زمن تغيّر المدربين.. 3 رجال أثبتوا خلال ربع قرن أن الاستقرار يصنع المعجزات
في كرة القدم الحديثة، لم يعد الزمن حليف المدربين، بل خصمًا يتربّص بهم من صافرة إلى صافرة، عالم يتسارع بإيقاع النتائج الفورية، حيث تُقاس النجاحات بعدد النقاط لا بملامح المشروع، وتُختزل الرؤى في عناوين عريضة لا تعرف الصبر، في هذا الواقع، أصبح تغيير المدربين ردّة فعل تلقائية، وأضحى الاستقرار رفاهية لا تنالها إلا قلة نادرة.
مع مطلع الألفية الجديدة، دخلت كرة القدم مرحلة جديدة؛ مرحلة الاحتراف الكامل، والاستثمارات الضخمة، والجماهير العابرة للقارات، حيث لم تعد الإدارات وحدها من تصدر الأحكام، بل انضمت إليها منصات التواصل الاجتماعي، بمحاكمها السريعة وأحكامها القاطعة، إخفاق واحد، أو تعثّر عابر، كفيل بأن يطيح برأس المدرب، حتى وإن كان الثمن ضياع مشروعٍ كامل لم يكتمل بعد، وغالبًا ما كان المدرب هو الحلقة الأضعف، وكبش الفداء المفضل لإداراتٍ أخفقت في التخطيط، أو عجزت عن الصبر على البناء.
وسط هذا المشهد المضطرب، ومع اقترابنا من نهاية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، يختار 365Scores بنسخته العربية أن يتوقف عند الاستثناءات النادرة، تلك التي كسرت القاعدة ورفضت منطق الاستهلاك السريع، ثلاثة أسماء لم تكن مجرد مدربين مرّوا في ذاكرة أنديتهم، بل تحوّلوا إلى رموز وهوية، وإلى جزء أصيل من تاريخ المكان وروحه.

دييجو سيميوني، الذي لم يكن مجرد مدرب لأتلتيكو مدريد، بل قائد ثورة أعادت تعريف النادي، وحوّلته من فريق يعيش في ظل العملاقين إلى منافس شرس لا يهاب أحدًا.. آرسين فينجر، المفكر الهادئ الذي أعاد تشكيل كرة القدم الإنجليزية، وبنى آرسنال بأسلوب وفلسفة قبل أن يبنيه بالألقاب، والسير أليكس فيرجسون، الاسم الذي صار مرادفًا لمانشستر يونايتد، وقصة لا تُروى إلا مقرونة بالزمن الطويل، والانتصارات، والقدرة الفريدة على إعادة البناء جيلاً بعد جيل.
ثلاثة رجال، اختلفت مدارسهم، وتباينت شخصياتهم، لكنهم اجتمعوا على شيء واحد: الإيمان بالمشروع طويل الأمد، والصبر على العثرات، والولاء لنادٍ واحد في زمن بات فيه الانتماء عملة نادرة، هم ليسوا مجرد ناجحين، بل شواهد حيّة على أن الاستقرار، حين يُمنح لمن يستحقه، قد يكون أعظم بطولة يمكن أن تحققها كرة القدم.

دييجو سيميوني.. الجنرال الذي حوّل أتلتيكو إلى دولة
حين تولّى دييجو سيميوني قيادة أتلتيكو مدريد في ديسمبر 2011، لم يكن مجرّد مدرب يعود إلى نادٍ يعرفه، بل قائدًا عسكريًا دخل مهمة شبه مستحيلة: إحياء فريق اعتاد العيش في ظل الكبار، ومنحه شخصية لا تنكسر، بعد أكثر من 14 عامًا، لم يعد سيميوني جزءًا من تاريخ أتلتيكو فقط، بل صار التاريخ ذاته يُروى باسمه.
في زمنٍ تُقاس فيه أعمار المدربين بالأسابيع، وتُكتب نهاياتهم قبل أن تبدأ مشاريعهم، وقف الأرجنتيني صلبًا، مؤمنًا بأن كرة القدم ليست فقط موهبة، بل عقلية.. عقلية القتال حتى النفس الأخير، واللعب من أجل الشعار قبل الأسماء، هكذا وُلّد أتلتيكو سيميوني فريق لا يُقهر ذهنيًا، ولا يُهزم بسهولة، حتى حين يقلّ بريقه الفني.

