خليفة سلوت في ليفربول.. جيرارد وإنريكي صراع ما بين العقل والعاطفة
في أنفيلد، حيث تصنع الأساطير وتتحول الأسماء إلى أيقونات خالدة في ذاكرة كرة القدم، يعيش ليفربول واحدة من أكثر لحظاته هشاشة منذ سنوات طويلة، المدرجات التي كانت تهتز بصوت جماهير “لن تسير وحدك أبدًا” أصبحت الآن محاصرة بالقلق، الأداء يتراجع، الرتم ينهار، والنتائج تدق أجراس الخطر.
الفريق الذي عاد للمنافسة على كل شيء في عهد كلوب، أصبح اليوم يتخبط بحثًا عن هوية تحت قيادة آرني سلوت، الذي وجد نفسه فجأة في قلب عاصفة إعلامية وجماهيرية لا ترحم، وبين هذا التخبط، بدأت الأسئلة الحارقة تتردد: من يقود ليفربول في المرحلة القادمة؟ ومن يعيد التوازن إلى هذا الفريق الذي يبدو وكأنه فقد اتجاهه؟
وسط الفوضى، ارتفع صوت الجماهير من أعماق العاطفة، اسم واحد قفز من الماضي إلى الحاضر كمنقذ محتمل: ستيفن جيرارد.. الأسطورة، الرمز، الرجل الذي عاش سنواته كلها بين جدران أنفيلد وعرف أسرار الروح الحمراء أكثر مما عرفها أي مدرب أو لاعب مرَّ على النادي.

رحيله عن الاتفاق السعودي ووجوده بلا فريق، أشعل الحماس بين مشجعيه، وبدأت الأصوات تتعالى: “جيرارد عاد.. ليفربول يحتاج ابنه”، بالنسبة لهم، العودة إلى البيت هي الحل. الأساطير لا تفشل، وهذا النادي بُني على كتف هذا الرجل.
ولكن في الجانب المقابل، حيث يسكن العقل، تظهر صورة مختلفة تمامًا، كرة القدم الحديثة لم تعد تحترم العاطفة كثيرًا، بل تحترم ما هو ملموس: الفكر، الإدارة، القدرة على التعامل مع الضغوط، والخبرة التي تُصلح لا التي تُجرب، وفي هذا الجانب يقف اسم واحد فقط يبدو قادرًا على الإمساك بزمام فريق في حالة سقوط حر.. لويس إنريكي.
الرجل الذي يعيد ضبط الإيقاع أينما ذهب، والذي يعرف كيف يبني فريقًا من الفوضى، وكيف يروض النجوم ويحوّل المواهب إلى آلات كروية، وهكذا يجد ليفربول نفسه في صراع داخلي قاسٍ بين “قلب” يريد جيرارد… و”عقل” يدرك أن إنريكي هو الإجابة الأكثر اتزانًا.

