هل يدفع ألونسو الثمن؟.. انقسام غرفة ملابس ريال مدريد وثلاثي يهدد مستقبل تشابي
رغم أن الأرقام لا تروي قصة انهيار صريح، إلا أن ريال مدريد مع تشابي ألونسو يعيش حالة من التوتر الهادئ، حالة يصعب التقاطها في لمحة، لكنها تتواتر في الأحاديث الداخلية وتنعكس في لغة الجسد داخل الملعب.
فالانتصار المتعثر أمام أولمبياكوس في دوري الأبطال لم يقدّم سوى غطاءٍ مؤقت لاهتزاز أعمق، قبل أن يسقط القناع مجددًا في تعادل آخر أمام جيرونا، ليترك النادي الملكي صدارة الليجا تهرب نحو برشلونة بفارق نقطة.
منذ مطلع نوفمبر، بدا الفريق وكأنه يدخل نفقًا من الضباب التكتيكي، ثلاث مباريات متتالية بلا فوز في الدوري، وتراجع في جودة الأداء أكثر منه في الجدول، ومما زاد المشهد ارتباكًا، غياب الفريق عن ملعبه لثلاثة أسابيع بسبب حدث خارجي على سانتياجو برنابيو، وكأن الفريق فقد مكانه الطبيعي ومظلة استقراره.
تشابي ألونسو.. الواقعية كخط دفاع أول
وسط هذا الضجيج، يبدو تشابي ألونسو وكأنه يختار التسلّح بالواقعية، ففي مؤتمره الأخير، تحدث بنبرة توازن بين الإقرار بالتعثر وبين حماية الفريق من السقوط النفسي:
“إنه موسم طويل، وعلينا أن نواصل العمل، كنا على وشك قلب الطاولة، علينا أن نواصل وحدتنا، مع نقد ذاتي عادل وضروري”.
هذه الكلمات، رغم هدوئها، حملت اعترافًا ضمنيًا بأن الفريق لا يعمل بسلاسة، وأن الإيقاع لم يتحقق بعد، حتى وإن كان مبابي يحاول جرّ الفريق رقميًا بتسجيله 23 هدفًا من أصل 41 هذا الموسم.

انقسام داخل غرفة ملابس ريال مدريد
في عمق غرفة الملابس، لا يوجد خلاف صاخب، بل انقسام صامت؛ لاعبون مقتنعون بأن أفكار ألونسو لا تلائم طبيعة الفريق، وآخرون يرون أن المدرب يملك مشروعًا يجب منحه الوقت، الانقسام لم يضرب العلاقات الشخصية بعد، لكنه يطفو في النقاشات القصيرة، وفي لحظات الصمت الممتد بعد المباريات.
وكانت تقارير قد كشفت سابقًا عن تحفظات تتعلق بأسلوب المدرب الشخصي وطريقة تعامله التكتيكية، وهي معلومات لم ينفها تسلسل الأحداث لاحقًا، وزاد الأمر وضوحًا حين لجأ النادي إلى عقد اجتماعات داخلية الأسبوع الماضي لامتصاص التوتر وإعادة ترتيب الأدوار.
ورغم محاولات مبابي وفالفيردي وكامافينجا عكس صورة إيجابية بعد الفوز على أولمبياكوس، تبددت تلك الرسائل سريعًا مع التعادل أمام جيرونا، خاصة مع غياب اللاعبين التام عن التصريحات الإعلامية بعدها.
ومن داخل الفريق، جاءت شهادة لافتة تقول: “هذه ليست مشكلة المدرب، إنها واضحة جدًا”.
مستقبل ألونسو.. هل يدفع الثمن؟
تعترف مصادر داخل النادي والجهاز الفني بأن الوضع لم يعد يحتمل القراءة بنصف عين، فالفريق يعيش مرحلة “صعبة للغاية”، فيما لم يتردد آخر في وصف أداء ونتيجة مباراة جيرونا بأنها “كارثية” بكل معنى الكلمة.
الأمر لم يعد متعلقًا فقط بالنتائج، بل بمسألة: كيف يبدو ريال مدريد داخل الملعب؟ المصادر نفسها تشير إلى أن المباريات المقبلة، وعلى رأسها مواجهة أتلتيك بلباو في سان ماميس، ستحمل وزنًا أكبر من مجرد ثلاث نقاط، إنها مباريات ستُقاس بها ملامح مستقبل المدرب، وصورة الفريق، وربما شكل المرحلة المقبلة بأكملها.

