نقاط ضعف مدريد هي قوة السيتي.. كيف سيدمر جوارديولا ريال ألونسو؟
ما بين ريال مدريد الباحث عن هوية تحت قيادة تشابي ألونسو، ومانشستر سيتي الذي يستعيد وحشيته المعتادة مع بيب جوارديولا، تصبح المواجهة القادمة أكثر من مجرد مباراة.
إنها اختبار صريح، هل يمكن للفريق المتذبذب أن يصمد أمام الفريق الأكثر انضباطًا وتنوعًا؟ لقد منح أداء ريال مدريد أمام سيلتا فيجو، وما كشفه من ثغرات في العمق، السيتي خارطة طريق واضحة لكيفية تفكيك خطوط ألونسو.
ليس سرًا أن مواجهة مانشستر سيتي تتطلب مستوى ضغط وتنظيم دفاعي خارق، لكن ريال مدريد يدخل اللقاء في أسوأ لحظاته على المستويين، إصابات خط الدفاع، ضعف التعامل مع التحولات، وفشل الارتكاز في حماية المساحات، بل ومدرب يفقد غرفة الملابس.
كل هذا يحدث بينما يقدّم جوارديولا أكثر منظوماته مرونة في السنوات الأخيرة، ومع وجود هالاند كمحطة مثالية، وفودين كعقل منظّم، وشرقي كأكثر جناح وهمي تطرّفًا في الحقبة الحديثة، تبدو المباراة أقرب إلى حرب جراحية على مساحات الريال الحساسة.
نقاط ضعف ريال مدريد هي قوة مان سيتي
شهدت مباراة ريال مدريد الأخيرة أمام سيلتا فيجو تدهور كامل لكتيبة تشابي ألونسو على يد الفريق المحلي، وعلى ملعب “سانتياجو بيرنابيو” الذي لم يعرف الملكي عليه الخسارة هذا الموسم في جميع المسابقات، إلا أن الهزيمة وطريقتها كانت بمثابة ضربه قاسمة للفريق قبل أن يلاقي مانشستر سيتي المتوهج حاليًا مع بيب جوارديولا.
خلال اللقاء، استقبل ريال مدريد عدد كبير من الفرص من عمق الملعب، بل وحصل بورخا إيجليسياس على جائزة رجل المباراة، رغم أن البديل السويدي فيليوت سفيدبيرج هو من سجل هدفي اللقاء في شباك تيبو كورتوا.
كانت أدوار إيجليسياس واضحة، الفريق يلعب بدفاع منخفض والمهاجم الإسبانية يتحمل مسؤولية الخروج بالكرة، من خلال استقبال تمريرة طولية سواء هوائية أو أرضية، ثم استغلال سرعة بابلو دوران وبرايان زاراجوزا.
قدم إيجليسياس تمريرة مفتاحية، وصنع فرصة كبيرة، وتمكن من القيام بأربعة مراوغات ناجحة من أصل 5 محاولات، وجميعها كانت في منتصف ملعبه، ثم التمرير إلى أحد الزملاء المنطلقين في المساحات خلف دفاع الريال.
على مستوى التمريرات، قدم بورخا 11 تمريرة صحيحة في نصف ملعبه من أصل 12 تمريرة إجمالية، بينما في نصف ملعب ريال مدريد، قدم 9 تمريرات صحيحة من أصل 14.
المساحة التي استغلها إيجليسياس أمام خط دفاع ريال مدريد، هي نفسها نقطة قوة مانشستر سيتي، بوجود فيل فودين ورايان شرقي خلف إيرلينج هالاند الذي سيكون محطة بجودة أعلى من المهاجم الإسباني، ولكن ستكون المساحة الخالية أمام منطقة الجزاء هي الخطر الأكبر الذي سيعاني منه ريال مدريد.
معاناة ريال مدريد مع ألونسو وتوهج مانشستر سيتي
بعد بداية موسم قوية على جميع المستويات، بدأ ريال مدريد في منحنى تراجع مفاجئ، خلال آخر 7 مباريات بين الدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا، لم يحقق الفريق الفوز سوى في اثنتين فقط، وتعادل في 3 مباريات وخسر مباراتين.
