ميسي ورونالدو: الملك الهادئ والإمبراطور الصاخب.. أيهما صنع التاريخ بعد أوروبا؟

ميسي ورونالدو: الملك الهادئ والإمبراطور الصاخب.. أيهما صنع التاريخ بعد أوروبا؟


هناك منافسات تُميّز حقبةً ما، لكن نادرًا ما نجد رياضيين يُجسّدان قطبين متعارضين من حيث الشخصية والطموح وفلسفة كرة القدم مثل ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو.

على مدى عقدين تقريبًا، امتدّ صراعهما عبر القارات والملاعب، وتجاوزت مساراتهما الدرامية حدود الرياضة؛ ومع ذلك، فإنّ أبرز فصول قصتهما لم تظهر في ذروة مجدهما، بل في قراراتهما بعد أوروبا، قرارات لم تُشكّلها التكتيكات أو الألقاب، بل هويتهما ومزاجيتهما وديناميكيات القوة التي رافقت شهرتهما.

ميسي ضد رونالدو.. الملك الهادئ في مواجهة الإمبراطور العنيد

لطالما تصرّف ليونيل ميسي كشخصٍ لا يتحدث إلا لغة الكرة، شخصيته العامة تتميز بضبط النفس، فهو يتجنب الخلافات الإعلامية، ويتجنب التوتر قدر الإمكان، ويحيط نفسه بعائلةٍ مُقرّبة تحميه من ضجيج النجومية العالمية.

يتعامل ميسي مع كرة القدم كملاذٍ آمن، مكان يتلاشى فيه العالم الخارجي، والحقيقة الوحيدة هي اللمسة التالية، والهجمة التالية، والتشكيلة التالية.

تمسك ببرشلونة بشدة طالما سمح الواقع، ليس بدافع الحنين فحسب، بل لأن الاستقرار هو أساس شخصيته، يزدهر ميسي في بيئات يلتقي فيها الأمان العاطفي بالبنية التكتيكية، شخصيته تتطلب الانسجام قبل الطموح.

على النقيض من ذلك، يُجسّد كريستيانو رونالدو نواياه بوضوح، يُظهر الهيمنة والطموح والبراعة بنفس القناعة التي يُظهرها ميسي بالتواضع.

رونالدو ليس مجرد لاعب كرة قدم؛ بل أصبح علامة تجارية، شركة، مشهدٌ في تطور مستمر، يزدهر في بيئات يكون فيها الضغط في أوجه والأضواء لا ترحم؛ يطالب بالولاء والبنية والاحترام، ليس بهدوء، بل صراحةً.

إذا كان ميسي فنانًا يكره الضجيج المحيط بمعرضه، فإن رونالدو جنرال حرب يرتاح في أعلى ساحة معركة يمكن تخيلها، وإذا لم تكن ساحة المعركة صاخبة بما يكفي، فسيجعلها أعلى.

هذه النفسيات المتعارضة شكلت في النهاية مسارهما بعد أوروبا، فاختار ليونيل ميسي الانتقال إلى إنتر ميامي حيث فضلت عائلته العيش، بالرغم من وجود إمكانية لاستمراره في باريس أو الانتقال إلى الهلال السعودي.

لم يكن قرار ميسي بالانضمام إلى إنتر ميامي انتقالًا بقدر ما كان رحلة حياة، إلى دوري أكثر هدوءًا، بيئة عائلية، مدينة توفر الخصوصية بدلًا من الضغوط، ونادٍ يُمكنه فيه أن يكون أساسًا لمشروع طويل الأمد بدلًا من أن يكون نارًا في قلب آلة فوضوية.

ليونيل ميسي - إنتر ميامي - الدوري الأمريكي (المصدر:Gettyimages)
ليونيل ميسي – إنتر ميامي – الدوري الأمريكي
(المصدر:Gettyimages)

كانت خطوة تعكس ضرورة عاطفية، لا طموحًا ماليًا، سعى ميسي إلى السلام بعد سنوات من الضجيج، منحته ميامي ما لم يعد يجده في أوروبا ملاذًا آمنًا.

من ناحية أخرى، بدا انتقال رونالدو إلى النصر أشبه بتوقيع عقد ملكي من قبل مملكة جديدة تسعى إلى الشرعية، أرادت السعودية رمزًا عالميًا؛ بينما أراد رونالدو منصة جديدة وواسعة بما يكفي لتتناسب مع حجم روايته الذاتية.

كان العقد غير مسبوق، لكن الأهم من ذلك كان رمزيته، لم يدخل رونالدو في شبه اعتزال بهدوء؛ لقد غيّر مسار دوري بأكمله، وأشعل موجة من النجوم الوافدين، ورسّخ مكانته ليس فقط كلاعب، بل كمهندس لحدود كروية متطورة.

