«جرائم التحرش تهز المدارس الخاصة».. وخبير تربوي: إجراءات الوزارة غير كافية ونحتاج لمنظومة رقابية واستباقية متكاملة

«جرائم التحرش تهز المدارس الخاصة».. وخبير تربوي: إجراءات الوزارة غير كافية ونحتاج لمنظومة رقابية واستباقية متكاملة


تتكرر في الآونة الأخيرة وقائع الاعتداء على الأطفال داخل بعض المدارس الخاصة، وهي مؤسسات يفترض أنها الأكثر قدرة على توفير الحماية والرعاية مقابل ما تتقاضاه من مصروفات مرتفعة، إلا أن حوادث مثل واقعة الطفل ياسين في البحيرة، وكذلك واقعة مدرسة «سيدز الدولية» بالقاهرة، تكشف عن ثغرات خطيرة في منظومة الرقابة داخل عدد من تلك المدارس، وتطرح تساؤلات واسعة حول أسباب انتشار مثل هذه الانتهاكات، ومدى جاهزية وزارة التربية والتعليم للتعامل معها.

وفي هذا الصدد، قال الدكتور تامر شوقي، أستاذ التربية بجامعة عين شمس والخبير التربوي، إن وقائع التحرش بالأطفال في المدارس ليست مرتبطة بنوع المدرسة، سواء كانت دولية أو خاصة أو حكومية، وإنما ناتجة عن وجود بعض الأفراد ذوي الشخصيات غير السوية، واضطرابات جنسية أو ميول منحرفة، مشيرًا إلى أن هذه الحالات ظهرت مؤخرًا في المدارس الدولية باعتبارها الواقعة الأحدث.

وأوضح «شوقي» في تصريحات خاصة لـ «أهل مصر»، أن الأسباب تعود إلى ضعف التدقيق في اختيار هيئة العاملين، سواء من أعضاء هيئة التدريس أو الموظفين، والاكتفاء بالمستندات الورقية فقط دون إجراء المقابلات النفسية اللازمة، والتي يمكن أن تكشف عن الأفراد ذوي الميول المنحرفة أو السمات غير السوية، وذلك إضافة إلى تدخل العلاقات الشخصية والمعارف في تعيين الموظفين، متجاوزين المؤهلات الحقيقية، بالإضافة إلى غياب الرقابة الداخلية وعدم وجود كاميرات مراقبة في مختلف أرجاء المدرسة.

وأشار الخبير التربوي، إلى أن غياب الفحوص الدورية للكشف عن تعاطي المخدرات أو الكحوليات بين العاملين، إلى جانب عدم وجود إشراف مستمر على جميع مستويات الموظفين، خصوصًا في المراحل الابتدائية، وسوء تنظيم الفصول والأماكن غير المستغلة، كلها عوامل ساهمت في تسهيل حدوث هذه الوقائع.

وأضاف شوقي أن أحد المقترحات المطروحة من أولياء الأمور هو تعيين الإناث فقط في مراحل الطفولة المبكرة، مؤكدًا أن هذا الحل له مزايا تربوية من حيث قدرة المعلمات على التعامل مع الأطفال واحتوائهم، لكنه ليس حلاً كافيًا لمكافحة التحرش، إذ يبقى العامل النفسي والسوي للشخصية أهم في منع وقوع مثل هذه الحوادث.

ولفت شوقي إلى أن الأسرة تتحمل جزءًا من المسؤولية أيضًا، من خلال متابعة أبنائها والاستماع لمشكلاتهم وعدم الاعتماد الكلي على المدرسة، حيث إن الأطفال قد يتعرضون لمواقف صعبة ومؤثرة على حياتهم النفسية، وحتى لو ظهرت علامات جسدية على الطفل، فقد لا تكون واضحة دائمًا، ما يستدعي تفعيل دور الأسرة في المراقبة والحوار المستمر مع الأبناء.

وأكد أن الإجراءات التي تتخذها الوزارة بعد وقوع الحوادث، مثل وضع المدرسة تحت الرقابة المالية والإدارية، ليست كافية، فهي مجرد سياسات رد فعل مؤقتة، وليست استباقية.

وشدد شوقي على ضرورة أن تتبنى الوزارة إجراءات استباقية حقيقية، تشمل تفعيل أدوات الرقابة والإشراف على المدارس الخاصة والدولية بشكل دائم، والتأكد من مؤهلات الموظفين، والسجل الجنائي، والتاريخ السابق للتعامل مع الناس، بدلًا من الاكتفاء باللجان المؤقتة أو الرقابة لفترات محددة، موضحا أن الهدف من هذه الإجراءات هو منع وقوع المشكلة قبل حدوثها، وضمان بيئة آمنة للأطفال في جميع مراحل التعليم، وليس الاكتفاء بالتدخل بعد وقوع الحوادث.

واختتم تصريحاته بأن حل مشكلة التحرش يحتاج إلى منظومة متكاملة تشمل اختيار الموظفين بعناية، وتطبيق الفحوص النفسية، والرقابة المستمرة، وتهيئة البيئة المدرسية، ومتابعة الأسر لأبنائها، مؤكداً أن هذه الإجراءات الاستباقية المستمرة هي الطريقة الوحيدة لضمان عدم تكرار مثل هذه الوقائع.

وتابع الدكتور محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، تفاصيل واقعة مدرسة «سيدز» بدقة وحرص شديدين منذ اللحظة الأولى لظهورها، ووجه بإرسال لجنة موسعة للتحقيق، انتهت قراراتها إلى وضع المدرسة تحت الإشراف المالي والإداري الكامل للوزارة، وإحالة كل المسؤولين المتورطين في التستر أو الإهمال الجسيم إلى الشؤون القانونية.

وأكد الوزير، أنه لا يوجد جرم أشد قسوة من أن تمتد يدٌ إلى طفل، أطفالنا أمانة في أعناقنا، وحمايتهم واجب لا يقبل التهاون وأي مدرسة لا تلتزم بمعايير الأمان والسلامة ولا تصون حقوق أبنائنا لا تستحق أن تكون ضمن المنظومة التعليمية المصرية.

وأكد مصدر مسؤول بوزارة التربية والتعليم، لـ «أهل مصر»، أن الوزارة سيتخذ ضد أي مدرسة مخالفة اجراءات رادعة، دون تهاون، لافتا أن كرامة وسلامة الأطفال وحمايتهم هو صون للوطن بأكمله.

يذكر أن هذه الخطوات جاءت في وقت لا تزال فيه قضية الطفل ياسين تشغل الرأي العام، بعد أن أصدرت محكمة جنايات مستأنف دمنهور حكمًا بالسجن المشدد 10 سنوات على المتهم بهتك عرضه، بدلًا من عقوبة المؤبد التي صدرت في الحكم الأول، ومن هنا يأتي التساؤل حول كيفية منع تكرار مثل هذه الجرائم، وأهمية تشديد الرقابة على المدارس الخاصة، ووضع معايير واضحة لمتابعة الأمان داخل المؤسسات التعليمية.