فوبيا المرأة الجميلة – تليجراف مصر

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


هو لا يكرهها، ولا يقلّل من شأنها، بل ربما أحبها بعمق، وشعر بانجذاب لا يشبه ما عرفه من قبل.
لكنه فجأة… يتراجع. يصمت بدلا من أن يقترب، ويبتعد بدلا من أن يبادر.

يبدو مرتبكًا، مترددًا، كأنه أمام شيء أكبر مما يتحمل، أجمل مما يتخيله لنفسه، وأقرب إلى “المستحيل” منه إلى “الحلم”.
هنا، لا نتحدّث عن الرجل العابث، ولا عن الذي لا ينوي الارتباط أصلًا، بل عن ذلك الذي أحبّ امرأة بكل تفاصيلها، لكنه خشي منها في اللحظة التي كان عليه أن يتقدم خطوة للأمام.

 “خاف من جمالها”، تبدو العبارة للوهلة الأولى متناقضة، فكيف يخشى الرجل الجمال، وهو أكثر ما يبحث عنه في المرأة؟

لكن الحقيقة أن بعض الرجال لا يخشون الجمال بذاته، بل ما يرمز إليه الجمال حين يكون مشعًا، واثقًا، لافتًا للنظر، غير قابل للتجاهل. الجمال لدى بعض النساء لا يكون مجرد مظهر، بل حالة حضور قوية، هالة من الثقة، وكيان يصعب تطويعه.
وهنا يبدأ الصراع داخل الرجل: هل أنا كافٍ لها؟ هل سأظل جديرًا بها؟ هل ستلفت الأنظار دومًا بطريقة تربكني؟ هل سأظل مطمئنًا أم غيورًا؟ وهل سأحتمل أن تكون محط إعجاب في كل مكان… 
أسئلة لا يُفصح عنها كثيرًا، لكنها تحاصره في داخله، حتى يقرر التراجع بدل المواجهة.

هناك مجتمعات تُربّي بعض الرجال على أن يشعروا بالقوة من خلال السيطرة، لا من خلال الشراكة والاحتواء. تصبح المرأة الجميلة خطرًا على صورة الرجل في عينيه، حتى لو لم تكن خطرًا حقيقيًا.

وفي علاقات تفتقر إلى النضج، يُنظر إلى الجمال على أنه “امتياز” يربك توازن القوى، لا نعمة تُحتوى بثقة.

قد يُغرم بها… لكنه لا يراها زوجة. ليس لأنها لا تصلح، بل لأنها تضعه أمام مرآة مخاوفه، وتشعل داخله كل ما لم يحسمه مع نفسه: غيرته، ثقته، إحساسه بالجدارة، وشعوره الداخلي بأنه يستحق امرأة “أهدأ”، “أقل بروزًا”، “أقل جذبًا للأنظار”، امرأة لا تُهدده وإن لم تقصد.

في مثل هذا النوع من العلاقات، ينسحب الرجل، لا لأنه لا يحب، بل لأنه لا يحتمل أن يحب امرأة يرى أنها أجمل مما يقدر عليه. هي لم تقل له شيئًا يؤذيه، لكنه تأذّى من شعوره الداخلي بالعجز.

هي لم ترفضه، لكنه شعر بأنه مرفوض مسبقًا من مشهدها الاجتماعي اللافت، من ثقتها، من حضورها الذي لا يحتاجه ليكتمل.

وقد يُقنع نفسه لاحقًا أنها “متطلبة”، أو “سطحية”، أو “غير مناسبة”، فقط ليجد لنفسه مخرجًا مريحًا من فوبيا لم يعترف بها، فوبيا الجمال اللافت حين يقترن بالثقة والاستقلال.

لكن الجمال ليس مشكلة، والمشكلة ليست فيها. المشكلة في رجل لم يتصالح بعد مع نفسه، ولا مع فكرة أن المرأة الجميلة قد تختاره حبًا، لا حاجة، وأن الثقة لا تعني التكبّر، وأن الجمال لا يُهدد من يثق بأنه يستحقه.

الحقيقة هذا النوع من “الفوبيا العاطفية” يرتبط  بجذور أعمق من مجرد الانجذاب أو المقارنة. فالرجل الذي يتراجع أمام المرأة الجميلة قد يعاني أحيانا مما يُعرف بـ”عقدة الدونية العاطفية”، وهي حالة غير ظاهرة يشعر فيها بعدم الاستحقاق، خاصة عندما يكون الطرف الآخر يملك خصائص جذابة بشدة، فيشعر وكأنه سيدخل علاقة يكون فيها الطرف الأقل، ويخشى أن يخوض صراعًا مستمرًا لإثبات الجدارة أو الحفاظ عليها. هذه الحالة ليست نقصًا في الحب، بل ارتباك داخلي في التعامل مع الذات، قبل التعامل مع الآخر.
ولك أيها الرجل الذي أحب، ثم خاف، اعلم أن خوفك منها ليس عيبًا، لكنه علامة على ما لم تكتشفه بعد في داخلك.
المرأة الجميلة ليست تهديدًا، بل دعوة لأن تُعيد اكتشاف قوتك بشكل مختلف، بعيدًا عن السيطرة وأقرب إلى الثقة. إن كنت تشعر أنها “أكبر منك” في الحضور أو الجاذبية، فلا تحاول أن تُنقص منها لتشعر بالكفاية، بل كُن شريكا متكاملا معها باكتمالك أنت.
لا تترك يدها لأنها لامعة، بل تعلم كيف تضيء معها. فالحب لا يحتاج منك أن تكون الأعظم، بل أن تكون الأصدق، والأكثر استعدادًا لتكبر معها لا بعيدًا عنها.
المرأة الجميلة لا تريد من يقدّس جمالها، بل من يراه دون أن يخافه. تبحث عن من يقدّر حضورها لا من يخشي بريقه، من يرى جمالها إضافة لا عبئًا. 

وحين يهرب الرجل منها، لا لأنها لا تصلح، بل لأنه لم يتهيأ لها، فإن الخسارة ليست خسارتها، بل خسارته هو، من امرأة لم تكن بحاجة إليه، لكنها اختارته، قبل أن يخاف ويهرب..



‫0 تعليق

اترك تعليقاً