أبرزها في عام 2004.. حكايات أبطال كانوا مفاجأة في آخر 25 سنة

أبرزها في عام 2004.. حكايات أبطال كانوا مفاجأة في آخر 25 سنة


تعد كرة القدم أكثر من مجرد رياضة، أرض الملعب هي المكان الذي يكتب فيه التاريخ، وحيث تتجسد المفاجآت في أبهى صورها، لا تقتنع كرة القدم بالشهرة السابقة أو الألقاب التاريخية، بل تُقيّم بناءً على الأداء الفعلي الذي يُقدمه اللاعبون في اللحظة الحاسمة، الأبطال قد يظهرون من حيث لا نتوقع، وتغدو الأندية التي كانت في الظل هي التي تصنع الفارق وتحقق الإنجازات.

في السنوات الأخيرة، شهدنا العديد من المفاجآت التي أدهشت العالم، وفاجأت عشاق الساحرة المستديرة، كل موسم كان يحمل معه قصة جديدة، ولكن أبرز هذه القصص تركزت حول عام 2004، الذي قد يكون الأكثر غرابة في تاريخ كرة القدم، حيث خرجت فيه أندية ومنتخبات لتظفر بألقاب غير متوقعة وغير مسبوقة. 

باتت تفصلنا أيام قليلة عن نهاية الربع الأول من القرن الحالي، ومن هنا قرر 365scores بنسخته العربية تسليط الضوء على الأبطال الغير متوقعين خلال القرن الجديد، وتحديدًا بعد مرور 25 عام، من بورتو 2004، إلى يورو 2004، ثم إنتر 2010، وتشيلسي 2012، وليستر سيتي 2016، وصولًا إلى باير ليفركوزن مع تشابي ألونسو في 2023، تشهد السنوات الأخيرة كيف أن كرة القدم لا تعترف بالتاريخ، بل بمن يتقن الفن في لحظة الحقيقة، ويعرف من أين تؤكل الكتف.

احتفالات جماهير إسبانيا باليورو
احتفالات جماهير إسبانيا باليورو – المصدر: Gettyimages

بورتو 2004.. بداية إمبراطورية مورينيو

موسم 2003–2004 لم يكن مجرد موسم عادي في تاريخ كرة القدم الأوروبية، بل كان إعلانًا عالميًا لانتصار الميدان على التاريخ، حيث تساوى الجميع داخل المستطيل الأخضر، وسقطت الهيمنة، وارتفعت رايات المفاجآت في إنجلترا، إسبانيا، وألمانيا، والبطولات الأوروبية، تمهيدًا لعام استثنائي استحق أن يُوصف بأنه أغرب عام كروي في التاريخ.

في موسم 2003-2004، كان نادي بورتو البرتغالي تحت قيادة المدرب جوزيه مورينيو في رحلة تاريخية لم يتوقعها أحد، رغم أن بورتو كان يملك تاريخًا محترمًا في كرة القدم البرتغالية، إلا أن الفريق لم يكن من الأندية الكبيرة في القارة الأوروبية، ورغم ذلك، تمكن مورينيو من تحويل بورتو إلى فريق لا يُقهر، وقادهم لتحقيق الفوز في دوري أبطال أوروبا، وهو ما لم يكن يتوقعه أحد.

في المباراة النهائية، التي أقيمت في ألمانيا على ملعب “فيلتينس أرينا”، واجه بورتو فريق موناكو الفرنسي الذي كان يمتلك قوة هجومية مرعبة بقيادة الفرنسي ديدييه دروجبا، لكن ما حدث كان معجزة بكل المقاييس، حيث سحق بورتو موناكو بثلاثية نظيفة بفضل أداء جماعي رائع وأهداف سجلها هيرنان كريسبو وديكو، كانت تلك البطولة بداية لشهرة مورينيو الذي اكتسب لقب “المعلم” وأصبح واحدًا من أفضل المدربين في تاريخ كرة القدم.

