القطعة الناقصة في “ماكيت الأسطورة”.. رونالدو بين حلم المونديال وكابوس دبلن
منذ أكثر من عشرين عامًا، والملاعب حول العالم تشهد على رحلة لاعب لم يعرف حدودًا للطموح، ولم يخضع يومًا لفكرة الاستسلام، كريستيانو رونالدو لم يكن مجرد اسم على قميص، بل أصبح بمرور الوقت “علامة مسجلة” في تاريخ كرة القدم، رمزًا للقوة الذهنية، والانضباط، والقدرة على البقاء في القمة رغم مرور السنين وتغير الأجيال.
وعلى مدار هذه الرحلة الساحرة، جمع الدون كل ما يمكن لعاشق كرة القدم أن يحلم به: دوري أبطال أوروبا، ألقاب من الدوريات الكبرى، الكرة الذهبية، اليورو، دوري الأمم.. كل قطعة من هذه الإنجازات كانت تُضاف إلى “ماكيت” الأسطورة، — والماكيت لمن لا يعرفه عبارة عن قطع صغيرة توضع معًا حتى تشكل مجسم أو صورة ذات شكل ودلاة — حتى أصبح المجسم شبه كامل، لكن وسط هذا البناء المهيب، ظلّت هناك قطعة واحدة مفقودة، قطعة تُغيّر شكل اللوحة كلها، إنها الفوز بكأس العالم للمنتخبات.

بطولة أقرب إلى اللغز المستعصي في مسيرة رونالدو
ولأن القدر دائمًا يعشق الدراما، جاءت البطولة التي تُعد “تاج المجد” أقرب إلى اللغز المستعصي في مسيرة رونالدو. فبينما نجح غريمه التقليدي ليونيل ميسي في حفر اسمه بأحرف ذهبية بعد قيادة الأرجنتين للفوز بالمونديال، بقي رونالدو أمام فراغ كبير — ليس في تاريخه فقط، بل في نظرة الجماهير التي ترى أن أسطورة بهذا الحجم لا يليق به أن يرحل عن اللعبة دون أن يلمس تلك الكأس.
ومع اقتراب مونديال 2026، أصبح الحديث أكثر حدة وإثارة، فالأسطورة سيدخل البطولة وهو في عمر 41 عامًا، في مشاركته الأخيرة، في الفرصة الأخيرة.. في محاولة لوضع القطعة التي ظل يبحث عنها لعقدين كاملين.
البركان الذي انفجر في دبلن… حين تحوّل الحلم إلى كابوس
كانت مباراة البرتغال أمام أيرلندا أشبه ببوابة عبور إلى الحلم الكبير، الفوز يعني ضمان التأهل إلى كأس العالم، وإهداء قائد المنتخب تذكرة رسمية نحو فرصته الأخيرة لإكمال الماكيت الناقص.
لكن ما حدث في دبلن لم يأتِ على الإطلاق كما تمنى رونالدو أو كما خطط له المنتخب، فبدلًا من ليلة احتفال، وجد العالم نفسه أمام واحدة من أكثر المباريات صدمة في مسيرة كريستيانو الدولية.
الهزيمة 2-0 أمام أيرلندا كانت مؤلمة، لكن الحدث الأشد وقعًا كان بصورة لا تصدق: الطرد الأول لرونالدو في تاريخه دوليًا، في ليلة كان ينتظرها الجميع كي تكون خطوة نحو المونديال، تحولت إلى سقوط مفاجئ، وجرح معنوي كبير.
غياب الروح.. لم يكن مجرد طرد للدون
خرج الدون مطرودًا، وخرج معه الاتزان التكتيكي للمنتخب، وتبدد خطر الهجمات البرتغالية التي تعتمد دائمًا على حضوره وتمركزه وخبرته في تحويل أنصاف الفرص إلى أهداف.
وفي اللحظات التالية للطرد، ظهر الفراغ بشكل صارخ: البرتغال فقدت الثقة، الإيقاع انخفض، واللمسة الأخيرة اختفت؛ وكأن خروج رونالدو كشف عمق اعتماد المنتخب عليه رغم كل ما يقال عن تجدد الدماء داخل “برازيل أوروبا”، الهزيمة جاءت لتكون امتدادًا لخيبة أكتوبر الماضي حين أفسد هدف سوبوسلاي القاتل فرصة التأهل المبكر أمام المجر.
| الفريق / المنتخب | إجمالي البطاقات الحمراء | مباشر | بكارتين |
|---|---|---|---|
| ريال مدريد | 6 | 4 | 2 |
| مانشستر يونايتد | 4 | 2 | 2 |
| يوفنتوس | 1 | 1 | 0 |
| النصر | 1 | 1 | 0 |
| البرتغال | 1 | 1 | 0 |
| الإجمالي | 13 | 9 | 4 |
أسطورة تُبنى بقطعٍ من الألم والمجد… والأخيرة ما زالت تُقاوِم
لو كانت مسيرة رونالدو مجرد مجموعة إنجازات موضوعة بجانب بعضها، لانتهت قصته منذ سنوات، لكنها في الحقيقة تشبه لوحة معمارية ضخمة — ماكيت يتم بناؤه ببطء ودقة، قطعة فوق قطعة، لحظة فوق لحظة: قطعة من طفولة فقيرة.. وأخرى من دموع الرحيل عن لشبون.. قطعة من المجد في مانشستر.. وأخرى من القوة في مدريد.. وغيرها من الصمود في يوفنتوس.. ويضاف لهم الحنين إلى اليونايتد… ثم قطعة من معركة جديدة في الشرق، بالإضافة إلى مئات القطع الدقيقة من أهداف وإنجازات وبطولات فردية وجماعية.

لكن وسط هذا البناء العظيم، بقيت قطعة التتويج بكأس العالم هي الوحيدة التي تُقاوم وترفض أن تُوضع في مكانها، القطعة التي تمنح اكتمال الشكل، التي تجعل الماكيت ليس مجرد عمل فني، بل تحفة نهائية خالدة بلا نقاش، ورغم اقتراب النهاية، ورغم صعوبة المهمة، ورغم الهزيمة في دبلن والطرد الذي كسر القلوب، يظل السؤال الذي تُحبه كرة القدم قائمًا: هل تأتي القطعة الناقصة في النهاية؟
هل يقلب المستحيل لصالحه حتى في الدقيقة الأخيرة ؟
هل تكون 2026 هي آخر محاولة؟ هل يكتب الدون الخاتمة التي يستحقها؟ أم تبقى كأس العالم — كما يريد القدر أحيانًا — الحلم الذي يكتفي بكونه حلمًا؟ كلها أسئلة مطروحة وقائمة، شيء واحد مؤكد.. إذا كان هناك لاعب في تاريخ كرة القدم يمكنه أن يقلب المستحيل لصالحه حتى في الدقيقة الأخيرة من روايته.. فهو بلا شك أسطورة البرتغال كريستيانو رونالدو.

تعليقات