مؤسس “الجالاكتيكوس”.. هل فلورنتينو بيريز رئيس نادي ناجح أم فاشل؟

مؤسس “الجالاكتيكوس”.. هل فلورنتينو بيريز رئيس نادي ناجح أم فاشل؟


لا شك أن فلورنتينو بيريز رئيس ريال مدريد، أحد أفضل العقول الاقتصادية، ليس في إسبانيا فقط، وإنما في جميع أنحاء العالم، ولكن خلال فترة قيادته لسفينة الملكي من الناحية الرياضية والاقتصادية، هل نجح أم فشل؟

من الناحية الرياضية، غلب العقل الاقتصادي لـ فلورنتينو بيريز على الإدارة الرياضية، فكان مقتنع تمامًا بأن النجوم هم من سيجذبوا الجمهور والإعلام والرعاة والمكاسب المادية الكبيرة، والتي ستنعكس على المكاسب الرياضية عندما يجلب أفضل اللاعبين في العالم، لتكتمل الدائرة الخاصة به، فالمال يجلب أفضل اللاعبين، وأفضل اللاعبين يجلبون الألقاب والموارد المالية الضخمة من الرعاة والصور والإعلانات، والمال يجلب لاعبين آخرين.. هذا كان نهج بيريز: “إنشاء فريق يهيمن على أرض الملعب ويحقق إيرادات تجارية كبيرة خارجه”.

بداية عصر فلورنتينو بيريز

البداية كانت في صيف عام 2000، والذي لم يكن وقتًا مناسبًا للتغيير في ريال مدريد، فقد كان النادي قد فاز للتو بدوري أبطال أوروبا للمرة الثانية في ثلاث سنوات بعد غياب دام 32 عامًا؛ في الواقع، دعا رئيس النادي لورينزو سانز إلى انتخابات مبكرة، على أمل الاستفادة من هذا النجاح الأوروبي لتأمين الرئاسة قبل الذكرى المئوية للنادي بعد عامين.

لكن خلف الكواليس، لم يكن الوضع على ما يرام، كانت ديون النادي المتراكمة تتزايد، مما أتاح لبيريز، أحد أغنى رجال الأعمال في إسبانيا، فرصة سانحة؛ لقد صنع ثروته في طفرة البناء الإسبانية مع شركة ACS العملاقة للإنشاءات.

فلورنتينو بيريز - رئيس ريال مدريد (المصدر:Gettyimages)
فلورنتينو بيريز – رئيس ريال مدريد (المصدر:Gettyimages)

تعهد بيريز حينها بحل مشاكل ريال مدريد المالية، والتعاقد مع لويس فيجو، أفضل لاعب في الدوري الإسباني، وقد مكّنه هذان الوعدان من التغلب على سانز بفارق يزيد قليلًا عن 3000 صوت في 16 يوليو 2000، كان السباق محتدمًا، لكن التصويت البريدي كان يميل بشدة لصالح بيري؛ فاز المرشح الرئاسي على الرئيس الحالي لأول مرة في تاريخ النادي.

بناء أول جالاكتيكوس في ريال مدريد

تعاقد ريال مدريد مع لويس فيجو لم يكن مجرد ضم لاعب، وإنما كانت صفقة الانتقال القياسية التي غيّرت تاريخ ريال مدريد، حيث انتشر الخبر في 5 يوليو بينما كان لورينزو سانز منشغلًا بالاحتفال بزواج ابنته من الظهير ميشيل سالجادو، كان وكيل أعمال فيجو، قد اتفق مع فلورنتينو بيريز على التوقيع لريال مدريد في حال فوزه برئاسة النادي.

كان شرطه الجزائي في برشلونة ضخمًا، إذ بلغ 10,000 مليون بيزيتا (62 مليون يورو، 75 مليون دولار) بالإضافة إلى الضرائب، نفى فيجو الخبر – حيث بدت فرص بيريز ضئيلة – ليتم تقديمه في ملعب سانتياجو برنابيو بعد أسبوعين.

لويس فيجو (المصدر:Gettyimages)

بالنسبة لفلورنتينو بيريز، كانت المهمة قد أنجزت، بعد أشهر، فاز فيجو بجائزة الكرة الذهبية، وكان موسمه الأول مع ريال مدريد مميزًا، حيث سجل تسعة أهداف وقدّم 17 تمريرة حاسمة، لينهي بذلك انتظارًا دام أربع سنوات للفوز بلقب الدوري الإسباني، في اليوم الذي فازوا فيه بالليجا بتسجيل خمسة أهداف ضد ألافيس في مايو 2001، صنع فيغو ثلاثة منها، وأنهى فريقه السابق برشلونة الموسم في المركز الرابع بفارق كبير.

لم يكتفي بيريز، بل أعلن صراحة أن فيجو كان بداية عصر الجالاكتيكوس، وكان الاسم القادم هو زين الدين زيدان، وصل زيدان في يوليو 2001، في صفقة قياسية عالمية أخرى، مقابل 11,500 مليون بيزيتا (76 مليون يورو، 92 مليون دولار) من يوفنتوس، لكنه كان قد وافق على التوقيع لريال مدريد قبل عام، حيث أجاب على سؤال بيريز “هل تريد اللعب لريال مدريد؟” المكتوب على منديل في حفل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم في موناكو بـ”نعم” مكتوبة بخط اليد.

زيدان – فيجو – بيكهام – راؤول – ريال مدريد – المصدر (Getty Images)
زيدان – فيجو – بيكهام – راؤول – ريال مدريد – المصدر (Getty Images)

كان زيدان قد فاز بالفعل بكأس العالم وبطولة أوروبا مع فرنسا، والآن يضع نصب عينيه دوري أبطال أوروبا، بعد أن خسر النهائي أمام ريال مدريد مع يوفنتوس عام 1998، وصفه بيريز بأنه “لاعب يبدو وكأنه وُلد للعب لريال مدريد”؛ واصل زيدان تمثيل الجانب النجمي في خطة بيريز المسماة “زيدان وبافونيس”، حيث جمع بين النجوم العالميين وخريجي الشباب، لكن الأمور لم تكن دائمًا سهلة.

