الزيود يكتب: الآثار المترتبة على إلغاء المجالس البلدية والمحافظات ـ بقلم: ياسين خلف الزيود

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


لم يكن قرار الحكومة الأردنية بحل المجالس البلدية ومجالس المحافظات قرارًا إداريًا عابرًا، بل خطوة سياسية محسوبة، تؤسس لمرحلة جديدة من الحكم المحلي. لقد دخلنا فعليًا مرحلة إعادة هندسة الإدارة المحلية ضمن مشروع سياسي أكبر يسعى لإعادة تعريف العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع. فالقرار لم يكن إجراءً تقنيًا، بل إعلانًا ضمنيًا بأن شكل الدولة المحلية كما نعرفه لم يعد صالحًا، وأن الأردن بصدد تأسيس منظومة تمثيل جديدة قائمة على الكفاءة، لا الولاء؛ على المؤسسات، لا الأفراد. قرار الحل، رغم أنه جاء ضمن الصلاحيات القانونية، حمل في طياته دلالات سياسية وتنظيمية عميقة. توقيت الحل قبل ثمانية أشهر من موعد الانتخابات الدستوري المفترض، ومن دون تقديم مبررات علنية، يكشف نية واضحة لتأجيل الانتخابات إلى ما بعد منتصف 2026 وفتح المجال أمام دورة تشريعية جديدة لإعادة صياغة قوانين الإدارة المحلية والانتخابات.اما بالنسبة لقائمة التعيينات التي صاحبت حل المجالس، كانت رسالة سياسية واضحة. فقد غابت رموز العشائر والتمثيل الشعبي التقليدي، وحلت محلهم شخصيات من خلفيات إدارية ومهنية وعسكرية. وهذا يعكس رغبة الدولة في إعادة ضبط الإيقاع المحلي وفق عقل الدولة لا عاطفة الشارع.ما جرى هو خطوة ضمن رؤية تدريجية للانتقال من مفهوم “المنتخب العرفي” إلى “المُكلَّف التكنوقراطي”، في انتظار استكمال البناء التشريعي الذي يسمح بإنتاج نخب محلية جديدة ذات كفاءة.كما أن تعيين ممثلين عن غرف التجارة والصناعة ونقابيين في مجالس المحافظات المؤقتة يؤشر على بداية التحول نحو تمثيل قطاعي/وظيفي يوازي التمثيل الجغرافي، وهو ما قد يُترجم لاحقًا في النصوص القانونية بصيغة مقاعد مخصصة أو ممثلين دائمين.ما يظهر من هذا التحول لا يخفي وجود انقسام داخلي غير معلن بين رؤيتين:رؤية اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، التي دعت بوضوح إلى تفعيل التمثيل الديمقراطي المحلي، وتمكين الأحزاب، وتوسيع صلاحيات المجالس المنتخبة.ورؤية الحكومة الحالية، التي تسلك مسارًا أكثر تحفظًا، يفضل المركزية والانضباط التدريجي في الانتقال، ويخشى من فوضى التمكين العشوائي.ولا شك من ان هذا الانقسام سينسحب إلى داخل مجلس النواب نفسه، حيث سنرى كتلاً نيابية تدفع باتجاه تعزيز المشاركة الحزبية والمحلية، مقابل تيارات أخرى ترى أن “الإصلاح البطيء” خير من “الإصلاح السريع” وذلك لمصالح معينه.نحن الآن أمام خارطة زمنية مرجحة لمسار الإصلاح التشريعي:من المتوقع أن تطرح الحكومة مسودة القانون الجديد للإدارة المحلية وقانون انتخاب المجالس البلدية والمحافظات، بعد أن تستكمل المشاورات مع وزارة الشؤون السياسية والإدارية خلال شهرين كحد اقصى.سيتم إجراء حوار وطني موسع تشارك فيه الأحزاب، ممثلو البلديات، القطاع الخاص، والنقابات، إضافةً إلى خبراء في الإدارة اللامركزية. الهدف سيكون التوافق على الشكل الجديد للقانون، بشهر 11.ثم من المتوقع أن يُحال مشروع القانون إلى مجلس النواب في دورته العادية الأخيرة. وهنا سيكون النقاش حادًا بين التيارات الإصلاحية والمحافظة داخل البرلمان وذلك في بداية العام .إذا أُقرّ القانون في موعده، سيكون أمام الهيئة المستقلة للانتخاب نحو 4–6 أشهر للتحضير الفني والإجرائي للانتخابات. وهذا يعني ان الانتخابات لن تقام قبل الصيف القادم بأقل تقديرأما بما يخص التوقعات المبنية على قراءة المعطيات الحالية تشير إلى:قانون الانتخابات المحلية:اعتماد نظام القوائم النسبية في البلديات الكبرى، مع احتساب الأصوات وفق “الباقي الأعلى”.رفع شروط الترشح، سواء عبر المؤهل العلمي أو الخبرة المهنية.تخصيص كوتا حزبية وقطاعية لضمان التمثيل المؤسساتي.قانون المجالس البلدية:تفعيل دور المجلس التنفيذي للبلدية وتحديد العلاقة بينه وبين الرئيس المنتخب.تقليص عدد المجالس المحلية، واعتماد نظام التجميع أو الدمج الإداري.تأسيس وحدات رقابة داخلية ومالية مستقلة داخل البلديات.قانون مجالس المحافظات:اعتماد نموذج مختلط بين التمثيل الجغرافي والقطاعي.نقل صلاحيات مباشرة تنموية للمجلس تشمل الموازنة والمشاريع.تقييد صلاحيات مجلس الوزراء في تعديل أو تعطيل قرارات المجالس المنتخبة.ما يحصل اليوم ليس مجرد تمرين إداري، بل ولادة فعلية لمرحلة ما بعد الزعامة الاجتماعية في الإدارة المحلية. هذه المرحلة تحتاج إلى سياسيين محليين، لا رموز اجتماعية. إلى إداريين منتخبين، لا أفراد يحتمون بالرمزية العائلية أو الشعبية.البلديات والمحافظات القادمة ستكون مؤسسات تخطط، وتنفذ، وتُحاسب، وليست مجرد واجهات اجتماعية لإدارة النفايات أو إصدار الرخص.دخلنا عمليًا مرحلة إعادة تعريف الحوكمة المحلية في الأردن، حيث لم يعد التمثيل هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لتحقيق كفاءة وعدالة في توزيع التنمية. المسار لن يكون سهلًا، والانقسام بين الرؤى سيستمر، لكن الأكيد أن من لا يطور نفسه من القوى السياسية أو المجتمعية سيجد نفسه خارج دائرة التأثير.الفرصة متاحة اليوم لصياغة نموذج أردني خاص في الإدارة المحلية، يعتمد على شراكة ثلاثية بين الحكومة، الأحزاب، والمجتمع المدني. وأي قانون قادم لن يكون ناجحًا ما لم يُبنى على التوافق، ويُنفّذ بثقة، ويُدار بكفاءة.أردن ما بعد 2026 لن يشبه ما قبله… ومن لا يرى ملامح هذا التحول اليوم، سيقرأه متأخرًا في النتائج لا في الفرص كما حدث في الانتخابات النيابية الأخيرة.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً