لامين يامال وفينيسيوس جونيور.. الفارق بين موهبة تُولد وأخرى تتلاشى دوليًا
في عالم كرة القدم، لا يُقاس الإرث دائمًا بعدد الأهداف أو البطولات؛ بل بمدى التأثير الحقيقي حين يرتدي اللاعب قميص بلاده، فهناك لاعبون يحطمون الأرقام مع أنديتهم، لكنهم يتلاشيون عندما تُضاء الأنوار على المسرح الدولي، وهناك آخرون، رغم صغر سنهم وقلة خبرتهم، يظهرون في اللحظات التي يتراجع فيها الكبار، ويقدمون ما يُشبه نبوءة ميلاد أسطورة جديدة.
وبينما يبحث العالم عن النجم الذي سيقود الجيل القادم في كرة القدم الدولية، يظهر لامين يامال كقصة نجاح مبكرة تفرض نفسها بقوة؛ فتى بالكاد تجاوز المرحلة الثانوية، لكنه يحمل روح لاعب يقترب من كتابة فصل جديد في تاريخ منتخب إسبانيا.
وفي المقابل، يقف فينيسيوس جونيور — أحد أبرز نجوم ريال مدريد، وأحد أخطر المهاجمين في العالم — عاجزًا عن تكرار بريقه مع البرازيل، لاعب طالما عاش تألقًا كبير على مستوى الأندية، لكنه يظهر مع منتخب بلاده كأنه غير معنيّ بما يحدث، وكأن قميص البرازيل عبءٌ عليه لا شغف.

هذه المفارقة الصارخة بين لاعبٍ صعد لتوّه ولاعبٍ بلغ ذروة نجوميته تشعل واحدة من أهم المقارنات الدولية في عالم كرة القدم اليوم، وتطرح العديد والعديد من التساؤلات على الصعيد الدولي.
يامال.. من ناشئ مجهول إلى “قائد تأثير” في أقل من عام
لم تكن مسيرة يامال مع المنتخب الإسباني مجرد بداية موهبة شابة؛ بل كانت ولادة نجم مؤثر يملك عقل لاعب كبير، بدأ الفتى رحلته الدولية من بوابة يورو 2024، في وقت كانت إسبانيا تبحث فيه عن هوية هجومية جديدة بعد رحيل الجيل الذهبي.
لكن ما فعله يامال يتجاوز حدود التوقعات بعدما قدم تأثير فني ونضج تكتيكي لا يتناسب مع عمره على الإطلاق، في عمر الـ17 عامًا، أصبح يامال أهم عنصر هجومي في منتخب كامل، يتحرك بثقة، يصنع الفرص تحت الضغط، ويغيّر مسار المباريات، وكأنه يلعب للمنتخب منذ عشرة أعوام.
| المباريات | الأهداف | الصناعات | المساهمات | |
|---|---|---|---|---|
| العدد | 23 | 6 | 12 | 18 |
| النسبة / المعدل | — | 0.26 هدف/مباراة | 0.52 صناعة/مباراة | 0.78 مساهمة/مباراة |
يتضح أن يامال لا يعتمد على التسجيل فقط، فمعدل 0.26 هدف لكل مباراة يعكس قدرة جيدة على إنهاء الهجمات، لكن النقطة الأكثر بروزًا هي معدل الصناعة الذي يصل إلى 0.52 صناعة في كل مباراة، وهو رقم مرتفع جدًا لجناح في هذا العمر، ويكشف عن لاعب يُفكر أولًا في صناعة الفارق لزملائه قبل البحث عن مجده الشخصي.
أمّا معدل المساهمات الإجمالي البالغ 0.78 فيعني أنه تقريبًا يترك بصمة هجومية في كل مباراة، وهو ما يفسّر لماذا أصبح جزءًا أساسيًا من منظومة إسبانيا رغم حداثة سنه، فيعد يامال لاعبًا ناضجًا فنيًا قبل أوانه، يجمع بين رؤية صانع اللعب وفعالية الجناح، ويؤكد أن المنتخب الإسباني وجد أمامه لاعبًا يصنع تأثيرًا أكبر بكثير من عمره.
إسبانيا لم تنتظر يامال ليكبر، بل اعتمدت عليه وهو طفل، فصار أحد أهم أسلحتها الهجومية خلال شهور قليلة، وأحد أبرز النجوم الصاعدين في أوروبا.
فينيسيوس موهبة عالمية لكنها غائبة عن منتخب بلادها
في المقابل، تأتي حالة فينيسيوس جونيور كواحدة من أكثر الحالات غرابة في الكرة الحديثة، لا أحد يجادل في قيمته داخل ريال مدريد: أهداف حاسمة، مهارات ساحرة، ألقاب كبيرة، ونضج تكتيكي، لكن عندما يحين وقت ارتداء قميص البرازيل.. يختفي كل شيء.
| المباريات | الأهداف | الصناعات | المساهمات | |
|---|---|---|---|---|
| العدد | 44 | 8 | 7 | 15 |
| النسبة / المعدل | — | 0.18 هدف/مباراة | 0.15 صناعة/مباراة | 0.34 مساهمة/مباراة |
على الرغم من أن فينيسيوس يُعد نجمًا لامعًا في ريال مدريد، إلا أن أرقامه مع منتخب البرازيل تكشف عن تراجع ملحوظ في التأثير مقارنةً بما يقدمه يامال لإسبانيا، يامال، في عمر 17 عامًا فقط، لعب 23 مباراة وسجل 6 أهداف وصنع 12 تمريرة حاسمة، ليصل إجمالي مساهماته إلى 18، أي معدل مساهمة قدره 0.78 لكل مباراة، بينما فينيسيوس، رغم خوضه 44 مباراة، سجل 8 أهداف فقط وصنع 7 تمريرات، ليصل إجمالي مساهماته إلى 15 ومعدل مساهماته لكل مباراة 0.34، أي أقل بأكثر من النصف مقارنةً بيامال.