خاض “التشولو” مع الروخيبلانكوس 760 مباراة، حقق خلالها 450 فوزًا، وتعادل 163 مرة، وتلقى 147 خسارة، أرقام لا تعكس فقط طول الرحلة، بل ثباتها واستمراريتها، ثمانية ألقاب رسمية جعلته أكثر مدرب قاد أتلتيكو مدريد في تاريخه، وأحد أكثر المدربين تأثيرًا في كرة القدم الأوروبية خلال القرن الحالي.
| البند | الرقم |
|---|---|
| عدد المباريات | 760 |
| عدد الانتصارات | 450 |
| عدد التعادلات | 163 |
| عدد الخسائر | 147 |
| عدد الألقاب الرسمية | 8 |
جوائز وأوسمة تؤكد مكانة فينجر
- الدوري الإسباني: مرتان (2014، 2021)
- الدوري الأوروبي: مرتان (2012، 2018)
- كأس السوبر الأوروبي: مرتان (2012، 2018)
- كأس ملك إسبانيا: مرة واحدة (2013)
- كأس السوبر الإسباني: مرة واحدة (2014)
لكن الألقاب وحدها لا تروي القصة كاملة، مرتان بلغ فيهما سيميوني نهائي دوري أبطال أوروبا، ووقف وجهًا لوجه أمام عمالقة القارة، متحديًا الفوارق المالية والإعلامية والتاريخية، لم ينتصر بالكأس، لكنه انتصر بالهوية، وبفرض أتلتيكو مدريد كقوة لا يمكن تجاهلها.

في كل مرة بدا فيها أن المشروع يقترب من نهايته، كان “التشولو” يعيد اختراعه، تغيّرت الأسماء، ورحل النجوم، لكن الروح بقيت، ومع توقيعه عقدًا جديدًا في سيفيتاس ميتروبوليتانو، كانت الرسالة واضحة.. هذه ليست نهاية الرحلة، بل فصل جديد في دولة بناها مدرب، لا يرضى إلا بأن يكون كل شيء تحت السيطرة.
سيميوني نفسه لخّص سر البقاء بكلمات بسيطة، لكنها عميقة الدلالة:
أنا هنا بفضل اللاعبين الذين أملكهم.. العلاقة بين المدرب والفريق هي كل شيء
وبينما يواجه مدربون شباب مقصلة الإقالة بعد تعثّر أو اثنين، يواصل دييجو سيميوني كتابة فصل نادر في تاريخ التدريب الحديث؛ فصل يؤكد أن الاستقرار، حين يقترن بالإيمان والعقلية، قد يصنع معجزة.. وقد يحوّل ناديًا إلى دولة صنعت نفسها بنفسها.
آرسين فينجر.. الفيلسوف الذي غيّر إنجلترا
لم يكن آرسين فينجر مجرد مدرب قاد أرسنال لمدة 22 عامًا بينهم 18 موسم في القرن الجديد، بل كان مشروعًا فكريًا كاملًا هبط على كرة القدم الإنجليزية في وقت لم تكن مهيأة لاستقباله، بين عامي 1996 و2018، لم يعش “المدفعجية” حقبة عادية، بل مرحلة أعادت تعريف اللعبة داخل إنجلترا، من طريقة اللعب إلى نمط الحياة خارج الملعب.
حين وصل الفرنسي إلى لندن، كانت الكرة الإنجليزية أسيرة القوة البدنية، والكرات الطويلة، وثقافة ما بعد المباريات، فجاء فينجر بعقلية مختلفة: علمية، هادئة، تؤمن بأن اللاعب آلة دقيقة تحتاج إلى تغذية صحيحة، وانضباط بدني، وفكر تكتيكي قبل أي شيء آخر، لم يغيّر أرسنال فقط، بل أجبر الدوري الإنجليزي بأكمله على التطور، على مستوى الأرقام، حقق فينجر مع أرسنال 17 لقبًا، لكنها كانت مجرد عناوين لكتاب أعمق بكثير: كتاب عن الهوية والاستمرارية والمتعة.

