كريستيانو رونالدو ولغز البرتغال.. ما بين عقدة المشهد الأخير وغياب مجد المونديال
في كرة القدم، تتفاوت قصص النجوم بين من يُصنع لهم التاريخ، ومن يصنعون التاريخ بأنفسهم، لكن هناك ندرة استثنائية من اللاعبين الذين يتجاوزون هذا وذاك، يكتبون التاريخ ويعيدون صياغته ويتركون بصمتهم على الذاكرة الجمعية للعالم ككل، لا مجرد جمهور كرة القدم.
كريستيانو رونالدو هو واحد من هؤلاء، بل ربما الورقة الأخيرة في سجل اللاعبين الذين امتلكوا القدرة على تغيير مفهوم الرياضة نفسها، كل ما يفعله يبدو بمعزل عن الزمن، كل خطوة من خطواته تُقرأ كفصل جديد في سيرة أسطورية لم تكتمل بعد، ومع ذلك، ورغم كل التألق الذي أحاط بمسيرته، بقيت نهايات القصص المهمة في حياته مفتوحة، غير مكتملة، ناقصة.. وكأن المشهد الأخير يهرب منه في اللحظة المناسبة للخلود.
في كرة القدم، كما في السينما، المشهد الأخير هو كل شيء، هو اللحظة التي تقف فيها الجماهير لتصفّق، التي تُرفع فيها القمصان احترامًا، وتُذرف فيها دموع الاعتزال أو المغادرة أو النهاية، لكن رونالدو، وعلى مدار مسيرته الممتدة لأكثر من عقدين، لم يحصل على هذا المشهد ولو مرة واحدة.. من مانشستر يونايتد إلى ريال مدريد، ومن يوفنتوس إلى المنتخب البرتغالي، كانت النهاية دائمًا تأتي مباغتة، صامتة، بلا مراسم، بلا وداع، بلا تصفيق، وكأن القدر يصرّ أن فصل الختام لم يُكتب بعد، وأن الوقت لم يحن كي ينتهي فيلم كريستيانو رونالدو.

كريستيانو رونالدو ولغز كأس العالم 2030
ورغم أن منتخب البرتغال تمكن من تأكيد تأهله رسميًا إلى نهائيات كأس العالم 2026، بعد أن اختتم مشواره في التصفيات الأوروبية بانتصار كبير على أرمينيا بتسع أهداف مقابل هدف واحد، مسجّلًا أبرز فوز له خلال حملة التصفيات.
إلا أن اللغز هذه المرة يتعلق بكأس العالم 2030، التي ستقام للمرة الأولى في التاريخ على أرض البرتغال، يعود السؤال من جديد إلى الواجهة، سؤالٌ يحمله الجمهور، ويناقشه الإعلام، ويثيره النقاد: هل يفكّر كريستيانو في تمديد مسيرته حتى يكون جزءًا من هذه البطولة على أرض بلاده؟ هل ينوي مواجهة التحدي الأكبر في حياته وهو في سن الخامسة والأربعين؟ هل يريد أن يختم مسيرته حيث يجب أن تنتهي مسيرة الأساطير؟ أم أن الزمن سيقف — ولو لمرة واحدة — عائقًا أمام إرادته الحديدية؟
المجد الناقص.. لماذا كأس العالم هو عنوان الخلود؟
قد يبدو غريبًا أن لاعبًا حقق كل ما يمكن تحقيقه، وكسر كل رقم يمكن كسره، وترك في كل بطولة بصمة واضحة، ما زال يُطارد لقبًا ما، لكن هذا اللقب — كأس العالم — ليس مجرد بطولة، هو نقطة التقاء الأساطير، هو المسرح الذي تتوقف فيه كرة القدم عن كونها لعبة وتتحول إلى تاريخ.

رونالدو عاش كل البطولات، لكنه لم يعش شعور رفع كأس العالم، لم يقف على منصة المونديال كأعظم لاعب في العالم وهو يتوج بلقب واحد كان سيجعله خارج النقاش، خارج المقارنة، فوق الجميع، وربما لهذا السبب، يشعر الكثيرون أن مسيرته — رغم عظمتها — بقي ينقصها الخلود الكامل، كأس العالم بالنسبة لرونالدو هو أكثر من بطولة.. هو الطموح الذي لم يتحقق، اللقب الذي لم يلمسه، الباب الذي ظل مغلقًا أمامه رغم كل شيء.
ولأن البطولة ستقام على أرض البرتغال سنة 2030، فإن السؤال يزداد حدة ودرامية: هل يخوض رونالدو آخر معاركه هناك؟ هل يعيد الكرة الزمنية للخلف كي يصنع النهاية التي لم يحصل عليها في مدريد، ولا في تورينو، ولا في مانشستر، ولا في لشبونة؟ هل يكتب التاريخ نهاية الأسطورة في المكان الذي بدأت فيه؟
البرتغال قبل رونالدو.. من منتخب بلا هوية إلى علامة تجارية عالمية
قبل ظهور رونالدو، لم تكن البرتغال منتخبًا ضعيفًا، لكنها لم تكن قوة عالمية أيضًا، كانت تمتلك مواهب كبيرة مثل فيجو وديكو، لكنها كانت بلا استمرارية، بلا مشروع واضح، بلا هوية فنية أو نفسية، كانت البرتغال فريقًا يلعب جيدًا، لكنه لا يفوز بالبطولات، فريقًا يظهر، ثم يختفي.
أما بعد ظهور رونالدو، أصبحت البرتغال مشروعًا، أصبح المنتخب يمتلك شخصية، عقلية، ثقافة وهوية.. أصبح فريقًا يؤمن بأنه قادر على الفوز، وبالفعل، فاز ببطولة أوروبا 2016، دوري الأمم 2019، والتأهل لكأس العالم 2026، التطور الهائل في القيمة السوقية للفريق، الظهور المتكرر للأجيال الجديدة.
كلها أمور حدثت لأن رونالدو كان موجودًا، لأنه كان قائدًا داخل الملعب وخارجه، لأنه كان نموذجًا، لقد صار رمزًا للدولة، وواجهة كرة القدم البرتغالية، وحافزًا لكل لاعب شاب يريد أن يتجاوز نفسه، لم تعد البرتغال دولة تنتج لاعبين جيدين، بل صارت دولة تصنع نجومًا عالميين، وصار اللاعب البرتغالي مطلوبًا في كل الدوريات.
| الترتيب | اللاعب | عدد الأهداف الدولية |
|---|---|---|
| 1 | كريستيانو رونالدو | 143 هدفًا |
| 2 | باوليتا | 47 هدفًا |
| 3 | أوزيبيو | 41 هدفًا |
| 4 | لويس فيجو | 32 هدفًا |
| 5 | نونو جوميز | 29 هدفًا |
| 6 | برونو فيرنانديز | 28 هدفًا |
| 7 | هيلدر بوستيجا | 27 هدفًا |
| 8 | روي كوستا | 26 هدفًا |
| 9 | ناني | 24 هدفًا |
| 10 | جواو بينتو | 23 هدفًا |
الغائب الحاضر.. تأثير رونالدو على البرتغال
رغم أن المنتخب حقق انتصارات كبيرة بدون رونالدو، فإن تلك المناسبات تبقى استثناءات صغيرة في تاريخ طويل، خمس مباريات فقط منذ 2003 سجلت فيها البرتغال خمسة أهداف أو أكثر دون وجوده، حدث ذلك مرتين فقط في مباريات رسمية، والأهم، أنه للمرة الأولى في تاريخ تصفيات كأس العالم، حققت البرتغال انتصارًا بتسعة أهداف دون أن يكون رونالدو جزءًا من التشكيلة.
على الرغم من القوة الهجومية التي اشتهرت بها البرتغال في عصر كريستيانو رونالدو، فإن تسجيل المنتخب خمسة أهداف أو أكثر في غيابه كان حدثًا نادرًا للغاية، وقع فقط في أربع مباريات على مدى ما يقارب عقدين كاملين.
هذه الندرة تكشف حجم الاعتماد التاريخي على رونالدو في صناعة الفارق، وفي الوقت ذاته تُظهر كيف تطور المنتخب في السنوات الأخيرة، حيث بات قادرًا — ولو في مناسبات محدودة — على تحقيق نتائج كاسحة دون وجود هدافه التاريخي داخل الملعب.
| السنة | النتيجة | المنافس | نوع المباراة |
|---|---|---|---|
| 2008 | 5–0 | جزر فارو | مباراة ودية |
| 2016 | 5–0 | جبل طارق | مباراة ودية |
| 2023 | 9–0 | لوكسمبورج | تصفيات يورو 2024 |
| 2023 | 5–2 | السويد | مباراة ودية |
لكن لأرقام الكاملة تكشف ما هو أهم: في المباريات التي غاب عنها، ظل المنتخب غير قادر على إيجاد بديل يملك تأثيره، قدرته، حضوره الذهني قبل حضوره البدني، وحتى حين لعب المنتخب جيدًا.
كان واضحًا أن شخصية رونالدو ما زالت تفرض نفسها، حتى وهو خارج الملعب، ومع ذلك، يبقى السؤال: هل يمكن للبرتغال أن تدخل كأس العالم 2030 بدونه؟ وهو سؤال يحمل من الرواية أكثر مما يحمل من التحليل.

مقارنة أداء البرتغال مع وبدون كريستيانو رونالدو
الأرقام وحدها تكشف عن قصة منتخبٍ تغيّر جذريًا مع وصول كريستيانو رونالدو، فقبل ظهوره، كانت البرتغال منتخبًا موهوبًا على فترات، لكنه لم يعرف الاستمرارية ولم يمتلك شخصية الفريق الكبير، إذ لم ينجح في الوصول إلى كأس العالم سوى 3 مرات فقط من أصل 17 محاولة، كان المنتخب قادرًا على إنتاج لاعبين مهاريين، لكنه يفتقد القائد، الهداف، والرمز القادر على حمله إلى مستوى أعلى.
مع دخول رونالدو إلى المشهد، تغيّر كل شيء، لم يعد المنتخب مجرد مجموعة من المواهب المتفرقة، بل أصبح مشروعًا مستقرًا لمنتخب ينافس باستمرار على أعلى المستويات.
الأرقام مذهلة: 226 مباراة خاضها الدون بقميص البرتغال، ساهم خلالها في بناء منظومة انتصرت 137 مرة بنسبة فوز تقارب 60%، وهي نسبة أعلى من معظم فترات تاريخ المنتخب، لكن الأكثر لفتًا للانتباه أن البرتغال لم تفشل في التأهل إلى كأس العالم منذ ظهوره، بل حققت 6 تأهلات متتالية من أصل 6 مشاركات الدون في التصفيات وكأن وجوده أصبح ضمانًا لمقعد دائم في المونديال.
| منتخب البرتغال | عدد المباريات | فوز | تعادل | خسارة | نسبة الفوز |
|---|---|---|---|---|---|
| مع كريستيانو رونالدو | 226 | 137 | 52 | 37 | 60% |
| بدون كريستيانو رونالدو | 56 | 33 | 11 | 12 | 59% |
أما المفارقة الحقيقية، فهي أن المنتخب، رغم قدرته على تحقيق نتائج جيدة في غياب رونالدو — بنسبة فوز كبيرة تبلغ 59% — إلا أن تلك المباريات تظل مشتتة، غالبها وديّ، ولا يأتي معظمها تحت ضغط المنافسات الكبرى، معنى ذلك أن البرتغال تستطيع أن تلعب جيدًا دون أسطورتها، لكنها لا تزال تعتمد عليه عندما تأتي لحظات الحسم والتأهل والبطولات.
هذه الأرقام تؤكد أن رونالدو لم يكن مجرد هداف تاريخي، بل كان نقطة التحول الأكبر في تاريخ الكرة البرتغالية، بفضله أصبح المنتخب “مشروعًا عالميًا” بدلًا من كونه فريقًا يظهر ويختفي، وصارت المشاركة في كأس العالم عادة لا استثناء، وجوده غيّر عقلية اتحاد الكرة، وطريقة استقطاب المواهب، وحتى قيمة المنتخب التسويقية التي تضاعفت مع صعود جيل كامل نشأ في ظله.
رونالدو لم يغيّر نتائج البرتغال فقط.. بل غيّر هويتها، وكتب مرحلة كاملة في تاريخها لا يمكن محوها بالأرقام أو بالعابرين.
عقدة المشهد الأخير.. لماذا لا يحصل رونالدو على وداعه؟
من الصعب أن تجد لاعبًا بتاريخ رونالدو، ومع ذلك لم يحصل على وداع يستحقه في أي فريق لعب له، في مانشستر يونايتد، رحل وسط ضجيج إعلامي وصدامات مع الإدارة، دون وداع، في ريال مدريد، ورغم كل ما أعطاه للنادي، رحل في صمت، بلا لحظة وداع جماهيرية.
في يوفنتوس، غادر بشكل مفاجئ، دون رسالة أخيرة، ومع المنتخب، كانت آخر مباراة له في تصفيات كأس العالم تُطرد فيها، ليذهب المشهد الأخير إلى مكان آخر، بعيدًا عن التصفيق والأعلام، هذه ليست مصادفة.. هذه عقدة، كأن القدر يدفعه دائمًا لأن يبقى “المشهد الأخير” مفتوحًا بلا نهاية، كأن النهاية لم تأتِ بعد وربما — وربما فقط — ينتظر القدر بطولة 2030 ليمنحها له.

