من الجرأة إلى التردد.. هل يستعيد تشابي ألونسو شخصيته أم يخسر ريال مدريد؟

من الجرأة إلى التردد.. هل يستعيد تشابي ألونسو شخصيته أم يخسر ريال مدريد؟


في كرة القدم، شخصية المدرب ليست مجرد كلمة مكتوبة على الورق، بل هي العمود الفقري للفريق، والعامل الحاسم الذي يحدد مستوى الانضباط والثقة والإبداع داخل الملعب، تشابي ألونسو، المدرب الذي عرف بإشعال الأندية بأفكاره التكتيكية القوية، أثبت في أيامه مع باير ليفركوزن أنه قادر على بناء فرق منظمة، صعبة الاختراق، وقادرة على تحقيق نتائج مذهلة والأهم من ذلك فرض شخصيته على الفريق، كان لاعبو ليفركوزن يتبعون فلسفته بدقة، ويظهرون الانضباط والصرامة التي عُرف بها، حتى استطاع الفريق تحقيق سلسلة طويلة من المباريات بلا هزيمة، مما جعله نموذجًا للفريق المنظم والملتزم.

لكن الانتقال إلى ريال مدريد كشف تناقضًا كبيرًا بين فلسفته السابقة وبين الواقع الجديد، في العاصمة الإسبانية، بدأت قرارات ألونسو تُظهر تراجعًا في قناعاته، وتبددت الجرأة التي اعتاد عليها اللاعبون، تدريجيًا، بدأت الثقة تهتز داخل غرفة الملابس، وظهر تأثير ذلك على روح الفريق وأداء اللاعبين على أرض الملعب، لم يعد الأمر مجرد فقدان السيطرة على مباراة محددة، بل امتد ليطال الإبداع والجرأة التي كانت دائمًا من سمات ريال مدريد.

تشابي ألونسو – مبابي – فينيسيوس – بيلنجهام

اليوم، ريال مدريد بحاجة إلى أكثر من مجرد مدرب يمتلك خبرة وأفكارًا تكتيكية؛ يحتاج إلى شخصية قوية تحافظ على هوية الفريق، وتزرع الثقة والالتزام، دون الانصياع للضغوط الخارجية من الإدارة أو الجماهير واللاعبي أنفسهم، أي تردد أو تراجع عن القناعات لن يؤثر فقط على نتائج المباريات، بل قد يهز الروح الجماعية التي كانت دائمًا علامة ريال مدريد المميزة.

بدايات واعدة لألونسو تبشر بمستقبل مشرق

مع انطلاق مشوار تشابي ألونسو في مونديال الأندية، ظهرت لمحات من الفريق الذي عرفه الجميع أنه قادر على المنافسة والإبداع، كان جونزالو جارسيا أحد أبرز مفاتيح هذا النجاح، إذ أصبح لاعبًا أساسيًا ومبدعًا، وكل لمسة منه كانت تجذب الجماهير وتثير الحماس في المدرجات، وجوده على أرض الملعب لم يكن لمجرد سبب فني، بل رمزًا للثقة والحرية التي يحتاجها أي فريق يسعى لإبراز شخصيته.

ماستانتونو القادم من ريفر بليت قدم مستوى رائعًا منذ البداية، وأصبح أحد الأعمدة الأساسية في تشكيلة الفريق، تحركاته الذكية ومساهماته الهجومية وفرت لألونسو خيارات متعددة لبناء اللعب، خاصة مع انسجامه مع اللاعبين الشباب الآخرين، ما أعطى الفريق مرونة هجومية لم يكن من السهل تحقيقها.

