كأس العرب 2025.. 4 سنوات تمثل الانتقال من “قيود الجائحة” إلى “بروفة المونديال”
في أربع سنوات فقط، تحوّلت كأس العرب من بطولة يُنظر إليها على أنها بروفة لاختبار ملاعب المونديال في قطر عام 2021، إلى بطولة ذات هيبة رسمية، مدرجة ضمن أجندة الفيفا، بقواعد صارمة، وجوائز مالية ضخمة، ونظام تأهل أكثر عدالة واحترافية.
بين نسختين متتاليتين، حدث شيء يشبه “الانفجار التطوري”؛ فالبطولة التي وُلدت تحت قيود جائحة عالمية، وملاعب شبه خالية، وتنظيم استثنائي، تعود في 2025 بثوب مختلف تمامًا: مشاركة كاملة، جماهير ممتلئة، نظام تصفيات حقيقي، وجوائز تتجاوز بطولات كبرى مثل أمم أفريقيا.
فانتقلت الكأس من بطولة تحمل طابع التجربة وتخضع لضوابط صحية مشددة بفعل جائحة كورونا، إلى بطولة رسمية معتمدة تمتلك نظامًا متكاملًا للتأهل، وحضورًا جماهيريًا كاملًا، وجوائز مالية تضاهي أكبر البطولات القارية والدولية.
ورغم أن نسخة 2021 كانت بمثابة بروفة مهمة قبل كأس العالم وأمم أفريقيا نظرًا لاعتمادها على ملاعب مونديالية وتجارب تنظيمية واسعة، فإن نسخة 2025 تأتي بصورة أكثر نضجًا وقوة، مدعومة بقرارات رسمية من الفيفا ومؤطرة بنظام تصفيات جديد يزيد من تنافسية البطولة وعدالتها.

وبين النسختين، يظهر الفارق بوضوح في كل تفاصيل التنظيم، بدءًا من هوية الجهة المنظمة، مرورًا بطريقة التأهل والقرعة، وصولًا إلى القوانين الفنية والجوائز المالية وحتى حضور الجماهير.
الجهة المنظمة.. انتقال السلطة من الاتحاد العربي إلى الفيفا
عادت البطولة إلى الواجهة عام 2021 لأول مرة منذ تسع سنوات، لكن عودتها لم تكن امتدادًا للنظام القديم الذي كان يخضع لإدارة الاتحاد العربي لكرة القدم منذ 1963، بل جاءت تحت إشراف مباشر من الاتحاد الدولي لكرة القدم.
وكان الهدف الأساسي من تنظيم الفيفا لنسخة 2021 هو اختبار الملاعب والبنية التحتية في قطر قبل كأس العالم 2022، مما منح البطولة حينها بُعدًا استثنائيًا يختلف عن أي نسخة سابقة.
وأتاح التنظيم العالمي للبطولة الحصول على اعتراف رسمي بالمباريات ضمن تصنيف الفيفا، رغم أنها لم تُدرج بالكامل في الروزنامة الدولية، إلا أن احتساب نتائجها كواجهات دولية منحها أهمية مضاعفة بالنسبة للمنتخبات.
أثر التنظيم الدولي.. انتقال البطولة إلى مستوى آخر
كانت نسخة 2021 أول اختبار جدي لتطبيق معايير الفيفا في بطولة عربية إقليمية، وبعد نجاح البطولة حينها، جاء إعلان جياني إنفانتينو رئيس الفيفا بأن البطولة مستمرة تحت إشرافنا :
“كأس العرب ستستمر تحت طائلة الفيفا لأنها بطولة ناجحة للغاية”.
ومع النجاح التنظيمي الكبير، أعلن رئيس الفيفا جياني إنفانتينو تمسك الاتحاد الدولي بإبقاء البطولة تحت مظلته في المستقبل، مؤكدًا أن التجربة كانت ناجحة وشبيهة ببطولة كأس القارات التي كانت تُقام قبل المونديال.
واستكمالًا لهذا الزخم، أصدر الفيفا في مايو 2024 قرارًا منح بموجبه قطر حق استضافة نسخ 2025 و2029 و2033، ما يعكس قناعة عالمية بقدرة قطر على تقديم نسخة ثابتة وراسخة من البطولة بما يليق بها كحدث رسمي في أجندة الفيفا.

ضوابط الحضور في نسخة 2021.. قيود الجائحة التي خنقت المدرجات
كان حضور الجماهير أحد أبرز الفوارق بين النسختين، فقد جاءت بطولة 2021 في ذروة القيود المفروضة بسبب جائحة كورونا، وفرضت الجهات الصحية حينها إجراءات دقيقة تتعلق بسلامة الجماهير، حيث جرى الاعتماد على نظام التباعد الاجتماعي داخل المدرجات، وتحديد نسب الحضور، ومنع دخول غير الملقحين بالكامل، مع اشتراط إظهار نتيجة فحص PCR سلبية أو المرور الأخضر في التطبيقات الصحية المعتمدة.
وألزمت اللجنة المنظمة الملاعب بعمليات تعقيم متواصلة، ومنعت التجمعات الكبيرة خارج الاستادات، مما جعل الحضور الجماهيري حاضرًا لكنه ليس بطاقته الكاملة، وكانت الأجواء مشحونة بالحرص والتنظيم المشدد.

أما نسخة 2025 فتشهد عودة كاملة للجماهير دون قيود صحية، حيث تستعد الملاعب لاستقبال جماهير غفيرة من مختلف الدول العربية، في أجواء تشبه البطولات العالمية الكبرى التي تفيض بالهتاف والتشجيع.
ومع انتهاء آثار الجائحة، يستعيد الجمهور العربي حضوره الكامل، لتعود البطولة إلى وهجها الحقيقي، ولتكون المدرجات واحدة من أهم عناصر الجذب في نسخة تُقام بلا أي قيود أو شروط صحية خاصة.
| البند | التفاصيل |
|---|---|
| السماح بدخول الجماهير بنسبة محدودة | حضور جماهيري مقيد بنسبة معينة فقط من السعة الإجمالية لكل ملعب |
| اشتراط فحص PCR أو الحالة الصحية الخضراء | السماح بالدخول فقط لمن يحملون نتيجة PCR سلبية حديثة أو حالة صحية خضراء |
| منع الأطفال غير المطعمين | عدم السماح بدخول الأطفال الذين لم يتلقّوا اللقاح، حفاظًا على سلامتهم |
| التنظيف والتعقيم بعد كل مباراة | تطبيق برنامج تعقيم شامل للمدرجات والمقاعد ودورات المياه بعد كل مباراة |
| تطبيق مسافات إلزامية بين المقاعد | ترك مسافات فارغة بين الجماهير داخل المدرجات لضمان التباعد الاجتماعي |
نظام التأهل.. تصنيف الفيفا هو المتحكم
لم يكن هناك اختلاف جوهري بين النسختين في آليات التأهل، فقد اعتمدت نسخة 2021على نظام على تصنيف الفيفا، عدما تأهلت سابقا المنتخبات التسعة الأعلى تصنيفًا مباشرة إلى دور المجموعات، بينما خاضت المنتخبات الأربعة عشر المتبقية مباريات فاصلة من مباراة واحدة، تأهل الفائزون منها لاستكمال قائمة المنتخبات الستة عشر المشاركة، كان ذلك نظامًا مبسطًا وغير معقد، لكنه كان يمنح أفضلية واضحة للمنتخبات الكبرى من بداية الطريق.
وفي نسخة 2025 لم يتغير الوضع بشكل كبير، إذ تم اعتماد نظام تصفيات رسمي، فإلى جانب تأهل قطر بصفتها البلد المضيف، والجزائر بصفتها حاملة اللقب، تأهلت سبعة منتخبات بناءً على تصنيف الفيفا لشهر أبريل 2025، بينما تدخل أربعة عشر دولة أخرى إلى تصفيات تُقام في قطر خلال يومين، حيث يتنافس كل منتخب في مباراة فاصلة من أجل حجز مكان بين الستة عشر.
الفرق الـ 14 التي تشارك في التصفيات 2025
- الكويت ضد موريتانيا
- سوريا ضد جنوب السودان
- فلسطين ضد ليبيا
- عمان ضد الصومال
- البحرين ضد جيبوتي
- لبنان ضد السودان
- اليمن ضد جزر القمر

التصنيف وتوزيع المنتخبات.. دقة غير مسبوقة
اعتمدت اللجنة المنظمة والفيفا في نسخة 2025 على تصنيف الفيفا كأساس لتوزيع المنتخبات على أربعة مستويات قبل إجراء القرعة، وكانت المنتخبات المتأهلة مباشرة موزعة بوضوح بناءً على ترتيبها الدولي، فجاءت منتخبات مثل المغرب ومصر والجزائر والسعودية والعراق والأردن والإمارات في الطليعة إلى جانب قطر.
وفي المقابل، تم توزيع المنتخبات الأربعة عشر في التصفيات إلى فئتين، بحيث تواجه منتخبات الفئة الأولى فرقًا من الفئة الثانية في مباريات فاصلة تُحدد سبعة متأهلين نهائيين.
ويحدد الفائزون في المباريات الأولى الثلاث مواقع محددة في المستوى الثالث، في حين توضع منتخبات المباريات الأربع المتبقية في المستوى الرابع، وفق نظام مدروس يضمن توازنًا في توزيع القوى قبل بدء البطولة، ويمنح كل منتخب مسارًا واضحًا قبل الدخول في دور المجموعات.

