فضائح الربع قرن.. عندما احتلت جماهير فرانكفورت مدرجات كامب نو تحت أنظار لابورتا

فضائح الربع قرن.. عندما احتلت جماهير فرانكفورت مدرجات كامب نو تحت أنظار لابورتا


في التاريخ، لا تكون الهزائم دائمًا بسبب قوة العدو، ولا تسقط الإمبراطوريات فقط تحت وقع سيوف الغزاة من الخارج.. أحيانًا، تكون الطعنة الأخطر تلك التي تأتي من الداخل، من أقرب الدوائر، من الذين يفترض أنهم خط الدفاع الأخير، هكذا سقط يوليوس قيصر، محاصرًا بسكاكين مجلسه، قبل أن تتوقف مقاومته عند لحظة واحدة فاصلة، حين وقعت عيناه على بروتوس صديق عمره وكاتم أسراره يقف أمامه يحدق في عينيه بنظرات تطلب النجدة وسط عجز اللسان.

وحين ابتهج القيصر باقتراب صديقه متصورًا أنه جاء لنجدته سحب بروتس خنجره وطعنه في صدره وسط نظرات من يولويس ترفض التصديق بأن صديقه قد خانه بالفعل، فخرجت العبارة التي خلدها التاريخ: “حتى أنت يا بروتوس؟” لم تكن مجرد صرخة ألم، بل اعترافًا بأن الخيانة حين تأتي من المقرّبين تكون أقسى من الموت ذاته.

بعد أكثر من ألفي عام، تكررت الفكرة نفسها، ولكن بلا دماء ولا سكاكين، بل بتذاكر موسمية ومن خلال بيع صامت للمقاعد، توغلت جماهير فرانكفورت ألى الملعب في ليلة أوروبية كان يُفترض أن يكون فيها كامب نو حصنًا لا يُخترق، وجد برشلونة نفسه وحيدًا، غريبًا في بيته، محاصرًا بألوان جماهير إينتراخت فرانكفورت، لم يكن الضغط ألمانيًا فقط، بل جاء من مدرجات يفترض أنها كتالونية، من جماهير اختارت أن تتخلى عن فريقها في لحظة احتياجه القصوى، فحوّلت معقله التاريخي إلى ساحة معادية.

جماهير آينتراخت فرانكفورت في ملعب كامب نو 2022 - المصدر (Getty images)
جماهير آينتراخت فرانكفورت في ملعب كامب نو 2022 – المصدر (Getty images)

على طريقة بروتوس حتى أنتِ يا جماهير برشلونة؟

بين قيصر في مجلس الشيوخ، وبرشلونة في كامب نو، يتكرر المشهد ذاته: العدو يدخل لأن الأبواب فُتحت له من الداخل، كما لم تكن طعنات المتآمرين لتنجح دون خيانة بروتوس، لم يكن اجتياح فرانكفورت لمدرجات كامب نو ليحدث لولا قرار جماهير برشلونة بيع ولائها قبل بيع تذاكرها، عندها فقط تصبح الخسارة حتمية، ويصبح السؤال مشروعًا ومؤلمًا في آن واحد: حتى أنتِ يا جماهير برشلونة؟

في تلك الليلة، لم يخسر برشلونة مباراة فقط، بل خسر شيئًا أعمق وأخطر: شعور الأمان في بيته، وهيبة المدرج، وقدسية الانتماء، وكما أثبت التاريخ أن اغتيال قيصر لم ينقذ روما بل عجّل بسقوطها، أثبتت تلك الأمسية الأوروبية أن الهزيمة التي تُصنع من الداخل، تترك جرحًا لا يلتئم بسهولة، وتبقى في الذاكرة كخيانة لا تُنسى.

واقعة اعتبرها كثيرون الأبرز خلال آخر 25 عامًا، بل وذهب البعض إلى وصفها بأنها أقسى خيانة تعرّض لها فريق في تاريخ الساحرة المستديرة، حادثة لم تكن مجرد خسارة مباراة، بل لحظة صادمة كشفت هشاشة ما كان يُظن أنه حصن لا يُخترق

ومن هنا، قرر 365Scores بنسخته العربية تسليط الضوء على هذه الواقعة الاستثنائية، باعتبارها واحدة من أكثر الأحداث تأثيرًا وإيلامًا خاصة على إقليم كتالونيا، وتوثيقًا لخيانة ستظل حاضرة في الذاكرة، قبل أن يُسدل الستار على الربع الأول من القرن الجديد وتُطوى صفحاته.

ليلة أسقطت فيها جماهير فرانكفورت برشلونة بلا جمهور

تظل ليلة الرابع عشر من إبريل لعام 2022 واحدة من أكثر الليالي سوداوية في تاريخ برشلونة الأوروبي، فلم تكن الهزيمة أمام إينتراخت فرانكفورت بنتيجة 3-2 وتوديع الدوري الأوروبي من ربع النهائي هي الصدمة الكبرى، بل ما حدث في المدرجات كان أشد إيلامًا وأقسى وقعًا، ما جرى في كامب نو لم يكن مجرد خسارة مباراة، بل كان سقوطًا معنويًا، وصفه كثيرون داخل إسبانيا بـ «الخيانة العظمى».

برشلونة سقط على أرضه وبين جدران معقله التاريخي أمام الفريق الألماني، ليودع بطولة الدوري الأوروبي من ربع النهائي، بعدما كان قد تعادل ذهابًا 1-1 في فرانكفورت، لكن المفارقة المؤلمة أن كامب نو، الذي لطالما أرهب عمالقة أوروبا، تحول في تلك الليلة إلى ملعب شبه محايد، بل وأقرب إلى أرض ألمانية خالصة.

وحدث ذلك بعدما أقدم عدد من حاملي التذاكر الموسمية لبرشلونة على بيع مقاعدهم لمشجعي فرانكفورت القادمين بالآلاف، في تصرف اعتبره كثيرون طعنة في ظهر النادي، النتيجة كانت مشهدًا غير مسبوق: مدرجات يغلب عليها اللون الأبيض، وأصوات ألمانية تهيمن على الأجواء، الضغط الجماهيري، الذي كان يفترض أن يكون مصدر إلهام للاعبي برشلونة، تحول إلى عبء نفسي خانق، لاعبو الفريق الكتالوني دخلوا أرض الملعب لإجراء عمليات الإحماء وسط صافرات استهجان مدوية، لكنها لم تكن من جماهير الخصم فقط، بل من كل أرجاء الملغب وتحديدًا من مدرجات يفترض أنها بيتهم الآمن.

التقارير أشارت إلى أن ما يقارب 35 ألف مشجع لفرانكفورت تواجدوا في برشلونة، وانتشرت مقاطع فيديو تظهر سيطرتهم على شوارع المدينة منذ يوم المباراة، ورغم أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم خصص رسميًا نحو 5 آلاف تذكرة فقط لجماهير الفريق الألماني من أصل أكثر من 90 ألف، فإن الواقع داخل الملعب كشف رقمًا أكبر بكثير، في صورة صادمة هزت الرأي العام الكتالوني.

مشهد لاعبين مثل بيدري ورفاقه وهم يحاولون الصمود وسط مدرجات لا تشبههم، كان انعكاسًا حيًا لأزمة أعمق من خسارة مباراة، أزمة هوية وانكسار علاقة بين نادٍ وجمهوره، في لحظة تاريخية لم يكن برشلونة بحاجة فيها إلا للدعم، الصحفيون الإسبان لم يترددوا في وصف ما حدث بأنه «خيانة عظمى»، لأن الهزيمة قد تُغتفر، لكن أن يشعر الفريق بأنه غريب داخل بيته، فذلك جرح لا يلتأم بسهولة، ليلة كامب نو أمام فرانكفورت ستبقى محفورة في الذاكرة، ليس فقط كإقصاء أوروبي، بل كلحظة انكسر فيها أحد أعتى معاقل كرة القدم.

برشلونة - آينتراخت فرانكفورت - المصدر (Getty images)
برشلونة – آينتراخت فرانكفورت – المصدر (Getty images)

كيف أصبح برشلونة غريب في بيته؟.. الإدارة تجيب

لم تكن ليلة فرانكفورت في كامب نو مجرد حادثة عابرة أو خطأ تنظيمي بسيط، بل تحولت إلى ظاهرة صادمة دفعت إدارة برشلونة نفسها للوقوف أمام المرآة والاعتراف بحجم الكارثة، فبعد أن دوّى السؤال المؤلم في المدرجات: كيف أصبحنا غرباء في بيتنا؟ خرجت التفسيرات الرسمية لتكشف أن ما حدث لم يكن وليد لحظة، بل نتيجة سلسلة من العوامل المتراكمة، كان أخطرها أن الخيانة لم تكن عاطفية فقط، بل اقتصادية أيضًا.