اللافت أن الريال سجل 10 أهداف فقط خلال المباريات السبعة، وكان نصيب كيليان مبابي منهم 9 مساهمات، حيث وقع على 7 أهداف وتمريرتين حاسمتين.
| المباراة | النتيجة | البطولة |
|---|---|---|
| ليفربول × ريال مدريد | 1 : 0 | دوري أبطال أوروبا – 4 نوفمبر |
| رايو فاليكانو × ريال مدريد | 0 : 0 | الدوري الإسباني – 9 نوفمبر |
| إلتشي × ريال مدريد | 2 : 2 | الدوري الإسباني – 23 نوفمبر |
| أولمبياكوس × ريال مدريد | 3 : 4 | دوري أبطال أوروبا – 26 نوفمبر |
| جيرونا × ريال مدريد | 1 : 1 | الدوري الإسباني – 30 نوفمبر |
| أتلتيك بيلباو × ريال مدريد | 0 : 3 | الدوري الإسباني – 3 ديسمبر |
| ريال مدريد × سيلتا فيجو | 0 : 2 | الدوري الإسباني – 7 ديسمبر 2025 |
على النقيض من مستوى ريال مدريد، هو ما يقدمه مانشستر سيتي حاليًا، فبعد البداية المتذبذبة التي حققها الفريق، بل والاعتماد على إيرلينج هالاند فقط للتسجيل، لدرجة أن ماكسيم إستيف مدافع بيرنلي كان هداف مانشستر سيتي الثاني خلف النرويجي، بعدما سجل هدفين في مرماه بالخطأ.
الآن يبدو أن جوارديولا وجد التوليفة المثالية، فأصبح فودين ثاني الهدافين بعد تسجيله 5 أهداف خلال آخر 3 مباريات بالدوري الإنجليزي الممتاز، بجانب توهج ريان شرقي، الذي اتنزع مكانًا أساسيًا في تشكيلة السيتيزينيز.
خلال آخر 7 مباريات، نجح مانشستر سيتي في تسجيل 19 هدفًا، واستقبلت شباكه 11 هدفًا، ولعل الازمة الدفاعية هي التي تؤرق جوارديولا في الوقت الراهن، حيث لم يخرج الفريق بشباك نظيفة سوى في مباراتين فقط من المباريات السبعة.
| المباراة | النتيجة | البطولة |
|---|---|---|
| مانشستر سيتي × بوروسيا دورتموند | 4 : 1 | دوري أبطال أوروبا – 5 نوفمبر |
| مانشستر سيتي × ليفربول | 3 : 0 | الدوري الإنجليزي الممتاز – 9 نوفمبر |
| نيوكاسل يونايتد × مانشستر سيتي | 2 : 1 | الدوري الإنجليزي الممتاز – 22 نوفمبر |
| مانشستر سيتي × باير ليفركوزن | 0 : 2 | دوري أبطال أوروبا – 25 نوفمبر |
| مانشستر سيتي × ليدز يونايتد | 3 : 2 | الدوري الإنجليزي الممتاز – 29 نوفمبر |
| فولهام × مانشستر سيتي | 4 : 5 | الدوري الإنجليزي الممتاز – 2 ديسمبر |
| مانشستر سيتي × سندرلاند | 3 : 0 | الدوري الإنجليزي الممتاز – 6 ديسمبر 2025 |
كيف أعاد جوارديولا تشكيل فيل فودين؟
رغم تعدد نقاط القوة في مانشستر سيتي هذا الموسم، تبقى عودة فيل فودين إلى قمّة مستواه الحدث الأبرز داخل النادي، بيب جوارديولا لخّص الأمر بجملة واحدة: “فيل مذهل”.
اللاعب الذي توّج بجائزة أفضل لاعب إنجليزي في مايو 2024 عاد ليُجسّد النسخة الأكثر نضجًا وتأثيرًا في مسيرته، بعد صيف معقّد في يورو 2024 وموسم لاحق خسر فيه السيتي اللقب لصالح ليفربول.
التحوّل المحوري هذا الموسم يكمن في تعدد أدوار فودين وقدرته على أداء وظائف هجومية مختلفة دون أن يفقد تأثيره، أمام فولهام بدأ كجناح أيمن في 4-3-3، وأمام سندرلاند لعب كـ لاعب وسط يساري بصيغة هجومية حرة.

(المصدر:Gettyimages)
هذا التنوّع مكّن جوارديولا من إعادة ضبط منظومة البناء، وسمح للاعب بالتحرك بين الخطوط، استقبال الكرة في العمق، وإدارة الإيقاع في الثلث الأخير.
الأرقام تُفسّر كل شيء، حيث أن خلق الفرص ارتفع من 2.2 إلى 2.3 لكل 90 دقيقة، والتمريرات ارتفعت من 43.2 إلى 50.7، واللمسات من 61.6 إلى 68.6، واستعادة الكرة من 3.1 إلى 4.2.
هذه ليست مجرد أرقام.. بل مؤشرات على لاعب أصبح أكثر مركزية في بناء الهجمة وفي ضغط السيتي المضاد.
