إيلاف من دمشق: اشتعلت محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية جنوب سوريا، بجولة دموية من العنف غير المسبوق، في تطور خطير يعيد خلط الأوراق السياسية والعسكرية في واحدة من أكثر المناطق السورية هدوءاً نسبياً خلال سنوات الحرب.
فقد أعلن قائد الأمن الداخلي في المحافظة، أحمد الدالاتي، فرض حظر تجول شامل اعتباراً من الساعة الثامنة من صباح اليوم (الثلاثاء)، وحتى إشعار آخر، على خلفية اشتباكات دموية بين مسلحين دروز وعشائر بدوية تسببت في مقتل نحو 90 شخصاً خلال 48 ساعة، من بينهم 18 عنصراً من قوات وزارة الدفاع السورية.
وقال الدالاتي، في بيان نقلته “الوكالة العربية السورية للأنباء”، إن “القرار يأتي حفاظاً على سلامة الأهالي ومنعاً لتصاعد الفوضى”، مضيفاً: “نهيب بأهالي السويداء الالتزام بالبقاء في منازلهم، ونؤكد ضرورة منع العصابات الخارجة عن القانون من استخدام المباني السكنية مواضع لمواجهة قوات الدولة”.
تعود جذور الاشتباكات الأخيرة، بحسب تقارير محلية وشهادات ميدانية، إلى سلسلة من عمليات الخطف المتبادلة بين مسلحين من أبناء الطائفة الدرزية ومجموعات من العشائر البدوية، ما أدّى إلى اندلاع مواجهات دامية يوم الأحد، تصاعدت خلال الساعات التالية لتشمل عدة أحياء وبلدات في المحافظة.
وفي بيان رسمي، أوضحت وزارة الدفاع السورية أن “جماعات خارجة عن القانون” — لم تُحدّد هويتها — “هاجمت عددًا من وحداتنا فجر أمس، وإن القوات الحكومية ردّت على الهجوم، وشرعت في ملاحقة الجماعات التي رفضت وقف الأعمال القتالية”.
مطالبة بالحماية الدولية
لكن تدخّل الدولة لم يُقابل بترحيب من الجميع، إذ أصدرت الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية بياناً شديد اللهجة، رفضت فيه “دخول أي جهة أمنية أو تنظيم عسكري إلى أراضي المحافظة”، وخصّت بالذكر كلاً من “الأمن العام السوري” و”هيئة تحرير الشام”، معتبرة أن أي محاولة من هذه الجهات للتدخل في شؤون السويداء “مرفوضة جملة وتفصيلاً”.
وأضاف البيان: “نطالب بوضوح بتوفير الحماية الدولية لأبناء المحافظة”، دون تقديم تفاصيل إضافية حول شكل هذه الحماية أو الجهات المرجوّة لتوفيرها.
الضامن الوحيد
من جهته، دافع المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، عن تدخل الدولة، قائلاً لصحيفة “الشرق الأوسط” إن “تدخّل الدولة في السويداء تم بدافع حماية المواطنين، وتوحيد القوة بيد الدولة فقط؛ لأنها الضامن الوحيد لوحدة التراب السوري”، في إشارة إلى سعي الحكومة لفرض السيطرة الأمنية الكاملة على المحافظة.
قصف إسرائيلي
في تطور ميداني مفاجئ، قصفت مقاتلات إسرائيلية أهدافاً تابعة للقوات السورية في قرية سميع، الواقعة ضمن محافظة السويداء، وذلك بحسب ما أوردته مصادر رسمية إسرائيلية.
وذكرت التقارير أن الهجوم استهدف دبابات حكومية كانت متمركزة على مشارف المدينة، واعتُبر بمثابة “تحذير واضح” للسلطات السورية من المضي قدماً في عملياتها العسكرية داخل المنطقة.
ونقلت أوساط رسمية في إسرائيل، عبر وسائل إعلام محلية، أن الدولة العبرية “تضع حماية الدروز في جنوب سوريا على جدول أولوياتها التفاوضية مع دمشق”، من دون توضيح طبيعة القنوات التي يجري عبرها هذا التنسيق أو التفاوض.
السياق الإقليمي
يأتي هذا التصعيد الأمني في محافظة السويداء في ظلّ واقع سياسي هش، حيث تشهد المنطقة الجنوبية من سوريا توتراً متصاعداً بين قوى محلية تنتمي لطوائف ومكونات مختلفة، في ظلّ فراغ أمني نسبي استمر لسنوات.
ويقول مراقبون إن الدخول الإسرائيلي على خط الاشتباكات يعكس تصاعد القلق الإقليمي من احتمال تحوّل المحافظة إلى ساحة مواجهة موسّعة، خاصة في ظلّ ضعف التفاهمات الداخلية وانعدام المبادرات الدولية الفاعلة في الوقت الراهن.
حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم يصدر أي تعليق رسمي عن الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية بشأن التطورات الأخيرة في السويداء، كما لم يتم الإعلان عن أي مساعٍ دولية لاحتواء الأزمة.