ما القناة الناقلة لمباراة ريال مدريد ضد إسبانيول وأين تشاهد مباريات الدوري الإسباني؟
فرانكو ماستانتونو – ريال مدريد (المصدر:Gettyimages)

أما جولر، فقد أبدع في الثنائيات مع مبابي، مشهد أعاد إلى الأذهان قوة الثنائيات الأسطورية مثل بيل ورونالدو، وخلق توازنًا هجوميًا واضحًا، هذه البداية الواعدة أعطت الفريق هوية هجومية واضحة، وخلقت تمازجًا مثاليًا بين الشباب والنجوم، ما جعل الجماهير والجهاز الفني يترقبون بفارغ الصبر استمرار هذه الديناميكية.

لكن هذه البداية لم تدم طويلًا، مع عودة اللاعبين المصابين وعودة النجوم الأساسيين، بدأ التوازن يتزعزع تدريجيًا، وظهرت بوادر تراجع الجرأة في اختيارات ألونسو، وبدء ضياع السمة التي كانت تميزه عن غيره، لم تعد قراراته تعكس تلك الجرأة والإبداع التي ميزت البداية، مما أثّر على الثقة الجماعية وحرية اللاعبين في اتخاذ المبادرات داخل الملعب.

عودة النجوم.. وبداية فقدان الجرأة

مع عودة اللاعبين المصابين إلى ريال مدريد، بدأ كل شيء يتغير، خوف تشابي ألونسو من مواجهة ضغوط النجوم جعل بعض المتألقين في البداية يجلسون على دكة البدلاء، وهو القرار الذي أضعف حيوية الفريق وبدأ يرهق قناعاته التكتيكية التي طالما ميزت بداياته المشرقة، اللاعبون الذين كانوا يلمعون في البداية باتوا حبساء لمقاعد الاحتياط، ما أفقدهم حساسية المباريات والخشية من اتخاذ القرارات الجريئة داخل الملعب، كما لو أن كل خطوة محسوبة ومراقبة.

جولر، الذي طالما كان مصدرًا للإبداع والحيوية، أصبح أكثر حذرًا، يخشى ارتكاب الأخطاء أمام ضغط الجماهير والإدارة، حتى أن جرأته في المباريات تراجعت بشكل واضح وكل ذلك بسبب تغيراته بلا سبب للإبقاء على بيلينجهام الذي كان من المفترض أن يكون قلب الوسط المحرك للفريق، لم يعد يقدم الأداء المتوقع منه ورغم ذلك يبقيه ألونسو في الملعب، وأدى ذلك إلى اختلال التوازن داخل الملعب، وتراجع سرعة انتقال الكرة بين الخطوط.

أردا جولر - المصدر (Getty images)
أردا جولر – المصدر (Getty images)

في المقابل، استمر فينيسيوس في اللعب بشكل طبيعي، على الرغم من كل المشادات الكلامية والفيديوهات التي ظهرت من مباريات سابقة كشفت حجم التوتر داخل غرفة الملابس، وكأن اللاعبين يرسلون رسالة غير مباشرة للمدير الفني وللنادي مفادها أن أماكن النجوم في الملعب محجوزة مهما حدث منهم حتى وإن كان التطاول على المدرب نفسه.

الأمر لم يتوقف عند مستوى اللاعبين، بل امتد إلى إدارة المباريات نفسها، أصبح ألونسو يظهر ترددًا واضحًا في اختيار التشكيلة المثالية، خاصة مع ضغوط الإعلام والجماهير، ما أدى إلى فقدان بعض الحرية التكتيكية التي كانت من سمات فلسفته أيام ليفركوزن.

عودة النجوم لم تعد فرحة للفريق، بل تحولت إلى عبء على قرارات المدرب، اللاعبون الشباب الذين كانوا يتألقون في البداية بدأوا يفقدون فرصتهم للظهور، وهو ما أثر بشكل مباشر على الروح الجماعية للفريق وأصبح التوازن بين الشباب والنجوم هشًا، وظهرت الحاجة الملحة إلى شخصية مدرب قوية وثابتة تحافظ على قناعاتها، وتمنح الجميع الثقة والحرية داخل الملعب.

