دانيلو.. المنبوذ الذي أضاع السداسية على ريال مدريد وأصبح أسطورة ليبرتادوريس

دانيلو.. المنبوذ الذي أضاع السداسية على ريال مدريد وأصبح أسطورة ليبرتادوريس


في كرة القدم، ليست الحكايات كلها تُكتب لنجوم الصف الأول، ولا المجد دائمًا يكون من نصيب من وُلدوا تحت الضوء، أحيانًا — وفي لحظات نادرة تشبه المعجزات — يخرج رجل من بين الشقوق، من بين العثرات، من بين ظلال طويلة طاردته لسنوات، ليقف فجأة في منتصف المشهد، ويُجبر الجميع على إعادة النظر في كل ما اعتقدوه عنه؛ دانيلو لويس دا سيلفا هو هذا الرجل.

من لاعبٍ لاحقته الانتقادات في أوروبا، إلى مدافعٍ نضج على صدمة الخسائر وثقل الأخطاء، إلى قائدٍ عاد إلى وطنه ليصنع بيديه ما لم تصنعه له الأندية الكبرى، هذه ليست مجرد مسيرة لاعب، بل رحلة رجل اختبر السقوط والشك والسخرية، ثم صعد من الرماد ليصنع مجده الخاص، بعيدًا عن سطوة النجوم وبريق العناوين.

دانيلو.. الرجل الذي عاد من الرماد ليصنع مجده بيديه

في ريو دي جانيرو، لم يعد دانيلو ذلك اللاعب الذي طالته الانتقادات، بل أصبح مدافعًا كاملًا، وقائدًا ناضجًا، ورجلًا يعرف تمامًا ثمن كل خطوة يخطوها على العشب.

وفي نهائي كوبا ليبرتادوريس 2025، كانت اللحظة التي تحوّل فيها اسمه إلى أسطورة، دانيلو أصبح أول لاعب في تاريخ كرة القدم يُتوج مرتين بدوري أبطال أوروبا ومرتين بليبرتادوريس.

فاز بالأولى مع سانتوس عام 2011، والآن يعيدها مع فلامنجو في 2025، إنجاز لا يملكه لا زيكو، ولا بيليه، ولا نيمار… إنجاز صنعه دانيلو وحده، رغم كل العثرات.

بل إن هناك تفصيلة خالدة، دانيلو أصبح ثالث لاعب فقط يسجل لفلامنجو في نهائي ليبرتادوريس بعد زيكو وجابرييل باربوسا (جابيجول) في تاريخ النادي.

كان النهائي أمام بالميراس في ليما مشحونًا بما يكفي.. ثم جاء دانيلو، برأسه، بحضوره، بثقله وسجّل الهدف الذي قتل المباراة، الهدف الذي ضمن اللقب، الهدف الذي رد له العمر كله دفعة واحدة.

لكن خلف الاحتفال، كانت هناك قصة أكبر، فـ دانيلو دخل أرض الملعب وهو يعيش حدادًا عائليًا، قال لقناة جلوبو بعد المباراة:

“والدي كان سيأتي للملعب، لكنه اضطر للعودة بعد وفاة شقيقته؛ لعبت وأنا أحمل حزنه على كتفي، هذا اللقب له”.

“ليس سرًا أنني مشجع لفلامنجو منذ الصغر، بعد كل السنوات في أوروبا، أردت العودة، أردت أن أتنفس هذا القميص”.

“كنت أعاني من مشكلة بددنية منذ مايو، لعبت النهائي وأنا لست جاهزًا تمامًا، لكنني قلت لنفسي: كل واحد منا لديه ألم لا يراه أحد”.

شاهد والده المباراة في بلدة بيكاس بولاية ميناس جيرايس، المكان الذي بدأ منه حلم الطفل دانيلو.

دانيلو.. حين يدور الزمن دورة كاملة

في عالم كرة القدم، لا تعود الأيام كما غادرت، إنها تدور، تعود، لكنها تعود بشكل مختلف، محمّلة بما لم نكن نفهمه حين مرّت أول مرة، وبعض اللاعبين يعيشون هذه العودة، وبعضهم الآخر يُولد من جديد معها؛ أما دانيلو لويس دا سيلفا.. فقد عاش الدورتين معًا.

في ليلة نهائي ليبرتادوريس 2025، حين سجّل هدف فلامنجو في الدقيقة 67، لم يكن العالم يشاهد مجرد كرة عبرت الشباك، كان يشاهد زمنًا بالكامل ينغلق.

5275 يومًا — أربعة عشر عامًا، وخمسة أشهر، وثمانية أيام كاملة — كانت تفصل بين ذلك الهدف، وبين أول أهدافه في نهائي ليبرتادوريس 2011، يوم كان شابًا في التاسعة عشرة من عمره، يلعب لسانتوس ويلمع تحت أضواء بيليه، ويسجّل في الدقيقة 69 هدفًا هزّ البرازيل بأكملها.

يومها، كان التاريخ في صفحته الأولى، واليوم كان التاريخ في الصفحة الأخيرة، لكنّ القصة لم تبدأ في ليما، ولم تنتهِ في ساو باولو.

القصة بدأت حين عاد بيليه نفسه — الملك الذي صنع مجد سانتوس في الستينيات — ليجلس في المدرجات عام 2011، يشاهد فريقه القديم يحاول استعادة التاج الذي حمله بيديه قبل عقود، ويراقب بعينيه تلك اللمسة التي ستكتب اسمًا جديدًا في سجل النادي.

في تلك الليلة، افتتح نيمار دا سيلفا التسجيل بهدف يمهّد لمستقبله الأوروبي القريب، كان في التاسعة عشرة، وكان العالم يتنبأ بأن يصبح أسطورة.

لكن الأسطورة الحقيقية لتلك المباراة لم يكن نيمار، بل كان ذلك الظهير الأيمن، الهادئ، الذي لا يتحدث كثيرًا، والذي اخترق الجبهة اليمنى وسدّد كرة في الدقيقة 69، جعلت الجماهير تنفجر كأن الزمن عاد فجأة إلى أيام بيليه.

هدف دانيلو يومها لم يكن مجرد لقب عادي، كان الضربة التي منحت سانتوس لقبه القاري الأول منذ 48 عامًا.

ثم مرّ أربعة عشر عامًا وخمسة أشهر وثمانية أيام، حتى جاءت ليلة فلامنجو أمام بالميراس في ليما، الدقيقة 67، كرة عرضية، قفزة تخرج من قلب رجل شبع من الوجع، ورأسية تخترق الحارس والوقت والذاكرة.

لم يكن فقط يسجل، كان يعيد وصل خطٍّ بدأه فتى نحيل، وأنهاه رجل اكتشف نفسه، بين الدقيقة 69.. والدقيقة 67.. كتب دانيلو مسار حياته.

دانيلو وفيليبي لويس.. نقطة التقاء القدر

المفارقة أن مدرب دانيلو اليوم، فيليبي لويس، هو نفسه اللاعب الذي خسر نهائي دوري الأبطال 2016 أمام ريال مدريد، في ليلة كان دانيلو فيها يحتفل بأول لقب أوروبي له، واليوم يعودان معًا، من طريقين مختلفين، ليصنعا مجدًا واحدًا.

فيلبي لويس - فلامينجو - كوبا ليبرتادوريس (المصدر: Getty images)
فيلبي لويس – فلامينجو – كوبا ليبرتادوريس
(المصدر: Getty images)

ففيليبي لويس أصبح أسرع مدرب في التاريخ يحقق ليبرتادوريس بعد أن فاز بها كلاعب، محطمًا رقمًا صمد 52 عامًا، وأصبح أحد ستة فقط يجمعون المجد نفسه كلاعب ومدرب مع نفس النادي؛ ودانيلو أصبح شريكه في المجد، في الليلة ذاتها، على الأرض نفسها.

من الدراجاو لليوفي.. رحلة 14 عامًا للاعب لم تُسقطه صافرات الجماهير

قبل أن يتذوق أضواء برنابيو، وقبل أن يحمل ثقل قميص يوفنتوس، وقبل أن يلتقطه كاميرات مانشستر الباردة… كان هناك طفل اسمه دانيلو، يركض حافيًا في شوارع ترابية بمدينة صغيرة تُدعى بيكاس.

