجعة الحالية تسلط عليه الضوء بلا مجاملة.إذاً، فالأرقام لا تؤدي فقط إلى تقييم الأداء، بل تؤسس لنمط جديد في كيفية تقييم الوزراء، يُحاسب على النتائج، ويراجع الأداء وفق معايير واضحة، وهذا بحد ذاته يمثل تحولا مؤسسيا عميقا، لا يقل أهمية عن الخطة الاقتصادية ذاتها.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً