غرفة حرب في البرنابيو.. صراع النجوم والانقسام الداخلي يهدد مستقبل ريال مدريد

غرفة حرب في البرنابيو.. صراع النجوم والانقسام الداخلي يهدد مستقبل ريال مدريد


في القلعة البيضاء، حيث من المفترض أن يُصاغ التاريخ، وتُكتب الأساطير، يمر ريال مدريد بموسم يهدد كل ما بناه عبر العقود، الأضواء الساطعة على سانتياجو برنابيو تخفي حقيقة قاتمة.. فريقٌ مليء بالنجوم، لكنه في صراع داخلي بلا هوادة، حيث يتصارع لاعبون ومدربون وإداريون على السلطة والمكانة والاحترام، غرفة الملابس، التي كانت فيما مضى مصدرًا للإلهام والانضباط، أصبحت الآن ساحة معركة صامتة، يتجاذب فيها كل لاعب قلقه على مستقبله ومكانه، وكل قرار إداري يزيد الوضع سوءًا.

فلورينتينو بيريز، الذي طالما ارتبط اسمه بالنجوم والمواهب الكبيرة، يبدو وكأنه فقد البوصلة في إدارة هذا الفريق، في سعيه لجمع أكبر قدر ممكن من اللاعبين النجوم، تجاهل بيريز حقيقة أساسية: النجوم بحاجة إلى إدارة دقيقة، فهم ليسوا مجرد أسماء على ورق أو أرقام في كشوف المرتبات، حشو الفريق بالمواهب دون التفكير في كيفية تفعيلها وإدارتها، خلق بيئة مضطربة، حيث الصراعات الشخصية والتوترات النفسية أصبحت مهيمنة، وأصبحت الانقسامات أكثر وضوحًا مع كل مباراة وكل تغيير تكتيكي، وأخرها أزمة فيني الذي يتمسك بالرحيل بسبب مدرب الفريق تشابي ألونسو.

تشابي ألونسو - جود بيلينجهام - أردا جولر
تشابي ألونسو – جود بيلينجهام – أردا جولر

هذا الانقسام لم يعد مجرد شعور خفي بين اللاعبين، بل صار ملموسًا في كل حركة على أرض الملعب، في كل اجتماع داخل النادي، وفي كل كلمة تُقال في وسائل الإعلام، ريال مدريد اليوم ليس فريقًا واحدًا، بل قطبان متعارضان، حاليًا الفريق يتمزق بين مؤيدو تشابي ألونسو الذين يجدون ضالتهم في النظام والانضباط التكتيكي، ومعارضوه الذين يشعرون بأن أسلوب المدرب يحد من حرية اللعب ويقيد متعتهم ويهدد مسارهم المهني.

الحزب الأول.. مؤيدو ألونسو ورجال الانضباط

في قلب هذا الانقسام، يقف مجموعة من اللاعبين الذين استفادوا من رؤية ألونسو التكتيكية، في مقدمتهم كيليان مبابي، نجم الفريق، بعدما أصبح حجر الزاوية في الهجوم، تولى مسؤولية الركلات الثابتة وضربات الجزاء، وأعاد لنفسه هيبته داخل الملعب، جوليرمي، الذي لم يكن يحظى بفرص متساوية في السابق، أصبح عنصرًا أساسيًا، بينما تشاوميني وميليتاو استعادوا أدوارهم الطبيعية، ووجدوا الراحة في النظام الجديد الذي يفرضه ألونسو.

وفي ذاك الجانب لا يقف لاعبين فقط، فالمدير الرياضي خوان مانويل سانشيز يرى في ألونسو المنقذ، الرجل الذي يمكن أن يعيد الانضباط والفكر التكتيكي للنادي، ويضمن استمرار النجوم في تقديم أداء ثابت، من وجهة نظر هذا الحزب، ألونسو ليس مجرد مدرب، بل نظام كامل يعيد هيكلة الفريق، ويضع كل لاعب في مكانه المناسب، ويعيد الثقة إلى من يستحقونها.

كيليان مبابي - ريال مدريد - المصدر: gettyimages
كيليان مبابي – ريال مدريد – المصدر: gettyimages

لكن حتى داخل هذا الحزب، هناك شعور خفي بالقلق.. السؤال الذي يطرحه الجميع: هل سيستمر ألونسو في التوازن بين إدارة النجوم والنظام، أم ستنكسر هذه الثقة تحت ضغط الأسماء الكبيرة وسياسات بيريز؟

الحزب الثاني.. المعارضون وصراع الحرية

على الطرف الآخر، يقف لاعبون يشعرون بأن أسلوب ألونسو يقتل إبداعهم ويقيد حريتهم، وتلك الجبهة يقودها فينيسيوس جونيور، النجم البرازيلي، أصبح أيقونة هذا الحزب، ورمزًا للصراع الداخلي، علاقته المتوترة مع ألونسو وصلت إلى حد إعلان عدم رغبته في تجديد عقده، بعد سلسلة من الحوادث التي أبرزت شعوره بالإحباط والإهمال، فبعد الكلاسيكو الشهير، خرج فينيسيوس غاضبًا بعد استبداله، صرخ قائلًا: “أنا دائمًا، سأغادر الفريق، من الأفضل أن أغادر”، في مشهد يعكس حجم الانقسام العميق داخل غرفة الملابس.

رودريجو وأندريك فقدا دقائق اللعب التي حصلا عليها الموسم الماضي، وفالفيردي لم يجد راحته في مركزه الجديد كظهير، بينما بيلينجهام يعاني من ابتعاده عن موقعه الأمثل في الهجوم، ما أثر على معدلاته التهديفية وأداءه العام، كل تلك الأسباب دفعتهم للوقوف في الجهة المعارضة لسياسة ألونسو.

وبينما يقف هناك المدير الرياضي للنادي سانشيز، قيادة هذا الحزب تأتي من جوني كالافات العقل المدبر لريال مدريد ورئيس الكشافة، المسؤول عن جلب هؤلاء اللاعبين، والذي يمتلك القدرة على التعبير عن اعتراضاتهم داخل غرفة الملابس، ويعمل كحلقة وصل بين اللاعبين والإدارة، تدريبات مكثفة، جداول صعبة، وغياب أيام الراحة المعتادة جعل اللاعبين يشعرون بالإرهاق البدني والنفسي، بينما مدربهم يظهر تحكمًا شديدًا وانغلاقًا على التواصل، مما زاد من توتر الأجواء.

أرنولد بين الولاء والانقسام في ريال مدريد

في قلب هذه المعركة، يبرز ألكسندر أرنولد، اللاعب الذي يجد نفسه مضطرًا للموازنة بين الولاء للفريق ورغبته في حماية مصالحه الشخصية، أرنولد، المعروف بتحكمه في إيقاع اللعب وقدرته على التأثير داخل الملعب، يشعر بالضغط المستمر بين معسكر مؤيدي ألونسو الذين يرونه شريكًا في النظام التكتيكي، وبين معسكر المعارضين الذين يبحثون عن أصوات داعمة لرفض أسلوب المدرب.

ترنت أرنولد - ريال مدريد - (المصدر: Getty images)
ترنت أرنولد – ريال مدريد – (المصدر: Getty images)

مصادر مقربة من أرنولد تؤكد أنه يحاول الحفاظ على حياده نسبيًا، لكنه غير مرتاح لرؤية زملائه الغاضبين أو التوتر الذي يملأ غرفة الملابس، خاصة بعد حوادث فينيسيوس جونيور وكلامه الصريح حول الرحيل، أرنولد يدرك أن أي موقف واضح قد يضعه في مواجهة مباشرة مع طرف من أطراف الصراع، وهو ما يضاعف الضغوط النفسية عليه، وبين محاولته الحفاظ على توازنه الشخصي والفني، يبدو أرنولد وكأنه واقف على حافة حرب لا يريد أن يخوضها لكنه مضطر لمراقبتها عن قرب.

فلورينتينو بيريز وسياسة حشو النجوم

لكن هذا هو الموقف الحالي، إن عدنا بالزمن وبدأنا الحديث عن المتسبب بذلك الموقف العسير، نجد كل أصابع الاتهام تشير إلى شخص واحد دون غيره.. بيريز رئيس ريال مدريد الذي يصر على فلسفة الأسماء الكبيرة، دون إدراك أن كرة القدم ليست مجرد أسماء، بل إدارة دقيقّة للموهبة، والتعامل مع الشخصيات المختلفة، وخلق بيئة مستقرة نفسياً. 

حتى مع وجود مدرب يمتلك فلسفة واضحة مثل ألونسو، فإن الطريقة التي تم بها إدخال اللاعبين الجدد، والسيطرة الصارمة على التدريبات، جعلت النادي في حالة من الفوضى، بعد أن باتت غرفة ملابس الملكي تغلي وتوشك أن تنفجر.

فلورنتينو بيريز - رئيس ريال مدريد (المصدر:Gettyimages)
فلورنتينو بيريز – رئيس ريال مدريد (المصدر:Gettyimages)

المشكلة الأساسية ليست في اللاعب أو المدرب وحده، بل في عدم انسجام الإدارة مع متطلبات الفريق الحديثة، بيريز اختار ألونسو بعد تردد، حيث كان المرشح الأول كلوب أو بوتشيتشينيو، لكن قرار المدير الرياضي خوان مانويل سانشيز كان حاسمًا، ومع ذلك، يبدو أن القرار لم يراعي التوازن الداخلي بين اللاعبين، وهو ما بدأ يظهر في شكل صراعات حقيقية على أرض الواقع.

انعكاسات الانقسامات على أرض الملعب

الانقسامات بدأت تؤثر على الأداء بشكل واضح، التوتر بين فينيسيوس وألونسو لم يكن مجرد حادثة عابرة، بل كشف عن أزمة عميقة تهدد استقرار الفريق، حتى تصرفات اللاعبين الذين يفتقرون إلى الثقة أصبحت مرآة للبيئة المضطربة، حيث كل لاعب يحاول حماية مكانه، وكل خطوة على أرض الملعب يمكن أن تصبح شرارة لصراع جديد.

غرفة الملابس لم تعد ملاذًا للتركيز والتحفيز، بل أصبحت ميدانًا لصراع النفوذ والسيطرة، واللاعبون الذين يشعرون بالإهمال يفكرون بالفعل في الرحيل، إذا استمرت الأمور على هذا المنوال، فإن ريال مدريد قد يواجه أزمات أكبر من مجرد نتائج ضعيفة في الدوري أو البطولات الأوروبية؛ الأزمة قد تكون على مستوى هويته كفريق ومنظومة متماسكة.

صورة مصغرة للصراع بين الفردية والنظام

ريال مدريد اليوم في الوقت الحالي ليس مجرد فريق كرة قدم، بل صورة مصغرة للصراع بين الفردية والنظام، بين الحرية والانضباط، بين سياسة النجوم والإدارة الذكية، غرفة الملابس الملكية تعج بالتوترات، كل لاعب يبحث عن دوره، وتشابي يحاول فرض رؤيته، وبيريز يصر على فلسفة حشو الفريق بالنجوم.

ليخلف كل ذلك سؤالا غاية في الأهمية.. هل سيتمكن ريال مدريد من إعادة التوازن، أم أن السياسات الحالية ستقوده إلى فوضى داخلية تهدد مستقبله الرياضي، قبل أن تهدد اسمه التاريخي؟ الواقع يقول إن الإجابة لن تأتي بسهولة، وأن كل يوم يمر في هذا الموسم سيكشف عن مدى هشاشة العملاق الأبيض أمام صراعاته الداخلية.