شخصيته – الصاخبة، الحازمة، المهيمنة – تناسبت مع المشروع السعودي كعرش ينتظر ملكًا.

البطولات التي حققها ميسي لأول مرة في تاريخ النادي/المنتخب

البطولة النادي / المنتخب
كأس العالم للأندية برشلونة
درع المشجعين إنتر ميامي
كأس الدوريات إنتر ميامي
الفيناليسيما منتخب الأرجنتين
درع المؤتمر الشرقي إنتر ميامي
الدوري الأمريكي MLS إنتر ميامي

البطولات التي حققها رونالدو لأول مرة في تاريخ النادي/المنتخب

البطولة النادي / المنتخب
دوري الأمم الأوروبية منتخب البرتغال
اليورو منتخب البرتغال
البطولة العربية النصر السعودي
كأس العالم للأندية مانشستر يونايتد
كأس العالم للأندية ريال مدريد

كيف أصبح رونالدو بوابة النصر إلى صناع القرار؟

حقق وصول رونالدو ما توقعه النصر على أرض الملعب، أهداف، واهتمام، وقوة تجارية، وتحول كبير على مستوى الدوري، لكنه حقق أيضًا شيئًا آخر: الجاذبية الحتمية لشخصية تُعيد تشكيل أي بيئة من حولها؛ وجد النصر، غير المستعد لضغط التعامل مع هذا الحضور، نفسه يواجه تحديات أكبر من مجرد كرة القدم.

حين خطت قدما رونالدو أرض السعودية في شتاء 2023، كان الفرنسي رودي جارسيا هو المسؤول الأول عن غرفة القيادة الفني،. لكن العلاقة بين الطرفين لم تدم طويلًا؛ سوء النتائج، تدهور الانسجام، وحالة التوتر التي أحاطت بالأجواء أدّت إلى رحيل جارسيا بعد أشهر قليلة.

كريستيانو رونالدو - النصر - المصدر: gettyimages
كريستيانو رونالدو – النصر السعودي (المصدر:Gettyimages)

ومع مغادرته، انفتحت أبواب النصر على مرحلة جديدة: مرحلة “استشيروا رونالدو”.

في صيف 2023، جاء الدور على البرتغالي لويس كاسترو، المدرب الذي عرفه رونالدو جيدًا، والذي اعتقد النادي أن قربه من عقلية الدون قد يكون مفتاح الانسجام. الصحف السعودية أكدت وقتها أن النادي رفع سماعة الهاتف واتصل برونالدو لأخذ رأيه قبل حسم التعيين.

ورغم أن عقد كاسترو كان يمتد لعامين، فإن موسمًا واحدًا كان كافيًا لإنهائه؛ النتائج لم ترتقِ إلى طموحات الإدارة، ولا إلى تطلعات رونالدو، فكان القرار بالرحيل وتغيير جلد الفريق من جديد.

مع نهاية موسم 2024، ومع كثرة التبديلات على رأس الجهاز الفني، وجد النصر ضالته – من جديد – عبر بوابة رونالدو، هذه المرة وقع الاختيار على ستيفانو بيولي، المدرب الذي واجه كريستيانو في صدامات الدوري الإيطالي حين كان يقود ميلان مقابل وجود رونالدو في اليوفي.

اختيار بدا مختلفًا في شكله.. لكن ليس في طريقته، فقد أشارت مصادر عدة إلى أن رونالدو لعب دورًا محوريًا في دفع الإدارة للتعاقد مع بيولي.

لم يُخفِ بيولي إعجابه بالدون. في أكثر من تصريح، وصف رونالدو بأنه “أحد أعظم لاعبي التاريخ”، بل وذهب لأبعد من ذلك حين قال: “أعتقد أن رونالدو يتفوّق على ميسي، لأن أهدافه أكثر من عدد مبارياته”.

وحين سُئل عند وصوله إلى الرياض عن سر قبوله تدريب النصر، جاءت الإجابة صريحة: “وجود كريستيانو في الفريق كان عاملًا مهمًا للغاية، لقد جئت بحماس كبير لأن العمل مع لاعب بهذه القيمة يعطيك طموحًا مضاعفًا”.

ورغم البداية المتفائلة، لم ينجح المشروع، وسقط بيولي في فخ ما سقط فيه سابقوه: موسم بلا لقب، وضغط جماهيري لا يرحم، وتطلعات أعلى بكثير مما قُدم على أرض الملعب.

كريستيانو رونالدو - النصر
كريستيانو رونالدو – النصر
(المصدر: GETTYIMAGES)

هل ينجح رونالدو أخيرًا في تحقيق لقب الدوري السعودي؟

ثم جاء صيف 2025، وجاء معه القرار الأكثر جرأة: جورجي جيسوس، الرجل الذي سبق أن قاد الهلال للذهب، وعاد إلى السعودية هذه المرة وهو يحمل وعدًا جديدًا.. وعدًا لكريستيانو نفسه.