علاوة على ذلك، لم يكن هذا اللقب مجرد إضافة في سجلات بورتو، بل كان بمثابة نقطة تحول في مسيرة مورينيو الذي أصبح بعدها مدربًا مطلوبًا من أكبر الأندية الأوروبية، كانت تلك اللحظة هي بداية ما سيُسمى “إمبراطورية مورينيو” التي حصدت الألقاب في كل مكان ذهب إليه، من تشيلسي إلى ريال مدريد وإنتر ميلان.

اليونان.. يورو تاريخي يعصف بالتوقعات

واحدة من أكبر المفاجآت التي شهدتها كرة القدم في تاريخ البطولات القارية كانت في يورو 2004، منتخب اليونان، الذي لم يكن يُعتبر من القوى الكبرى في القارة الأوروبية، نجح في تحقيق مفاجأة غير مسبوقة عندما توج ببطولة كأس الأمم الأوروبية في البرتغال، وعلى حساب المنتخب البرتغالي صاحب الأرض والجمهور.

تحت قيادة المدرب الألماني أوتو ريهاجل، لعبت اليونان بأسلوب دفاعي منظم للغاية، اعتمد على المرتدات السريعة والكرات الهوائية، لم يكن الفريق يملك أسماء كبيرة على غرار منتخبات مثل فرنسا أو إيطاليا، ولكنه تميز بروح قتالية عالية وانضباط تكتيكي صارم.

في دور المجموعات، استطاعت اليونان أن تقصي المنتخب البرتغالي بهدفين نظيفين، ثم تابعت نجاحاتها لتقهر منتخب فرنسا في دور الثمانية، بينما حقق المنتخب اليوناني فوزًا قاتلًا على التشيك في نصف النهائي، وأخيرًا، تمكنت من التغلب على البرتغال مرة أخرى في النهائي بهدف نظيف في الدقيقة 57 عن طريق أنجيلوس هارستياس.

كان هذا الإنجاز بمثابة معجزة كروية، حيث كانت اليونان تعتبر أقل منتخب في البطولة من حيث الأسماء والتاريخ، لكن تكتيك ريهاجل البارع جعلهم أبطالًا لأوروبا، ليحققوا اللقب الأول والأخير لهم في تاريخه الطويل في البطولات القارية.

أبطال إنجلترا موسم 2004.. أرسنال وجيل اللاهزيمة

في إنجلترا، حيث لا مكان للرحمة ولا للاعتراف إلا بالقوة، كتب أرسنال واحدة من أعظم القصص في تاريخ كرة القدم العالمية وتحديدًأ خلال القرن الجديد، موسم 2003–2004، لم يكن الأمر مجرد تتويج بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز، بل كان إعلانًا صريحًا بأن التاريخ يمكن كسره، وأن المستحيل قابل للتحقق.

تحت قيادة الفرنسي أرسين فينجر، قدّم أرسنال موسمًا استثنائيًا لم يُهزم خلاله في أي مباراة من أصل 38 مباراة، ليُخلّد اسمه كأول فريق في عصر البريميرليج يُتوج باللقب دون أي خسارة، في إنجاز لم يتكرر حتى اليوم، قاد هذا الفريق جيل ذهبي استثنائي، يتقدمه القائد الفرنسي تييري هنري، ماكينة الأهداف وأيقونة الهجوم، ومعه الهولندي دينيس بيركامب، عقل الفريق وصانع الجمال الكروي، إضافة إلى باتريك فييرا، روبرت بيريز، سول كامبل، وأشلي كول، في منظومة تكاملت فيها القوة البدنية مع الذكاء التكتيكي والمتعة الفنية.

أرسين فينجر خلال خسارة أرسنال أمام تشيلسي
أرسين فينجر – أرسنال ضد تشيلسي (المصدر : Getty images)

لم يكن أرسنال فقط بطلًا، بل كان فريقًا يفرض أسلوبه، يهاجم بلا خوف، ويدافع بثبات، ويؤمن بأن الفوز ليس وليد الحظ، بل نتيجة فلسفة كروية متكاملة، ولم تتوقف ملحمة اللاهزيمة عند هذا الموسم فقط، إذ امتدت السلسلة التاريخية إلى 47 مباراة متتالية دون هزيمة في الدوري، لتتحول هذه النسخة من أرسنال إلى أسطورة خالدة في ذاكرة الكرة الإنجليزية، وفريق يُضرب به المثل كلما ذُكر معنى السيطرة الكاملة.

