هل يغيّر بيب جوارديولا قوانين كرة القدم هذه المرة؟

هل يغيّر بيب جوارديولا قوانين كرة القدم هذه المرة؟


في قلب هذا الجدل المتجدد يظهر اسم بيب جوارديولا؛ ليس بوصفه طرفًا في صراعٍ مباشر، بل كمدرب بارع في قراءة القواعد واستثمار ثغراتها بما يخدم خططه في اللحظات الأكثر ضغطًا، فبينما تتطور كرة القدم بوتيرة غير مسبوقة داخل المستطيل الأخضر، يجد المشرّعون أنفسهم مضطرين لملاحقة هذا التطور لضمان عدالة المنافسة ونقاء اللعبة، خصوصًا مع بروز واحدة من أكثر الحيل استخدامًا في اللعبة الحديثة: سقوط حارس المرمى لإيقاف اللعب ومنح فريقه ما يشبه “وقتًا مستقطعًا تكتيكيًا” دون أن يبدو الأمر كذلك.

هذا الواقع دفع واضعي القوانين إلى إعادة النظر في اللوائح، في محاولة لإغلاق ثغرة باتت تُستغل بشكل متكرر من قِبل فرق تبحث عن أي وسيلة لقلب الموازين في اللحظات الحرجة؛ وفي صميم هذا النقاش تظل تجربة جوارديولا حاضرة، كنموذج لمدرب يدرك كيف تُدار التفاصيل الصغيرة وكيف تُحوَّل القوانين ذاتها إلى أدواتٍ تكتيكية عندما تشتدّ الضغوط.

دوناروما يسقط.. وجوارديولا يستغل الأمر

المشهد الذي فجّر النقاش وقع في مباراة مانشستر سيتي ضد ليدز يونايتد. كان سيتي متقدمًا 2-1، لكن ليدز بدا الطرف الأخطر؛ فجأة، سقط جيانلويجي دوناروما أرضًا متألمًا، لتتوقف المباراة قرابة دقيقتين، وقتٌ “ذهبي” استغله جوارديولا لجمع لاعبيه على الخط وتعديل التعليمات وضبط الإيقاع.

دانييل فاركه، مدرب ليدز، لم يُخفِ غضبه، واتهم الحارس بـ”التمثيل لتحريف القواعد”، لم يهاجم جوارديولا مباشرة، لكنه قال بحدة:

“ليس هذا هو الأمر المُريب، كان سقوطه واضحًا، ضمن القواعد، وتصرف ذكي؛ إذا أعجبني؟ إذا كان ضمن إطار اللعب النظيف؟ إذا كان يجب أن يكون الأمر كذلك، فسألتزم الصمت، الأمر متروك للسلطات لإيجاد حل”.

“أسأل الحكم الرابع الآن إن كان يريد فعل شيء. أيدينا مقيدة”.

“إذا لم نُثقّف لاعبينا في كرة القدم فيما يتعلق باللعب النظيف والروح الرياضية وما إلى ذلك، وإذا حاولنا فقط تحريف القواعد وحتى التظاهر بالإصابة من أجل إجراء محادثة إضافية مع الفريق، فهذا ليس ما أحبه شخصيًا، ولكن إذا كان ضمن القواعد، فلا يمكنني الشكوى”.

“الأمر متروك للسلطات لإيجاد حل. هل يتعلق الأمر باللعبة أم باللعب النظيف؟ لديّ شكوك”.

فاركه يرى أن اللوم يقع على القوانين نفسها، لا على من يستغلها، ومع ذلك، أثار تصريحه موجة نقاش جديدة حول جدوى السماح للحراس بالبقاء داخل الملعب بعد العلاج، في حين يُجبر لاعبو الميدان على الخروج لـ30 ثانية منذ موسم 2023/2024.