(المصدر: Getty images)
مسيرة ستيفن جيرارد.. أسطورة لاعب ومسيرة متواضعة كمدرب
رغم حب الجماهير الجارف لجيرارد، إلا أن الواقع الفني لا يرحم، تجربته مع الاتفاق السعودي كانت أقل بكثير من التوقعات، وهو ما دفع النادي في النهاية إلى إنهاء التعاون معه، رئيس النادي سامر المسحل حاول وصفه بطريقة دبلوماسية حين قال:
“في بعض الأحيان، لا تسير الأمور كما هو مخطط لها، لكن الأسس القوية التي ساهم في بنائها ستضمن مستقبلًا مشرقًا“.
لكن خلف هذا التصريح الهادئ كانت الحقيقة واضحة: النتائج لم تكن جيدة.
أنهى الاتفاق موسمه الأول مع جيرارد في المركز السادس، بفارق مهول بلغ 48 نقطة عن الهلال، وفي الموسم التالي، وبعد 17 جولة، كان الفريق على بعد 24 نقطة كاملة من المتصدرين الهلال والاتحاد، وكأن الفارق يتسع بدلًا من أن يتقلص، أما الكأس فكانت أكثر قسوة، حيث ودع الاتفاق كأس الملك من دور الـ16 بعد خسارة مفاجئة أمام الجبلين بنتيجة 1-3.
هذه الأرقام تجعل السؤال منطقيًا: كيف يمكن لمدرب فشل في نادٍ متوسط بالكرة السعودية أن يتولى قيادة ليفربول، واحد من أكبر أندية العالم؟ الأمر لا يبدو منطقيًا أو عمليًا، خصوصًا في نادٍ يعاني اليوم من إدارة غرف ملابس معقدة، وتراجع جودة الأداء، وضعف الانضباط التكتيكي.
جيرارد قد يكون أسطورة بين الأساطير كلاعب، لكنه كمدرب لم يصل بعد إلى مستوى يستطيع معه تحمل ضغط ليفربول، الذي يعاني أصلًا من مشاكل في إدارة النجوم والضغط الجماهيري الحارق، قرار منح الفريق له سيكون أقرب للمقامرة.. وربما يدفع الريدز إلى صراع الهبوط قبل التفكير في المنافسة.
جيرارد يدافع عن سلوت.. رغم مطالب الجماهير بجلبه
ورغم كل الأصوات التي تنادي به، يبدو أن ستيفن جيرارد نفسه لا يرى أن الوقت مناسب لجلوسه على الدكة الفنية لليفربول، فقد خرج في تصريحات واضحة عبر شبكة “TNT Sports” ليدافع عن آرني سلوت ضد موجة النقد العنيفة التي يتعرض لها، وأكد جيرارد أن إقالة سلوت ستكون قرارًا غير منطقي، مشددًا على أن ما فعله المدرب الهولندي بعد خلافته ليورجن كلوب “لا تشوبه شائبة”.
الناس الذين يطالبون بإقالته… هذا هراء مطلق، ليفربول يمر بفترة انتقالية صعبة للغاية، وأن إصابات اللاعبين لعبت دورًا كبيرًا في اهتزاز الفريق
إذا أجريت كل هذه التغييرات في فترة زمنية قصيرة، فستحتاج إلى وقت للتكيف، سلوت حاول شرح الظروف لكنه اتُّهم باختلاق الأعذار
تصريحات جيرارد تحمل رسالة واضحة: حتى هو، الذي تطالب الجماهير به، يرى أن الوقت غير مناسب، وهو ما يفتح الباب أمام السؤال الأهم: إن لم يكن جيرارد.. فمن يكون خليفة سلوت إذا قرر النادي التغيير؟