قوة فودين المتجددة لا يمكن فصلها عن وجود إيرلينج هالاند، النرويجي يجذب مدافعين وثلاثة في كل لعبة، ويسحبهم خارج مواقعهم، ما يخلق ممرات مركزية تعطي فودين أفضلية مستمرة.
هدفه القاتل أمام ليدز مثال نموذجي، حيث تحرك هالاند ليسحب الخط الدفاعي نحو القائم القريب، مما دفع خط الدفاع لمطاردة الظل، ليفتح المساحة على خط منطقة الجزاء، تقدم فودين دون ضغط شرس وسجل هدف الفوز.
هكذا تُصنع الأهداف في منظومة جوارديولا، مهاجم يشغل الرقابة، ولاعب حر يستغل الفوضى؛ وهي نفسها نقطة ضعف ريال مدريد الذي لا يزال يعاني على مستوى خط الدفاع في ظل إصابة دين هويسين وأيضًا إيدير ميليتاو في مباراة سيلتا فيجو الأخيرة.
ريان شرقي.. الجناح الوهمي الأكثر تطرفًا في حقبة جوارديولا
انضم ريان شرقي إلى مانشستر سيتي مقابل 34 مليون جنيه إسترليني، وسط جدل حول التزامه الدفاعي ومعدل عمله البدني، لكن جوارديولا رأى ما هو أبعد من ذلك، واصفًا إياه بأنه “أحد أكثر اللاعبين الموهوبين الذين شاهدهم”؛ وصدق المدرب الإسباني.. فالفرنسي الشاب أصبح عنوانًا لأكثر التعديلات التكتيكية جرأة هذا الموسم.
الفكرة الأساسية للجناح الوهمي تقليدية، الانطلاق من الخط نحو العمق، لكن شرقي يُنفّذ نسخة مُضخّمة من هذا الدور، حيث يتحرك في كل أرجاء الملعب بحرية كاملة ويترك الجناح فارغًا تمامًا لفتح ممرات صعود الظهير، ويقترب من العمق ليبني الشراكات مع فودين وأحيانًا في الجانب المقابل رفقة دوكو.

جوارديولا يمنح لاعبيه حرية التكتل في نصف المساحة، مُنتجًا شكل بناء أشبه بـ 2-1-4-2-1، مع ظهور قاعدة 2-3 في الخلف، ولكن ليس المهم الشكل بقدر ديناميكية التحرك، حيث يهبط شرقي ودوكو إلى العمق لإرباك خط وسط الخصم ودفعه للسؤال: هل نلاحقهما؟ أم نتركهما يستلمان بحرية؟ القراران خاطئان على أي حال.
إذا لم يلاحق الخصم الثنائي، يستلمان الكرة في المساحة بين الخطوط، ثم يرتدان، يدوران، ويقودان الهجمة من عمق مريح، وإذا لاحقوهما تفتح المساحات خلف الظهيرين، ثم يأتي التمرير المباشر إلى هالاند، أو تنطلق الأظهرة من العمق المتأخر نحو الفراغ.
وفي أحد أشهر الأنماط الجديدة، يتقدم شرقي للتمركز بجوار دوكو، بينما يتحرّك فودين للأمام في حالة الاستحواذ المستقر، ما يصنع مثلث ضغط هجومي بين الخطوط لا يستطيع أي دفاع التعامل معه على المدى الطويل.
جيريمي دوكو الجناح البلجيكي، سيكون له دورًا فعالًا أمام ريال مدريد، في ظل غياب ظهير أيمن في الفريق الملكي، بعد إصابة كارفاخال وبعده ألكسندر أرنولد، حتى وإن لعب فالفيردي في هذا المركز، ستشكل المثلثات التي يكونها جوارديولا على الجناح قوة كبيرة يصعب إيقافها.
خطة جوارديولا.. ثنائية فودين وشرقي والمفتاح الذي يُطابق القفل الدفاعي لريال مدريد
الأزمة الأكبر لريال مدريد أمام سيلتا فيجو لم تكن النتيجة، بل المساحة الهائلة التي ظهرت بين قلبَي الدفاع والوسط، بورخا إيجليسياس، رغم أنه ليس مهاجمًا بنوعية عالمية، استطاع تمزيق هذا الجيب مرتين: استقبال، دوران، تمرير، ثم انطلاقات زاراجوزا وبابلو دوران خلف ظهر الدفاع، هذه المساحة تحديدًا، ليست مجرد ثغرة بالنسبة لمانشستر سيتي.. بل هي منطقة نفوذ.
سيبدأ جوارديولا باستغلال المساحات بين قلب الدفاع والوسط، فـ ألونسو يعتمد على ضغط متوسط، لكن مشاكل ريال مدريد في “توقيت الارتداد” واضحة.