تطور الأنظمة الفنية.. اللعب النظيف يصبح سلاحًا حاسمًا
حافظت بطولة كأس العرب على نظام المجموعات المكوّن من أربع مجموعات تضم كل منها أربعة منتخبات، لكن التعديلات الحقيقية جاءت في القواعد المتعلقة بكسر التعادل والنقاط السلوكية، وهي تغييرات كان لها تأثير كبير على مسار البطولة منذ 2021.
ففي نسخة 2025، تم وضع نظام أكثر دقة لكسر التعادل، يبدأ بالمواجهات المباشرة ثم فارق الأهداف ثم عدد الأهداف في تلك المواجهات، وإذا استمر التعادل، يتم اللجوء إلى فارق الأهداف العامة ثم الأهداف المسجلة، وأخيرًا إلى نقاط اللعب النظيف التي تُحسب بناءً على عدد البطاقات الصفراء والحمراء، وقد أثبت هذا المعيار تأثيره سابقًا عندما تصدرت مصر مجموعتها على حساب الجزائر في نسخة 2021 بفارق سلوكي بحت.
🚨جدول مباريات بطولة كأس العرب 2025 🏆:
• التصفيات: 25-26 نوفمبر القادم
• البطولة: من 1 إلى 18 ديسمبرالبطولة ستقام على ملاعب كأس العالم في قطر 🏟️
🟪 راح تنقل على beIN SPORT :
—احفظها عندك : pic.twitter.com/EslAm5u83d
— كأس العرب FIFA ™ (@_90TM) November 21, 2025
كما شهد نظام خروج المغلوب اختلافًا واضحًا، إذ تم إلغاء الأشواط الإضافية في التصفيات، مما يجعل الحسم مباشرًا عبر ركلات الترجيح، بينما يستمر وجود الأشواط الإضافية في أدوار البطولة الفعلية، بما يتماشى مع المعايير الدولية في البطولات الكبرى مثل كأس العالم وكأس أوروبا، ويمنح المباريات طابعًا أكثر إثارة وندية.
الجوائز والتأثير الإعلامي.. من تجربة إلى بطولة رسمية
تجسد النسخة الجديدة نموًا كبيرًا في الجانب الاقتصادي والإعلامي للبطولة، فقد ارتفعت قيمة الجوائز في نسخة 2025 إلى أكثر من 36.5 مليون دولار، مقارنة بـ25 مليون دولار في نسخة 2021.
وتضاعفت قيمة جائزة البطل لتصل إلى 10 ملايين دولار، متجاوزة قيمة جائزة بطل كأس أمم أفريقيا الذي يحصل على 4 ملايين دولار فقط، وهو ما يؤكد رغبة اللجنة المنظمة في تحويل البطولة إلى منصة عربية ذات مكانة عالمية، قادرة على جذب اهتمام إعلامي واستثماري واسع.
القائمة النهائية لمنتخب مصر المشارك في كأس العرب 🇪🇬📝 :
-توقعاتكم لمنتخب الفراعنة ؟ 🤩🇪🇬 pic.twitter.com/2lszK4SIEq
— كأس العرب FIFA ™ (@_90TM) November 20, 2025
ومع دخول البطولة إلى أجندة الفيفا الرسمية واعتبار نتائجها مؤثرة في التصنيف الدولي، أصبح من المتوقع مشاركة منتخبات قوية بتشكيلات كاملة، خاصة وأن البطولة تأتي في توقيت مثالي قبل كأس أفريقيا وكأس العالم، وهذا يجعلها محطة استعداد حقيقية، وليست بطولة تكميلية أو هامشية كما كان يُنظر إليها سابقًا.
أهمية البطولة قبل كأس أفريقيا وكأس العالم
تقدم كأس العرب 2025 نموذجًا جديدًا للبطولات العربية، نموذجًا يعتمد على الاحترافية، والتنافسية، والترتيبات الدقيقة، ويضع المنتخبات أمام اختبار فني وتنظيمي حقيقي.
فقد تخلصت البطولة من قيود نسخة 2021 التي فرضتها الجائحة، وتجاوزت مرحلة التجربة نحو مرحلة البطولة الرسمية التي تحمل هوية دولية واضحة، ومع جوائز ضخمة، ونظام تصفيات عادل، وتواجد جماهيري كامل، وبنية تنظيمية قوية تمتد لنسخ مستقبلية، تبدو البطولة جاهزة لتكون محطة أساسية في مسار كرة القدم العربية نحو العالمية.
فباتت البطولة محط الأنظار لأنها ضمن أجندة الفيفا، ولأنها تسبق المونديال والبطولة القارية، أصبحت كأس العرب: فرصة لاختبار جاهزية اللاعبين، وساحة لتجريب قوائم المنتخبات ومصدرًا لنقاط تصنيف حاسمة قبل القرعات الكبرى، نسخة 2025 ليست مجرد بطولة.. فهي بمثابة بروفة رسمية للعرب قبل دخول المسرح العالمي 2026.

تعليقات