صلاح وأمم أفريقيا.. هل تتحول “كان 2025” من لعنة إلى نقطة انطلاق؟
مع اقتراب بطولة كأس أمم إفريقيا 2025 ، والتي لم يعد يفصلنا عنها سوى أسابيع قليلة، تبدأ نبرة الترقب في الارتفاع داخل الشارع الكروي المصري، نسخة دراماتيكية قبل أن تبدأ، نظرًا لتزامنها مع فترة حاسمة في موسم أوروبي مشتعل، ولأنها تأتي في وقت تبحث فيه الجماهير عن إجابة لسؤال ظل يتكرر لسنوات: ماذا يحدث لمحمد صلاح بعد كأس أمم إفريقيا؟
في كل مرة تقترب فيها بطولة كأس أمم إفريقيا، تُشدّ ذاكرة الجمهور المصري إلى لحظات ثقيلة؛ لحظات كان فيها محمد صلاح واقفًا تحت سماء إفريقيا، يطارد حلمًا أكبر من أن يحمله وحده.
وكأنه كلما لمع في أوروبا، كلما واجه ظلالًا أعمق حين يرتدي قميص المنتخب، ومع اقتراب نسخة 2025، لا يبدو أن الأسئلة أقل توترًا، ولا أن الانتظار أقل قلقًا، لكن القصة هذه المرة لا تشبه سابقاتها.. فصلاح يدخل البطولة من باب لم نعتده؛ باب البداية الباهتة، لا القمة المشتعلة.

(المصدر: Getty images)
محمد صلاح… بين لعنـة الكـان والموسم العكسي
فالمشهد ظل واضحًا للجميع عبر نسختين متتاليتين: يبدأ صلاح الموسم مع ليفربول بشكل ناري، يذهب إلى “الكان”، يخسر المنتخب، يعود إلى إنجلترا، ثم ينخفض منحنى الأداء بشكل لافت وكأن البطولة تسحب من رصيده الذهني والنفسي أكثر مما تمنحه.
لكن الوضع الآن يطرح تساؤلات مختلفة ويحمل في طياته صعوبة في توقع الموقف، هل يكون موسم 2025–2026 مختلفًا؟ هل نرى موسمًا عكسيًا يُكسر فيه النمط لأول مرة؟
هذه المرة، صلاح بدأ الموسم بطريقة بعيدة تمامًا عن نسخ 2021 و2023؛ مستوى غير معتاد، تراجع تهديفي، حضور أقل تأثيرًا، 4 أهداف منها ركلة جزاء، وصناعتان فقط، فهل تكون هذه البداية الباهتة هي الشرارة التي تجعل “ما بعد الكان” هو الجزء الأقوى في موسمه؟ وهنا تبدأ الحكاية.. حكاية 6 فصول من رواية محمد صلاح والكان، نجيب خلالها على العديد والعديد من التساؤلات حول صلاح وكان 2025.

الفصل الأول.. شهرٌ قبل العاصفة
نحن الآن على بعد أسابيع قليلة من انطلاق كأس أمم إفريقيا، الطرق المؤدية إلى المغرب تمتلئ بالألوان، والمنتخبات تستعيد آخر أنفاسها قبل الدخول في صراعٍ طالما كان أكثر قسوة مما يتخيله أي لاعب محترف في أوروبا، وفي مصر، كما هي العادة، ترتفع التوقعات وتنخفض في الوقت نفسه، فالجمهور بات يعرف أن البطولة تحمل دائمًا جزءًا من الأمل وجزءًا من الألم.
لكن ما يختلف هذا العام ليس البطولة نفسها، بل البطل الذي يذهب إليها، محمد صلاح يدخل كان 2025 وهو يعيش واحدة من أغرب بدايات مواسمه على الإطلاق، فهو ليس بتلك القوة، ولا ذلك السيل من الأهداف واللحظات السحرية، بالعكس، يدخل البطولة هذا العام وكأنه لاعب يبحث عن نفسه، يبحث عن لمساته، يبحث عن نسخته التي يعرفها الجميع ولا يستوعب أحد غيابها.

(المصدر: Getty images)
وفي هذا المشهد، تبدأ الأسئلة في التصاعد: هل يمكن أن تكون هذه النسخة من البطولة هي نفسها اللحظة التي يعود فيها صلاح لا ليحمل المنتخب فقط، بل ليعيد بناء نفسه؟ وهل تكون البطولة التي لطالما كانت مصدرًا للإرهاق النفسي والجسدي، هي نفسها التي تُشعل شرارته من جديد؟ أسئلة كثيرة تتصارع قبل أن تُعطي إجابة واحدة.
الفصل الثاني.. 2021–2022 حين كان صلاح يلمع وتذبل روحه بعد الكان
في تلك السنة، كان محمد صلاح في ذروته، لم يكن مجرد لاعب جيد أو هداف في قمة مستواه، كان ظاهرة عالمية، كرة القدم في أوروبا كانت تردد اسمه كما لو أنه عنوان موسم كامل، أرقامه كانت أشبه بلغة لا يفهمها إلا العظماء: أهداف بلا توقف، تمريرات ساحرة، ثقة لا تهتز.
ومع ذلك، حين ذهب إلى كأس أمم إفريقيا تحت قيادة كارلوس كيروش، وجد نفسه في نسخة كثيفة، صلبة، متوترة، تتطلب من النجم الأول لمصر مضاعفة مجهوده بشكل لا يمكن تحمله، وبالفعل أدّى ما عليه، حمل المنتخب إلى النهائي، لعب بشجاعة، لكنه خسر.
ليست الخسارة وحدها ما جرّحه؛ بل الطريق إليها، وما خسره خلالها من طاقة، حين عاد إلى ليفربول، لم يكن صلاح نفسه، كان لاعبًا أنهكته ضغوط بلدٍ بأكمله، وحلم بأميرة سمراء ذهب أدراج الرياح، فهبطت أرقامه وكأن البطولة تركت ندبة واضحة على أدائه بالنصف الثاني من الموسم.
| المرحلة | المباريات | الأهداف | الأسيست |
|---|---|---|---|
| إجمالي الموسم | 35 | 23 | 13 |
| قبل أمم إفريقيا | 20 | 16 | 9 |
| بعد أمم إفريقيا | 15 | 7 | 4 |
تُظهر أرقام محمد صلاح في موسم 2021-2022 نمطًا واضحًا ومثيرًا للتأمل، وهو الانقسام الحاد بين مستوى صلاح قبل كأس أمم إفريقيا وبعدها، وعلى الرغم من أن صلاح أنهى الموسم بأرقام قوية —المشاركة في 36 هدفًا كأحد أفضل لاعبي الدوري— إلا أن الفجوة بين مرحلتي الموسم تبرز تأثير البطولة الإفريقية عليه بشكل مباشر.
في أول 20 مباراة من الدوري، لعب صلاح واحدًا من أفضل فترات مسيرته، سجل 16 هدفًا وصنع 9، ليصبح خلال هذه الفترة اللاعب الأكثر تأثيرًا في أوروبا، كان سريعًا، حاسمًا، مبدعًا، وتبدو ثقته في أعلى مستوياتها بعدما حقق معدل 0.8 هدف في المباراة، و0.45 أسيست للمباراة الواحدة

بعد خسارة النهائي أمام السنغال بركلات الترجيح، عاد صلاح ليخوض 15 مباراة سجل خلالها 7 أهداف فقط و4 أسيست، وهو تراجع واضح مقارنة ببداية الموسم، انخفض معدل أهدافه إلى 0.46 هدف للمباراة فقط، أي نصف معدل ما قبل البطولة، وكذلك انخفض تأثيره التمريري وصناعته للمساحات.
الفصل الثالث.. 2023–2024 نسخة خرج فيها صلاح من نفسه
كانت تلك النسخة مظلمة على جماهير الكرة المصرية ومشجعي المنتخب المصري في كل مكان، المنتخب لم يحقق أي انتصار، خرج بشكل مُهين، وظهرت نقاط ضعف لم يتوقع أحد أن تصل إلى منتخب صاحب التاريخ الأكبر في إفريقيا.
وسط هذا التخبط، كان صلاح يُصارع إصابة، يُصارع الضغط، يُصارع تراجع الفريق كله، الخروج أمام الكونغو كان سقوطًا مؤلمًا على المستوى النفسي أكثر منه سقوطًا رياضيًا.
عاد صلاح إلى ليفربول وهو يشبه ظلًا للاعب كان قبل أسابيع قليلة أحد أبرز نجوم العالم، الأرقام بعد البطولة أصبحت أقل، والفاعلية أقل، والتأثير أقل، وكأن البطولة سحبت من روحه أكثر مما سحبت من نتائجه.
وهنا بدأ الحديث عن “لعنة الكان”.. تلك اللحظة التي يُضيء فيها صلاح في أوروبا وينطفئ حين يعود من إفريقيا.
| المرحلة | المباريات | الأهداف | الأسيست |
|---|---|---|---|
| إجمالي الموسم | 32 | 18 | 10 |
| قبل أمم إفريقيا | 20 | 14 | 8 |
| بعد أمم إفريقيا | 12 | 4 | 2 |
في أول 20 مباراة في الدوري، ظهر محمد صلاح بثبات شديد، كان يقدم أداءً عاليًا، ليس في مستوى الظاهرة كما حدث في 2022، لكنه أداء اللاعب الذي يعرف تمامًا كيف يصنع الفارق في كل مباراة، سجّل 14 هدفًا وصنع 8، بمعدل تهديفي قوي يليق بلاعب يحمل فريقه في الأوقات الحساسة.
بعد البطولة، لعب صلاح 12 مباراة فقط في الدوري، سجّل خلالهم 4 أهداف وصنع 2 فقط، هذا التراجع ليس مجرد انخفاض رقمي، بل انعكاس لحالة واضحة.

إذا نظرنا إلى أرقام الموسم بالكامل، فهي قوية جدًا: 18 هدفًا بالإضافة إلى 10 أسيست في 32 مباراة، لكن التحليل التفصيلي يكشف الحقيقة: صلاح كان لاعبًا مختلفًا قبل الكان ولاعبًا آخر بعده، الفارق بين مرحلتي الموسم يظهر أن تأثير البطولة لم يكن عابرًا، بل كان حادًا وصادمًا، وربما هو الأكثر وضوحًا بين كل مشاركاته السابقة.
كان ليفربول يعتمد على تحركاته وجودته في الثلث الأخير، وكان صلاح يبدو في حالة اتزان: لا هو في أعلى القمم كما كان قبل 2022، ولا هو في حالة تراجع، أداء ناضج، محسوب، قادر على حمل الفريق، ويمنح ليفربول تلك اللمسة الحاسمة في المباريات الكبرى.
أمم إفريقيا 2023.. النسخة التي كسرت الجميع
هذه النسخة كانت واحدة من أسوأ مشاركات مصر في تاريخ البطولة، خرج المنتخب دون أي فوز، وهو أمر لم يحدث منذ 32 عامًا، اهتزت الشباك 7 مرات في أربع مباريات، في أسوأ معدل منذ نسخة 1976، الأداء كان باهتًا، التشكيل مهتزًا، الروح شبه غائبة، والجماهير تعيش صدمة مجموعة لم تفز بأي مباراة.
وسط هذه الفوضى، كان محمد صلاح يعيش واحدة من أكثر لحظات مسيرته تعقيدًا، إصابة عضلية في بداية البطولة، شكوك حول مشاركته، ضغوط جماهيرية هائلة، خلافات إعلامية حول عودته لليفربول ثم رجوعه للمنتخب في مرحلة متقدمة.. وكل هذا يحدث بينما صلاح يحاول أن يحافظ على توازنه النفسي في بيئة تبتلع أي لاعب مهما كان كبيرًا.

(المصدر:Gettyimages)
وحين خرج المنتخب أمام الكونغو بركلات الترجيح في ثمن النهائي بعد تعادل 1-1.. شعر الجميع أن شيئًا انكسر. ليس في المنتخب فقط، بل في صلاح نفسه، عاد إلى إنجلترا محطمًا نفسيًا، مرهقًا جسديًا، ومثقلًا بضغوط لا يمكن للاعب واحد أن يحملها بمفرده.
الفصل الرابع.. مفتاح النهضة وليس الانهيار
لكن نسخة هذا الموسم تبدو مختلفة تمامًا، للمرة الأولى، لا يدخل صلاح البطولة وهو على رأس هرم الأداء، لا أهداف متتالية، ولا أسيستات تُكتب في الصحف الإنجليزية كل أسبوع، بل أربعة أهداف فقط، إحداها من ركلة جزاء، وتمريرتان حاسمتان لا غير، فجأة أصبح الحديث عن الإرهاق هو عنوان المرحلة.
المفارقة تكمن هنا: حين تدخل أي بطولة وأنت في أدنى حالاتك، فإن الضغط عليك لا يصبح حملًا ثقيلًا، بل يتحول إلى مساحة للراحة، بل إلى فرصة، وهذه أول مرة منذ سنوات يدخل فيها صلاح بطولة إفريقيا بلا توقعات ساحقة، بلا أرقام مُرعبة تفرض عليه الاستمرار بنفس الوتيرة، بلا سقف يعلو رأسه، قد تكون هذه الحالة تحديدًا هي مفتاح النهضة.. وليست مقدمة للانهيار.

