ما موقع الطالب في عصر الذكاء الاصطناعي؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


مدار الساعة – كتب إياد يوسف البستنجي في عصرٍ تتسارع فيه التحولات التكنولوجية بوتيرة غير مسبوقة، تتشكل لدى الطالب هوية جديدة، ليست فقط اجتماعية أو مدرسية، بل هوية رقمية متعددة الأبعاد، يصوغها من خلال ما يستهلكه على الإنترنت، وما يُنتجه في فضاءات التواصل، ومن خلال تفاعله مع تقنيات الذكاء الاصطناعي التي باتت جزءًا من تفاصيل يومه. ووسط هذا الانفتاح الكبير، تبرز تساؤلات جوهرية:هل ما زالت المدرسة تمتلك التأثير الحقيقي في تشكيل قيم الطالب؟وكيف يمكن للمجتمع التربوي أن يرافق هذا الجيل في رحلته داخل العالم الرقمي دون أن يفقد البوصلة الأخلاقية والإيمانية؟الطالب بين مدرستين:يشير الدكتور “هوارد غاردنر” – صاحب نظرية الذكاءات المتعددة – إلى أن:”المعرفة بلا قيم، تُصبح أداة مدمّرة بدل أن تكون وسيلة بناء.”وهذا ما يعكسه واقع طلاب اليوم الذين يعيشون في مدرستين متوازيتين:المدرسة الأولى: تعليمية رسمية، تركز على غرس الانضباط، وتعليم المناهج، وبناء الشخصية.المدرسة الثانية: افتراضية غير مرئية، تتشكل من تطبيقات التواصل، ويوتيوب، والتيك توك، وأدوات الذكاء الاصطناعي، وتُعيد برمجة وعي الطالب بطرق لا تخضع لرقابة أو تقنين، بل توجهها الخوارزميات والإعلانات والمحتوى الترفيهي.وبين المدرستين، يقف الطالب في مفترق طرق، وقد يضيع إن لم يجد من يأخذ بيده نحو التوازن، ويهديه إلى القيم الحقّة، ويكون قدوة عملية له في الفكر والسلوك.أزمة القيم في ظل التكنولوجيا:كشفت دراسة حديثة صادرة عن “اليونسكو” عام 2023 بعنوان “التعليم الرقمي والمواطنة العالمية”، أن 43% من الطلاب في المنطقة العربية يتعرضون لمحتوى رقمي غير أخلاقي، دون وجود توجيه تربوي أو رقابي كافٍ.وتتجلى أزمة القيم في عدة مظاهر، منها:1. ضعف الاحترام للمعلم والمؤسسة التربوية.2. تنامي ظاهرة التنمر الإلكتروني والتحقير الرقمي.3. تراجع الإحساس بالهوية الثقافية والدينية.4. انتشار مظاهر التقليد السلبي والانبهار بثقافات غير منضبطة أخلاقيًا.وقد أشار القرآن الكريم إلى ضرورة الحذر مما يؤثر في العقول والقلوب دون وعي، فقال تعالى:” يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ”كيف نعيد التوازن؟التربية الرقمية القيمية:الحل لا يكمن في منع التكنولوجيا أو محاصرتها، بل في توجيهها بما ينسجم مع القيم الإسلامية والإنسانية.يقول “نيل بوستمان” في كتابه Technopoly:” المجتمع الذي لا يعلّم أبناءه كيف يفكرون في التكنولوجيا، يصبح هو نفسه أداة بيد التكنولوجيا”ويوافقه في المعنى ما بيّنه الإسلام من ضرورة التربية الواعية، فالرسول ﷺ قال:” ما من مولود يولد إلا يُولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه”ومن هنا، نؤكد أن المسؤولية الكبرى تقع أولًا على عاتق الوالدين في التوجيه والمراقبة، فهم اللبنة الأولى في بناء القيم، ثم على عاتق المعلم الذي يشكّل الامتداد التربوي داخل المدرسة، فكلاهما شريكان في رسم ملامح شخصية الطالب الرقمية والقيمية.أي أن التوجيه التربوي هو الذي يصوغ الشخصية، ويغرس الوعي القيمي في مراحل النشأة.من هنا، تتحدد المسؤوليات:1. تعزيز الوعي الرقمي الأخلاقي في المناهج والنشاطات الصفية، من خلال ربط المحتوى الرقمي بقيم الإسلام كالصدق، الأمانة، التعاون، غض البصر، وعدم الإساءة للآخرين.2. تمكين المعلمين من أدوات الذكاء الاصطناعي التربوي وربطها بالتربية الإيمانية، واستخدامها لابتكار وسائل تعليمية هادفة تنمي العقل وتنير القلب.3. إدماج التربية الإعلامية والرقمية ضمن المنهاج، لا كمادة إضافية، بل كمنهج حياة، يعلم الطالب كيف يفكر، ويحلل، ويزن الأمور بميزان الشريعة والعقل.لن نتمكن من إيقاف موجة الذكاء الاصطناعي، لكنه يمكننا إعداد أجيال قادرة على ركوبها دون أن تغرق، أجيال تُحسن التفاعل مع التقنية دون أن تفقد أخلاقها، وتستخدم الذكاء الاصطناعي لا لمزيد من اللهو، بل لفهم العالم وتعميره بما يرضي الله.وهذا لا يتم إلا إذا تعاملنا مع التعليم بوصفه تربية، لا تلقينًا فقط،ومع التكنولوجيا بوصفها وسيلة للقيم، لا بديلاً عنها.فلنربِّ أبناءنا على أن يكونوا مواطنين رقميين بقلوب مؤمنة، وعقول ناقدة، وسلوكيات أخلاقية.حينها فقط، نكون قد أدّينا أمانة التعليم كما أمرنا الله تعالى في محكم تنزيله: “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ”



‫0 تعليق

اترك تعليقاً