وُجهت انتقادات مبكرة لزيدان، وخسر ريال مدريد نهائي كأس الملك أمام ديبورتيفو لا كورونيا في مباراة أُقيمت على ملعب سانتياجو برنابيو في الذكرى المئوية لتأسيسه، واحتلوا المركز الثالث في الدوري، لكن كل ذلك سرعان ما تلاشى.

كان على مشروع “الجالاكتيكوس” أن يُقدم أداءً رائعًا في أوروبا بعد التتويج بلقبي دوري أبطال أوروبا على يوفنتوس عام 1998 وفالنسيا عام 2000، وكان التتويج الثالث عام 2002 بالفوز على باير ليفركوزن 2-1 في هامبدن بارك في جلاسكو، مميزًا للغاية.

كما كان نصف النهائي مميزًا أيضًا، حيث أطاح ريال مدريد ببرشلونة في أول لقاء أوروبي لهما منذ عام 1960، بما في ذلك فوز 2-0 في كامب نو، وصلت كأس أوروبا التاسعة لريال مدريد في 15 مايو 2002.

سجل راؤول مبكرًا، وعادل لوسيو لاعب ليفركوزن النتيجة بعد ذلك بقليل، وفاز زيدان باللقب بهدف يُمكن القول أنه أفضل هدف على الإطلاق في نهائي دوري الأبطال، حيث استقبل كرة عرضية من روبرتو كارلوس في الزاوية العليا من حافة منطقة الجزاء. وشهدت المباراة أحداثًا مثيرة بعد ذلك، حيث دخل إيكر كاسياس، البالغ من العمر 20 عامًا، بديلًا للمصاب سيزار سانشيز، وقام ببعض التصديات الحاسمة في اللحظات الأخيرة.

كالعادة، لم يكن فيجو وزيدان كافيين، فقد كان على النادي التعاقد مع النجوم باستمرار، واحدًا تلو الآخر كل صيف، ولم تعد الديون مشكلة أيضًا بعد اتفاق مُريح في يوليو 2001 لبيع ملعب تدريب النادي لإعادة تطويره؛ وكانت الطريقة الوحيدة لمجاراة الوافدين السابقين هي إعادة مهاجم برشلونة السابق رونالدو نازاريو إلى الدوري الإسباني.

رونالدو الظاهرة (المصدر:Gettyimages)

في أغسطس 2002 حدث ذلك، شهدت اللحظات الأخيرة دراماتيكية – حاول رئيس برشلونة، خوان جاسبارت، إفشال الصفقة بالتراجع عن صفقة ضم فرناندو مورينتس، مما ترك ريال مدريد يعاني من ضائقة مالية، لكن إنتر ميلان أنقذ الموقف بتخفيض قيمة الصفقة.

كان رونالدو قد تعرض لإصابتين خطيرتين في الركبة في الدوري الإيطالي، ولكن بعد فوزه بالحذاء الذهبي في كأس العالم 2002، بدا أن مسيرته عادت إلى مسارها الصحيح، أجّلت مخاوف تتعلق بلياقته البدنية ظهوره الأول مع ريال مدريد، لكن الأمر كان يستحق الانتظار؛ دخل بديلًا ضد ألافيس في 6 أكتوبر، وسجل هدفين بعد دقيقة واحدة فقط من دخوله أرض الملعب، وأنهى المباراة بهدفين؛ وفي نهاية الموسم فاز ريال مدريد بالدوري وكان رونالدو الهداف.

رحيل ديل بوسكي وهييرو وماكيليلي.. جرس إنذار

لم تدم الأوقات الجيدة، حيث ساد قلقٌ متزايدٌ لا مفر منه، كان يُنظر إلى “الجالاكتيكوس” على أنهم فريقٌ لا يُقهر، بينما كان آخرون غير راضين عن وضعهم “الثاني”، بدأت النهاية في صيف 2003 عندما اتضح أن عقدي المدرب فيسنتي ديل بوسكي والقائد فرناندو هييرو لن يُجددا.

لم تُناسب صورة ديل بوسكي الودودة العصر الجديد، حتى لو كانت مهاراته الإدارية المُستهان بها تُناسبها، حيث أراد بيريز رجلًا أكثر عصرية بعد خلاف استمر لمدة عام كامل، كما تدهورت علاقتهما مع هييرو، خلال 24 ساعة فقط من الفوز بالدوري، انتشرت أنباءٌ تفيد بأن كلاهما لن يستمر.

تم إفساد احتفالات اللقب المُخطط لها في مطعم “تشيستو” الشهير في مدريد، كان كلود ماكيليلي رحيلًا آخر، حيث تم بيعه إلى تشيلسي بعد رفض زيادة راتبه، قال بيريز لمجلة فرانس فوتبول: “لن نفتقده، لا يجيد التعامل مع الكرة برأسه، ونادرًا ما يمررها لمسافة تزيد عن ثلاثة أمتار”.

التعاقد مع بيكهام وإحياء آمال الجالاكتيكوس

كان ديفيد بيكهام، وفقًا لفلورنتينو بيريز، هو الرجل الذي سيخلف كلود ماكيليلي في مشروع “الجالاكتيكوس”، وقد مثّل التعاقد معه الصفقة الرابعة في هذه الحقبة، والوحيدة في صيف 2003.

وبعد يوم واحد فقط من الإعلان الرسمي عن ضمه مقابل 35 مليون يورو (42.5 مليون دولار) في الأول من يوليو، شهد حفل تقديمه حضور 500 صحفي، فيما أكد مسؤولو النادي أنهم تلقوا طلبات اعتماد تفوق ما يُطلب عادة لحضور مباراة في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.

ديفيد بيكهام - ريال مدريد - (المصدر: Gettyimages)
ديفيد بيكهام – ريال مدريد – (المصدر: Gettyimages)

قبل الإعلان بأسبوع، وقع الاختيار على كارلوس كيروش، مساعد السير أليكس فيرجسون في مانشستر يونايتد، لقيادة المرحلة الجديدة، وجاءت البداية واعدة إذ سجّل بيكهام في أول مباراة يخوضها على ملعبه في كأس السوبر الإسباني، ثم عاد ليسجل بعد أيام قليلة في أولى مباريات الدوري.

