عبده العشري: تشديد العقوبة على الاتجار بالمخدرات في المدارس ودور العبادة ضرورة لحماية الشباب
أكد الدكتور عبده العشري، أستاذ مساعد القانون بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن القانون المصري في مواجهة جرائم الاتجار بالمخدرات ينتهج نهجًا بالغ الأهمية يقوم على التجريم والعقاب، حيث رصد المشرع عقوبات مغلظة لكل من يرتكب سلوك الاتجار في المواد المخدرة، نظرًا لما تمثله هذه الجرائم من خطر جسيم على الفرد والمجتمع، موضحًا أن تجارة المخدرات وترويجها لا تقف عند حد الإضرار بصحة وسلامة المتعاطين، وإنما تمتد آثارها لتشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي، لما تؤدي إليه من انهيار في القيم الأخلاقية، وزيادة معدلات الجريمة، واستنزاف موارد الدولة في ملاحقة المتعاطين والمدمنين وعلاجهم، وهو ما جعل التجريم أداة لتحقيق الردع العام والخاص وصون المجتمع من أخطار هذه الظاهرة المدمرة.
وأشار خلال حلقة برنامج “رؤية”، المذاع على قناة الناس، اليوم الخميس، إلى أن القانون المصري شدد العقوبة في حالات الاتجار بالمخدرات إذا وقعت هذه الجرائم في أماكن يفترض أن تكون مخصصة لبناء الإنسان وتعليمه وتربيته وتنميته، مثل المؤسسات التعليمية داخل المدارس أو الجامعات أو في محيطها، وكذلك دور العبادة، والنوادي، والحدائق، وأماكن العلاج أو بالجوار المباشر لهذه الأماكن، مؤكدًا أن هذه المواقع يجب أن تكون آمنة وخالية من السموم، وأن التاجر في هذه الحالات يعتدي على أكثر الفئات التي يجب حمايتها وعلى رأسها الأطفال والشباب.
وأوضح الدكتور عبده العشري أن المشرع أراد من هذا التشديد إرسال رسالة واضحة مفادها أن الاتجار بالمخدرات في هذه الأماكن ليس جريمة عادية، بل جريمة شديدة الخطورة تستوجب أقصى العقوبات، خاصة إذا تم استخدام طفل أو ناشئ في عملية الاتجار أو الترويج، أو إذا بيعت له المواد المخدرة أو دُفع إلى تعاطيها بأي وسيلة من وسائل الإكراه أو الغش أو الترغيب أو الإغراء أو التسهيل، وهي صور إجرامية تستوجب عقوبات مشددة حمايةً للفئات الأضعف في المجتمع.
وتناول أستاذ مساعد القانون بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية مسألة مخاطر التعاطي من الناحية القانونية وفرص العلاج، موضحًا أن القانون المصري يعتبر تعاطي المخدرات جريمة يعاقب عليها بعقوبات قد تصل إلى السجن المشدد والغرامة، بهدف ردع هذا السلوك وعدم التساهل معه، مع منح المحكمة سلطة أن تأمر بدلًا من تنفيذ العقوبة بإيداع من يثبت إدمانه إحدى المصحات المتخصصة للعلاج الطبي والنفسي والاجتماعي، في إطار تحقيق التوازن بين الردع وإتاحة فرصة حقيقية للعلاج.
وأكد أن القانون لم يكتفِ بعقاب المتعاطي، بل فتح باب الأمل أمام العلاج، حيث نص صراحة على عدم إقامة الدعوى الجنائية على من يتقدم من تلقاء نفسه إلى اللجنة المختصة في كل محافظة طالبًا العلاج، كما منح أفراد الأسرة، سواء الزوجة أو الأصول أو الفروع، الحق في التقدم بطلب لعلاج المتعاطي، وفي هذه الحالات لا تُقام الدعوى الجنائية، مع التأكيد على أن العلاج يتم بالمجان وفي سرية تامة، وهي نقطة في غاية الأهمية يجب أن يكون كل متعاطٍ ومدمن على علم بها.
وأشار الدكتور عبده العشري إلى أن التعاطي لا يقتصر ضرره على المتعاطي وحده، بل يمتد ليشكل خطرًا على المحيطين به داخل الأسرة والمجتمع وبيئة العمل، خاصة إذا كان المتعاطي موظفًا عامًا يعمل في مرفق عام، إذ قد يعرض الآخرين لمخاطر الحوادث والعنف نتيجة فقدان السيطرة على السلوك، كما يؤثر سلبًا على كفاءة العمل ويؤدي إلى زيادة معدلات حوادث الطرق والمواصلات عند القيادة تحت تأثير المخدر.
وأوضح أن هذه المخاطر تبرر لجوء الدولة إلى إجراء تحاليل المخدرات لحماية الأفراد وسلامتهم، مشيرًا إلى أن القانون رقم 73 لسنة 2021 نظم هذا الأمر بوضوح، حيث نص على خضوع المتقدمين للوظائف العامة لتحليل المخدرات واستبعاد من يثبت تعاطيه، كما أخضع الموظفين العموميين للتحليل في مختلف مراحل حياتهم الوظيفية، سواء عند التعيين أو الترقية أو الندب أو من خلال التحاليل المفاجئة، وفي حال ثبوت التعاطي يتم إنهاء الخدمة، في إطار فلسفة تهدف إلى تنقية الجهاز الإداري للدولة من المخدرات.
وأكد على أن مواجهة المخدرات مسؤولية جماعية، وأن المجتمع بكل مؤسساته وأفراده شركاء في حماية الأبناء والأسر من هذه الآفة الخطيرة، داعيًا إلى تقديم يد العون لكل متعاطٍ أو مدمن يحتاج إلى المساعدة، مع التأكيد على أن التعافي ممكن، وأن القانون لم يُشرَّع للعقاب فقط، بل جاء أيضًا ليكون باب أمل وحماية للمجتمع كله.

تعليقات