كيف تحوّلت الثغرة إلى تكتيك عالمي؟

البداية جاءت عندما منع مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم اللاعبين من استخدام “الإصابة التكتيكية” عبر إجبارهم على الخروج نصف دقيقة بعد تلقي العلاج. ما حدث لاحقًا كان متوقعًا: جرى نقل الحيلة إلى موقع لا يمكن للمشرّعين المساس به، وهو حارس المرمى.

الحارس وحده بإمكانه إيقاف المباراة دون مغادرة الملعب. وهنا وجد المدربون فرصةً ثمينة لفرض “وقت مستقطع غير معلن”.

ستيفن شوماخر، مدرب بولتون، لم يُجمّل المسألة واعترف صراحة:

“إنها حيلة، تكتيك يُفسد زخم المباراة عندما يكون الخصم مسيطرًا، وإذا أحسنتَ توقيتها، يُمكنك التأثير على مجريات اللعب، وهناك فرصة لضم فريقك”.

“يحدث هذا تقريبًا في كل مباراة الآن، حتى في دوري أبطال أوروبا، كنتُ أضحك الأسبوع الماضي وأنا أشاهد إحدى مباريات دوري أبطال أوروبا، وفكرتُ: “حسنًا، لم يعد الأمر يقتصر على إنجلترا حينها، لذا أصبح جزءًا من اللعبة الآن”.

الفكرة لم تعد سرًا، بل ممارسة شائعة تُستخدم لكسر الضغط، إعادة التنظيم، أو تغيير أفكار الفريق أثناء المباراة.

تحرك نحو قاعدة جديدة تغيّر شكل اللعب

في اجتماعٍ عقد خلال أكتوبر الماضي بين اللجنة الاستشارية واللجنة الفنية التابعة لمجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم، جرى التطرق بوضوح إلى هذه الظاهرة. وكان هناك قبول واسع لمقترح جذري:

إذا تلقّى الحارس علاجًا، يجب أن يخرج لاعب آخر — وليس الحارس — لمدة 30 ثانية.

هذه الخطوة ستمنع تحويل إصابة الحارس إلى وسيلة تواصل تكتيكية، وتجعل توقف اللعب مكلفًا لا مستفيدًا منه.

داني مورفي، المحلل الإنجليزي المعروف، علّق على الأمر قائلًا: “أعتقد أنهم يقدرون على تغيير ذلك بسرعة. إنه تعديل بسيط يصنع فارقًا كبيرًا”.

لكن الجدل لم يتوقف هنا، فقد نوقشت أيضًا فكرة منع اللاعبين من الوصول لخط التماس أثناء توقف اللعب، ما قد يحد تمامًا من قدرة المدربين على إعطاء تعليمات إضافية.

بيب جوارديولا - المصدر (Getty images)
بيب جوارديولا – المصدر (Getty images)

الملف سيُعرض رسميًا في اجتماع مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم السنوي يوم 20 يناير، وسط توقعات بتزايد الدعم لمقترح “استبدال لاعب خارجي” مؤقتًا.

هل يدفع جوارديولا اللعبة إلى حدودها مرة أخرى؟

سواء كان جوارديولا قد قصد اللعب على الثغرة أو استغلها بذكاء، فإن النقاش الذي أثارته واقعة دوناروما هو امتداد لصورة يعرفها الجميع عن المدرب الإسباني، رجل يبحث دائمًا عن خطوط التماس القانونية ويعيد تشكيلها بما يخدم فكره الكروي.

جوارديولا كان أول من استخدم الحارس كلاعب إضافي في عملية البناء، أول من نشر “الأجنحة الداخلية” بشكل منهجي، وأحد أبرز من غيّروا الطريقة التي تُبنى بها الهجمات من الخلف.

والآن — حتى وإن كان دون أن يقصد — قد يكون السبب المباشر في تعديل قانون جديد.

هل هذا أمر سلبي؟ ليس بالضرورة، كرة القدم تتطور بالابتكار، والابتكار يختبر الحدود، وعندما يجد المسؤولين خللًا، يتم تعديل القاعدة، هكذا تقدمت اللعبة دائمًا.