النسب تعكس الفارق بوضوح: يامال يصنع كل مباراة نصف فرصة تقريبًا (0.52)، بينما فينيسيوس لا يصل إلى ربع صناعة لكل مباراة (0.15)، ويعكس ذلك أن يامال لاعب صانع فارق أساسي في منظومة منتخب إسبانيا، بينما مساهمات فينيسيوس محدودة وتركّز على الأداء الفردي دون التأثير الشامل على الهجوم.
| لامين يامال – إسبانيا | فينيسيوس جونيور – البرازيل | |
|---|---|---|
| المباريات | 23 | 44 |
| الأهداف | 6 | 8 |
| الصناعات | 12 | 7 |
| المساهمات | 18 | 15 |
| معدل الأهداف/مباراة | 0.26 | 0.18 |
| معدل الصناعات/مباراة | 0.52 | 0.15 |
| معدل المساهمات/مباراة | 0.78 | 0.34 |
| نسبة الصناعة من المساهمات | 66% | 47% |
| نسبة التسجيل من المساهمات | 34% | 53% |
كاسيميرو يصدم الجميع ويكشف حقيقة فيني
هذا ليس مجرد تراجع رقمي.. بل غياب واضح في الحسم والتأثير والشخصية، وافتقاد للشراسة التي يظهر بها مع ناديه، والصدمة الأكبر جاءت من داخل المنتخب نفسه — من لاعب لا يجامل ولا يخشى قول الحقيقة:
كاسيميرو صرّح بوضوح صادم:
“لن أسلم راية القيادة إلى فينيسيوس.. هذا الأمر لا يعنيه، تلك ليست طبيعته“.
بهذه الجملة، لخص أحد قادة البرازيل الفجوة بين شخصية فيني داخل النادي، وشخصيته داخل المنتخب، لا رغبة في القيادة، لا تأثير، لا حضور ذهني، وكأن اللاعب لا يرى المنتخب جزءًا من إرثه.

أنشيلوتي.. المعلم الذي صنع فينيسيوس ولكن لم يستطع إيقاظه داخل المنتخب
حين تم الإعلان عن تولي كارلو أنشيلوتي تدريب البرازيل، ظن الكثيرون أن هذا اليوم سيكون بداية انفجار فينيسيوس الدولي؛ فهو الرجل الذي غيّر مسيرته داخل ريال مدريد، وطوّر شخصيته، ونقله من لاعب مهاري غير حاسم إلى ماكينة أهداف وصناعة.
حتى لاعبو البرازيل أنفسهم تحدثوا عنه باحترام شديد:
“أنشيلوتي قادر دائمًا على توحيد المجموعة… شخص مرح، حازم، وقريب من الجميع“.
لكن رغم ذلك، لم يظهر تأثير أنشيلوتي على فينيسيوس داخل المنتخب بشكل كبير، تحسن بالكاد ملحوظ، لا أدوار أكبر، لا شخصية قيادية، ولا حتى أرقام أفضل، وهنا يصبح السؤال أكثر وضوحًا: هل المشكلة حقًا في المدربين؟ أم أن فينيسيوس لا يشعر بالانتماء للمنتخب كما يشعر لمدريد الوقائع تقول: فينيسيوس لاعب نادي وليس لاعب منتخب.

يامال اللاعب الذي يحمل منتخبًا كاملًا على عاتقه
في الطرف الآخر، نجد لاعبًا شابًا يحمل عقلية لا تتناسب أبدًا مع عمره، يامال يظهر في الملعب وكأنه يعرف تمامًا ما يجب أن يفعله: يفتح المساحات، يصنع الفارق، يعيد التوازن التكتيكي، يشارك في البناء، يخلق الفرص ويسجل عندما تسنح الفرصة.
هذا اللاعب لا يقدم مجرد أرقام جيدة، بل يقدم هوية كاملة لمنتخب إسبانيا، إنه ليس مجرد جناح موهوب.. إنه ترس رئيسي في منظومة الماتادور الإسباني.
نجم يصعد وآخر يُضيّع فرصة كان يمكن أن تكون إرثًا
بينما يخطو لامين يامال خطوات ضخمة وثابتة نحو قمة الكرة الدولية، يبدو أن فينيسيوس جونيور يضيع فرصة ذهبية لصنع إرث تاريخي باسمه مع منتخب البرازيل، الموهبة وحدها لا تكفي لصنع الأساطير، بل التأثير والقدرة على فرض بصمتك في المباريات الكبرى هو ما يحفر الأسماء في ذاكرة الكرة العالمية.

إذا كان التاريخ سيكتب فصلاً عن النجوم الذين صنعوا الفارق في منتخباتهم خلال هذا الجيل، فمن الواضح أن اسم يامال سيستقر في الصدارة بلا جدال، بفضل مساهماته المستمرة وأرقامه المذهلة مع إسبانيا، في المقابل، سيظل اسم فينيسيوس محاطًا بعلامات استفهام، إذ يبدو أنه لم يتمكن بعد من ترجمة موهبته الكبيرة إلى تأثير حقيقي ومستمر على أداء البرازيل.
باختصار، إسبانيا وجدت قائد المستقبل بلا منازع، بينما البرازيل ما زالت تبحث عن اللاعب الذي سيحمل شعلة التاريخ ويمحو علامات الاستفهام عن أسطورة جديدة في سماء كرة القدم.

تعليقات