بعيدًا عن التفاصيل الظاهرة، تظهر رؤى داخلية أكثر تعقيدًا، تتحدث عن خلل بنيوي يتخطى دور المدرب. أحد المصادر المطلعة على الفريق الموسم الماضي في فالديبيباس قدم رؤية واضحة وصادمة “المشكلة ليست في تشابي، مبابي وفينيسيوس جونيور وجود بيلينجهام غير متوافقين؛ لا يمكن بناء فريق متوازن بوجود هؤلاء الثلاثة”.
من غرفة الملابس إلى مكاتب الإدارة.. إلى أين يتجه ريال مدريد؟
مع اتساع رقعة الشكوك داخل الملعب، تتجه الأنظار تدريجيًا إلى ما هو أبعد من تشابي ألونسو واللاعبين، نحو مشروع فلورنتينو بيريز نفسه. فالنموذج الذي تبناه رئيس ريال مدريد منذ بداية الألفية – والمتجسد في فكرة “الجالاكتيكوس” المستمرة – يعود اليوم ليُطرح للنقاش من زاوية جديدة تمامًا.
فالإصرار الدائم على جلب أكبر الأسماء في عالم كرة القدم لم يعد كافيًا في زمن تغيّرت فيه اللعبة، وتحوّلت فيه البنية التكتيكية إلى عنصر لا يقل أهمية عن الجودة الفردية، بل قد يتفوق عليها حين يتعلق الأمر بالاستمرارية والتماسك.
إذ يغيب عن المشروع الملكي، كما يرى عدد من المراقبين، وجود هيكل فني واضح يقود عملية البناء بصورة متدرجة، وهيكل إداري رياضي يضع خريطة طريق لسنوات طويلة، بالتنسيق مع جهاز فني مستقر يملك صلاحيات ومناخًا يسمح له بتطوير أسلوب لعب واضح.
ومع كل نجم جديد ينضم إلى الفريق، يتجدد السؤال نفسه هل يمتلك ريال مدريد مشروعًا، أم أنه يجمع قطعًا لامعة دون إطار يجمعها؟

هذا التساؤل يطلّ بحدة أكبر عند تحليل تفاصيل المباريات الأخيرة. فكر القدم الحديثة لم يعد يحتمل وجود ثلاثة لاعبين في الخط الأمامي خارج المنظومة الدفاعية خلال لحظات الارتداد، لم يعد بالإمكان بناء فريق تنافسي يعتمد على أن يقوم الآخرون بالعمل الشاق خلف الكرة بينما يبقى الهجوم في وضع الانتظار.
وعند إعادة النظر في هدف جيرونا الأخير، تظهر هذه الفجوة بوضوح، لم يتحرك أي من لاعبي الهجوم للضغط، لا ضغطًا مباشرًا ولا حتى ضغطًا شكليًا يقطع خطوط التمرير، لم يرتد أي منهم ليخلق زيادة عددية في عمق الوسط أو على الطرف الأيسر، ما سمح لجيرونا ببناء الهجمة والوصول إلى منطقة الجزاء بسهولة لا تليق بفريق بحجم ريال مدريد.
هذه اللحظة لم تكن مجرد خطأ دفاعي، بل مرآة تعكس خللًا أعمق في طريقة بناء الفريق، وفي الفلسفة التي تحكم اختياراته منذ سنوات، فالفكرة القديمة القائمة على جمع النجوم وترك التفاصيل «للمدرب» لم تعد صالحة في كرة قدم أصبحت فيها التفاصيل جوهر اللعبة، وليست مجرد إضافات.

تعليقات