رغم مرور سنوات على صدور القانون رقم 55.19 الخاص بتبسيط المساطر الإدارية، لا تزال الممارسات الإدارية اليومية في المرافق العمومية تعكس فجوة كبيرة بين النص القانوني والتطبيق الفعلي، حسب ما كشفه تقرير صادر عن معهد تحليل السياسات العمومية.
ويبرز الواقع استمرار العديد من الإجراءات التقليدية التي تعيق فعالية الخدمات وتفقد الثقة بين المرتفقين والإدارة.
ويوضح التقرير أن عدداً من الإدارات لا تزال تطالب بوثائق تم إلغاؤها قانونياً، مثل تصحيح الإمضاء أو شهادات غير منصوص عليها، كما تُفسر بعض مواد القانون بتشدد، متجاهلة توصيات التبسيط.
ويشير إلى تعارض واضح بين توجيهات رؤساء المصالح والتطبيق القانوني، حيث تُعطى الأولوية لقرارات المسؤولين على حساب المقتضيات القانونية، مما يعرقل تنفيذ القانون ويؤخر معالجة الملفات، لا سيما في المجالات الاستثمارية التي تتطلب سرعة في اتخاذ القرار.
كما يُسلط التقرير الضوء على ضعف تفعيل ميثاق اللامركزية الإدارية، والذي يقيّد صلاحيات وحدات القرب، ويُبقي على قرارات مهمة بيد المصالح المركزية، ما يؤدي إلى بطء الخدمات وتأخير مصالح المرتفقين.
ولفت إلى وجود تفاوت كبير في الأداء بين الإدارة المدنية التي تتشبث بالممارسات التقليدية، والإدارة الأمنية التي أظهرت انخراطاً ملحوظاً في تبسيط المساطر وتطوير الرقمنة.
من جهة أخرى، رصد التقرير ضعفاً في الرقمنة داخل بعض الإدارات، إذ أصبحت في بعض الحالات عائقاً بسبب عدم الاعتراف بالوصل الإلكتروني أو بالمواعيد المحجوزة عبر المنصات الرقمية، مما يجبر المرتفقين على إعادة الإجراءات يدوياً ويزيد من أوقات الانتظار.
كما أشار إلى غياب حماية قانونية كافية للإجراءات الرقمية، ونقص في تعريف القرار الإداري بالصيغ الإلكترونية، إضافة إلى ضعف في تدريب الموظفين وتأخر في تعميم النماذج الإلكترونية الموحدة.
وفيما يخص الموارد البشرية، أكد التقرير غياب آليات تأديبية ضد الموظفين غير الملتزمين بالقانون، ونقص الحوافز لتشجيع الانخراط الطوعي في ورش التبسيط، ما يعزز مقاومة التغيير داخل الإدارة.
واختتم بدعوة إلى مراجعة شاملة للإطار القانوني والمؤسساتي والتقني، مع ضرورة تعزيز استقلالية لجنة التبسيط، وإشراك مختلف الأطراف، بما فيها المجتمع المدني والقطاع الخاص، وتوفير آليات فعالة للتقييم والمساءلة لضمان نجاح الإصلاحات.