ألقاب أرسنال تحت قيادة فينجر
- الدوري الإنجليزي الممتاز 3 مرات (1998، 2002، 2004)
- كأس الاتحاد الإنجليزي 7 مرات
- الدرع الخيرية (الدرع المجتمعية) 7 مرات
ويبقى الإنجاز الذي سيظل عصيًا على التكرار، والمرجع الأبدي لكل نقاش تاريخي الدوري الذهبي 2003-2004.. موسم بلا هزيمة واحدة، فريق لا يُقهر، وفكرة كروية بلغت كمالها، لكن فينجر لم يكن مدرب المناسبات، بل رجل الأرقام الطويلة النفس
| النتيجة | العدد | النسبة المئوية |
|---|---|---|
| انتصارات | 707 | 57.2% |
| تعادلات | 208 | 16.8% |
| خسائر | 248 | 20.1% |
| الإجمالي | 1235 |
ولم تقتصر انجازات فينجر على هذا، بل هناك واحد آخر يختصر فلسفة الاستقرار.. 20 مشاركة متتالية في دوري أبطال أوروبا، رقم يعكس قدرة نادرة على التوازن بين المنافسة القارية والحفاظ على القمة محليًا، وفي موسم 2005-2006، بلغ نهائي البطولة الأوروبية، وخسر بصعوبة أمام برشلونة.
وكان لافتًا أن تكون آخر مباراة له مدربًا لأرسنال أمام أتلتيكو مدريد في أبريل 2018، في مواجهة بدت وكأنها وداع رمزي بين مدرستين عظيمتين: فيلسوف يؤمن بالفكرة، وجنرال يؤمن بالعقلية.

جوائز وأوسمة تؤكد مكانة فينجر
- مدرب العام في إنجلترا 3 مرات
- أفضل مدرب فرنسي (فرانس فوتبول – 2008)
- أفضل مدرب في العقد الأول من الألفية (2001–2010)
- وسام فارس جوقة الشرف
رحل آرسين فينجر عن مقعد التدريب، لكن أفكاره لم ترحل، بل بات الجانرز من بعده في دوامة حتى وصل أرتيتا، بقي تأثيره حاضرًا في كل فريق يلعب كرة نظيفة في إنجلترا، وفي كل مدرب يتحدث عن التغذية، والتخطيط طويل الأمد، وبناء المشروع قبل البحث عن اللقب، لم يكن مجرد مدرب.. كان فيلسوفًا أعاد تعليم إنجلترا كيف تفكّر في كرة القدم.
السير أليكس فيرجسون.. الإمبراطور الذي لا يتكرر
وبالحديث عن المدربين الذين عمروا في الأندية الأوروبية لا يمكن أن نغفل عن ذكر السير.. منذ مايو 2013، حين أعلن السير أليكس فيرجسون اعتزاله، لم يعرف مانشستر يونايتد طعم الاستقرار مجددًا، تغيّر المدربون، تبدّلت الخطط، وتعددت المحاولات لإعادة الفريق إلى المجد، لكن ظل السؤال مطروحًا على الدوام: كيف كان يفعلها فيرجسون؟

في 1986، تولى مدربًا شابًا، صارخ الطموح، مقعد الإدارة الفنية لمانشستر يونايتد، وفي البداية كانت الخسارة الأولى أمام أوكسفورد يونايتد مجرد سطرٍ في مقدمة أسطورة لم يكن أحد يعرف نهايتها بعد، ومع مرور 27 عامًا منهم 13 في الألفية الجديدة، حوّل فيرجسون الفريق إلى إمبراطورية حقيقية، حيث أصبح كل موسم فرصة لإعادة كتابة التاريخ، وكل لقب شاهداً على الهيمنة المطلقة.
| البند | العدد | النسبة / معدل تقريبية |
|---|---|---|
| إجمالي المباريات | 1499 | – |
| انتصارات | 902 | 60.2% |
| تعادلات | 326 | 21.8% |
| خسائر | 271 | 18.1% |
| البطولات | 38 | – |
| الأهداف المسجلة | 2804 | – |
| فارق الأهداف | +1409 | – |
| معدل النقاط لكل مباراة | – | 2.02 |
الأرقام وحدها تكشف عن استثنائيته.. فريق يسجل حوالي هدفين في كل مباراة، ويستقبل أقل من هدف، ويضمن المنافسة على القمة عامًا بعد عام، بانتظام يندر تكراره في تاريخ كرة القدم، لكن إرث فيرجسون لم يكن مجرد أرقام، بل القدرة على إدارة النجوم والنجاحات والفشل معًا، والحفاظ على وحدة الفريق، وبناء هوية تمتد عبر الأجيال.
تحت قيادته، لم يُبنَ مانشستر يونايتد فريقًا لموسمٍ واحد، بل مدرسة متكاملة للفوز المستمر، تجمع بين الانضباط، والشجاعة، والفكر التكتيكي، والقدرة على التكيف مع كل عصر جديد في كرة القدم، الإمبراطور لم يترك مجرد إرث من الألقاب، بل ترك معيارًا لا يُعاد، صار مرجعًا لكل من يسعى لفهم معنى القيادة والفكر الاستراتيجي في كرة القدم الحديثة.
هذه الأرقام لا تعكس فقط حجم النجاح، بل طبيعة السيطرة؛ فريق يسجل قرابة هدفين في المباراة الواحدة، ويتلقى أقل من هدف، مع معدل نقاط يتجاوز حاجز الـ2، وهو معيار الأبطال في الدوري الإنجليزي الممتاز، الرقم الأهم هنا هو الاستمرارية: 1499 مباراة بنفس العقلية التنافسية، وهو ما يصنع الفارق بين مدرب ناجح.. وأسطورة خالدة استحقت لقب السير.
ثلاثي تاريخي.. لكن الإدارات من صنعتهم
لا يمكن فهم سر استمرار الثلاثي دييجو سيميوني، وآرسين فينجر، والسير أليكس فيرجسون دون النظر إلى الدور الحاسم للإدارات التي وقفت خلفهم، أحد أبرز أسباب نجاح هذا الثلاثي التاريخي هو التناغم العميق بين المدرب والإدارة، والفهم الواضح لما يريده كل طرف، هذه الأندية لم تتعامل مع مدربيها كحلول مؤقتة أو أدوات لتحقيق نتائج سريعة، بل منحتهم الوقت والمساحة اللازمة لبناء مشروع متكامل وفق رؤيتهم الخاصة، الإدارات كانت تدرك جيدًا أن هؤلاء المدربين ليسوا مجرد مدربين عاديين، بل صنّاع هوية وفكر، وأن كل قرار يتخذونه—سواء في اختيار اللاعبين، صياغة أسلوب اللعب، أو وضع استراتيجيات التطوير طويل الأمد—مرتبط برؤية شاملة للنادي ومستقبله.