لويس إنريكي.. الحل العقلاني والجانب الأكثر اتزانًا في المعادلة
هنا يظهر الاسم الذي يقف على الطرف الآخر من الصراع.. لويس إنريكي، مدرب يعرف كيف يعيد بناء الفرق المحطمة، وكيف يصنع من الفوضى كرة قدم جميلة وفعالة، ولعل التجربة الأبرز التي تثبت ذلك هي تجربته مع باريس سان جيرمان، قبل إنريكي كان الفريق الفرنسي مجرد مجموعة نجوم ضخمة بلا روح، فريق يفوز محليًا لكنه يتبخر قاريًا كل موسم.
ولكن حين جاء إنريكي، تغير المشهد، لم يخشَ النجوم، لم يتردد في فرض أسلوبه، ولم يسمح لأي لاعب مهما كان اسمه أن يعلو فوق النظام، أعاد تركيب الفريق على أساس جماعي صلب، أعاد فلسفة الاستحواذ، أعاد روح الضغط العالي، والأهم أنه أعاد باريس إلى المنافسة الأوروبية الجادة بعد سنوات من الفشل.
ما فعله إنريكي مع باريس يشرح كل شيء
إنريكي ليس مجرد مدرب.. إنه مهندس كرة قدم، يمتلك قدرة نادرة على تطوير اللاعبين، كما فعل مع ديمبيلي، فيتينيا، وأشرف حكيمي، يمتلك مرونة تكتيكية تجعله قادرًا على تغيير شكل المباراة دون تغيير اللاعبين، يمتلك شخصية قوية تجعله محبوبًا حينًا ومصدر للخوف حينًا آخر.. لكنه دائمًا واضح وصريح، أما إنجازاته فتتحدث وحدها: دوري أبطال أوروبا مرتين، الدوري الإسباني، بطولات محلية مع باريس.
ليفربول اليوم يحتاج هذا النوع من المدربين، يحتاج من يعيد ضبط الإيقاع، من يعيد المهاجمين إلى التسجيل، من يعيد الوسط إلى الانضباط، من يعيد الضغط العالي الذي كان أساس قوة الفريق لسنوات، يحتاج من يستطيع احتواء شخصيات مثل صلاح، فان دايك، إيزاك، وفريتز، وكل ذلك لا يمكن لجيرارد تقديمه في الوقت الحالي.
5 نقاط تجعل من إنريكي الخيار المثالي لليفربول
لا يُعرف لويس إنريكي فقط كمدرب يحقق البطولات، بل كصانع نجوم حقيقي، لعبته المفضلة ليست الفوز بالمباريات فقط، بل صناعة لاعبين قادرين على حسم تلك المباريات.
1. تطوير اللاعبين.. لمسات مدرب يصنع النجوم ولا يكتفي بتدريبهم
يكفي النظر إلى عثمان ديمبيلي الذي كان لاعبًا بموهبة كبيرة ولكن بلا استقرار، قبل أن يحوله إنريكي إلى جناح عالمي ناضج تكتيكيًا، يعرف متى يهاجم، متى يمرر، ومتى يفتح المساحات. أما فيتينيا، فكان مجرد لاعب وسط موهوب يبحث عن هوية، ليعيد إنريكي تشكيله كواحد من أكثر لاعبي الوسط اكتمالًا في أوروبا.
وحتى أشرف حكيمي، الذي كان دائم الاعتماد على سرعته فقط، أصبح تحت قيادة إنريكي لاعبًا متوازنًا هجوميًا ودفاعيًا، يعرف كيف يقرأ الملعب وكيف يضرب في اللحظة المناسبة، هذا التطور الفردي الذي يصنعه إنريكي هو بالضبط ما يحتاجه ليفربول في جيل يملك مواهب هائلة لكنها تعاني من تذبذب المستوى.

(المصدر: Gettyimages)
2. مرونة تكتيكية تجعله خصمًا يصعب ابتلاعه
حين يواجه الخصم إنريكي، لا يواجه خطة واحدة أو نظامًا ثابتًا، بل يواجه مدربًا قادرًا على تغيير المباراة بدون الحاجة حتى لتغيير لاعب واحد، هذه القدرة الفنية ليست متوافرة لدى كثير من مدربي البريميرليج، الذين يعتمدون بشكل كبير على التبديلات لتعديل شكل الفريق.
إنريكي يستطيع بلمستين أن يحول فريقه من 4-3-3 إلى 3-4-3 أو 4-2-4 أو حتى 4-1-5 خلال دقائق دون أن يفقد اللاعبون مواقعهم الطبيعية أو توازنهم، هذه المرونة تمنح فريقه القدرة على السيطرة على النسق، وإعادة توجيه المباراة، والتعامل مع أي مشكلة مفاجئة.. ليفربول، الذي يعاني اليوم من جمود تكتيكي في فترة سلوت، بحاجة إلى هذا العقل المرن القادر على قراءة المنافسين وإرباكهم.
3. أسلوب هجومي ممتع ومنضبط.. كرة قدم جميلة بأنياب حادة
لويس ليس مجرد مدرب هجومي، بل مهندس كرة قدم هجومية منظمة، فلسفته تعتمد على الضغط العالي الذي يخنق المنافس منذ الدقيقة الأولى، والاستحواذ الذكي الذي يخلق الزوايا والمساحات، والسرعة في التحولات التي تجعل فريقه دائمًا الطرف الأخطر. لكنه، بعكس كثير من المدربين الهجوميين، لا يهمل الدفاع.

