يتحدث أكثر مما يلعب.. فينيسيوس في أزمة بين الغرور والغيرة وسيناريو «إبرا وبوجبا»
في عالم كرة القدم، لا تُقاس العظمة فقط بعدد الأهداف ولا تُخلّد الأسماء لمجرد البطولات، فالمجد هنا ليس صناعة الأقدام وحدها، بل هو مزيجٌ من الموهبة والعقلية والاتزان خاصة عند التصريحات، وفي كثير من الأحيان، لا يُسقط اللاعب سوء الأداء بقدر ما تُسقطه كلماته، فالتصريح قد يكون أشد فتكًا من الإصابة، والغرور قد يوجّه الضربة القاضية لمسيرةٍ كانت في طريقها لتسطير التاريخ.
في المستطيل الأخضر، لا ينتصر الأكثر مهارة دائمًا، بل من يعرف متى يتحدث ومتى يصمت، كلمةٌ في غير موضعها قد تُحوّل نجمًا محبوبًا إلى عبءٍ ثقيلٍ على فريقه، وتصريحٌ متعجلٌ قد يفتح أبواب الصدام مع مدربٍ أو إدارةٍ أو جمهورٍ كان يومًا يصفق له.
كم من موهبةٍ صعدت كالصاروخ ثم هوت في صمتٍ مدوٍّ لأن صاحبها لم يُحسن التعامل مع وهج الأضواء، زلاتان إبراهيموفيتش — بكل جبروته — دفع ثمن صراحته وغروره حين تحدّى بيب جوارديولا في برشلونة، فكان التجاهل هو الرد، والرحيل هو النهاية.

وبول بوجبا أيضًا، نجمٌ عالميٌّ لم ينطفئ فنيًا، بل نفسيًا، بعد سلسلة من التصريحات والهمسات الخارجة من وكيله مينو رايولا، التي فتحت فجوةً بينه وبين مانشستر يونايتد حتى انتهى به الأمر خارج أولد ترافورد.
واليوم، يبدو أن فينيسيوس جونيور نجم ريال مدريد البرازيلي الذي كان يُعتبر “وجه المشروع الجديد للملكي” يكرر السيناريو نفسه، ولكن بأسلوبٍ أكثر ضجيجًا، خطوةً بخطوة، تصريحًا بعد آخر، يتحوّل الشاب الموهوب من رمزٍ للبهجة في البرنابيو إلى مصدرٍ للتوتر داخل غرفة الملابس، في قصةٍ تتشابك فيها الغيرة والغرور وسوء التقدير، وقد تكتب فصل النهاية أسرع مما يتوقع أحد.
إبراهيموفيتش.. الكبرياء الذي أطاح به من برشلونة
عندما انتقل زلاتان إبراهيموفيتش إلى برشلونة في صيف 2009، كان العالم كله ينتظر أن يرى الشراكة المدمّرة بينه وبين ليونيل ميسي تحت قيادة بيب جوارديولا، بالفعل، بدأ السويدي الموسم أساسياً وسجّل الأهداف، وكان أحد أضلاع القوة الضاربة في النصف الأول من الموسم.
لكن شيئًا ما تغيّر في منتصف الطريق حين قرر بيب أن يجعل ميسي “المهاجم الوهمي” ويُعيد توزيع الأدوار، فشعر إبراهيموفيتش أن بريقه بدأ يخفت، وأن مدربه يتعمّد تهميشه لحساب النجم الأرجنتيني.
ومن هنا، بدأت الشرارة، إبرا، المعروف بعنف لسانه وكبريائه، لم يتقبّل الوضع بصمت، قال يومًا لصحفي بعد مباراة:
“جوارديولا يتحدث مع ميسي، لكنه يهرب مني، كان يختفي عندما أبحث عنه في غرفة الملابس”.
كانت تلك الكلمات كفيلة بقطع الخيط الأخير بينه وبين المدرب الإسباني، تجاهله بيب تمامًا، وأصبح على الهامش، ثم رحل في نهاية الموسم، الموهبة لم تشفع له، لأن الغرور كان خصمه الأكبر.
بوجبا.. التصريحات التي أخرجته من “المسرح”
القصة تكررت مع بول بوجبا في مانشستر يونايتد، ففي الوقت الذي انتظرت فيه الجماهير أن يكون الفرنسي هو القائد الجديد لجيل الشياطين الحمر، جاء وكيله مينو رايولا بتصريحٍ صاعق عام 2020 قال فيه: “بوجبا يحتاج فريقًا جديدًا ليشعر بالسعادة”.
بوجبا رجع.. لكن الكومنت المنتشر على برونو طلع حقيقي ولا فبركة؟ 🤔
تعالى شوف الحقيقة بنفسك 👀#بوجبا #برونو_فرنانديز #مانشستر_يونايتد #موناكو #ميركاتو #365ScoresArabic pic.twitter.com/83Jo2S7Wa6
— 365Scores Arabic (@365scoresarabic) June 30, 2025
الجملة كانت كالرصاصة التي اخترقت ثقة الجمهور والإدارة في اللاعب، بدأت العلاقة تتدهور تدريجيًا، إلى أن رحل بوجبا بعد عامين مجانًا إلى يوفنتوس في 2022، لم يعد يُنظر إليه كنجم، بل كـ”عبءٍ” ثقيل رحل دون وداع.
فينيسيوس.. نجم يتكلم كثيرًا ويكسب أعداء أكثر
اليوم، يبدو أن فينيسيوس جونيور يسير في نفس الطريق، بخطواتٍ متوترة داخل أسوار ريال مدريد، اللاعب الذي كان يومًا “الوجه الجديد” للميرينجي، صار الآن في قلب عاصفة، بسبب تصريحاته المتكررة، واحتجاجاته داخل وخارج الملعب، وتوتره المستمر منذ وصول تشابي ألونسو إلى دكة التدريب.
تقول الصحف الإسبانية إن “غرفة الملابس تغلي”، وإن العلاقة بين فينيسيوس وعدد من زملائه لم تعد كما كانت، خصوصًا منذ وصول كيليان مبابي إلى النادي الصيف الماضي، الغيرة بدأت تظهر، والمنافسة على النجومية صارت ثقيلة على قلب البرازيلي.

