الوسطاء يدفعون نحو تشكيل «تكنوقراط فلسطيني» لإدارة غزة قبل نشر قوة دولية وقبيل زيارة نتنياهو
تكثّف أطراف الوساطة الإقليمية والدولية تحركاتها لدفع مسار سياسي وإداري جديد في قطاع غزة، يقوم على الإسراع بتشكيل هيئة حكم فلسطينية من التكنوقراط لتولي إدارة شؤون القطاع، وذلك قبل أي حديث عن نشر «قوة استقرار دولية»، وفي توقيت حساس يسبق زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، تمارس قطر ضغوطاً متزايدة على واشنطن من أجل إنشاء آلية حكم فلسطينية في غزة في أقرب وقت ممكن، باعتبارها خطوة أساسية لمنع انهيار وقف إطلاق النار وترسيخ مسار طويل الأمد لإدارة القطاع. ووفق معطيات متداولة في أوساط الوساطة، فإن الدوحة ترى أن أي ترتيبات أمنية دولية لا يمكن أن تنجح ما لم تُسبق بوجود سلطة مدنية فلسطينية فاعلة على الأرض.
وتتلاقى هذه الرؤية مع موقف الإدارة الأمريكية، التي تميل إلى اعتبار إنشاء هيئة حكم فلسطينية مرحلة ضرورية لا غنى عنها قبل الانتقال إلى ترتيبات أمنية أوسع. وفي هذا الإطار، نشر المبعوث الأمريكي الخاص للرئيس دونالد ترامب، ستيف ويتكوف، بياناً عقب لقاء جمعه برئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان، شدد فيه على ضرورة السماح بتشكيل جسم حكومي فلسطيني في قطاع غزة.
وأكد ويتكوف، في بيان صدر باسم جميع المشاركين في اللقاء، أهمية إنشاء هيئة حكم فلسطينية تعمل تحت سلطة غزية موحدة، بهدف حماية المدنيين والحفاظ على النظام العام. ولاحظ مراقبون أن البيان خلا بشكل لافت من أي إشارة مباشرة إلى «قوة الاستقرار الدولية»، ما عكس تحولاً في ترتيب الأولويات لدى واشنطن.
وتسعى قطر، بحسب مصادر مطلعة، إلى تشكيل لجنة تكنوقراط فلسطينية في أسرع وقت ممكن، ويفضّل أن يتم ذلك قبل وصول نتنياهو إلى مدينة ميامي الأسبوع المقبل، على أن تتولى هذه اللجنة الإدارة الفعلية للقطاع، بما يشمل الخدمات المدنية والأمن الداخلي.
وفي موازاة ذلك، صدرت تصريحات أخرى عن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو تؤكد أن الولايات المتحدة باتت ترى أن قوة الاستقرار الدولية لا يمكن إنشاؤها إلا في مرحلة لاحقة، بعد استكمال الخطوات السياسية والإدارية الأولية. كما صدر بيان تركي منفصل أكد أن لقاء ميامي ناقش «ترتيبات تضمن حكم الغزيين للقطاع»، في إشارة إلى توافق إقليمي متنامٍ على ضرورة إشراك جهات فلسطينية محلية في إدارة غزة.
ورغم أن الخطاب الأمريكي لا يستخدم بشكل مباشر تعبير «حكم الغزيين لغزة»، إلا أن المعطيات تشير إلى إدراك متزايد في واشنطن بأن أي حل مستدام للقطاع لن يكون ممكناً من دون مشاركة مباشرة وكثيفة لجهات حكم فلسطينية على الأرض.
وبالنسبة لقطر، التي تبدو منسجمة في هذا الطرح مع كل من تركيا ومصر، فإن تشكيل حكومة فلسطينية لإدارة القطاع، إلى جانب نشر آلاف من عناصر الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية، يجري تدريبهم في مصر والأردن، يمثل خطوة عاجلة وضرورية لضمان تثبيت وقف إطلاق النار. في المقابل، ترى الدوحة أن مسألة إنشاء قوة دولية لحفظ الاستقرار، المرتبطة بملف نزع سلاح حركة «حماس»، يجب تأجيلها إلى مرحلة لاحقة.
ونقل مصدر إقليمي رسمي مطلع على محادثات المرحلة الثانية، أن تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية يُعد، في نظر الوسطاء، الطريق العملي الوحيد لتمكين «حماس» من التخلي عن إدارة قطاع غزة ونقلها إلى جهة فلسطينية أخرى، حتى قبل الشروع في النقاش الطويل والمعقّد المتعلق بسلاح الحركة.
وأوضح المصدر أن «قوة الاستقرار الدولية» يُفترض أن تعمل لاحقاً كآلية إشراف على نزع السلاح، في حين تضطلع حكومة التكنوقراط والشرطة الفلسطينية بدور الوسيط بين هذه القوة وبين الواقع الميداني في غزة.
وبحسب المصدر نفسه، فإن مصر كانت قد حوّلت إلى إسرائيل، قبل نحو شهر، قائمة أولية تضم عشرات الأسماء لمرشحين فلسطينيين لعضوية لجنة التكنوقراط، تلتها قائمة أخرى أكثر تقليصاً نقلتها الولايات المتحدة مؤخراً. وحتى نهاية الأسبوع الماضي، لم تتلق القاهرة أو واشنطن أي رد رسمي من الجانب الإسرائيلي، فيما جرى في ميامي بحث السبل الممكنة للضغط على إسرائيل للمصادقة على هذه الأسماء.
وفي مؤتمر صحافي عقد في اليوم ذاته، أشار وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى إحراز تقدم في إضافة أسماء جديدة إلى لجنة التكنوقراط، مؤكداً «ضرورة» إنجاز المرحلة الأولى من خطة ترامب، التي تشمل إنشاء مجلس سلام فلسطيني ولجنة تكنوقراط، على أن يعقب ذلك، بعد فترة قصيرة، تشكيل قوة الاستقرار الدولية.
وفي ما بدا استجابة للواقع ولتحفظات دول عدة، أقرّ روبيو بأن الولايات المتحدة مدينة للدول التي أبدت استعدادها للمشاركة في قوة الاستقرار بـ«إجابات إضافية»، ولا سيما ما يتعلق بولاية هذه القوة وآليات تمويلها وصلاحياتها.
وتعود فكرة تشكيل لجنة تكنوقراط فلسطينية مستقلة عن كل من السلطة الفلسطينية و«حماس» إلى مبادرة مصرية طُرحت في وقت مبكر، ضمن خطة بديلة لخطة ترامب الخاصة بالترحيل ومشروع «الريفييرا» الذي طُرح مطلع العام الجاري. وتروج القاهرة، في هذا الإطار، لنهج «العمليات المتوازية» في غزة، وهو ما يتعارض، وفق التقديرات الإسرائيلية، مع أولويات حكومة نتنياهو.
ففي حين يسعى نتنياهو إلى ربط أي تقدم في غزة بإنهاء المرحلة الأولى من خطة ترامب، بما يشمل استعادة جثامين الأسرى ونزع سلاح «حماس»، تصر مصر على الدفع بمسارات متزامنة، تشمل بدء إعادة الإعمار في مناطق محددة، وإدخال قوات فلسطينية بديلة إلى القطاع، حتى قبل التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن نزع السلاح.
ويرى مصدر إقليمي آخر أن الإصرار على نزع سلاح «حماس» كشرط أولي «غير عملي»، معتبراً أن نزع السلاح يجب أن يُنظر إليه كعملية تدريجية، ومشيراً إلى أن بعض الأطراف الإسرائيلية تتعامل مع الملف بطريقة غير عملية لأسباب سياسية داخلية.
وفي السياق ذاته، عبّر السفير الفرنسي لدى إسرائيل، فريدريك غورنس، عن رؤية مشابهة، مشيراً إلى أن ما جرى عام 2007 حين انتقلت عناصر من شرطة السلطة الفلسطينية في غزة إلى صفوف «حماس»، يمكن أن يحدث اليوم بشكل معكوس، عبر إعادة دمج عناصر الحركة في أجهزة شرطة محلية بمهام مدنية وبأسلحة أقل خطورة.
وقارن غورنس هذا السيناريو بتجارب إعادة دمج مقاتلين سابقين في الجزائر ولبنان، معتبراً أن العمل الميداني في هذا الاتجاه «ليس بطولياً» لكنه ضروري ومليء بالتنازلات. وأشار إلى أن ملف السلاح الثقيل، مثل قذائف «آر بي جي»، يخضع لعمل جدي من الجانب المصري.
وفي ظل هذه التحركات المتسارعة، يبقى السؤال المطروح في الأوساط الدبلوماسية: إلى أي مدى سيحاول بنيامين نتنياهو، وإلى أي حد سينجح، في تعطيل هذا المسار الدولي المتسارع، الذي تقوده قطر بدعم إقليمي ودولي، خلال لقائه المرتقب مع الرئيس الأمريكي؟

تعليقات