(المصدر:Gettyimages)
في المقابل، كان الثلاثي يعرف بالضبط ما يريد، والإدارة كانت واضحة في دعمهم وتمكينهم دون تدخل يخلّ برؤية المشروع، هذا التناغم بين القيادة الفنية الذكية والإدارة الواعية خلق بيئة مستقرة، حيث أصبح الصبر استراتيجية متبادلة، والاستمرارية مفتاحًا للنجاح المستدام، بدلًا من الانتصارات المؤقتة التي قد تتحوّل سريعًا إلى فشل، باختصار، الثلاثي التاريخي لم يصنع نفسه بمفرده، بل كانت الإدارات التي وثقت بهم، وفهمت رؤيتهم، ومنحتهم الحرية، هي من جعلتهم أساطير حقيقية في كرة القدم الحديثة.
عندما يصنع الصبر التاريخ
في قارةٍ عتيقة، أنهكها التسرع والإيقاع السريع، أصبح الصبر عملة نادرة، والاستقرار حلمًا بعيد المنال، وسط هذا المناخ المضطرب، وقف دييجو سيميوني، وآرسين فينجر، والسير أليكس فيرجسون كأمثلة حيّة على أن التمسك بالرؤية والولاء للمشروع ليس ترفًا، بل الطريق الحقيقي لصناعة البطولات وبناء التاريخ.
في زمن تُقاس فيه النجاحات بردود الفعل الفورية، وعاجلًا ما يُعاقب الفشل ولو كان عابرًا، علّمنا هؤلاء الثلاثة درسًا ثابتًا: المشاريع العظيمة تحتاج إلى وقت، وإيمان، وقدرة على الصبر حتى في أصعب اللحظات، لقد واجهوا الضغوط، تغيرت الوجوه حولهم، وتبدلت الأسماء، لكنهم لم يتخلّوا عن فلسفتهم، ولم يفرّطوا في هوية أنديتهم.
هم ليسوا مجرد مدربين قضوا سنوات طويلة على مقاعد فرقهم، بل حراس هوية، بنوا ثقافة، رسموا شخصية فرقهم، وخطّوا أسماءهم في ذاكرة كرة القدم في الألفية الجديدة بحبرٍ لا يمحوه تبدّل النتائج، ولا ضجيج الجماهير، ولا قسوة الأرقام، إنجازاتهم ليست مجرد ألقاب، بل شهادة على قوة الصبر، وعلّموا الأجيال أن الاستقرار، حين يُمنح لمن يستحقه، يصنع التاريخ، ويحوّل الأندية إلى أساطير حية تتجاوز الزمن في حقيقة أثبتت نفسها لمدة 25 عام أو أكثر.

تعليقات