من الكرة الذهبية إلى الغرور المعلن
بداية الشرارة كانت بعد حفل الكرة الذهبية، حين خسر فينيسيوس الجائزة التي حصدها رودري لاعب مانشستر سيتي، كتب على منصة “إكس”:
“سأفعل عشرة أضعاف ما فعلته إن لزم الأمر.. إنهم ليسوا مستعدين”.
كانت الجملة حماسية في ظاهرها، لكنها حملت بين طياتها نغمة تحدٍّ وغرورٍ فُسّرت على نطاق واسع بأنها موجهة ضد خصومه، وربما ضد منظومة التقييم ذاتها، ومنذ تلك اللحظة، بدأت تصريحاته تتحول من رسائل حماس إلى مادة ساخنة للصحف، تُفسَّر دائمًا في غير صالحه.
Eu farei 10x se for preciso. Eles não estão preparados.
— Vini Jr. (@vinijr) October 28, 2024
الاعتراض في الكلاسيكو.. لحظة تصدّع العلاقة مع ألونسو
ثم جاء “الكلاسيكو” ليكشف حجم التوتر بينه وبين مدربه تشابي ألونسو عندما قرر الأخير استبداله في الدقيقة 70، رفض فينيسيوس القرار علنًا، وظل يتحدث بغضب نحو المدرب أثناء خروجه من الملعب، قبل أن يتوجه مباشرة إلى غرفة الملابس دون أن يجلس على الدكة، عاد بعد دقائق، ولكن الأضرار كانت قد حدثت بالفعل.
تلك الواقعة لم تكن الأخيرة بين فينيسيوس وتشابي، فتكررت المشاهد بعد ذلك، في مباراة رايو فاييكانو، علّق فينيسيوس على تبديلات مدربه قائلًا: “يبدو أننا لا نريد الفوز اليوم”.
تصريحٌ آخر أضاف زيتًا إلى نارٍ مشتعلة أصلًا، وبينما كان زملاؤه يلتزمون الصمت، كانت الجماهير الإسبانية خاصة عشاق ريال مدريد تشتعل غضبًا وتكتب: “فينيسيوس يفقد السيطرة.. وريال مدريد يفقد الصبر”.
🚨🎥 مُترجم | فينيسيوس جونيور تعليقًا على تبديلات ألونسو ضد رايو فاييكانو: “يبدو أننا لا نُريد الفوز اليوم”.pic.twitter.com/YGOc4WDJex
— شبكة RM4Arab (@RM4Arab) November 10, 2025
الغيرة من مبابي.. والبحث عن التقدير
داخل أروقة فالديبيباس، الجميع يدرك أن فينيسيوس يعيش أزمة نفسية أكثر منها فنية، فمنذ وصول مبابي، تغيّر مركزه داخل الفريق، وتغيّر معه شعوره بالنجومية، ولم يعد “النجم الأول”، ولا الأعلى أجرًا، بعد أن منحت الإدارة الفرنسي عقدًا هو الأضخم في تاريخ النادي.
وبحسب تقارير صحفية من العاصمة الإسبانية، فإن فيني لم يُخفِ امتعاضه من هذا التفاوت، بل صار يبحث عن التقدير في كل حركة وتصريح، لكن في بحثه عن التقدير، بدأ يخسر التعاطف.
الجماهير التي أحبته من أجل عفويته بدأت تراه متوترًا، متذمرًا، وأنانيًا في بعض اللحظات، وها هو يجد نفسه في منطقةٍ رمادية، لا محبوب كما كان، ولا مستقر كما يتمنى.