وحقق ريال مدريد انتصارًا لافتًا على برشلونة في كامب نو في ديسمبر 2003، مُحرزًا أول فوز له في “كلاسيكو” الدوري منذ 20 عامًا، وقبل أسابيع من نهاية الموسم، تصدّر الفريق الدوري الإسباني وبلغ نهائي كأس الملك، لكنّه لم يحصد أي لقب آخر خلال حقبة “الجالاكتيكوس”.

فشل دوري أبطال أوروبا وانهيار الدوري

بدأت المشكلات تتكشف تدريجيًا، لم يجد كيروش الأمور سهلة داخل غرفة الملابس، وراودته فكرة الاستقالة، وحين انهار الفريق، جاء الانهيار مدوّيًا؛ خسر ريال مدريد نهائي كأس الملك 2004 بنتيجة 3-2 أمام ريال سرقسطة، رغم أن بيكهام افتتح التسجيل.

لكن الأسوأ كان في دوري أبطال أوروبا، حيث ودّع الفريق البطولة بشكل محرج أمام موناكو في ربع النهائي، فبعد الفوز ذهابًا 4-2، تلقى هزيمة قاسية إيابًا بنتيجة 3-1، ووصفت وكالة الأنباء الإسبانية تلك الليلة بأنها “واحدة من أحلك الليالي في تاريخ ريال مدريد الحديث”.

أصبح الدوري الإسباني هو الأمل الأخير لإنقاذ الموسم، لكن ذلك لم يتحقق، إذ خسر ريال مدريد ست مباريات من آخر سبع مواجهات في الدوري، واكتفى بالمركز الرابع؛ وكانت تلك أول مرة يتفوق فيها برشلونة على ريال مدريد خلال حقبة “الجالاكتيكوس”، واعترف بيريز قائلًا: “لم نخطئ بعدم تجديد عقد ديل بوسكي، لكننا أخطأنا حين تعاقدنا مع كيروش”.

5 مدربين والنتيجة صفر كبير

حين بدأ “الجالاكتيكوس” يفقد بريقه، لجأ فلورنتينو بيريز إلى التعاقد مع مايكل أوين في أغسطس 2004، لكن تأثيره لم يرقَ لمستوى فيجو وزيدان ورونالدو وبيكهام، ولم يستمر سوى عام واحد، كانت تلك الفترة من أكثر فترات النادي جفافًا، إذ عاش ثلاث سنوات دون تحقيق أي لقب، لأول مرة منذ نصف قرن.

مايكل أوين - ريال مدريد - (المصدر: Gettyimages)
مايكل أوين – ريال مدريد – (المصدر: Gettyimages)

توالى على تدريب الفريق خمسة مدربين في فترة قصيرة، بداية من كارلوس كيروش، ثم خوسيه أنطونيو كاماتشو لفترة وجيزة، ثم ماريانو جارسيا ريمون، ثم البرازيلي فاندرلي لوكسمبورجو، وأخيرًا خوان رامون لوبيز كارو؛ ولم يحقق أي منهم نجاحًا ملموسًا، حتى مصطلح “الجالاكتيكوس” اكتسب آنذاك دلالة سلبية، وسط اتهامات بأن بيكهام وجولات النادي التسويقية في الشرق الأقصى تعكس تركيزًا مفرطًا على الجوانب التجارية على حساب الأداء الرياضي.

وفي تلك الأثناء، كان برشلونة ينهض تحت قيادة الرئيس خوان لابورتا والمدرب فرانك ريكارد، متجهًا نحو مشروع أكثر حيوية تُوّج بلقب الدوري عام 2005.

استقالة بيريز من رئاسة ريال مدريد

أحدثت استقالة فلورنتينو بيريز هزة قوية في كرة القدم الإسبانية، وقال إنريكي سيريزو، رئيس أتلتيكو مدريد: “لم أكن أتوقع ذلك”، فيما أضاف أنخيل توريس، رئيس خيتافي: “لا بد أن الأمور كانت سيئة للغاية ليستسلم بيريز”.

جاءت الاستقالة بعد هزيمتين متتاليتين كانتا بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فقد كشفت الخسارة 2-1 أمام ريال مايوركا في الدوري، والتي ظهر خلالها خط دفاع يعاني بشدة، حجم هشاشة الفريق، وأعقب ذلك سقوط آخر على ملعب سانتياجو برنابيو أمام أرسنال بنتيجة 1-0 في دوري أبطال أوروبا بهدف تيري هنري الشهير؛ كما تلقى ريال مدريد خسارة مذلة في كأس الملك بنتيجة 6-1 أمام سرقسطة.

“ريال مدريد بحاجة إلى تغيير. ربما أفسدت اللاعبين.. ومن هذه الزاوية، فأنا المذنب”.

– فلورنتينو بيريز.

استشار فلورنتينو بيريز القائد راؤول والمدرب لوبيز كارو قبل أن يقرر الرحيل، ساد الجو العام حالة من الحزن داخل الفريق، وصرّح سيرجيو راموس منتقدًا سلوك بعض زملائه عقب خسارة مايوركا، كما دخل راؤول ورونالدو في مشادة كلامية؛ وألقى المدرب السابق جارسيا ريمون باللوم على “تسامح النادي المفرط مع اللاعبين، فهم في النهاية مجرد لاعبي كرة قدم”.

فلورنتينو بيريز رئيس ريال مدريد (المصدر Gettyimages)
فلورنتينو بيريز رئيس ريال مدريد (المصدر Gettyimages)

كانت تلك المرحلة درسًا مهمًا في مسيرة بيريز، الذي عاد إلى رئاسة النادي بعد ثلاث سنوات فقط خلفًا لـ رامون كالديرون.

بداية حقبة فلورنتينو بيريز الثانية

تولى رامون كالديرون رئاسة النادي بعد رحيل بيريز حتى استقالته في يناير 2009 على خلفية مزاعم تزوير انتخابي، ليتولى فيسنتي بولدا الإدارة مؤقتًا قبل أن يعود بيريز في الصيف لبدء مرحلة جديدة تُعرف بـ الغالاكتيكوس الثانية، مع ميزانية ضخمة بلغت 232 مليون جنيه إسترليني وضعها تحت تصرف المدرب مانويل بيليجريني لتدعيم الفريق خلال أحد أهم مواسم الانتقالات في تاريخ كرة القدم.

صيف 2009.. الجالاكتيكوس الثاني

بدأ ريال مدريد تعاقداته مع ألفارو أربيلوا، وكما هو الحال مع العديد من لاعبي برشلونة الذين لم ينجحوا في النادي الأم، فإن عالم كرة القدم مليء بأمثلة مشابهة من ريال مدريد، ويعد ألفارو أربيلوا إحداها، ورغم أنه لم يكن لاعبًا عادياً، فقد برز مع ديبورتيفو لاكورونيا قبل أن يتألق موسمين مع ليفربول، ليعود بعدها إلى نادي طفولته.

قدّم موسمًا مميزًا في 2009/2010، حيث لعب 36 مباراة في الدوري ودوري الأبطال، وتناوب بين مركزَي الظهيرين الأيمن والأيسر، وبعد انتقال سيرجيو راموس إلى قلب الدفاع، أصبح أربيلوا خيارًا ثابتًا في مركز الظهير الأيمن، وخاض 231 مباراة مع ريال مدريد، محققًا لقبين لدوري الأبطال قبل رحيله في 2016. وبسعر 3.6 مليون جنيه فقط، كانت صفقة رابحة بكل المقاييس.

على غرار أربيلوا، غادر جرانيرو ريال مدريد بحثًا عن دقائق لعب، فانتقل إلى خيتافي حيث ترك انطباعًا قويًا خلال موسمين. دفع ذلك ريال مدريد لاستعادته مقابل مبلغ يزيد بمليون جنيه إسترليني عن قيمة بيعه.

شارك غرانيرو في 31 مباراة خلال موسم 2009/2010 وأسهم في سبعة أهداف، قبل أن تتقلص مشاركته تحت قيادة مورينيو مع وصول سامي خضيرة ومسعود أوزيل، شارك لبضع دقائق فقط في نهائي كأس الملك 2011، ثم قضى موسمًا إضافيًا في دور ثانوي، وفي 2012 رحل إلى كوينز بارك رينجرز في خطوة لم تكن موفقة، لكنها منحت ريال مدريد ربحًا صافياً قدره 6.2 مليون جنيه إسترليني، مما يجعل الصفقة مثمرة ماليًا.

بدأ نيجريدو مسيرته مع رايو فاليكانو، قبل أن ينتقل إلى ريال مدريد كاستيا ثم يُباع لألميريا عام 2007، ورغم تألقه اللافت، قرر ريال مدريد بيع حقوقه لإشبيلية عام 2009 مقابل 13.5 مليون جنيه إسترليني، حيث واصل تسجيل الأهداف بغزارة. ورغم أن النادي خسر مهاجمًا موهوبًا، فإنه عوّض الصفقة بشكل ذكي عبر صفقات أخرى.

مثّلت قيمة صفقة نجريدو جزءًا من تمويل التعاقد مع راؤول ألبيول مقابل 13.5 مليون جنيه إسترليني، الذي أصبح عنصرًا أساسيًا في خط الدفاع فور وصوله، لعب دورًا محوريًا خلال فترة غياب بيبي بسبب قطع في الرباط الصليبي، وشارك في 116 مباراة خلال أربعة مواسم قبل رحيله إلى نابولي مقابل 10.8 مليون جنيه إسترليني؛ وفّر ألبيول للفريق العمق والجودة بسعر مناسب، وأسهم في إعادة بناء الخط الخلفي.

الأحجار الذهبية لعصر الجالاكتيكوس

أراد بيليغريني تعزيز قلب وسط الملعب بلاعب يجمع بين الصلابة والرقي الفني، فكان تشابي ألونسو الخيار الأمثل، حيث انضم إلى كتيبة الملكي قادمًا من ليفربول في صفقة بلغت 31.5 مليون جنيه إسترليني، وخاض النجم الإسباني 40 مباراة في موسمه الأول واختير ضمن تشكيل الموسم؛ رغم أن الفريق أنهى الدوري ثانيًا برصيد قياسي بلغ 96 نقطة، إلا أن ألونسو سرعان ما أصبح ركيزة أساسية في الفريق الذي توّج بالدوري، وكأس الملك، ودوري الأبطال لاحقًا.

تشابي ألونسو - ريال مدريد (المصدر: Getty images)
تشابي ألونسو – ريال مدريد (المصدر: Getty images)

انتقل إلى بايرن ميونيخ عام 2014 مقابل 8 ملايين جنيه إسترليني بعد مسيرة رائعة جعلته أحد أبرز لاعبي الوسط في تاريخ النادي.

وتلا ذلك وصول كريم بنزيما مقابل 31.5 مليون جنيه إسترليني، حيث جاء إلى مدريد كأحد أبرز المهاجمين الواعدين في أوروبا بعد تسجيله 37 هدفًا في موسمين مع ليون، ورغم فترات من التذبذب، فقد تخطى منافسين مثل هيجواين وموراتا ويوفيتش، وشكّل ثنائيًا مثاليًا مع كريستيانو رونالدو، وأصبح الثابت الوحيد في خط هجوم الريال.

أسهم بنزيما في خمسة ألقاب لدوري الأبطال، وأصبح لاحقًا الهداف الأول للفريق بعد رحيل رونالدو، قبل أن يتوج بالكرة الذهبية عام 2024، ومع 325 هدفًا و160 تمريرة حاسمة و23 لقبًا، أثبت أنه أحد أهم الصفقات في تاريخ النادي.

وكانت الصفقة قبل الأخيرة التي أبرزمها الملكي، هو البرازيلي الرائع ريكاردو كاكا، وبعد صراع طويل للحفاظ عليه، اضطر ميلان إلى بيع كاكا لريال مدريد مقابل 60.3 مليون جنيه إسترليني، قدّم البرازيلي موسمًا أول جيدًا، لكنه عانى سلسلة إصابات طويلة قللت من تأثيره، ورغم امتلاكه موهبة استثنائية، فإن تجربته في مدريد لم تحقق التوقعات؛ عاد إلى ميلان عام 2013 منهيًا فترة غير مستقرة.