البرتغال قبل وبعد كريستيانو رونالدو
لم تكن رحلة البرتغال نحو كأس العالم يومًا ثابتة أو مضمونة، فقد عاشت عقودًا طويلة خارج دائرة الكبار قبل ظهور كريستيانو رونالدو، المنتخب الذي اكتفى بثلاث مشاركات فقط في 17 محاولة قبل حقبة الدون، تحول بشكل جذري منذ انضمامه إلى الساحة الدولية.
ومع تأهله الأخير لمونديال 2026، باتت البرتغال في كأس العالم للمرة التاسعة في تاريخها والسابعة على التوالي — مسار انتقالي لم يحدث صدفة، بل نتيجة مباشرة للثبات الذي خلقه رونالدو، ذاك اللاعب الذي لم يغب عن أي حملة تصفيات منذ 2006، ليحضر للمرة السادسة تواليًا في المونديال، من أصل كل التصفيات التي خاضها.
الفرق بين البرتغال قبل وبعد رونالدو ليس مجرد أرقام، بل نقلة منظومية في الشخصية، الطموح، والقدرة على المنافسة في أعلى مستوى.
| المرحلة الزمنية | عدد المشاركات في كأس العالم | نسبة التأهل |
|---|---|---|
| قبل كريستيانو رونالدو (حتى 2003) | 3 مشاركات من أصل 17 | 17% فقط |
| بعد كريستيانو رونالدو (منذ 2006 حتى الآن) | 6 مشاركات من أصل 6 | 100% نجاح كامل |
| إجمالي عدد مشاركات البرتغال حتى 2026 | 9 مشاركات | — |
هل يشارك رونالدو في كأس العالم 2030؟ الفكرة المجنونة التي ليست مستحيلة
يقول الطب الرياضي إن لاعبًا في سن 45 يجب أن يعتزل منذ عشر سنوات، ويقول العلم إن مستوى السرعة والقوة ينخفض بنسبة 40 إلى 50% بعد سن الأربعين، لكن رونالدو لم يكن يومًا تابعًا للعلم ولا خاضعًا لقوانينه، فكان دائمًا خارج الإحصائيات، بعيدًا عن المنطق.

دقائق لعبه لا تزال مرتفعة، معدل الإصابات قليل، قدرته على إنهاء الهجمات ما زالت مذهلة.. وبدنيًا، هو حالة نادرة لا يمكن تقييمها كأي لاعب آخر، لكن المشكلة ليست بدنية فقط، كأس العالم بطولة تتطلب ضغطًا بدنيًا واستمرارية وتحملًا ذهنيًا هائلًا، هل يستطيع لاعب في سن الخامسة والأربعين لعب خمس أو ست مباريات في ثلاثة أسابيع؟
الإجابة المنطقية: صعب جدًا، لكن الإجابة الواقعية عندما يكون اللاعب هو رونالدو: ممكن، قد لا يلعب أساسيًا وقد يكون ورقة بديلة، قد يكون قائدًا روحيًا.. لكن وجوده في أرض البرتغال سيمنح البطولة قيمة لا يمكن تقديرها.
حين قلت إن الاعتزال قريب، قصدت عاماً أو عامين، أنا أعيش فترة رائعة الآن، أسجل الأهداف وما زلت أشعر بالسرعة والحدة داخل الملعب لكن، لنكن صادقين، في هذه المرحلة من العمر تبدأ العدّ التنازلي بالشهور
رغم أن رونالدو بنفسه صرح بأن أيامه معدودة في الملاعب، لكن من يدري هذا هو الدون ربما يفاجئ الجميع ونجده على رأس التشكيل الأساسي لمنتخب البرتغال، ويلعب كأس العالم 2030
المشهد الأخير لرونالدو ليس بعيدًا
هناك بداية لكل شيء، وهناك نهاية لكل شيء.. إلا كريستيانو رونالدو، فالرجل الذي غيّر البرتغال والعالم، لا يمكن أن يخرج من المسرح هكذا بلا تصفيق، بلا دموع وبلا لحظة وداع، مونديال 2030 ليس مجرد بطولة.. إنه فرصة لإغلاق دائرة عمرها ثلاثون عامًا.
ربما يلعب وربما لا، ربما يكون بديلًا.. وربما يقف فقط ليُلقي التحية، لكن في كل الأحوال، سيبقى السؤال قائمًا: هل تكون البرتغال هي المكان الذي يُكتب فيه المشهد الأخير.. للمرة الأولى؟

تعليقات