ريال مدريد يدرس الرحيل الهادئ
بحسب الصحفي في شبكة سكاي سبورتس، ساشا تافوليري، فإن ريال مدريد بدأ بالفعل يُفكر في مستقبل فينيسيوس بعيدًا عن “سانتياجو برنابيو” بعد الأحداث الماضية.
النادي، الذي يمتلك عقده حتى 2027، حدد سعر بيعه المبدئي بـ150 مليون يورو، في ظل تراجع الرغبة في تجديد التعاقد، تافوليري نقل عن مصدرٍ من داخل النادي قوله:
“من الصعب جدًا تخيّل بقاء فينيسيوس في مدريد الموسم المقبل”.
المدهش أن العروض لم تتأخر، بعض أندية الدوري السعودي أبدت استعدادها لجعل فينيسيوس “أعلى الرياضيين أجرًا في العالم”، براتبٍ قد يتجاوز مليار يورو، وعرض مالي ضخم يقارب 300 مليون يورو لريال مدريد، لكن رغم كل شيء، يبدو أن القرار في مدريد لم يعد ماليًا فقط، بل نفسيًا أيضًا.

النجومية ليست بالصوت العالي يا فينيسيوس
القصة في النهاية ليست عن فينيسيوس وحده، بل عن دروسٍ متكررة في كرة القدم الحديثة، العقلية أهم من الموهبة معظم الأحيان، والتصريحات قد تهدم ما تبنيه الأقدام.
إبراهيموفيتش غادر برشلونة رغم تألقه، وبوجبا فقد مجده في مانشستر بسبب لسان وكيله، واليوم فينيسيوس يكرر نفس الأخطاء أمام العالم كله.
في مدريد، يقدّسون الصمت والعمل، فمن راموس إلى مودريتش، النجوم الكبار لا يتحدثون كثيرًا.. بل يدعون أقدامهم تتكلم، أما فينيسيوس، فيبدو أنه لم يدرك بعد أن الكلمات قد تكون أخطر من الإنذارات، وأن الشهرة لا تحمي من السقوط، بل أحيانًا تسرّع به.

طريق الغرور لا نهاية سعيدة له وخاصة النجوم
ربما ما يحتاجه فينيسيوس الآن ليس مدربًا جديدًا، بل مرآة يرى فيها نفسه بعيدًا عن الأضواء، فهو اللاعب الذي يمتلك الموهبة لتكون له عصور من المجد، لكنه يسير نحو أن يكون مجرّد “قصة تحذيرية” تُروى للأجيال القادمة.
كرة القدم، كما تُظهر لنا دائمًا، لا ترحم من ينسى أن المجد الحقيقي لا يُصنع بالكلمات، بل بالهدوء، والتواضع، واحترام اللعبة، فكما طرد الغرور إبراهيموفيتش من برشلونة، وأطفأ تصريح رايولا نجم بوجبا في مانشستر، قد تكون تصريحات فينيسيوس هي الباب الذي سيخرجه من ريال مدريد إلى طريق اللا عودة.

تعليقات