ختامًا، تبقى صفقة كريستيانو رونالدو الأعظم في تاريخ كرة القدم، أصبح أغلى لاعب في العالم عند وصوله في يوليو 2009، لكنه غادر بعد تسع سنوات كأعظم هداف في تاريخ النادي.

تقديم كريستيانو رونالدو - ريال مدريد - المصدر (Getty images)
تقديم كريستيانو رونالدو – ريال مدريد – المصدر (Getty images)

سجل 450 هدفًا وقدم 131 تمريرة حاسمة في 438 مباراة فقط، فاز بأربعة ألقاب لدوري الأبطال وحقق أرقامًا قياسية غير مسبوقة، من بينها 105 أهداف في دوري الأبطال بقميص ريال مدريد، كان ماكينة أهداف لا تتوقف، وجعل من حقبة الجالاكتيكوس الثانية العصر الذهبي الحديث للنادي.

نتائج الجالاكتيكوس الثاني بالألقاب

بعد موسم أول لم ينجح فيه بليجريني، حيث جاء ثانيًا في الدوري الإسباني برقم قياسي بلغ 96 نقطة دون تتويج، بل وكان أقوى خط هجوم في الليجا، أما على مستوى دوري الأبطال، فغادر من دور الستة عشر بالخسارة أمام أولمبيك ليون بهدفين مقابل هدف في مجموع مباراتي الذهاب والإياب، لتتم إقالته بنهاية الموسم ويأتي جوزيه مورينيو الذي حقق الثلاثية التاريخية لإنتر ميلان في ذلك الموسم.

نتائج مورينيو لم تكن محليًا أفضل من سابقيه، فقد أنهى الريال الموسم في المركز الثاني كذلك برصيد 92 نقطة وبفارق 4 نقاط عن برشلونة البطل، وخرج من الدور نصف النهائي على يد الغريم التقليدي برشلونة أيضًا.

وجاء الموسم الثاني ليشد رقمًا قياسيًا في تاريخ الدوري الإسباني، بعدما نجح الريال في التتويج بالدوري برصيد 100 نقطة، ولكن كان الخروج أوروبيًا على يد بايرن ميونخ بركلات الترجيح، قاضيه على موسم الفريق، وظلت العاشرة مستعصيه حتى في أحد أقوى مواسم الملكي في الألفية الجديدة.

أما الموسم الثالث والأخير للبرتغالي مورينيو، فلم يحقق خلاله أي بطولة كبرى، حيث خسر لقب الدوري الصالح برشلونة، وحل وصيفًا كذلك، كما وخرج من دوري أبطال أوروبا من الدور نصف النهائي للمرة الثالثة على التوالي، وهذه المرة أمام بوروسيا دورتموند، لتتم إقالة جوزيه مورينيو، وتبدأ بعدها الحقبة التاريخية.

أحزان كرة القدم - هل يتفادى ريال مدريد
جوزيه مورينيو – ريال مدريد (المصدر:Gettyimages)

السيطرة على دوري أبطال أوروبا

لجأ فلورنتينو بيريز إلى التعاقد مع كارلو أنشيلوتي، وجاء زين الدين زيدان ليكون مساعدًا في الجهاز الخاص بالإيطالي، وأثمر ذلك بالتتويج أخيرًا بدوري الأبطال بعد غياب دام 12 عامًا، بل وبأداء تاريخي؛ رغم خسارة الدوري المحلي لصالح أتلتيكو مدريد، خصمه آنذاك في النهائي الأوروبي، حيث جاء ثالثًا خلف برشلونة الوصيف بفارق الأهداف، وكلاهما بفارق 3 نقاط فقط عن الروخي بلانكوس.

أما ثاني مواسم أنشيلوتي، فلم ينجح في تحقيق أي ألقاب كبرى، بالرغم من تدعيم الجالاكتيكوس بعدة صفقات، فبعد رحيل ريكاردو كاكا وأنخيل دي ماريا ومسعود أوزيل، جاء خاميس رودريجيز أحد أفضل اللاعبين في كأس العالم 2014 قبل بداية الموسم بأشهر قليلة، وتبعه الألماني بطل المونديال، توني كروس، وكانا أحد أكثر اللاعبين تأثيرًا في الألقاب بعد ذلك.

خرج ريال مدريد في موسم 2014-2015 من نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، على يد يوفنتوس، ليكمل سلسلة الاخفاقات قبل خطوة من النهاية، كما وخسر لقب الدوري المحلي لصالح الغريم التقليدي برشلونة، والذي توج بالثلاثية آنذاك تحت قيادة لويس إنريكي.

ولكن ما تبع هذا الخروج من الموسم خالي الوفاض، كان بمثابة الكنز، حيث جاء زين الدين زيدان كرجل أول على رأس القيادة الفنية لكتيبة الميرنجي، ونجح في التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا لثلاثة مواسم متتالية، وهزم في النهائي كلًا من أتلتيكو مدريد ويوفنتوس وليفربول على التوالي، ليضع ريال مدريد بعيدًا بفارق 6 ألقاب عن أقرب ملاحقيه في ذات الأذنين، وكلل نجاح الجالاكتيكوس الذي كتب عصرًا ذهبيًا هو الأفضل في تاريخ النادي منذ الخمسينيات، عندما نجح وقتها في التتويج بدوري الأبطال لخمسة مواسم متتالية منذ إنشاء البطولة.

كريستيانو رونالدو - كريم بنزيما - سيرجيو راموس - المصدر (Getty images)
كريستيانو رونالدو – كريم بنزيما – سيرجيو راموس – المصدر (Getty images)

وكان رحيل كريستيانو رونالدو، ومعه زين الدين زيدان، بنهاية موسم 2017-2018، بمثابة الصفحة الأخيرة في كتاب التاريخ الذي وضعه فلورنتينو بيريز آنذاك، حيث خسر لقب الدوري موسم 2018-2019، وعاد للخروج من دوري الأبطال عند دور الستة عشر، بعد 8 مواسم على التوالي كان الملكي متواجدًا في نصف النهائي، وتوج باللقب في 4 منها، من أصل 4 نهائيات وصل لها بنسبة نجاح 100%.