السيتي سيضرب هذه المنطقة عبر هبوط فودين لاستلام الكرة كالمعتاد، ودخول شرقي كصانع لعب حر، واستغلال هالاند لجذب للمدافعين، ثم ضرب المساحة في الجانب الأيمن بانطلاقات دوكو في ظهر الظهير المؤقت، هذه التركيبة تُجبر الدفاع على الاختيار بين السيئ والأسوأ.

كما وأن بيب يمكنه تهديد مرمى كورتوا بطريقة أخرى، عبر إجبار كامافينجا وتشواميني على اتخاذ قرارات شبه مستحيلة، ثنائي وسط الريال يعاني حين يُسحب إلى الأطراف أو المساحات الضيقة.
جوارديولا سيستخدم تبادل مواقع شرقي وفودين، في ظل الحرية الكبيرة التي يحصل عليها الفرنسي، وأدوار الإنجليزي المركبة، الحركة المستمرة سيجبر وسط الريال على تغطية مساحات أكبر من قدرتهم.
ولعل أكبر مشاكل الريال هذا الموسم هو عدم القدرة على استرجاع الكرة سريعًا، وذلك يعود إلى عدم الانضباط لدى اللاعبين، فلم يستقر ألونسو على تركيبة خط الوسط، رغم كون أردا جولر قد نجح مسبقًا في أدوار لاعب الوسط الحر، أو صانع الألعاب المتأخر، إلا أن تشابي أعاد الفوضى من جديد بإدخال بيلينجهام ومحاولة تدشين ثنائية جديدة بأدوار مختلفة.
لكن لم يُثبت ريال مدريد حتى الآن أن الملعب يتحمل جولر وبيلينجهام معًا دون انضباط باقي اللاعبين بالأدوار المكلفة لهم، فانهار وسط ريال مدريد، وأصبح كل فقدان للكرة يتحول لفرصة خطيرة ضدهم.
في المقابل، مانشستر سيتي أقوى فريق في العالم في الضغط العكسي، حين يفقد فودين أو شرقي الكرة، يضغط الفريق في اتجاهات مختلفة خلال أقل عدد من الثواني.
ألونسو لم يجد حتى الآن حلًا لهذا الموقف، والسيتي سيُعاقب كل تمريرة خاطئة أو استلام بطيء، بانطلاقات سريعة من الأجنحة أو حتى هالاند نفسه الذي يُجيد مهاجمة المساحة ببراعة.
استقبل ريال مدريد هدفه الأول أمام سيلتا فيجو من الجانب الأيمن له، وبتمريرة من برايان زاراجوزا، الذي استفاد كثيرًا من وجود بورخا إيجليسياس الذي خلق مساحات كبيرة في خط دفاع ريال مدريد.
وحتى عندما خرج إيجليسياس في نهاية المباراة، فكان البديل ياجو أسباس هو ممر الهدف الثاني، ورغم طرد لاعبين من ريال مدريد، ولكن حتى بدون النقص العددي، لم يتفوق الريال كثيرًا، يكفي وأن سيلتا فيجو سدد 8 تسديدات على تيبو كورتوا، وهو نفس العدد الذي سدده الملكي على شباك الضيوف خلال اللقاء.

نظرًا للمعطيات، بيب جوارديولا لا يدخل مثل هذه المواجهات ليكتشف، بل ليفرض؛ لا يبحث عن قراءة الخصم، بل يستغل نقاط ضعفه كما لو كانت جزءًا من مخططه.
فودين وشرقي وهالاند ليسوا مجرد نجوم، بل أدوات داخل منظومة صُمّمت خصيصًا لابتلاع المساحات التي كشفها ريال مدريد في الأسابيع الأخيرة، كل حركة تُسحب، كل جناح يُفرّغ، كل نصف مساحة تُفتح، تتحول إلى تهديد حقيقي على مرمى كورتوا.
وبينما يعاني ألونسو من تآكل صلابته الدفاعية، يتقدّم السيتي بمنظومة مكتملة، بثقة فريق يعرف أنه الأقرب للسيطرة على مجريات اللعب، وأنه قادر على تحويل أخطاء ريال الصغيرة إلى أزمات كبيرة.
قد يملك ريال مدريد لحظات فردية قادرة على قلب الموازين، لكن المنظور الأوسع يقول إن السيتي حاليًا هو الفريق الأكثر اتزانًا، والأشد قدرة على معاقبة خصم مهزوز.
وإن لم يجد ألونسو حلولًا لتضييق المساحات خلف وسطه، ستتحول ليلة البرنابيو إلى منصة جديدة لفرض جوارديولا سيطرته، وهو الذي لطالما استمتع بالقضاء على ريال مدريد.

تعليقات