كشف عضو الكنيست والمحلل السياسي السابق البروفيسور أرييه إلداد، أن إسرائيل في قلب الشرق الأوسط لم تكن يومًا، ولن تكون، “محايدة”، فتاريخ تدخلها واضح، سواء في دعم الأكراد بالعراق، أو في حرب الموارنة بلبنان، أو عندما تستخدم قوتها العسكرية لحماية الدروز في سوريا.
وأوضح إلداد في تحليله بصحيفة “معاريف” الإسرائيلية، أن السويداء، “عاصمة” جبل الدروز، شهدت مجزرة ارتكبها جيش أحمد الشرع، المعروف بـ”الجولاني”، بحق السكان الدروز.
وقد وجدت إسرائيل نفسها هذا الأسبوع تستخدم سلاح الجو لقصف دبابات وناقلات جند كانت تتحرك نحو السويداء، إلى جانب استهداف هيئة الأركان وأهداف أخرى في دمشق.
انقسام الآراء في إسرائيل
وكما هو الحال في معظم القضايا، انقسمت الآراء داخل إسرائيل، فقد طالب الدروز في الشمال بدعم إخوانهم في سوريا، وأحرقوا الإطارات وأغلقوا الطريق رقم 6 للضغط على الحكومة.
ووسط الاختناقات المرورية، تعالت الشتائم ضد الشرطة والحكومة المنهارة.
ازدواجية المعايير في الاحتجاجات
يبدو أن البعض نسي أنه عندما كانوا هم من يغلقون طريق أيالون كل سبت ويشعلون الإطارات، كانوا يشتمون الشرطة حين تحاول فتح الطريق.
حينها، حظي المحتجون بدعم المستشارة القانونية للحكومة التي اعتبرت أن “لا احتجاج فعّال دون الإخلال بالنظام العام”.
بالمقابل، رأى بعض المحللين العسكريين والكتاب أنه لا ينبغي لإسرائيل التورط في “حروب لا تخصها”، مؤكدين أن إسرائيل المتورطة بالفعل في سبع جبهات، ليست بحاجة إلى ثامنة.
معضلة إسرائيل.. الجولاني بين السياسة والإرهاب
وأشار إلداد إلى معضلة إسرائيل في التعامل مع الجولاني: هل تحوّل فعلًا إلى رجل دولة يسعى للدبلوماسية، أم لا يزال يخفي تحت بدلته سترة قتالية مزينة بأعلام داعش؟
فأحمد الشرع، الذي كان يومًا إرهابيًا مطلوبًا، أصبح الآن ضيفًا مرحبًا به في صالونات أوروبا وأميركا. وتحاول هذه الدول إقناع إسرائيل بمد يد السلام إليه، أو على الأقل فتح قنوات تفاهم.
وقد أجرت إسرائيل بالفعل اتصالات رفيعة معه، ما يعني أن التدخل العسكري في السويداء قد يعرقل ما تسميه “فرصة حمص – دمشق”.
تاريخ من التدخلات الفاشلة
قبل 75 عامًا، حلم بن جوريون بإقامة دولة درزية جنوب غرب سوريا، تفصل بين إسرائيل ودمشق. وفي الخمسينيات، دعمت إسرائيل ثورة الدروز في حوران ضد نظام أديب الشيشكلي، زودتهم بالأسلحة عبر الأردن، وسعت لحشد الدعم الأوروبي لهم. لكن التمرد قُمع بوحشية، وضاع الحلم.
كما دعمت إسرائيل الأكراد بقيادة الملا مصطفى بارزاني بالأسلحة والمال والمدربين، عبر قواعد في إيران الشاه، حليفتها آنذاك. لكن الدعم انهار بعد توقيع اتفاق إيران – العراق عام 1975، ثم توقف تمامًا بعد الثورة الإسلامية.
وفي لبنان، دعمت إسرائيل الموارنة ضد الفلسطينيين المدعومين من سوريا. زار قادتهم تل أبيب، وتلقى بعضهم تدريبًا عسكريًا، وعلى رأسهم بشير الجميل الذي اغتيل بعد انتخابه رئيسًا.
لاحقًا، أنشأت إسرائيل جيش لبنان الجنوبي، لكنه انهار مع انسحاب الجيش الإسرائيلي في عام 2000، ولم ينجُ سوى قلة لجأت إلى إسرائيل.
الدروس المستفادة
تلك التدخلات الفاشلة علمت إسرائيل درسًا قاسيًا: لا يمكنها تغيير الأنظمة العربية، ولا تقدر على تحمّل كلفة دعم حلفائها من الأقليات.
كما تعلمت تلك الأقليات بدورها أن الثقة في إسرائيل محفوفة بالمخاطر.
بين التدخل والدبلوماسية: الطريق الأوسط
العميد (احتياط) حسون حسون، ضابط العمليات السرية وعضو مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، قال لراديو 103FM إنه يتوقع ألا تكتفي إسرائيل بالمساعدة الجوية للدروز، بل تدعمهم بكل السبل، حتى البرية منها.
ورأى حسون أن الجولاني لم يتحوّل كليًا إلى دبلوماسي، لذا يجب التفاوض معه من موقع قوة، مع استخدام “تسليح دقيق” يؤكد نوايا إسرائيل. فالمساعدة للدروز قد تمثّل طريقًا وسطًا بين عدم التدخل والتورط المباشر.
إسرائيل لن تكون محايدة
ختم إلداد تحليله بالتأكيد أن إيقاف المذبحة في السويداء ليس فقط موقفًا أخلاقيًا تجاه دروز إسرائيل، بل تعبير عن فهم واقعي لمنطقة لا تعرف الحياد، ولا تسمح به.
حتى التفاهمات مع الجولاني، إن تحققت، ستكون ممكنة فقط من موقع قوة، دون الحاجة إلى تقديم تنازلات مثل الانسحاب من جبل الشيخ أو الجولان.