عام بعد سقوط الأسد : المشهد السوري بين مخاض التغيير ومساعي النهوض الوطني

عام بعد سقوط الأسد : المشهد السوري بين مخاض التغيير ومساعي النهوض الوطني


بعد عام من سقوط حكم البعث وبدء مرحلة جديدة في سوريا، تشهد الساحة الثقافية والفنية تحولات كبيرة، حيث تسعى المؤسسات الثقافية والإعلامية لتبني نهج جديد يهدف إلى التخلص من الأنماط السابقة وإعادة هيكلة القطاعات الإبداعية. ومع انقضاء الأيام الأخيرة من هذا العام المفصلي، يعود الفن والثقافة ليشكلا جزءًا مهمًا من عملية النهوض الوطني الجديدة.

الإعلام السوري يُعيد التموضع والانتشار

شهد القطاع الإعلامي تحولًا ملحوظًا في دمشق، إذ أعيد إطلاق قناة “الأخبارية” السورية بعد توقف دام أشهر لمختلف القنوات منذ تسلم العهد الجديد حكم البلاد. وفي ختام العام، تم إصدار صحيفة “الثورة” ورقيًا، بعد توقفها عن الإصدار الورقي منذ جائحة كورونا عام 2020، لكن هذه المرة باسم جديد هو “الثورة السورية”. كما جرى تغيير اسم صحيفة تشرين إلى صحيفة “الحرية”، ومن المتوقع أن تصدر منصة متخصصة في الاقتصاد قريبًا، حسبما صرح وزير الإعلام السوري حمزة مصطفى خلال إطلاق صحيفة الثورة. وتوازى مع ذلك إعادة هيكلة العديد من المؤسسات الإعلامية مثل وكالة “سانا”.

الدراما السورية تستعيد روحها الإبداعية

منذ حوالي العام، أُعيد إحياء العديد من الأنشطة الفنية المفارقة لما كان يُقام سابقًا. وأطلقت اللجنة الفنية الجديدة مشاريع عدة في مجال الإنتاج الدرامي. وشهدت الأشهر الثلاثة الأولى تغييرًا وإعادة هيكلة في “نقابة الفنانين” ولجنة صناعة السينما واتحاد الكتاب العرب والفنانين التشكيليين. وتم تعيين الفنان مازن الناطور نقيبًا للفنانين، مع فتح باب الانتساب للنقابة وإتاحة فرص لشريحة كبيرة من مزاولي المهنة. كما تمت إعادة ثمانية أعمال درامية إلى التصوير، مثل مسلسلات “البطل”، و”نسمات أيلول”، و”ما اختلفنا”.

وفي هذا السياق، يرى الناقد الصحفي منصور الديب أن الموسم الدرامي السوري لعام 2026 يعكس رغبة صناع الدراما في تقديم محتوى يرتكز على قضايا حيوية ومعاصرة، بالإضافة إلى تناول فترات تاريخية بالغة الأهمية. وأشار إلى أن الأعمال المتوقع عرضها في رمضان 2026 ستتنوع بين الاجتماعي والتاريخي والكوميدي، لخلق لوحة درامية تلبي مختلف أذواق المشاهدين. ومن أبرز الأعمال المتوقعة: “القيصر”، و”الخروج إلى البئر”، و”ثلاثيات لازمان.. لامكان” التي تجسد محطات من الثورة السورية، بالإضافة إلى مسلسلات تاريخية واجتماعية أخرى كـ “عيلة الملك”، و”المماليك”، و”نبلاء دمشق”، إلى جانب أعمال وثائقية وأفلام قصيرة تعكس روح التغيير والنهوض في البلاد.

🎭 المسرح السوري: ولادة متعسرة وتصميم على النهوض

يؤكد الكاتب والناقد المسرحي جوان جان أن المسرح السوري، على مدى تاريخه الممتد، لم يعرف يومًا الاستكانة للظروف الطارئة، ورغم ما بدا عليه من ترهل وانحسار في الأشهر الأخيرة، فإن المسرحيين السوريين مصممون اليوم على النهوض بمسرحهم من جديد. وبعد الثامن من كانون الأول 2024، كانت هناك خطوات لتثبيت مكانة المسرح السوري كونه المهد الذي بشر بولادة المسرح العربي قبل أكثر من مئة وخمسين عامًا.

ومن أبرز المعالم المسرحية في العام الأخير إقامة الدورة الخامسة من مهرجان محمد الماغوط المسرحي في مدينة سلمية، والتي حققت نجاحًا كبيراً واستضافت عروضًا من دمشق وحلب واللاذقية. بالتوازي، أقيم مهرجان حلب المسرحي، واستمر المسرح القومي بدمشق في تقديم عروضه وإن بشكل محدود، مثل عرض “آخر ليلة أول يوم” للمخرج رائد مشرف. كما استضافت مسارح دمشق عروضًا شبابية مثل مسرحية “كل عارٍ وأنتم بخير”، وعروضًا من المحافظات كالمسرحية الحلبية “ذاكرة اعتقال”. أما دار الأوبرا السورية فواظبت على تقديم عروض مسرحية احتفالية كعرض “وردة إشبيلية”. ويرى جوان جان أن المسرح السوري مطالب اليوم بالتطلع نحو المستقبل وعدم اجترار الماضي، مؤكدًا أنه فنّ المستقبل المأمول.

🎞️ السينما السورية: توثيق الثورة ونقد لـ “الواقع الزائف”

على صعيد السينما، أشار الناقد السينمائي نضال قوشحة إلى أن السينما السورية لا تزال تعاني من العديد من المعوقات المرتبطة بالمرحلة السابقة، خاصة سنوات الثورة. ففي تلك الفترة، شهد القطاع الخاص حضورًا خجولاً، بينما استمرت المؤسسة العامة للسينما بإنتاجات قدمت “حالة إعلامية زائفة عن الواقع”، وقدمت “حكايات سينمائية مختلقة عن واقع زائف يعيشه الشعب السوري”. هذا التوجه، بحسب قوشحة، وضع السينما السورية في هوة مقاطعة الجمهور لها، وهو ما حدث بالفعل. وتتطلع السينما الآن إلى توثيق الثورة والعودة إلى مكانتها العالمية عبر تقديم محتوى صادق.