مستقل ألونسو على المحك.. والسبب شخصيته

كل المؤشرات تشير إلى أن شخصية تشابي ألونسو أصبحت محاطة بالضغط والتردد ولم تعد كما كانت، هناك احتمالان واضحان: الأول، أنه استسلم لضغوط الإدارة والإعلام وأصبح مترددًا في اتخاذ قراراته الأساسية، متأرجحًا بين الخيارات دون حسم.. الثاني، أنه يخشى خوض المباريات بدون نجومه الكبار، فيقرر إبقاء اللاعبين الشباب مثل ماستانتونو وجولر وجونزالو على مقاعد البدلاء، رغم ما قدموه من مستويات مبهرة في البداية.

هذا التردد له ثمن كبير، قد يحمي المدرب مؤقتًا من النقد الخارجي، لكنه يفقد الفريق الروح الإبداعية والمرونة التكتيكية التي كانت دائمًا من سمات ريال مدريد، بل وسماته هو مع ليفركوزن، اللاعبين يشعرون بعدم الثقة، ويبدأ الحماس بالتلاشي، مما ينعكس مباشرة على أدائهم داخل الملعب ويؤثر على ديناميكية الفريق ككل وأخر نتائج تلك الأزمة كان السقوط أمام سيلتا فيجو بثنائية نظيفة على بيرنابيو.

فينيسيوس جونيور - تشابي ألونسو -ريال مدريد (المصدر:Gettyimages)
فينيسيوس جونيور – تشابي ألونسو -ريال مدريد (المصدر:Gettyimages)

الرسالة باتت واضحة.. المدرب المتردد والذي يخسر قناعاته أيًا كان السبب لا يخسر المباريات فقط، بل قد يخسر لاعبيه أيضًا عندما يفقد قناعاته وثباته النفسي، ريال مدريد اليوم أمام اختبار صعب وحاسم: هل سيتمكن ألونسو من إعادة شخصيته واستعادة ثقة اللاعبين، أم سيستمر في التراجع تحت وطأة الضغوط الإعلامية والجماهيرية وغرف الملابس، تاركًا الفريق بلا هوية واضحة؟

ريال مدريد ضد سيلتا فيجو.. أرقام وإحصائيات تاريخية

شهدت مواجهة ريال مدريد وسيلتا فيجو الأخيرة والتي انتهت بنتيجة 2-0 لصالح سيلتا فيجو لحظات مثيرة، حيث شهدت المباراة أول كارت أحمر في مسيرة فران جارسيا على الإطلاق، ليكتب تاريخًا جديدًا في سجل اللاعبين، وفي نفس المباراة، واصل فيليوت سفيدبيج كتابة التاريخ، ليصبح أول لاعب من سيلتا فيجو يسجل في 3 مباريات متتالية ضد ريال مدريد في الدوري الإسباني منذ مانويل خيمينيز رودريجيز عام 1974.

أما ريال مدريد، فقد عانى على أرضه، حيث فشل في التسجيل في المباراة، ليكون أول مرة منذ أكتوبر 2024 ضد برشلونة (0-4) التي يغيب فيها عن هز الشباك على سانتياجو برنابيو في الدوري الإسباني، منهياً بذلك سلسلة 19 مباراة متتالية من التسجيل في ملعبه (20 مباراة الموسم الماضي و8 في الموسم الحالي).

الإحصائية الرقم / التاريخ
آخر مرة فشل ريال مدريد في التسجيل ضد سيلتا فيجو مارس 1977، تعادل 0-0
عدد المباريات التي سجل فيها ريال مدريد ضد سيلتا فيجو 39 مباراة متتالية منذ 1977
آخر فشل في التسجيل على سانتياجو برنابيو أكتوبر 2024 ضد برشلونة 0-4
نهاية المباريات المتتالية من التسجيل على البرنابيو 28 مباراة (20 الموسم الماضي + 8 الموسم الحالي)
آخر طرد لريال مدريد على البرنابيو في المباراة توني كروس ضد جيرونا 2022
الأرقام القياسية بعد مباراة سيلتا فيجو

شهدت المباراة أيضًا طرد فران جارسيا، وهو أول طرد لريال مدريد على ملعبه في الدوري الإسباني منذ طرد طوني كروس ضد جيرونا في 2022. وبذلك تنتهي سلسلة 57 مباراة متتالية بدون طرد على البرنابيو.

أما المفاجأة الكبرى، فهي أن المباراة سجلت أول مرة يحصل فيها ريال مدريد على بطاقتين حمراء في مباراة واحدة على ملعبه منذ 20 عام وهذا حدث في 5 مناسبات فقط، كما شهدت المباراة أول كارت أحمر في مسيرة ألفارو كاريراس، ليضيف رقماً جديداً لسجل اللاعبين.

المناسبة الفريق المنافس العام
ضد برشلونة الدوري الإسباني 1982
ضد أتليتكو مدريد الدوري الإسباني 1991
ضد فياريال الدوري الإسباني 2005
ضد فالنسيا الدوري الإسباني 2005
ضد سيلتا فيجو الدوري الإسباني 2025 
سجل ريال مدريد مع بطاقتين حمراء في مباراة واحدة على ملعبه

تلك المباراة لم تكن مجرد مواجهة عادية، بل رمزاً لتغير الأرقام القياسية، حيث أوقفت السلسلتين التاريخيتين لريال مدريد: سلسلة المباريات المتتالية بدون طرد على البرنابيو (57 مباراة)، سلسلة المباريات المتتالية بالتسجيل على ملعبه (28 مباراة).

كما تؤكد المباراة مرة أخرى على صعوبة مواجهة سيلتا فيجو على مستوى التكتيك، حيث أظهرت قدرة الفريق على إحداث صعوبات حتى أمام الأندية الكبرى، وتجسد أهمية التركيز والانضباط لكل فرق الدوري الإسباني، مهما كانت قوتها التاريخية.

ريال مدريد ضد سيلتا فيجو - المصدر (Gettyimages)
ريال مدريد ضد سيلتا فيجو – المصدر (Gettyimages)

خسارة سيلتا فيجو أكثر من مجرد مباراة

بالعودة إلى ألونسو ريال مدريد، الفريق اليوم لا يواجه مجرد تحدٍ على مستوى النقاط أو المنافسة على الصدارة، بل يواجه اختبارًا حقيقيًا لهويته وشخصية مدربه، المباراة لا تقاس فقط بالنتيجة، بل بما ستكشفه عن قدرة المدرب على الثبات على قناعاته والتشبث بأسلوبه، حتى في أصعب الظروف، أي تراجع أو تردد من ألونسو قد يكون له تبعات أكبر من خسارة هدف أو مباراة؛ فهو قد يهز الثقة المتبادلة بين اللاعبين، يحد من الإبداع في الميدان، ويفقد الفريق الروح الجماعية التي كانت دائمًا سمة ريال مدريد المميزة.

كرة القدم ليست مجرد أسماء لامعة أو مهارات فردية، بل هي أيضًا قرارات حاسمة، ثقة متبادلة، وجرأة في اللحظات المصيرية، المدرب ليس مجرد من يدير التشكيلة أو يضع الخطط، بل هو الشخص الذي يزرع القناعة في نفوس لاعبيه، ويقودهم بثبات نحو هدف مشترك، اليوم، ريال مدريد يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى مدرب يمتلك شخصية واضحة، لا يخشى اتخاذ قراراته، ويثبت للاعبين أن فلسفته لا تتغير أمام الضغط أو النتائج السلبية.

إذا فشل تشابي ألونسو في الثبات على قناعاته، فالتاريخ لن يتذكر مجرد خسارة مباراة، بل سيشهد أن الفريق فقد روحه وهويته، ريال مدريد اليوم أمام لحظة حاسمة: ليس مجرد اختبار للقدرة الفنية، بل اختبار للقيادة، للشخصية، وللإيمان بما جعل هذا النادي عظيمًا على مدار التاريخ.