نائبة رئيس النادي، إلينا فورت، لم تحاول التجميل أو الهروب للأمام، بل اختارت الاعتذار الصريح، معترفة بأن ما جرى كان “مخزيًا وغير مقبول”، كلماتها حملت ثقل الصدمة، وكأن برشلونة نفسه يقرّ بأن ما حدث طعنة في كبريائه قبل أن تكون هزيمة على لوحة النتائج، فمشهد آلاف الجماهير الألمانية في قلب كامب نو لم يكن مجرد صورة، بل كسرًا لواحد من أقدس المسلّمات في كرة القدم.

وعند تفكيك الظاهرة، ظهرت التفاصيل الأكثر إيلامًا، فقد أوضحت فورت أن جماهير فرانكفورت تمكنت من شراء التذاكر عبر شركات إعادة بيع استخدمت بطاقات ائتمان إسبانية، ما سمح بالتحايل على أنظمة البيع الرسمية، لم يكن هذا الطريق الوحيد، لكنه كان أحد الأبواب التي فُتحت من الداخل، ليعبر منها الخصم دون مقاومة، هنا، لم تعد المشكلة في دهاء الضيف، بل في هشاشة الحصن ذاته.

جماهير برشلونة
جماهير برشلونة – (المصدر:Gettyimages)

خسارة مالية، هزيمة رياضية وجرح معنوي عميق

العامل الاقتصادي لعب دوره القاسي أيضًا، خبراء ربطوا ما حدث بالأزمة المعيشية التي تعاني منها إسبانيا، والتي دفعت بعض حاملي التذاكر الموسمية إلى بيع مقاعدهم، خاصة في مدينة سياحية كبرشلونة لم تتعافَ بعد من آثار جائحة كورونا، حتى وإن كانت مرت 3 أعوام منذ بدء الجائحة.. وهكذا، تحوّل الولاء إلى سلعة، وتحولت المدرجات من مساحة انتماء إلى فرصة ربح، حتى لو كان الثمن هو هوية النادي نفسها.

غضب خوان لابورتا لم يكن أقل حدة من وقع الصدمة، رئيس برشلونة وصف ما جرى بالمحرج، مؤكدًا أنه أمر لا يمكن السماح بتكراره، في اعتراف ضمني بأن ما حدث تجاوز حدود الخطأ إلى مستوى الفضيحة، أما تشافي هيرنانديز، فعبّر عن إحباطه بوضوح، مؤكدًا أن الأجواء لم تكن داعمة، وكأن فريقه لعب مباراة خارج الديار، لا في ملعب كان الحصن والسلاح الغير معلن لبرشلونة ضد الأندية الأوروبية.

خوان لابورتا - برشلونة (المصدر:Gettyimages)
خوان لابورتا – برشلونة
(المصدر:Gettyimages)

ولم تتوقف الخسائر عند الجانب المعنوي فقط، بل امتدت إلى المال، خروج برشلونة من البطولة كلّف النادي نحو 2.5 مليون يورو، كان يمكن أن تدخل خزائنه حال التأهل إلى نصف النهائي، خسارة مالية، وهزيمة رياضية، وجرح معنوي عميق.. ثلاثية مؤلمة، عنوانها أن السقوط لا يبدأ دائمًا من الملعب، بل من المدرج.

في تلك الليلة، لم يخسر برشلونة أمام فرانكفورت فقط، بل خسر جزءًا من أسطورته وهيبته في القارة العجوز، أسطورة احتاجت سنوات وسنوات لتُبنى، لكنها تدمرت في لمح البصر، وكما حدث مع قيصر، لم يكن السؤال الحقيقي هو من طعنه، بل لماذا فُتحت الأبواب من الداخل لمن يحمل السكين.

كامب نو – المصدر (Gettyimages)

تعلم الدرس بالطريقة الصعبة.. برشلونة لا يُلدغ من الجحر مرتين

في خطوة تعكس حجم الصدمة التي ما زالت عالقة في الذاكرة، كان قد أعلن نادي برشلونة الإسباني عبر بيان رسمي على موقعه الإلكتروني عن قراره تخصيص جميع مقاعد مباراة الفريق أمام آينتراخت فرانكفورت الألماني في دوري أبطال أوروبا لأعضاء النادي الكتالوني فقط، في محاولة حاسمة لمنع تكرار سيناريو 2022 المؤلم، حين تحوّل كامب نو إلى ما يشبه ملعبًا خارج الديار.

