وقد رأيت اهتماماتٍ عدّة في هذا العالم، ورأيت ما هو أغرب منها في عالمنا الافتراضي الواسع، وبعض هذه الاهتمامات حاولت الوصول إلى بدايتها، لأنني أؤمن أن “الزبدة” تكمن في أصول الأشياء.
رأيت من يهتم بعالم الأنمي، وهو الرسوم المتحركة التي برع فيها أهل اليابان كبراعتهم في كل الأشياء، ووجدت الكبار والأطفال يقضون الساعات الطوال في متابعة أنمي “ون بيس” مثلاً، الذي تجاوزت حلقاته عمر نوح، ووصلت إلى ثلاثة آلاف حلقة أو يزيدون! وتساءلت بيني وبين نفسي: يا تُرى، ماذا سيجيب هؤلاء حين يُسألون عن عمرهم فيما أفنوه؟ هل ستكون الإجابة “ون بيس”؟
ثم لقيت أغرب الاهتمامات في عالم تويتر سابقاً، “إكس” حالياً، وهم أناس يضعون في معرفاتهم أنهم مهتمون بعالم الحقوق والتقنية، ووقفت أتساءل: يا تُرى، كيف تطورت لديهم هذه الهواية؟ وكيف اكتسبوها؟ ومن الذي ألهمهم لها؟
فهل يا تُرى في صغرهم كانوا يُجلَسون أمام التلفاز حتى “تتزغلل” أعينهم، فأصبحت لديهم قدرة عجيبة في معرفة دقّة وضوح الشاشة، ومدى صفاء الألوان، وعلى أي زاوية يضبط العامل صحن “الدِّش”! يؤسفني أنني لازلت أقول طبق “الدش” عوضاً عن اللاقط أو “LNB” التي تأتي اختصاراً لـ “Low Noise Block downconverter”.
وإذا أمعنّا النظر في هذه الهواية العظيمة، وفي محتوى أصحابها، سنجد أن معظم ما يقولونه يتركز حول قضيتين:
أولاهما: حقوق الدوري الإيطالي، التي أصبحت وكأنها قضية الكون “الرياضي” وشغل من لا شغل له، لدرجة أنني بدأت أشك أن لدى بعض المغرّدين حصّة مع رابطة الدوري الإيطالي، وأنهم سيقسمون لهم نصيباً من عوائد البطولة وأرباحها.
ثانيهما: الدقّة والوضوح، فهذه “حِنكة” لم نسمع بها في آبائنا الأولين، فقد سمعنا بمن يقول لألمانيا “الماكينات الألمانية”، وعرفنا عمّن يقول لأمريكا “بلاد العمّ سام”، أمّا الهوس بدقة الصورة وصفاء ألوانها وقدرتك على رؤية الخدش على وجه اللاعب، فهذه لم أعتد عليها! ولم تُطرح على مائدة المجتمع الدولي بعد.
ثم لنتساءل: ما الذي سيُضاف لرصيدك المعرفي إن كنت أول من يعلم عن حقوق الدوري الإيطالي! هل ستشتري الجهاز قبل كل العالمين؟ وهل سيخبرك موظف المبيعات أن الكمية نَفِدَت، وعليك تحمل قضاء الموسم بلا “كالتشيو”؟ أم ستُصيبك نوبة قلق لأنك آخر من علمت عن القناة الناقلة؟
أجد أن الخوض في هذه الأشياء العادية، يخبرنا بأن “البني آدم” وصل لمرحلة بعيدة من الترف والرفاهية. للحد الذي جعل الهوايات والرغبات في غاية الغرابة.
عموماً وليطمئن قلبك أيها العزيز، اعلم أن حقوق الدوري الإيطالي لا يعلم مصيرها سوى صناع القرار فقط. وفي عالمنا الفسيح لكلٍ منّا اهتماماته الخاصة، ويجب علينا احترامها مهما بدت “جديدة” ! ولكلٍ قِبلةٌ هو مولّيها ..