الفصل الخامس.. ثلاثة سيناريوهات وثلاثة طرق للمصير
الوضع الحالي يفتح الباب أمام احتمال جديد لسيناريو لم نتخيله سابقًا، قد تكون البطولة هي نقطة تحول صلاح لا بوصفها استنزافًا، بل بوصفها بعثًا جديدًا، إذا وجد صلاح نفسه خلال البطولة، إذا حمل المنتخب إلى أدوار متقدمة، إذا استعاد بريقه في مباراة واحدة فقط، فقد يعود إلى ليفربول بوجهٍ مختلف تمامًا—وجه لاعب وُلد من جديد، لا لاعب خرج من معركة خاسرة.
السيناريو الآخر، وهو الأقل ترجيحًا هذا العام، أن تستنزفه البطولة كما حدث سابقًا، لكن ما يجعل هذا السيناريو أضعف من قبل هو أن صلاح يدخل البطولة وهو أقل استنزافًا مما كان عليه سابقًا، ليس منهكًا من صراع أوروبي طويل، وليس قادمًا من بداية مجنونة تحتاج إلى الحفاظ عليها، يدخل البطولة هذا العام وهو يحتاج إلى ما تقدمه، لا ما تأخذه.
أما السيناريو الثالث، فهو الأكثر منطقية: أن يعود صلاح من البطولة بحالة وسطية، لا متوهجة ولا منطفئة، لكنه يدخل النصف الثاني من الموسم بمعنويات متزنة، ومع مرور الوقت يعود ليقف على قدميه من جديد، ثم يبدأ في انفجار تدريجي يجعل موسمه يتحول في نهايته إلى قصة انتصار خاص.
الفصل السادس.. هل يكسر صلاح النمط أم يكرر الدائرة؟
الأرقام طوال السنوات الماضية قد تنحاز إلى سيناريو تراجع صلاح بعد الكان، لكن الوضع الحالي يختلف عن كل نسخ الماضي، هذه المرة يدخل البطولة وهو ليس في قمته، وبالتالي ليس هناك قمة ليهبط منها، بالعكس البطولة قد تشجعه على العودة، وقد تمنحه لحظة استعادة يفتقدها منذ مدة.

المنطق يقول إن اللاعب حين يكون جائعًا، يعود أقوى، وصلاح الآن جائع.. جائع للثقة، للأهداف، للتألق، لنظرة الجمهور التي يعرفها جيدًا، جائع للعودة إلى نفسه قبل العودة إلى القمة، وأمم أفريقيا وتحديدًا المغرب.. ربما هي المكان الذي ينبعث منه مجددًا.
في الرباط تُكتب البداية.. وفي أنفيلد تُكتب النهاية
كل موسم لمحمد صلاح يتزامن مع “الكان”، بات يسير في اتجاه واحد: صعود في بدايته، ثم هبوط بعد إفريقيا، لكن هذا الموسم يبدو كل شيء وكأنه يسير بالعكس، يدخل البطولة وهو في الأسفل، وقد يخرج منها وهو في الأعلى.. يدخل وهو يبحث عن نفسه، وقد يخرج وهو مستعيد لكل شيء.
ومن ثم يبدأ النصف الثاني من الموسم.. وقد تبدأ رحلة صعود اللاعب الذي قرر أن يكسر القاعدة لا أن يعيش داخلها، فهل يحدث ذلك؟ هل تتحول أمم إفريقيا من لعنة إلى نقطة انطلاق؟ هل يعود صلاح إلى ليفربول متوهجًا في وقت يحتاج فيه الفريق إلى بطل؟ وهل يدخل كأس العالم 2026 وهو في أعلى نسخة من نفسه؟
الأسئلة كثيرة.. لكن الأكيد أن النصف الثاني من القصة لم يٌكتب بعد، وأن صلاح ما زال لديه الكثير ليُقدّمه.. وربما يبدأ كل شيء بعد شهر فقط من الآن، ليس هناك أي وسيلة لقراءة سطور قصة محمد صلاح كأس أمم أفريقيا.. إلا بالترقب والانتظار.

تعليقات