كيف انتشل فلورنتينو بيريز ريال مدريد من الديون؟

كما ذكرنا سابقًا، أن ريال مدريد كان يعاني من ديون متراكمة، بلغت 245 مليون دولار، وعندما تولى فلورنتينو بيريز الرئاسة لأول مرة في عام 2000، بدأ بحل المشاكل أول بأول، وبالتزامن مع التعاقد مع أعضاء الجالاكتيكوس أمثال لويس فيجو، وكلود ماكيليلي، وزين الدين زيدان، ورونالدو، وديفيد بيكهام، فماذا كان الحل؟

“لقد عملت على هذا الأمر منذ أن توليت الرئاسة”.

هذا مهم جدًا لريال مدريد لأننا أزلنا عبئًا ثقيلًا، وسنحصل قريبًا على ملعب تدريب جديد سيكون أفضل من مجمع ميلانيلو التدريبي التابع لنادي إيه سي ميلان”.

“من الآن فصاعدًا، يُمكننا العيش دون قلق أو صعوبات مالية، لا ينبغي لريال مدريد أن يكون قائدًا رياضيًا فحسب، بل يجب أن يكون قائدًا ماليًا أيضًا”.

– فلورنتينو بيريز.

قرر فلورنتينو بيريز بناء مدينة رياضية جديدة، للوهلة الأولى يبدو الأمر ضربًا من الجنون: نادي مُثقل بالديون، فيذهب رئيسه ليُطلق مشروعًا ضخمًا يتطلب إنفاقًا أكبر! لكن الحقيقة أن ما فعله كان مزيجًا من الجرأة والعبقرية.

اكتشف بيريز أن النادي يمتلك كنزًا ثمينًا لم يُستغل بعد، قطعة أرض ضخمة “سيوداد ديبورتيفا”، تقع في موقع استراتيجي وسط العاصمة مدريد، ورغم أهمية المساحة وموقعها الجذاب، فإن هناك مشكلة واحدة فقط: الأرض كانت مصنفة كـ “أرض رياضية”، وبالتالي لا يمكن استغلالها تجاريًا.

توجه إلى المجلس الإقليمي ودخل في مفاوضات طويلة لتغيير تصنيف الأرض من “رياضية” إلى “تجارية”، وحصل على الموافقات اللازمة، وبمجرّد هذا التغيير، قفزت قيمة الأرض من نحو 30 أو 50 مليون يورو إلى أكثر من 400 مليون يورو، ثم قُسمت الأرض إلى أربع قطع وبِيعت لشركات كبرى، ليدخل خزينة النادي مبلغ يصل إلى 480 مليون يورو.

بهذا المبلغ تمكن فلورنتينو بيريز من سداد ديون النادي بالكامل، وبدأ في إنشاء المدينة الرياضية الجديدة فالديبيباس بصورتها المتطورة الحالية، والتي تضم أحدث المنشآت والتقنيات التدريبية، مقر تدريبات الفريق الأول، أكاديمية ناشئين متكاملة، عدة ملاعب تدريب، مستشفى رياضي متخصص، مرافق إدارية ورياضية متقدمة.

وهكذا تحوّل النادي من بيع منشأة قديمة بمبلغ هائل، إلى بناء مدينة رياضية عالمية المستوى، وخرج من العملية رابحًا على كل الأصعدة. ومع التخلص من الديون دون اللجوء إلى أي “رافعات اقتصادية”، تمكن بيريز من التعاقد مع نجوم كبار، وصنع هوية تجارية قوية للنادي، ووضع ريال مدريد على طريق الهيمنة المالية والرياضية من جديد.

وفي عام 2004، اشترت شركة ميديابرو حصة 12.5% ​​لاستغلال حقوق صور ريال مدريد، بينما تم بيع 7.5% لبنك “كاخا مدريد”، وهو ما ضخ مبلغًا كبيرًا للنادي ساعده على شراء اللاعبين وتكوين الجالاكتيكوس دون الحاجة إلى مدخرات مالية أو مدخلات من بيع نجوم آخرين أو تفريغ الفريق.

وبعد عقد من الزمان، ومع استقرار الوضع المالي، أعاد الريال شراء جميع الأسهم من كلتا الشركتين، رغم تبقي عامين على انتهاء الصفقة التي أبرمها في 2004.

كيف تخطى فلورنتينو بيريز فترة الكورونا القاحلة؟

في وقت عانت فيه عديد الأندية الأوروبية من جائحة كورونا، والتي بدأت في منتصف موسم 2019-2020، بعدما توقف النشاط الكروي في مارس لعام ألفين وعشرين، إلا أن الريال نجح تحت قيادة فلورنتينو بيريز في الخروج منها على المستوى الاقتصادي والرياضي بشكل أقل ما يقال عنه، مميز.

عدد بطولات فلورنتينو بيريز مع ريال مدريد
فلورنتينو بيريز – ريال مدريد (المصدر:Gettyimages)

توج الفريق بلقب الدوري الإسباني، ولقب كأس السوبر الإسباني في بداية الموسم التالي، بجانب الألقاب التي حققتها الألعاب الأخرى مثل كرة السلة، وفريق الأكاديمية بقادة راؤول جونزاليس، ولكن كان الأهم بالنسبة للرئيس، هو الخروج من العام المالي في ديسمبر، بصافي أرباح بلغت 313,000 يورو، كما وأعلن بيريز أنه تبرع لمؤسسات النادي بملغ وصل إلى 3,600,000 يورو في محاولة للتخفيف من آثار الجائحة.

ولم يكن ذلك فحسب، بل كان أيضًا على مستوى الإنشاءات، بدأ عصر البيرنابيو الجديد، بعد إعادة التصميم للملعب الذي نراه حاليًا، كأحد أكثر الملاعب الأوروبية تطورًا، كما شهد عام 2020 بداية بناء فريق كرة القدم للسيدات داخل النادي، وهو يعتبر إنجاز غير مسبوق خلال فترة الجائحة.

لم يبرم نادي كرة القدم أي صفقات كبرى آنذاك، وخسر لقب الدوري الإسباني لصالح أتلتيكو مدريد في موسم 2020-2021، قبل أن يستعيده في موسم 2021-2022، في وقت كان برشلونة يعاني من أزمة طاحنة على المستوى المالي، ورغم ذلك قدم فلورنتينو بيريز المساعدة لنظيره خوان لابورتا، حتى يتمكن من استعادة الضفة من جديد، حيث يرى بيريز دائمًا أن وجود البارسا في المنافسة يزيد من تطور ريال مدريد يومًا بعد يوم.