أبطال إسبانيا موسم 2004.. فالنسيا يكسر احتكار الكبار

في إسبانيا، حيث اعتادت الألقاب أن تتنقل بين ريال مدريد وبرشلونة، وبينما كان أتلتيكو مدريد يحاول استعادة مكانته، ظهر اسم فالنسيا ليقلب الطاولة على الجميع، بإمكانات محدودة مقارنة بعمالقة الليجا، نجح فالنسيا في التتويج بلقب الدوري الإسباني موسم 2003–2004، في واحدة من أكبر مفاجآت الكرة الإسبانية، الفريق الذي قاده المدرب رافائيل بينيتيز، قدّم كرة قدم متوازنة جمعت بين الصلابة الدفاعية والانضباط التكتيكي والفاعلية الهجومية.

لم يكن فالنسيا الفريق الأكثر امتلاكًا للنجوم، لكنه كان الفريق الأكثر تنظيمًا والتزامًا، استطاع التفوق على ريال مدريد المدجج بالنجوم، وتجاوز برشلونة الباحث عن استعادة هيبته، ليؤكد أن الجماعية والانضباط قد يهزمان الأسماء الكبيرة.

الليجا
الدوري الإسباني (المصدر:Gettyimages)

ولم تتوقف مفاجآت إسبانيا عند لقب الدوري، إذ جاءت الضربة الثانية عبر بطولة كأس ملك إسبانيا، حين تمكن ريال سرقسطة من تحقيق اللقب بعد مباراة درامية أمام ريال مدريد، انتهت بفوز سرقسطة بثلاثة أهداف مقابل هدفين، بهذا الفوز، حصد ريال سرقسطة لقبه السادس في تاريخ المسابقة، ليُضيف فصلاً جديدًا من الدهشة إلى موسم استثنائي، ويؤكد أن كرة القدم الإسبانية في ذلك العام لم تكن حكرًا على أصحاب الميزانيات الضخمة.

أبطال ألمانيا موسم 2004.. فيردر بريمن يُسقط بايرن ميونخ

أما في ألمانيا، حيث الهيمنة التاريخية لبايرن ميونخ، فقد شهد موسم 2003–2004 زلزالًا كرويًا غير متوقع، استطاع فيردر بريمن أن ينتزع لقب الدوري الألماني بعد صراع طويل ومثير حتى الجولات الأخيرة، متفوقًا على العملاق البافاري، أنهى بريمن الموسم متصدرًا جدول الترتيب برصيد 74 نقطة، بفارق 6 نقاط كاملة عن بايرن ميونخ الوصيف الذي اكتفى بـ68 نقطة، ليحقق بريمن لقبه الرابع في تاريخ الدوري، والذي أصبح حتى الآن آخر ألقابه في البوندزليجا.

لم يكن هذا الإنجاز مجرد صدفة، بل نتيجة عمل جماعي مميز وروح قتالية عالية، جعلت بريمن الفريق الأكثر ثباتًا طوال الموسم، في وقت تعثر فيه بايرن بشكل غير معتاد، ولم يكتفِ فيردر بريمن بلقب الدوري، بل واصل هيمنته المحلية بتحقيق كأس ألمانيا أيضًا، بعدما انتصر في المباراة النهائية بنتيجة 3-2، ليحقق الثنائية المحلية ويُكمل موسمًا تاريخيًا بكل المقاييس.

نابي كيتا - فيردر بريمن
نابي كيتا – فيردر بريمن
(المصدر:Gettyimages)

شكل هذا الموسم صدمة كبرى لعشاق الكرة الألمانية، إذ خرج بايرن ميونخ، صاحب النفوذ والتاريخ، خالي الوفاض، في واحد من أندر مواسمه دون ألقاب محلية، ليؤكد أن عام 2004 كان عامًا لا يعترف بالأسماء، بل بالأداء فقط.