طفل لا يملك شيئًا سوى الكرة، وحلمٍ لا يعرف الرحمة، كان يعود إلى البيت وقد شقّت الشمس جلده، لكنه يعود مبتسمًا، وكأن كل خطوة تقوده نحو عالم لا يعرفه، عالم يجهل قسوته؛ لا أحد أخبره وقتها أن الأحلام الكبيرة تحتاج قلوبًا أكثر قسوة من الحياة نفسها.

بدأت القصة منذ سنوات طويلة، حين انتقال دانيلو إلى بورتو البرتغالي عام 2011، وتحديدًا بعدما قدم نفسه في سانتوس كأحد النجوم الكبار القادمين في كرة القدم.

قضى دانيلو 4 سنوات في الدراجاو، ثقلت ظهره وبات أحد اللاعبين القادرين على صناعة التاريخ في الدوريات الكبرى، لكن القدر كان له رأي آخر، هناك في مدريد بلونها الأبيض.

ارتدى دانيلو قميص ريال مدريد، ذلك القميص الذي لا يتسامح مع الهفوات، وتوج معهم بدوري أبطال أوروبا مرتين، ورغم أنه كان لاعبًا بديلًا، إلا أن كل خطأ – مهما صغر – كان يُضاعَف حجمه، فيصبح دانيلو هدفًا سهلًا لسخط الجماهير.

سجّل هدفًا عكسيًا أمام سيلتا فيجو في كأس الملك، فألقى كثيرون عليه ذنب ضياع «السداسية» في موسم 2016-2017، عندما سجل هدفًا عكسيًا في كأس الملك أمام سيلتا فيجو، وخرج على إثره الملكي من البطولة، رغم مساهمته في التتويج بالدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا في الموسم نفسه.

ودخل دانيلو تاريخ ريال مدريد من الباب الخلفي وقتها، بعدما أصبح أول لاعب يسجل في مرماه بالخطأ في مباراتين متتاليتين في بطولة كأس ملك إسبانيا، ورغم كونه بديلًا للنجم الإسباني داني كارفاخال، رحل دانيلو بنهاية الموسم في صمت تام دون حتى أن يعبر عن مدى سعادته بالتتويج الأوروبي الثاني تواليًا، خرج من مدريد من الباب الخلفي، بلا ضجيج، بلا كلمة، بلا وداع.

ثم جاء الدور على إنجلترا، من بوابة مانشستر سيتي، عاش البرازيلي موسمين مليئين بالدروس والتحديات، ورغم قلة مشاركاته، خرج بستة ألقاب لكنه خرج أيضًا بقرار داخلي: “لقد آن أوان بداية جديدة”.

حط الرحال في إيطاليا، في ناديها الأكثر تتويجًا: يوفنتوس.

دانيلو - يوفنتوس
دانيلو – يوفنتوس – المصدر: Gettyimages

وهناك، في تورينو، تغيّر كل شيء، لم يعد مجرد ظهير أيمن، بل تحول إلى صخرة دفاعية، قائد، رجل يُطلب منه أن يكون آخر من يسقط. خمس سنوات جعلته أحد أوجه الفريق، ولكن يناير 2025 حمل النهاية: فسخ عقده بالتراضي، ورحيل صامت آخر، لكنه هذه المرة لم يكن هروبًا، بل عودة إلى الوطن.

أربعة عشر سنة في أوروبا وعشر منها مع ثلاثة من عمالقة اللعبة لم تكسبه حب الجماهير، لكنها صقلت داخله شيئًا آخر، شيئًا كان ينتظر لحظة الانفجار؛ عاد دانيلو إلى بلده الأم، إلى المكان الذي بدأ منه كل شيء، عاد إلى فلامنجو، عاد ليكتب تاريخه بيده.

رجل لم يحبّه الجمهور.. لكنه أحب اللعبة حتى النهاية

دانيلو لم يكن الأكثر موهبة، لم يكن نجمًا عالميًا، ولم يكن محبوبًا دائمًا؛ لكنه كان شيئًا واحدًا.. كان رجلًا حقيقيًا.

رجلٌ يتلقى الصفعات ثم يعود، يرتكب الأخطاء ثم ينهض، يتألم لكنه لا يهرب؛ ولأن كرة القدم تكافئ أمثال هؤلاء، هتفت له القارة كلها في ليما، في تلك الليلة التي حمل فيها الكأس بيد، ووضع اليد الأخرى على قلبه، وقال للعالم: “هذا لكل ما خسرته، ولكل ما حلمت به”.