ريال مدريد يصبح أول نادٍ لكرة القدم يتجاوز مليار يورو من حيث الإيرادات

بات ريال مدريد بقيادة فلورنتينو بيريز، أول نادٍ في تاريخ كرة القدم بتجاوز إيراداته عتبة المليار يورو، حيث بلغت إيرادات موسم 2023/2024، حيث بلغ الإجمالي ما مجموعه 1.073 مليار يورو، بزيادة قدرها 230 مليون يورو (27%) مقارنة بالسنة المالية 2022/2023، خلال هذه الفترة، ورغم عدم تشغيل الملعب بكامل طاقته، نجح النادي في تجاوز حاجز المليار يورو في الدخل التشغيلي قبل التخلص من الأصول الثابتة، وهذا رقم غير مسبوق لأي نادٍ لكرة القدم.

كما شهد جميع خطوط الأعمال نموًا، باستثناء حقوق البث، حيث كانت الإيرادات المستلمة من الدوري الإسباني في موسم 2023/24 أقل مما كانت عليه في موسم 2022/23. وكانت المكاسب في مجال التسويق والملعب ملحوظة بشكل خاص.

من منظور تجاري، عزز النادي بشكل كبير أنشطته الترويجية والرعاية خلال السنة المالية 2023/24، ومن العناصر المهمة فيما يتعلق بهذا الأخير الصفقة الجديدة مع HP لتكون الراعي الرسمي للفريق.

وفي الموسم الماضي 2024-2025 زادت تلك العوائد، فأعلن النادي أن الإيرادات التشغيلية (قبل التصرف في الأصول الثابتة) بلغت 1.185 مليار يورو في السنة المالية 2024-25، بزيادة قدرها 111 مليون يورو (10.4%) مقارنة بموسم 2023-24، الذي تجاوزت فيه الإيرادات التشغيلية للنادي قبل التصرف في الأصول الثابتة عتبة المليار يورو للمرة الأولى في تاريخه، وهو رقم لم يسبق لأي نادٍ آخر تحقيقه.

فلورنتينو بيريز.. بناء جالاكتيكوس جديد بأقل تكلفة

لطالما كان ريال مدريد قوةً رابحة في عالم المال، لكن في عصور “الجالاكتيكوس” السابقة، كانت هذه الإيرادات سرعان ما تملأ خزائن يوفنتوس ومانشستر يونايتد وغيرهم، لم يُعرّف رئيس النادي فلورنتينو بيريز التميّز بالنجاحات الميدانية فحسب؛ فلم يكن ريال مدريد الأعظم لأنه فاز بجميع الكؤوس الكبرى فقط، بل لأنه حصد أيضًا أكبر جوائز سوق الانتقالات، وكان يفعل ذلك لأنه ينفق أكثر من أي نادٍ آخر.

فلورنتينو بيريز - ريال مدريد - المصدر (Getty images)
فلورنتينو بيريز – ريال مدريد – المصدر (Getty images)

بعد الوصول إلى عتبة المليار دولار، بل وتخطيها لعامين على التوالي، يواصل ريال مدريد تحقيق أعلى إيرادات في تاريخ كرة القدم، في الوقت الذي نجح فيه في تخفيض واحدة من أثقل النفقات التي تُرهق الأندية عادة: تكاليف الانتقالات.

فمنذ صيف 2020-2021، وهو الموسم الذي دفع فيه النادي مبالغ كبيرة لمعالجة فشل صفقة إيدن هازارد، لم يتجاوز إجمالي ما أنفقه الميرنجي على التعاقدات الجديدة 324 مليون دولار، وتبدو هذه القيمة أقل ليس فقط من نفقات تشيلسي وباريس سان جيرمان، بل إن أندية مثل كريستال بالاس ومارسيليا وليستر سيتي أنفقت مبالغ أكبر من فريق وصلت إيراداته إلى 1.1 مليار دولار.

وعلى امتداد خمس نوافذ انتقالية، أصبح ريال مدريد، الذي لطالما ارتبط بالصفقات الباهظة، يحقق أرباحًا فعلية في سوق الانتقالات؛ الأمر اللافت أن النادي لا يكتفي بتحسين ميزانيته، بل أعاد صياغة قواعد سوق كرة القدم وفق رؤيته، فأي نادٍ لا يساير الإستراتيجية الجديدة التي يفرضها فلورنتينو بيريز يجد نفسه معرضًا لخسارة أبرز نجومه مجانًا.

وقد شهدت أندية بايرن ميونخ وتشيلسي وباريس سان جيرمان وكذلك ليفربول رحيل لاعبين بارزين دون مقابل، ويبدو أن ليفربول سيكون كذلك في حال لم ينجح في تجديد عقد مدافعه كوناتي الذي يقترب من الرحيل سواء إلى ريال مدريد أو نادٍ آخر.

وكانت آخر الصفقات، هو الظهير الإنجليزي ألكسندر أرنولد الذي سار على خطى أنطونيو روديجير ودافيد ألابا، اللذين حققا كل شيء مع أنديتهم السابقة قبل الانتقال مجانًا.

وتبقى المسألة المحورية في هذه الحقبة الجديدة من الانتقالات المجانية هي أثرها على فاتورة الأجور، فلو تحوّلت مبالغ رسوم الانتقال إلى مكافآت توقيع وعمولات، قد تتلاشى الفوائد المالية؛ إلا أن القليل من الأندية في وضع يسمح لها بالامتثال لضوابط “يويفا” المتعلقة بتكاليف تشكيلتها بقدر ريال مدريد؛ إذ تُشكّل رواتب لاعبيه 48% فقط من إجمالي إيراداته، وهي نسبة لا يقل عنها ضمن أندية دوري المال سوى توتنهام.