إنتر ميلان 2010.. ثلاثية خالدة تُعيد كتابة التاريخ مع مورينيو

في عام 2010، لم يكن إنتر ميلان مجرد فريق يتنافس على البطولات، بل كان مشروعًا كرويًا متكاملًا يقوده رجل يؤمن بأن البطولات الكبرى تُحسم في التفاصيل الصغيرة، جوزيه مورينيو المدرب البرتغالي، الذي جاء إلى إيطاليا وسط شكوك وانتقادات، استطاع خلال موسمين فقط أن يُعيد تشكيل هوية إنتر ميلان، ويقوده إلى واحدة من أعظم الإنجازات في تاريخ كرة القدم الأوروبية.

سنوات طويلة سبقت هذا الموسم، عاشها إنتر في مطاردة حلم دوري أبطال أوروبا دون جدوى، رغم امتلاكه أسماء كبيرة وإمكانات مالية ضخمة، إخفاقات متكررة، خيبات أمل أوروبية، وضغوط جماهيرية وإعلامية، جعلت لقب “العقدة الأوروبية” يلاحق النادي الأزرق والأسود، لكن في موسم 2009–2010 تغيّر كل شيء.

لم يكن مشوار إنتر نحو اللقب مفروشًا بالورود، بل جاء عبر مواجهات نارية أمام كبار القارة، ففي الأدوار الإقصائية، قدّم الفريق واحدة من أعظم مبارياته التكتيكية أمام برشلونة في نصف النهائي، حيث واجه فريق بيب جوارديولا المدجج بالنجوم، ولعب مباراة ذهاب أسطورية في “سان سيرو” انتهت بفوز إنتر، قبل أن يصمد في “كامب نو” بعشرة لاعبين، في واحدة من أكثر الليالي الأوروبية درامية، ويخطف بطاقة التأهل للنهائي وسط دهشة العالم.

لاتسيو - إنتر ميلان 2010 - المصدر: gettyimages
لاتسيو – إنتر ميلان 2010 – المصدر: gettyimages

في مايو 2010، وعلى أرضية ملعب “سانتياجو برنابيو” في مدريد، وقف إنتر ميلان أمام اختبار الحسم الأخير، حين واجه بايرن ميونيخ الألماني، بطل البوندزليجا وكأس ألمانيا، والذي كان يسعى لتحقيق الثلاثية بدوره، لكن مورينيو دخل المباراة بخطة محكمة، أغلقت المساحات، وكبّلت مفاتيح لعب بايرن، ومنحت فريقه التفوق الذهني والتكتيكي، وفي لحظة الحسم، ظهر الأرجنتيني دييجو ميليتو، رجل النهائيات، ليسجل هدفين تاريخيين، أعلنا فوز إنتر بنتيجة 2-0، وتُتوّج الجماهير حلمًا طال انتظاره.

بهذا الفوز، أصبح إنتر ميلان أول نادٍ إيطالي في التاريخ يحقق الثلاثية: لقب الدوري الإيطالي، كأس إيطاليا ودوري أبطال أوروبا، إنجاز لم يسبقه إليه أي فريق من الكالتشيو، في بطولة تُعرف بقسوتها التكتيكية وصعوبة المنافسة فيها.

لم يكن هذا التتويج مجرد بطولة إضافية في خزائن مورينيو، بل كان تتويجًا لفلسفة كاملة تقوم على الانضباط، الواقعية، وإدارة التفاصيل الدقيقة، عرف كيف يحوّل الضغط إلى قوة، وكيف يُخرج أفضل ما لدى لاعبيه في اللحظات الكبرى، ما زاد المشهد درامية هو أن مورينيو خاض النهائي وهو يعلم أن هذه قد تكون آخر مباراة له مع إنتر، وهو ما تأكد لاحقًا بانتقاله إلى ريال مدريد، لحظة وداعه كانت مفعمة بالمشاعر، حين عانق لاعبيه والجماهير، بعد أن منحهم مجدًا لن يُمحى من الذاكرة.

جوزيه مورينيو (المصدر:Gettyimages)
جوزيه مورينيو (المصدر:Gettyimages)

لقب 2010 لم يكن مجرد صفحة في تاريخ إنتر ميلان، بل كان نقطة تحوّل في مسيرة النادي، وعلامة فارقة في تاريخ دوري أبطال أوروبا، ودليلًا قاطعًا على أن التخطيط، والقيادة، والإيمان بالفكرة، يمكن أن تهزم أقوى الأسماء، إنتر 2010 لم يكن الفريق الأكثر جمالًا، لكنه كان الفريق الأكثر صلابة وذكاءً، ليُثبت مرة أخرى أن كرة القدم لا تكافئ الأجمل دائمًا.. بل الأكثر استعدادًا للحظة الحقيقة.