القرار جاء بدوافع أمنية وجماهيرية واضحة، إذ شدد النادي على أن الهدف الأساسي هو الحفاظ على سلامة جماهير برشلونة وضمان هوية المدرجات، بعد أن شهدت مواجهة ربع نهائي الدوري الأوروبي قبل عامين حضور ما يقارب 30 ألف مشجع ألماني، في مشهد اعتُبر حينها فضيحة مدوية وخيانة داخلية قبل أن يكون إخفاقًا كرويًا.

وأوضح البيان أن أي تذكرة يُعثر عليها بحوزة مشجع لآينتراخت فرانكفورت داخل مناطق مخصصة لجماهير برشلونة، سيتم تتبعها فورًا لتحديد هوية العضو أو العضوة الذين قاموا بشرائها ثم إعادة بيعها، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة، نظرًا لما قد يسببه ذلك من مخاطر حقيقية على أمن وسلامة بقية الجماهير داخل الملعب.

هذه السياسة الصارمة تعكس تغيّرًا جذريًا في تعامل إدارة برشلونة مع ملف التذاكر، ورسالة واضحة بأن ما حدث في 2022 لن يُسمح بتكراره تحت أي ظرف، خاصة أن تلك الليلة لم تكن مجرد خسارة رياضية، بل جرحًا في كرامة نادٍ طالما افتخر بأن كامب نو حصن لا يُخترق.

وباتباع تلك الأستراتيجية حقق برشلونة الإسباني فوزًا مهمًا وثمينًا على ضيفه آينتراخت فرانكفورت الألماني بنتيجة 2-1، في مباراة مثيرة جمعت الفريقين مساء اليوم الثلاثاء على ملعب كامب نو، ضمن منافسات الجولة السادسة من دور المجموعات لبطولة دوري أبطال أوروبا 2025-2026.

وشهدت المباراة بداية صعبة لبرشلونة، حيث تقدم فرانكفورت أولًا عبر إنسجار كنوف في الدقيقة 21، بعد هجمة مرتدة سريعة أربكت دفاعات أصحاب الأرض، وأشعلت حماس الجماهير الألمانية التي احتلت مدرجات كامب نو بشكل شبه كامل.

لكن الفريق الكتالوني لم يرضخ للضغط، واستفاق في الشوط الثاني، حيث سجل جول كوندي هدفين متتاليين في الدقيقتين 50 و53، ليقلب النتيجة لصالح برشلونة، ويمنح الفريق ثلاث نقاط غالية في سباق التأهل لدور الـ16 من البطولة، وسط فرحة عارمة من جماهيره بعد ليلة مثيرة وعاطفية على كامب نو.

خيانة في الكامب نو.. حين خسر برشلونة المباراة والهوية معًا

في النهاية، لم تكن خسارة برشلونة أمام آينتراخت فرانكفورت مجرد نتيجة على لوحة الملعب، بل كانت هزيمة مزدوجة الطابع، خسر الفريق داخل المستطيل الأخضر أمام خصم تفوق ذهنيًا وبدنيًا، وخسر قبل ذلك في المدرجات، حين تخلّى جمهور الأرض عن دوره التاريخي وباع صوته ووجوده لمن جاء يغزو المقاعد قبل معركة كروية، كانت طعنة من الداخل، أشبه بخيانة صامتة، جعلت الكامب نو يبدو غريبًا عن نفسه، بلا هيبة ولا رهبة.

في تلك الليلة، لم يسقط برشلونة فقط لأن كرة القدم لا ترحم، بل لأن الروح التي طالما صنعت الفارق غابت، المدرجات التي كانت وقود اللاعبين تحولت إلى عامل ضغط عليهم، والهتاف الذي كان يُرعب الخصوم صار موجّهًا لأصحاب القميص ذاته.. لذلك، ستظل مباراة فرانكفورت درسًا قاسيًا في أن الأندية العظيمة لا تُهزم فقط عندما تخسر على الملعب، بل عندما تُفرّط جماهيرها في انتمائها.. فالهزيمة الحقيقية تبدأ حين تُباع الهوية قبل أن تُهدر الفرص.