ويعلق ثيو أجادجي، المدير المساعد في مجموعة ديلويت للأعمال الرياضية، قائلًا: “زيادة الإيرادات هي الطريقة المثلى لجعل فاتورة الأجور أقل عبئًا”، وقد أجاد ريال مدريد تطبيق هذه القاعدة هذا الموسم، رغم أن بعض مصادر النمو مثل بيع تذاكر الموسم مقدمًا، قد لا تتكرر بالوتيرة نفسها.

ولكن منذ جائحة كورونا، حقق ريال مدريد نهضة إدارية ومالية لافتة، فالنسخة الجديدة من ملعب سانتياجو برنابيو تعكس رؤية النادي للملاعب كأصول تُستغل على مدار العام، بينما ارتفعت الإيرادات التجارية بنسبة 50% خلال عامين، وتحوّل سوق الانتقالات إلى مصدر تمويل بدلًا من مصدر استنزاف. وحتى بيع جزء من عوائد الملعب لصندوق “سيكث ستريت” وُجّه لدعم مشاريع البنية التحتية، بعيدًا عن نماذج الاستحواذ غير المستدامة التي اتبعها برشلونة.

قوة فلورنتينو بيريز.. سياسة “لا أحد فوق ريال مدريد”

لم يتردد فلورنتينو بيريز يومًا في مواجهة كبار نجوم الفريق، ففي عام 2003، وفي الليلة نفسها التي حسم فيها ريال مدريد لقب الدوري واكتشف المدرب فيسنتي ديل بوسكي عدم تجديد عقده، دخل بيريز في مشادة مع القائد فرناندو هييرو، حين ضغط الأخير بإصبعه على صدره معبّرًا عن غضبه من قرارات الرئيس.

“لست واحدًا من الحكام الذين تتحدث معهم بهذه الطريقة، كما تعلم”.

– فلورنتينو بيريز.

عندها رد بيريز بهذه الجملة بحدة، وبعد أيام قليلة، تم سحب العرض المقترح لتجديد عقد هييرو، ليرحل أسطورة النادي، صاحب أكثر من 600 مباراة، جنبًا إلى جنب مع ديل بوسكي.

ورغم ما أنفقه فلورنتينو بيريز من مبالغ طائلة على النجوم، إلا أنه اكتسب سمعة بأنه لا يمنح بعض اللاعبين الرواتب التي تستحقها قيمتهم، فقد وعد كلود ماكيليلي بزيادة راتبه ثم تراجع، ليتم بيعه إلى تشيلسي؛ كان ماكيليلي جزءًا أساسيًا في ستة ألقاب مع ريال مدريد، بينها لقبان للدوري ودوري أبطال أوروبا، لكنه لم يكن مناسبًا لصورة “الغالاكتيكوس”.

“لن نفتقد ماكيليلي، أسلوبه متوسط، يفتقر للسرعة والمهارة اللازمة لتجاوز الخصوم، و90% من تمريراته للخلف أو للجانب”.

– فلورنتينو بيريز.

لكن الفريق تدهور أداؤه بعد رحيله، بينما حصد تشيلسي لقبين متتاليين في الدوري الإنجليزي بوصوله.

وفي موقف آخر، عندما اشتكى كريستيانو رونالدو من قلة التقدير في النادي، قال لبيريز: “سأجلب لك 100 مليون يورو لتتركني أرحل”.

فرد الرئيس: “لا تجلب لي 100 مليون يورو، أحضر لي المبلغ الذي يجعلني قادرًا على استبدالك بليونيل ميسي”.

ولا يمكن إغفال رحيل سيرجيو راموس، ثم لوكا مودريتش لاحقًا، في إطار السياسة التي يتبعها النادي والقائمة على تجديد عقود اللاعبين الذين تجاوزوا الثلاثين عامًا موسمًا بموسم، وفقًا لمستواهم الحالي وقدرتهم على الاستمرار في العطاء داخل الملعب.

ربما خسر ريال مدريد عددًا من أبرز أساطيره في الألفية الجديدة بسبب هذه السياسة، إذ يُعد توني كروس آخر من اختتم مسيرته بقميص النادي منذ أن فعلها زين الدين زيدان، الذي كان آخر من اعتزل بقميص الملكي من بين الأساطير المدريدية خلال القرن الحادي والعشرين.

هل فلورنتينو بيريز رئيس نادي ناجح أم فاشل؟

ختامًا، إذا نظرنا إلى الجانب الاقتصادي والإداري فقط، فيعتبر فلورنتينو بيريز هو أنجح رئيس نادٍ على الإطلاق، بعدما انتشل الفريق من ديون متراكمة مطلع الألفية، إلى أكبر نادٍ من حيث المداخيل، ولا يزال مشروع البيرنابيو الجديد لم يحصد ثماره الكاملة بعد، حيث من المتوقع أن تزداد مداخيل النادي خلال السنوات القادمة.

أما على المستوى الرياضي، وتحديدًا كرة القدم، الأكثر شعبية في العالم، فكان ينقص بيريز عقلية رياضية لإدارة الملف بما يتماشى مع سياسة النادي المالية، حينها قد يكون الناتج مختلفًا، فخلال سنوات بيريز الطويلة، لم يتوج سوى بسبعة ألقاب دوري محلي، وهو رقم ضعيف للغاية مقارنة بمكانة النادي، إلا أن على المستوى القاري، فسبعة ألقاب دوري أبطال هي تاريخ طويل، لم يتخطاه أي نادٍ سوى ريال مدريد فقط، وهو الذي يمتلك 15 لقبًا من ذات الأذنين.

عدد بطولات فريق كرة القدم برئاسة فلورنتينو بيريز

البطولة عدد مرات التتويج السنوات
الدوري الإسباني 7 2000–01، 2002–03، 2011–12، 2016–17، 2019–20، 2021–22، 2023–24
كأس الملك الإسباني 3 2010–11، 2013–14، 2022–23
كأس السوبر الإسباني 7 2001، 2003، 2012، 2017، 2019–20، 2021–22، 2023–24
دوري أبطال أوروبا 7 2001–02، 2013–14، 2015–16، 2016–17، 2017–18، 2021–22، 2023–24
كأس السوبر الأوروبي 6 2002، 2014، 2016، 2017، 2022، 2024
كأس الإنتركونتيننتال (القارات للأندية) 2 2002، 2024
كأس العالم للأندية 5 2014، 2016، 2017، 2018، 2022