تشيلسي 2012.. اللقب المستحيل بعد سنوات من الألم

سنوات طويلة عاشها تشيلسي وهو يطرق باب دوري أبطال أوروبا دون أن يُفتح له، فريقٌ مليء بالنجوم، وبدعم مالي هائل، ومشاركات متتالية في البطولة، لكن الحلم الأوروبي كان دائمًا يتبخر في اللحظة الأخيرة، خرج الفريق من نصف نهائي، وخسر نهائيًا مؤلمًا، وودّع البطولة بطرق قاسية، حتى أصبح لقب دوري الأبطال هو العقدة الكبرى في تاريخ النادي اللندني، لكن موسم 2011–2012 جاء ليقلب كل الموازين، ليس بالقوة الهجومية ولا بالأداء المبهر، بل بالإصرار والعناد والقدرة على النجاة من أقسى الظروف.

دخل تشيلسي الموسم وسط اضطرابات فنية كبيرة، ومع تراجع النتائج أُقيل المدرب البرتغالي أندريه فيلاش بواش، ليتولى المهمة مساعده الإيطالي روبيرتو دي ماتيو بشكل مؤقت، لم يكن أحد يتوقع أن يتحول هذا القرار الاضطراري إلى نقطة انطلاق نحو المجد الأوروبي، قاد دي ماتيو فريقًا بدا في ظاهره متواضعًا، لكنه كان يمتلك خبرة هائلة وروحًا قتالية استثنائية، بقيادة كوكبة من اللاعبين الذين أدركوا أن الفرصة ربما لا تتكرر: ديدييه دروجبا، فرانك لامبارد، جون تيري، بيتر تشيك، وأشلي كول.

لم يكن طريق تشيلسي إلى النهائي سهلًا على الإطلاق، واجه برشلونة في نصف النهائي، الفريق الذي كان يُعتبر حينها الأفضل في العالم، ونجح تشيلسي في إقصائه بأداء دفاعي بطولي، وصمود أسطوري في “كامب نو”، ليحجز مقعده في النهائي وسط ذهول المتابعين، في 19 مايو 2012، وعلى أرضية ملعب “أليانز أرينا” في ميونيخ، لعب تشيلسي النهائي الأصعب في تاريخه أمام بايرن ميونيخ، صاحب الأرض والجمهور، والفريق الأكثر سيطرة خلال اللقاء.

تشيلسي 2012 - المصدر (Getty Images)
تشيلسي 2012 – المصدر (Getty Images)

سيطر بايرن على مجريات المباراة، وهدد مرمى تشيلسي مرارًا، حتى نجح توماس مولر في تسجيل هدف التقدم في الدقيقة 83، لتبدو الكأس أقرب من أي وقت مضى إلى خزائن النادي البافاري، لكن كرة القدم كانت تُخفي سيناريو أكثر قسوة ودهشة، في الدقيقة 88، ومن أول ركلة ركنية حقيقية لتشيلسي، ارتقى ديدييه دروجبا فوق الجميع، وأطلق رأسية تاريخية هزّت شباك مانويل نوير، وأعادت تشيلسي إلى الحياة، وفرضت شوطين إضافيين.

في الوقت الإضافي، ظن الجميع أن النهاية اقتربت، بعدما احتسب الحكم ركلة جزاء لصالح بايرن ميونيخ إثر عرقلة فرانك ريبيري، تقدم أريين روبن للتنفيذ، لكن الحارس التشيكي بيتر تشيك وقف شامخًا، وتصدى للركلة ببراعة، ليُبقي الحلم حيًا، اتجهت المباراة إلى ركلات الترجيح، وهناك، كتب تشيلسي الفصل الأخير من ملحمته، تصدى تشيك لركلة حاسمة، ثم تقدم دروجبا ليسدد الركلة الأخيرة بثبات أعصاب مذهل، مُعلنًا فوز تشيلسي 4-3، وتتويجه بلقب دوري أبطال أوروبا لأول مرة في تاريخه.

