دفع مخطط إسرائيلي لنقل مئات الآلاف من الفلسطينيين النازحين إلى ما يسمى بـ”مدينة إنسانية” في رفح الفلسطينية، السياسيين في إسرائيل إلى الدخول في مناوشات مع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، لكن مسؤولين في تل أبيب يقولون إن خطة عملية لم تُوضع بعد.
وحتى في غياب مخطط واضح، فقد استنكرت المعارضة الاقتراح، حيث شبّه البعض الموقع المقترح بـ”معسكر اعتقال”، وهو ما قد يؤدي إلى تطهير عرقي في الجيب الساحلي الذي دمره الصراع على مدى 21 شهرًا .
ودافعت إدارة رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، عن المشروع، قائلة إنه من شأنه أن يوفر للمدنيين ملاذًا آمنًا في حين يعمل على إضعاف قبضة مسلحي حماس على غزة، لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا يمثل سياسة حكومية ملموسة.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، طرح هذه الفكرة في وقت سابق من هذا الشهر، واجتمع نتنياهو مع الوزراء ومسؤولي الدفاع لمناقشتها في وقت متأخر من يوم الأحد.
وقال مسؤولان إسرائيليان، كانا حاضرين إن جيش الكيان طلب منه تقديم اقتراح مفصل، لكن نتنياهو رفضه باعتباره مكلفًا للغاية ومعقدًا، وأمرهم بتقديم شيء أرخص وأسرع.
وقال مصدر عسكري إسرائيلي إن هذه المبادرة معقدة وتتطلب لوجستيات معقدة للبنية الأساسية مثل الصرف الصحي والصرف الصحي والخدمات الطبية والمياه وإمدادات الغذاء.
وأضاف المصدر، وفق “رويترز”، أن التخطيط كان في مرحلة أولية للغاية فقط، وكان الهدف هو مساعدة الفلسطينيين الذين لا يريدون العيش تحت حكم حماس.
وأشار بعض المعلقين إلى أن الهدف الحقيقي من طرح الخطة هو زيادة الضغط على حماس خلال محادثات وقف إطلاق النار الجارية، وفي الوقت نفسه استرضاء اليمينيين في الحكومة الذين يعارضون أي هدنة.
تفاصيل خطة المدينة الإنسانية
وعرض كاتس الخطة في السابع من يوليو الحالي، خلال إحاطة إعلامية مع المراسلين العسكريين الإسرائيليين.
وجاء ذلك عقب اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أيده نتنياهو علنًا، ولكنه لاقى انتقادات واسعة في الخارج، والذي يقضي بنقل سكان غزة إلى دول ثالثة، ريثما يُعاد إعمار القطاع المدمر.
لقد تم تهجير ما يقرب من جميع سكان غزة، البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة بالفعل خلال الصراع، الذي بدأ في أكتوبر 2023، عندما شنت حماس هجومًا مفاجئًا على إسرائيل.
وقال كاتس، الأسبوع الماضي، إن نحو 600 ألف شخص سيتم نقلهم إلى المخيم الجديد الذي سيتم بناؤه في جنوب غزة على الحدود المصرية.
ونقلت إذاعة “كان” الإسرائيلية ومراسلو إذاعة الجيش العسكريون عن كاتس، قوله في إفادة صحفية في السابع من يوليو، إن المنطقة الجديدة في رفح ستكون خالية من أي وجود لحماس وستدار من قبل قوات دولية، وليس قوات إسرائيلية.
ونُقل عنه قوله أيضًا إن الأشخاص الذين اختاروا الانتقال إلى هناك لن يكونوا أحرارًا في المغادرة.
وقال زئيف إلكين، الوزير الإسرائيلي وعضو مجلس الوزراء الأمني المصغر لنتنياهو، لقناة كان التلفزيونية، إن الخطة تهدف إلى إضعاف سلطة حماس في غزة.
وقالت صحيفة هآرتس، ذات التوجه اليساري في التاسع من يوليو، نقلًا عن مسؤولين عسكريين كبار، إن الخطة قوبلت بمقاومة من الجيش الإسرائيلي، بسبب تحدياتها القانونية واللوجستية.