الانضباط الدفاعي جزء أساسي من منظومته، ولا يسمح لأي لاعب أن يتخلى عن واجباته، هذه “الفوضى المنظمة” هي بالضبط ما يحتاجه ليفربول بعد سنوات كلوب الذهبية، الفريق اليوم فقد جزءًا من هويته الهجومية.. وفقد معها صلابته الدفاعية، إنريكي قادر على إعادة الاثنين معًا، كما فعل في برشلونة وباريس، وكما فعل مع كل فريق دربه.
4. شخصية قيادية صلبة.. لا يخاف النجوم ولا يتردد
غرفة ملابس ليفربول اليوم بحاجة إلى شخصية قوية، شخص قادر على السيطرة على النجوم ووضع الحدود، إنريكي يمتلك هذا النوع من القيادة الصارمة والعادلة في الوقت نفسه، لم يخشَ التعامل مع لاعبين مثل ميسي، نيمار، مبابي، أو سواريز، ولم يتردد يومًا في اتخاذ قرارات كبيرة حتى لو كانت غير شعبية.
هو مدرب يعرف كيف يفرض احترامه منذ اللحظة الأولى، وكيف يخلق بيئة تنافسية صحية داخل غرفة الملابس، وكيف يمنع أي لاعب من تجاوز النظام، في فريق مثل ليفربول الذي بدأ يعاني من اهتزاز الشخصية، ستكون قيادة إنريكي أشبه بتيار كهربائي يعيد الانضباط لكل فرد في التشكيلة.
5. سيرة ذاتية مرعبة.. تجعله المدرب الذي لا يُرفض
إنريكي ليس مشروع مدرب، وليس مدربًا يحتاج وقتًا ليثبت نفسه.. بل مدرب أثبت كل شيء بالفعل، قائمة إنجازاته وحدها كافية لفرض الاحترام دون نقاش، حقق دوري أبطال أوروبا مرتين، وهي البطولة التي ما زال ليفربول يحلم بالعودة إلى منصاتها.

حصد الدوري الإسباني مع برشلونة، والدوري الفرنسي مع باريس سان جيرمان، وكل ذلك بأساليب لعب مختلفة وبطاقم لاعبين متنوع، هذه القدرة على النجاح في أكثر من ثقافة كروية تجعل منه مدربًا عالميًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ليفربول لا يحتاج مغامرة جديدة.. بل يحتاج مدربًا يملك سجلًا يضمن الاستقرار من اللحظة الأولى، هذا مدرب لا يتعلم.. بل يٌعلّم.
ليفربول بين حلم جيرارد.. وحقيقة إنريكي
يبدو أن ليفربول يقف اليوم عند مفترق طرق واضح، طريق تقوده العاطفة نحو جيرارد.. وطريق آخر يقوده العقل نحو إنريكي، بين ما تطلبه الجماهير وما يحتاجه النادي فعليًا، قد تُحدد هذه اللحظة مستقبل الريدز لسنوات طويلة قادمة، اختيار جيرارد قد يمنح لحظة رومانسية جميلة.. لكنه قد يكون بداية انحدار، بينما اختيار إنريكي قد يكون القرار الصعب.. لكنه بالتأكيد القرار الصحيح.
عاطفة جماهير ليفربول تدفعها نحو جيرارد لأنه ابن النادي وأيقونته الخالدة، لكن كرة القدم لا تُدار بالعاطفة.. وإلا لسقطت أكبر الأندية في الهاوية، جيرارد قد يكتب صفحة جديدة يومًا ما مع ليفربول، لكن ليس الآن، ليس في هذه الفوضى، وليس حين مستقبل النادي كله على المحك.
أما لويس إنريكي، فهو الرجل القادر على: ضبط الإيقاع، إصلاح الفوضى وإعادة ليفربول إلى المنافسة محليًا وأوروبا، لكن الشاهد في كل هذا أن أيام سلوت باتت معدودة في أنفيلد، وفي صراع العقل والعاطفة لنحديد خليفته من سينتصر العقل أم العاطفة؟ الواضح للجميع وإذا أراد ليفربول مستقبله فالطريق إلى ذلك يبدأ باسم واحد فقط.. لويس إنريكي.

تعليقات