لم يكن تشيلسي الفريق الأجمل، ولا الأكثر استحواذًا، لكنه كان الفريق الأكثر إيمانًا بحقه في اللقب، بطولة 2012 لم تكن انتصارًا تكتيكيًا فقط، بل كانت انتصارًا للإرادة، ولجيل رفض أن يرحل دون أن يحقق حلمه الأكبر، أصبح هذا اللقب علامة فارقة في تاريخ تشيلسي، وأحد أكثر التتويجات درامية في تاريخ دوري أبطال أوروبا، ودليلًا جديدًا على أن كرة القدم لا تكافئ دائمًا من يسيطر.. بل من يصمد حتى النهاية.

ليستر سيتي 2016.. معجزة البريميرليج التي هزّت العالم

حفلت ملاعب كرة القدم عبر تاريخها الطويل بالعديد من القصص الملهمة، لكن القليل منها فقط ارتقى إلى مرتبة “المعجزة”، قصص كُتبت خارج الحسابات والمنطق، وكسرت قوانين المال والتاريخ، وفرضت نفسها بالقوة والإيمان، وفي قلب هذه القصص الخالدة، تقف ملحمة ليستر سيتي موسم 2015–2016، كواحدة من أعظم المفاجآت في تاريخ الرياضة، وليس كرة القدم فقط.

لطالما كانت البطولات الكبرى، وعلى رأسها الدوريات الأوروبية الخمس الكبرى، حكرًا على نخبة محددة من الأندية، تمتلك المال، النجوم، والخبرة، لكن ليستر سيتي جاء ليقول إن كرة القدم لا تُلعب بالأسماء، بل بالروح، وأن الأحلام قد تتحقق حين يتكاتف فريق كامل خلف فكرة واحدة.

ليستر سيتي بطل الدوري الإنجليزي - المصدر (Getty images)
ليستر سيتي بطل الدوري الإنجليزي – المصدر (Getty images)

قبل انطلاق موسم 2015–2016، لم يكن ليستر سيتي مرشحًا حتى للبقاء في الدوري الإنجليزي الممتاز، بعد أن نجا بأعجوبة من الهبوط في الموسم السابق، بل إن مكاتب المراهنات وضعت احتمالية تتويجه باللقب كأحد أكثر السيناريوهات استحالة في تاريخ البريميرليج، لكن المدرب الإيطالي المخضرم كلاوديو رانييري، الذي قوبل تعيينه بتشكيك وسخرية، كان يرى ما لا يراه الآخرون، بنى فريقًا متماسكًا، يعتمد على الانضباط التكتيكي، والسرعة في التحول، والضغط الذهني المستمر على المنافسين.

مع مرور الجولات، لم يكن ليستر يتراجع، بل ازداد قوة وثقة، تفوق على كبار الدوري واحدًا تلو الآخر، وفرض نفسه طرفًا رئيسيًا في سباق اللقب أمام أندية تملك أضعاف ميزانيته، مثل مانشستر سيتي، مانشستر يونايتد، تشيلسي، وأرسنال، اعتمد الفريق على مجموعة من اللاعبين الذين تحولوا من مغمورين إلى نجوم عالميين، يتقدمهم جيمي فاردي، الذي كتب قصة ملهمة بتسجيله في 11 مباراة متتالية، إلى جانب الجزائري رياض محرز، الذي قدّم واحدًا من أعظم مواسم الفردية في تاريخ الدوري، ونجولو كانتي، القلب النابض للفريق.

جيمي فاردي - حكم مباراة ليستر سيتي ضد ساوثهامبتون
جيمي فاردي – حكم مباراة ليستر سيتي ضد ساوثهامبتون
(المصدر:Gettyimages)

جاء الحسم رسميًا يوم 2 مايو 2016، عندما سقط توتنهام، المنافس المباشر على اللقب، في فخ التعادل الإيجابي 2-2 أمام تشيلسي، في المباراة التي أقيمت على ملعب “ستامفورد بريدج”، ضمن الجولة 36 من عمر المسابقة، بهذا التعادل، رفع توتنهام رصيده إلى 70 نقطة في المركز الثاني، بفارق 7 نقاط عن ليستر سيتي المتصدر، قبل جولتين فقط من النهاية، ليُعلن رسميًا تتويج “الثعالب” بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز لأول مرة في تاريخهم.

كانت ليلة تاريخية، تحولت فيها شوارع ليستر إلى بحر من الدموع والفرح، ووقف العالم بأسره شاهدًا على قصة لم تُكتب في الخيال، بل على أرض الملعب، أنهى ليستر سيتي موسمه التاريخي في صدارة جدول ترتيب البريميرليج برصيد 81 نقطة، بفارق 10 نقاط كاملة عن أرسنال الوصيف، فيما جاء توتنهام ثالثًا برصيد 70 نقطة.

البيان العدد
عدد المباريات 38 مباراة
عدد الانتصارات 23 فوزًا
عدد التعادلات 12 تعادلًا
عدد الهزائم 3 هزائم
إجمالي النقاط 81 نقطة

لم يكن تتويج ليستر سيتي مجرد لقب دوري، بل كان رسالة عالمية مفادها أن كرة القدم ما زالت قادرة على إنصاف الحالمين، معجزة 2016 ستظل محفورة في الذاكرة، كنقطة ضوء في زمن سيطرة المال، ودليل قاطع على أن الإيمان بالفكرة والعمل الجماعي قد يهزمان أي تاريخ، ليستر سيتي لم يفز بالدوري فقط.. بل فاز بقلوب العالم.

ليفركوزن مع تشابي ألونسو.. من عقدة الوصافة إلى كتابة التاريخ

لسنوات طويلة، ارتبط اسم باير ليفركوزن بلقب ساخر وقاسٍ في آنٍ واحد: “نيفركوزن”، الفريق الجميل الذي يقترب دائمًا من المجد ثم يتعثر عند الأمتار الأخيرة، نادٍ قدّم أجيالًا مميزة، ونافس الكبار، لكنه ظل عاجزًا عن لمس لقب الدوري الألماني، في ظل هيمنة بايرن ميونخ التي بدت أبدية، حتى جاء تشابي ألونسو.. وجاء معه كسر القاعدة.

في أكتوبر 2022، وبعد أسابيع قليلة من انطلاق موسم 2022–2023، تسلّم تشابي ألونسو مهمة تدريب ليفركوزن في واحدة من أصعب فترات النادي، الفريق كان يقبع مباشرة فوق منطقة الهبوط، فاقدًا للثقة، ومترنحًا فنيًا وذهنيًا، لكن المدرب الإسباني الشاب لم يحتج إلى وقت طويل ليُغيّر المشهد، غرس سريعًا انضباطًا تكتيكيًا صارمًا، أعاد ترتيب خطوط الفريق، وبث الثقة في لاعبين كانوا يعانون من التذبذب، تحول ليفركوزن من فريق يصارع للبقاء، إلى فريق ينافس بثبات.

تشابي ألونسو - ريال مدريد - باير ليفركوزن
تشابي ألونسو – ريال مدريد – باير ليفركوزن

وبنهاية الموسم، قاد ألونسو الفريق إلى المركز السادس في الدوري الألماني، وانتزع بطاقة التأهل إلى البطولات الأوروبية، في إنجاز اعتُبر وقتها نجاحًا كبيرًا بالنظر إلى نقطة البداية.

لكن ما حدث في الموسم التالي لم يكن مجرد تطور طبيعي.. بل كان زلزالًا كرويًا، قاد تشابي ألونسو باير ليفركوزن إلى أول لقب دوري في تاريخ النادي، والأكثر إدهاشًا، أن الفريق أنهى موسم البوندزليجا دون أي هزيمة، في إنجاز تاريخي، أنهى هيمنة بايرن ميونخ على اللقب والتي استمرت 11 عامًا متتالية، لم يكن ليفركوزن فريق اللحظة، بل فريق الموسم الكامل، ثابتًا، شجاعًا، وذكيًا في إدارة المباريات، يفرض أسلوبه، ويعرف متى يهاجم ومتى يدافع، دون خوف من الأسماء أو الملاعب.

