شهادة للبيع.. هكذا رحل محمود مسعد وفي قلبه غصة

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


في يوليو عام 2023، كتب الشاب محمود مسعد منشورًا له على صفحته الشخصية عبر “فيسبوك” يعلن فيه عن بيعه لشهادته الجامعية بطريقة ساخرة، واصفًا إياها بأنها شهادة “فابريكة” استعمال نظيف، لكن لم يكن المنشور مجرد دعابة عابرة، بل تعبيرًا موجعًا عن خيبة أمل عميقة ورائها سنوات من الاجتهاد.

لكن لم تمض سوى أربعين يومًا على هذا المنشور حتى رحل محمود عن الحياة، في حادث مأساوي وضع نهاية مفاجئة لقصة شاب كان يستحق مستقبلًا مختلفًا.

نابغة منذ الصغر

محمود، الطالب المجتهد، لم يكن مجرد متفوق دراسيًا فحسب، بل كان محبوبًا بين زملائه وأساتذته لما تحلى به من خلق والتزام، إذ نشأ محمود في بيت يقدر العلم والعمل.

محمود مسعد

وفي حديثها لـ تليجراف مصر تقول نادية البرغوتي، والدة محمود إن نجلها نشأ ملتزمًا في عبادته، متفانيًا في دراسته، وكان في سنوات الثانوية يصنف دائمًا ضمن الأوائل، ويحتل المركز الأول على مستوى الإدارة التعليمية.

امتياز مع مرتبة الشرف

ومن بعد المرحلة العصيبة للثانوية لم يتردد محمود في الالتحاق بكلية هندسة البترول والتعدين بجامعة السويس، وهي الكلية التي طالما حلم بها، وهناك واصل مسيرته الحافلة بالتفوق، والعطاء فكان يحصل على تقديرات امتياز مع مرتبة الشرف، ويتلقى تدريبه في كبرى شركات البترول، كما كان يساعد زملاؤه في إعداد الملخصات الدراسية التي لا تزال محفوظة في مكتبة الكلية ويستعين بها الطلاب حتى اليوم.

محمود مسعد

التفوق لم يكفي 

تخرج محمود عام 2021، وهو يحمل شهادة متميزة وسيرة ذاتية تفخر بها أي مؤسسة، لكن رغم مؤهلاته وجد أبواب شركات البترول مغلقة في وجهه، ولم يتح له العمل في مجاله، في حين حصل من هم أقل منه في التقدير والخبرة على الوظائف عبر الوساطة، وفق ما قالته الأم.

وعلى مدار عامين متتاليين ظل محمود يحاول جاهدًا أن يحصل على فرصة تليق بتفوقه العلمي، لكن دون جدوى، وفي بعض الأحيان، كانت الشركات تعرض عليه العمل كعامل بأجر يومي، لا كمُهندس، ما أثر على حالته النفسية بالسلب إذ كان يرى بعينيه من هم أقل منه يتقلدون المناصب بينما يقصى هو، رغم اجتهاده واستحقاقه.

حلم جديد.. وصمت ثقيل

حين ضاقت به السبل، قرر محمود أن يبدأ من جديد، فتعلم البرمجة وعمل بها، محاولًا أن يتجاوز مرارة الإقصاء، ورغم انشغاله بالعمل، ظل الحزن ساكنًا قلبه، يحمل وجعه في صمت، ويكتم شعوره بالخذلان بعد أن رأى مستقبله في مجال البترول يتبخر، رغم كل ما قدمه من تفوق وتضحية.

وفي لحظة يأس، نشر محمود شهادته الجامعية للبيع على فيسبوك، كان منشوره أشبه برسالة، تروي حكاية شاب سعى ولم يكتب له الوصول.

حادث لم يصيب أحدًا إلا هو

وفي أغسطس 2023، وبعد أربعين يومًا من منشوره الأخير، كان محمود في طريقه مع عائلته لحضور حفل زفاف أحد أقاربه، وكانوا يخططون بعد انتهاء الفرح للذهاب لقراءة الفاتحة، تمهيدًا لخطبته.

قاد محمود السيارة بهدوء، وبينما هم في الطريق، دخلت حشرة طائرة  إلى السيارة، وفي محاولة منه لإبعاده بيده، فقد السيطرة على المقود، فانحرفت السيارة وسقطت في ترعة، وبالرغم من أن الحادث بدا بسيطًا، وخرج الجميع سالمين دون خدش واحد، إلا أن محمود كان الضحية الوحيدة، رحل وحده، تاركًا خلفه قلب أم محطم.

حين تتحول الشهادة إلى ورقة 

اليوم، وبعد عامين على وفاته، لا تزال والدته تحاول إحياء ذكراه، لتروي قصته في وجه النسيان، فلم يكن محمود مجرد طالب متفوق، بل كان شابًا يستحق أن يحيا حياة كريمة، لا أن يهمش، وأن تمنح له الفرصة التي يستحقها لا أن يدفع خارج مجاله.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً