“الرغيب”.. بطل على هامش الضوء رحل فى صمت وترك خلفه ملحمة لا تنطفئ بالأقصر
في صباح أثقلته الدموع، استيقظت قرية الحميدات شرق التابعة لمركز ومدينة إسنا جنوب محافظة الأقصر، على نبأ وفاة رجل لم يكن عابرا فى تاريخها، بل كان أحد شواهد البطولة التي لا تتصدر صفحات الكتب، رجل عاش كبيرا ومات كبيرا، حتى وإن غاب جسده بقيت سيرته تروى على ألسنة من عرفوه أنه البطل ‘ عبد المنعم حسنين محمد’ الشهير بـ ‘ الرغيب’ وأحد أبطال الصفوف الأمامية فى حرب اكتوبر.
عبد المنعم الرغيب
طفولة هادئة وروح مشتعلة بالحماس والوطنية
لم يكن ‘ الرغيب’ سوى مواطن بسيط فى أعين من لا يعرفه، لكن قلبه كان يحمل ذكريات من نار، مشاهد لم تفارقه منذ خمسين عاما حين كان يقف شابًا فى العشرينات على الضفة الغربية للقناة، يستعد لعبور لن ينساه التاريخ.
وروى البطل الراحل فى آخر حواراته لـ ‘ أهل مصر’ الشهر الماضي يوم 6 اكتوبر، عن مشاركته فى الحرب، بأنه استيقظ مبكرا فى فجر اليوم السادس من اكتوبر حاملا سلاحه دون أن يعلم أين ذاهب حيث أن الأوامر كانت صارمة ولا أحد يخبرهم بالحقيقة خوفا من وجود خائن بينهم يوصل كلمة للعدو، ولكن بحلول الثانية ظهرا حين حلقت الطائرات فوق رؤوسهم أدركوا أن الحرب بدأت ولا صوت يعلو فوق صوت النصر.
لحظات كسرة قلب البطل وإشعال روحه بالثأر
وحكى ‘ الرغيب’ قبل وفاته بأقل من شهرين، أصعب مشاهد حياته لـ أهل مصر، بقوله :’ رأيت زميلي الذي كان يقف بجانبي يسقط فى لحظة بعدما فصلت شظية رأسه عن جسده، وساعتها قلبي ولع نار وحلفت اقاتل لآخر نفس أخذ حقه وحق اللي راحوا .
وأصيب البطل بطلق ناري فى يده اليمنى، واحترق جزء من جسده بالنابالم، لكنه لم يستسلم، بل حارب بيده اليسرى موضحا حينها أنه لم يكن لديهم وقت للألم وأن كل ما كان يحمله فوق كتفه فى ذلك الوقت هي مصر والنصر.
ولفت البطل أنه تعطلت سيارة جيب أمامه الأمر الذي كان سيوقف عبور القوات ولكنه بلا تردد قرر أن يدفع السيارة إلى القناة قائلا لرفاقه:’ ثبتوا المدفع أنا هموت يا ولاد بس لازم نعدي حيث دفعت شجاعته الكوبري للعمل لتعبر القوات إلى سيناء.
واستطاع البطل أن يحول ثلاث عربات للعدو بمن فيهم إلى رماد بعد تدميره لهم بالكامل بالإضافة إلى قتل العديد من رجال العدو على يده.
وشيع أهالي الحميدات شرق اليوم جنازة البطل الذي عاش مجهولا عن الأضواء، لكنه محفورا فى ذاكرة الوطن، حيث أن عبد المنعم حسنين لم يكن مجرد مقاتل فقط، بل كان رجلا من طينة الأبطال الذين صنعوا النصر بدمائهم الذين حاربوا بلا تغطية جوية بلا نوم، بلا تردد وبقلب لا يعرف إلا مصر.

تعليقات