كشف المدرب البرتغالي الحقيقة بلا مواربة في حواره مع صحيفة “أبولا” البرتغالية: “لولا دعوة كريستيانو رونالدو، لما كنت هنا اليوم”.

كلمات تحمل ثقلًا كبيرًا، وتكشف حجم الدور الذي يلعبه الدون في توجيه بوصلة الإدارة.

أضاف جيسوس في تصريحاته ذاتها: “كريستيانو لاعب حقق كل شيء في كل مكان لعب فيه، إلا السعودية؛ لنرَ ما إذا كان بإمكاني مساعدته على التتويج هنا”.

ثم ختم حديثه بجملة تحمل نبرة تحدٍ واضحة: “نتحدث لغة واحدة، وهذا يجعل كل شيء أسهل، لم أستطع رفض التحدي الذي قدّمه لي كريستيانو”.

هكذا، وبين جارسيا وكاسترو وبيولي، وصولًا إلى جيسوس، يظهر خط واحد واضح: كريستيانو رونالدو ليس مجرد لاعب في النصر، بل هو شريك في رسم مشروعه.

ومع وصول جيسوس، المدرب الأوروبي الأكثر خبرة والأكثر قدرة على التعامل مع النجوم، يبدو النصر أمام لحظة “حسم” حقيقية: مدرب بطولات ونجم يبحث عن اللقب المفقود وإدارة منسجمة مع رؤية لاعبه الأول.

يبقى السؤال: هل يكون جيسوس المدرب الذي يكسر نحس الألقاب.. ويمنح رونالدو تاجه السعودي الأول؟ الإجابة ستكتب على العشب.. بين طموح نادٍ، وإرادة لاعب، ومشروع يخطه “الدون” بيده منذ يومه الأول.

النصر - خورخي جيسوس - كريستيانو رونالدو
النصر – خورخي جيسوس – كريستيانو رونالدو – (المصدر: Getty images)

ميسي ورونالدو.. أيهما صنع التاريخ بعد الخروج من أوروبا؟

بعد سنوات طويلة من السيطرة في أوروبا، خرج كريستيانو رونالدو أولًا، ثم لحقه ليونيل ميسي بعده بفترة قصيرة، كان العالم يراقب خطوات الأسطورتين خارج القارة العجوز، هل يستطيعان تغيير شكل البطولات كما فعلا في أوروبا؟

المفارقة أن الإجابة جاءت متناقضة تمامًا بين النجمين الكبيرين، فحين حطّ ميسي رحاله في إنتر ميامي، لم يجد فريقًا جاهزًا، ولا مشروعًا واضحًا، ولا تاريخًا يساعده، وجد ناديًا ناشئًا، غارقًا في ذيل الترتيب، بلا هوية، بلا بطولات، وبلا طموح واضح.

ليونيل ميسي - إنتر ميامي - الدوري الأمريكي (المصدر:Gettyimages)
ليونيل ميسي – إنتر ميامي – الدوري الأمريكي
(المصدر:Gettyimages)

لكن ميسي — كالعادة — لم يحتج كثيرًا، في موسمه الأول حقق كأس الدوريات لأول مرة في تاريخ إنتر ميامي، وحقق درع المشجعين لأول مرة، ووضع النادي على خريطة كرة القدم الأمريكية في أسابيع قليلة.

في موسمه الثاني خطف درع المؤتمر الشرقي، ونجح في تحقيق لقب الدوري الأمريكي MLS، البطولة التي لم يسبق للنادي الاقتراب منها قبل وصوله؛ موسمان فقط، فتحوّل فريق بلا تاريخ إلى فريق يكتب التاريخ.

أما رونالدو، فجاء بأسطورته، وأرقامه، وتصريحاته الجريئة التي لم تتوقف عن التأكيد بأنه “الأفضل في التاريخ”، وأن ما سيفعله في السعودية سيكون امتدادًا لإنجازاته في أوروبا.

لكن الواقع كان أكثر قسوة مما توقعه رونالدو نفسه، رغم كل تأثيره الضخم داخل النادي لم يحقق أي لقب رسمي مع النصر حتى اليوم، حيث خسر الدوري وخسر كأس الملك وخرج من دوري أبطال آسيا وخسر كأس السوبر.

ومع كل موسم، تتزايد الضغوط؛ نعم، قاد النادي إلى البطولة العربية، لكن البطولة ليست من ضمن السجل الرسمي لألقاب الاتحاد السعودي، ولا تدخل مقارنة بطولات مثل الدوري والكأس ودوري الأبطال.