ضياع هيبة أنفيلد.. كيف هدم سلوت في أشهر ما بناه كلوب في سنوات؟
في كرة القدم، هناك ملاعب لا تُهزم فيها الفرق بالنتيجة فقط، بل تُهزم نفسيًا قبل أن تطأ أقدام اللاعبين عشبها، أنفيلد كان أحد تلك المعاقل.. وربما أهمّها في عهد يورجن كلوب، تحوّل الملعب الأحمر من مجرد استاد تاريخي إلى حصن مرعب، بوابة لا يخرج منها الخصوم إلا منكسرين، بالكاد يحصدون تعادلًا إن كانوا محظوظين.
سنوات طويلة قضاها كلوب يبني هذا المكان: إيمان الجماهير، شراسة اللاعبين، الهيبة، الخوف، الإضافة الخرافية من المدرجات، كل ذلك جعل أنفيلد في فترة ما أصعب ملعب في أوروبا دون منازع، لكن الموسم الحالي جاء ليقلب الصورة، ويهز الأساسات التي بدت راسخة.
أرني سلوت، المدرب الذي دخل النادي على إرث ثقيل، هدم ما بناه كلوب في موسم واحد فقط؛ لا على مستوى النتائج فحسب، بل على مستوى الهيبة، على مستوى الإيمان.. على مستوى روح أنفيلد نفسها.
لم يكن سقوط ليفربول هذا الموسم مجرد أزمة نتائج أو فترة اهتزاز عابرة، بل كانت ضربة موجعة لركيزة أساسية في هوية النادي: هيبة أنفيلد، منذ وصول يورجن كلوب عام 2015، بدأ الألماني مشروعًا رياضيًا طويل الأمد، لم يقتصر على تطوير الفريق أو جلب بطولات، بل امتد إلى إعادة بناء العلاقة بين الملعب والجماهير واللاعبين.

على مدى سنوات، أصبح أنفيلد سلاحًا مرعبًا، المكان الذي استسلمت فيه أكبر أندية أوروبا، وعجزت فرق النخبة عن الخروج منه حتى بنقطة واحدة، كان الملعب يتمتع بطاقة لا تشبه أي مكان آخر: الجمهور يدفع الفريق للأمام، اللاعبون يقاتلون حتى آخر ثانية، والخصوم يدخلون الملعب وهم على يقين أن أصعب ليلة لهم تنتظرهم.
لكن هذا الموسم حمل انقلابًا مفاجئًا، تحت قيادة أرني سلوت، تلاشت هذه الهيبة، ليس تدريجيًا، بل بانهيار حاد وصادم، في غضون أشهر فقط، مُسح ما بناه كلوب خلال سنوات، وبدأت الفرق تتجرأ على مواجهة ليفربول في قلب الأنفيلد بلا خوف.. بل برغبة في تحقيق الفوز.
أسبوع أسود.. سبعة أهداف تهزّ القلعة الحمراء
وكأن القدر أراد أن يلخص أزمة ليفربول في أسبوع واحد فقط، خلال أيام قليلة، استقبل الفريق 7 أهداف على أرضه—رقم لم يكن ليُصدق قبل سنوات، أمام آيندهوفن، بدا ليفربول هشًا بشكل لم يسبق أن ظهر به في أوروبا؛ دفاع مفكك، وسط بلا هوية، وخط هجوم يفتقد لأي حلول، الهولنديون هاجموا بثقة غير معقولة، وكأنهم يلعبون في ملعبهم، لا في أحد أكثر الملاعب رعبًا في العالم سابقًا.
وقبلها بأيام فقط، جاء نوتنجهام فورست—المنافس المتواضع نسبيًا—وسجّل ثلاثية أخرى في الأنفيلد، ليؤكد أن المسألة ليست مجرد “تعثر أوروبي”، بل انهيار شامل في المنظومة وفي الاحترام الذي كان يفرضه ليفربول داخل جدران ملعبه.

الجماهير صُدمت.. لم يعد الخصوم يكتفون بالصمود أمام ليفربول، بل أصبحوا يطمعون في الفوز، ويقاتلون على تسجيل أكبر كم ممكن من الأهداف، وهذا ما لم يكن يحدث في السنوات الذهبية… وما لم يجرؤ أحد على فعله أمام كلوب.
ليلة السقوط.. ركلة جزاء مبكرة تهز أنفيلد وتفتح باب الانهيار
بداية مباراة آيندهوفن كانت كافية لكتابة سيناريو الانهيار، بعد خمس دقائق فقط، احتُسبت ركلة جزاء ضد قائد الفريق فيرجيل فان دايك بعد لمسة يد داخل المنطقة، الجماهير التي لم تجلس بعد صُدمت، واللاعبون بدوا في حالة شرود كامل.
هذه الركلة لم تكن مجرد هدف مبكر.. بل كانت إعلانًا رمزيًا على فقدان السيطرة، على أن الأنفيلد لم يعد محصنًا، وأن الخصوم باتوا قادرين على ضرب ليفربول منذ اللحظة الأولى دون خوف من رد فعل عنيف كما كان يحدث في عهد كلوب.
لم تنجح محاولات العودة، ولم يظهر الفريق بالروح التي كانت تميز ليفربول في ليالي أوروبا، بدت كل لمسة وكل تمريرة ثقيلة، وبدا الفريق عاجزًا عن فرض شخصيته.
كارثة كوناتي.. عمود دفاع ليفربول الذي أصبح الثغرة الأكبر
اليوم فٌضح أمر كوناتي بشكل جنوني، 3 من الأهداف الأربعة التي هزت شباك الريدز اليوم كانت من جبهته، منذ بداية الموسم، تحوّل إبراهيما كوناتي من “صمام الأمان” إلى “مركز الانفجار”، المدافع الذي كان يُنظر إليه كواحد من أهم عناصر المستقبل، أصبح الحلقة الأضعف في كل مباراة، تهتز ثقته بنفسه مع كل كرة يفقدها وكل تدخل متأخر يقوم به.
المثير أن معظم الخصوم باتوا يركزون ضغطهم عليه تحديدًا، لأنه الأكثر عرضة للخطأ، تمريراته للخلف أصبحت خطرة، تحركاته بلا كرة غير محسوبة، وتمركزه الدفاعي يشهد انهيارًا غريبًا، جعل من دفاع ليفربول خطًا مفتوحًا أمام أبسط الهجمات المنظمة.

الأسوأ أن أخطاء كوناتي لم تعد فردية فحسب، بل انعكست على الدفاع بأكمله، فان دايك بدا مرتبكًا بجواره، جونز فقد الثقة، وحتى أليسون ومماردشفيلي تأثرا بعد فشل المنظومة في حماية منطقة الجزاء، اللاعب الذي كان من أهم أسلحة كلوب في المباريات الكبيرة، أصبح أكثر من يثير القلق في عهد سلوت.
خسارة المباريات.. خسارة غرفة الملابس.. والآن خسارة إيمان أنفيلد
المؤشرات النفسية أخطر من الأهداف، لغة جسد لاعبي ليفربول داخل الملعب أوضحت أن هناك شرخًا عميقًا في العلاقة بين المدرب والفريق، غياب الحماس، انعدام الروح، تراجع الالتزام، وظهور علامات الاستسلام في لحظات كثيرة.. كلها رسائل لا تخطئها العين.
بدأت التساؤلات تنتشر بين الجماهير: هل فقد سلوت السيطرة على غرفة الملابس؟ هل خططه لا تناسب اللاعبين؟ هل الفريق لم يعد يؤمن بقدرته على العودة تحت قيادته؟
الواقع المؤلم هو في كرة القدم، حين يفقد المدرب ثقة لاعبيه.. يفقد بعدها كل شيء، والجماهير التي كانت تقف خلف الفريق بلا تردد، أصبحت تشعر أن أنفيلد نفسه لم يعد يؤمن بمدربه، الملعب الذي كان يغلي في عهد كلوب أصبح صامتًا، مرتبكًا، مشككًا.
أنفيلد لم يعد كما كان.. وعودة الهيبة تحتاج أكثر من كلمات
ما يحدث لليفربول هذا الموسم لم يعد مجرد أزمة تكتيكية يمكن إصلاحها بتعديل خطة أو استبدال لاعب، إنها أزمة هوية كاملة تضرب قلب النادي، هيبة الأنفيلد، التي كانت يومًا مصدر قوة لا يُقهر، بدأت تتآكل أمام أعين الجماهير، لتتحول من حصن مرعب إلى ملعب عادي يدخل إليه الخصوم بثقة وطمع.
شخصية الفريق نفسها أصبحت باهتة؛ لم يعد هناك ذاك الاندفاع الذي كان يميز الريدز، ولا تلك الروح التي كانت تعيدهم من الخسارة إلى الانتصار في دقائق معدودة، كل ذلك جعل الصورة تبدو وكأن ليفربول فقد روحه قبل أن يفقد نتائجه، أرني سلوت، رغم قدراته، يبدو عاجزًا عن إيقاف هذا النزيف، لم يستطع إعادة تشكيل هوية الفريق أو خلق فلسفة جديدة تشبه ليفربول أو حتى تحترم إرثه.

ومع كل مباراة، تتزايد الشكوك حول قدرته على إصلاح الأعماق التي انهارت، وليس فقط معالجة الأخطاء الظاهرة، العودة ممكنة بلا شك، لكن الطريق إليها لن يكون قريبًا، لأن ليفربول يحتاج إلى إعادة بناء ما هو أعمق من مجرد نظام لعب—يحتاج إلى استعادة روح المكان.
الخصوم الآن يدخلون الأنفيلد بشجاعة، يتصرفون كأنهم أصحاب الأرض، وهو ما لم يكن يحدث في أكثر لحظات تواضع ليفربول، وهذا وحده أكبر دليل على أن المشكلة ليست نتائج، بل انهيار مكانة وهيبة، وهنا يطرح السؤال نفسه بقوة: هل يستطيع سلوت إعادة بناء ما تهدم؟ أم أن النادي أصبح بحاجة إلى صوت مختلف.. إلى مدرب قادر على إعادة الروح قبل النقاط؟

تعليقات