وقالت قناة N12 الإخبارية الإسرائيلية، يوم الأحد، إن الجيش اعترض على الخطة لأنها قد تؤدي إلى إفساد محادثات وقف إطلاق النار في الدوحة، في حين نقل موقع Ynet الإخباري عن مسؤولين قولهم، إنها ستتكلف ما بين 10 مليارات و15 مليار شيكل (3 مليارات إلى 4.5 مليار دولار).
ولقى التقرير انتقادات من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي قال إن بعض الأشخاص في المؤسسة الدفاعية يحاولون تخريب الخطة من خلال تقديم ميزانيات مبالغ فيها.
وقال مكتب سموتريتش، إن “إعداد منطقة محمية للسكان هي عملية لوجستية بسيطة لا تكلف سوى مئات الملايين من الدولارات، وهو المبلغ الذي ترغب وزارة المالية في تحويله”.
بعد مناقشات يوم الأحد، رفض وزير الأمن القومي المتشدد إيتامار بن جفير، الجدل باعتباره ستارًا دخانيًا لصرف الانتباه عن التنازلات التي قد تكون إسرائيل على استعداد لتقديمها في محادثات وقف إطلاق النار مع حماس.
ويريد بن جفير، مثل سموتريتش، أن تواصل إسرائيل الحرب، وأن يغادر الفلسطينيون غزة، وأن يعاد بناء المستوطنات اليهودية التي تم تفكيكها هناك قبل عقدين من الزمن.
وقال زعيم المعارضة، يائير لابيد، يوم الإثنين، إن الخطة خطيرة ولن تتحقق.. وطرح تساؤلًا: “هل سيُسمح لسكان هذه المدينة بمغادرتها؟ وإن لم يُسمح، فكيف سيُمنعون؟ هل ستُحاط بسياج؟ سياج عادي؟ سياج كهربائي؟ كم جنديًا سيحرسها؟ ماذا سيفعل الجنود عندما يريد الأطفال مغادرة المدينة؟”.
مصر ترفض بشكل قاطع لأي تغيير ديموجرافي
مصر التي رفضت سابقًا مخططات تهجير سكان غزة، أكدت اليوم الأربعاء، رفضها الكامل لكل الأفكار التي تتردد حول إنشاء مدينة للخيام في جنوب قطاع غزة في رفح الفلسطينية قرب الحدود المصرية، وفق بيان رسمي نشرته وزارة الخارجية.
وزير الخارجية، بدر عبدالعاطي، أكد ذلك خلال اتصال هاتفي، مع مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، موضحًا رفض مصر القاطع لأي تغيير ديموجرافي في القطاع.
وأكد أن مصر تؤمن بأن مثل هذه الخطوات ستؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، وتقوض أي جهود للتوصل إلى حل سياسي شامل وعادل للصراع.
التأكيد المصري يأتي في وقت تشهد فيه المنطقة توترات غير مسبوقة، وتتزايد فيه الضغوط على المدنيين في قطاع غزة.
وتشدد القاهرة على ضرورة الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، وتوفير الحماية للمدنيين، ورفض أي تهجير قسري، حتى فكرة إقامة مخيمات للنازحين على حدودها.
ضغط على مصر!
مشروع ما يُسمى بـ”المدينة الإنسانية” لا يقتصر على إغاثة نازحين، بل يهدف إلى فرض واقع ديموجرافي جديد عبر الضغط على مصر لقبول تدفق سكان غزة إلى أراضيها، وفقًا لما يرى رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، سمير غطاس، في تصريح تلفزيوني.
المشروع يُمهّد لـ”تهجير طوعي يتحول إلى قسري”، بحسب ما يرى غطاس، محذرًا من أن “منع الغذاء لفترة قصيرة كفيل بدفع السكان للمغادرة”، كما وصف التسمية نفسها بأنها محاولة للتمويه، مستشهدًا بتصريحات إسرائيلية بينها ليبرمان وبن غفير وصفت الخطة بـ”الخدعة الإعلامية”.
وأضاف أن قرب المشروع من الحدود المصرية يجعله مساسًا مباشرًا بالأمن القومي، وانتهاكًا لاتفاق رفح 2005، مؤكدًا أن المصريين يرفضون أي خطة لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، ومشيرًا إلى تشابه الخطة الحالية مع مشروع قديم منسوب لمستشار شارون لتوسيع غزة على حساب سيناء.