ولم تتوقف النجاحات عند الدوري فقط، إذ قاد ألونسو الفريق إلى حصد كأس ألمانيا، محققًا ثنائية محلية تاريخية، كما وصل إلى نهائي الدوري الأوروبي، ليصبح على بُعد خطوة واحدة من ثلاثية أسطورية كانت ستُدوّن كأحد أعظم مواسم الأندية الأوروبية في العصر الحديث لكن أتالانتا كان له رأي أخر.

البيا العدد
إجمالي المباريات 138 مباراة
عدد الانتصارات 89 فوزًا
عدد التعادلات 31 تعادلًا
عدد الهزائم 18 هزيمة

بات تشابي ألونسو الاسم الأبرز في تاريخ ليفركوزن الحديث، إذ تُعد بطولاته الثلاث مع النادي:

  • الدوري الألماني
  • كأس ألمانيا
  • السوبر الألماني

نصف بطولات النادي عبر تاريخه، حيث لم يحصد ليفركوزن سوى 6 ألقاب فقط منذ تأسيسه، لم يعتمد ألونسو على النجوم الجاهزين، بل منح ثقته لمواهب شابة، قادرة على تنفيذ أفكاره داخل الملعب بدقة وشجاعة، تحوّل الفريق إلى وحدة متناغمة، تُجيد الضغط، وبناء اللعب، والتحكم في إيقاع المباريات، ليؤكد المدرب الإسباني أنه ليس مجرد اسم كبير كلاعب سابق، بل مدرب استثنائي في طور صناعة المجد.

باير ليفركوزن
باير ليفركوزن
(المصدر: gettyimages)

قصة باير ليفركوزن مع تشابي ألونسو ليست مجرد بطولة، بل تحرير تاريخي من عقدة دامت عقودًا، قصة تُثبت أن كرة القدم لا تنسى الصابرين، وأن الأبطال قد يولدون حين يتلاقى الفكر، الإيمان، والشجاعة، ليفركوزن لم يكسر هيمنة بايرن فقط.. بل كسر صورته القديمة، وكتب صفحة جديدة بعنوان: هنا يولد الأبطال.

حين تنتصر كرة القدم على التاريخ

كرة القدم لا تعترف بالتاريخ وحده، ولا تُتوَّج فيها الأندية بالأسماء أو الميزانيات أو عدد النجوم على القمصان، التاريخ يُحترم، نعم، لكنه لا يلعب، الذي يلعب هو من يؤمن بالفكرة، من يستعد للحظة، ومن يمتلك الشجاعة ليواجه الواقع دون رهبة، عام 2004 لم يكن مجرد سنة استثنائية، بل كان الشرارة الأولى لعصر كامل من كسر القواعد، حيث أثبت أن البطولات لا تُحسم مسبقًا، وأن المفاجآت ليست حوادث عابرة، بل نتائج منطقية حين تتلاقى الإرادة مع التخطيط. 

ومنذ ذلك الحين، توالت القصص التي أكدت أن المستحيل في كرة القدم مجرد رأي، إنتر مورينيو انتصر بالواقعية والدهاء، تشيلسي فاز بالإيمان والصمود، ليستر كتب أسطورة بالإصرار، وليفركوزن حرر نفسه من عقدة تاريخية بالفكر والشجاعة، كلهم لم يكونوا الأجمل دائمًا، ولا الأقوى على الورق، لكنهم كانوا الأكثر استعدادًا للحظة الحقيقة.

هذه القصص ليست مجرد ألقاب في سجلات، بل دروس خالدة لكل فريق يحلم، ولكل مدرب يؤمن بفكرته، ولكل لاعب يرفض أن يكون رقمًا في التاريخ، هي تذكير دائم بأن كرة القدم ما زالت اللعبة التي تمنح الأمل، وتكافئ من يجرؤ على الحلم، وفي زمن أصبحت فيه اللعبة أسيرة المال والحسابات، تأتي هذه الملاحم لتؤكد أن المستطيل الأخضر ما زال يحتفظ بسرّه الأكبر طالما هناك 90 دقيقة تُلعب.. فالتاريخ يظل قابلًا لإعادة الكتابة.